فصل: تفسير الآية رقم (32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (31):

{قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)}
{قَالَ} حيث طمع أن يجد موضع معارضة {فَأْتِ بِهِ} أي بشيء مبين {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} أي فيما يدل عليه كلامك من أنك تأتي بشيء موضح لصدق دعواك أو من الصادقين في دعوى الرسالة من رب العالمين، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه أي ان كنت من الصادقين فأت به، وقدره الزمخشري أتيت به، والمشهور وتقديره من جنس الدليل.
وقال الحوفي: يجوز أن يكون ما تقدم هو الجواب وجاز تقديم الجواب لأن حذف الشرط لم يعمل في اللفظ شيئًا، وقد بهت الزمخشري عامله الله تعالى بعدله أهل السنة بما هم منه برآء كما بينه صاحب الكشف وغيره فارجه إليه إن أردته.

.تفسير الآية رقم (32):

{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32)}
{فَأُلْقِىَ} موسى بعد أن قال له فرعون ذلك {عَصَاهُ فَإِذَا هي ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} ظاهر ثعبانيته أي ليس بتمويه وتخييل كما يفعله السحرة، والثعبان أعظم ما يكون من الحيات واشتقاقه من ثعب الماء عنى جرى جريًا متسعًا، وسمي به لجريه بسرعة من غير رجل كأنه ماء سائل، والظاهر أن نفس العصا انقلبت ثعبانًا وليس ذلك حال إذا كان بسلب الوصف الذي صارت به عصا وخلقه وصف الذي يصير ثعبانًا بناء على رأي بعض المتكلمين من تجانس الجواهر واستوائها في قبول الصفات إنما المحال انقلابها ثعبانا مع كونها عصا لامتناع كون الشيء الواحد في الزمن الواحد عصا وثعبانًا، وقيل: إن ذلك بخلق الثعبان بدلها وظواهر الآيات تبعد ذلك، وقد جاء في الأخبار ما يدل على مزيد عظم هذا الثعبان ولا يعجز الله تعالى شيء، وقد مر بيان كيفية الحال.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33)}
{وَنَزَعَ يَدَهُ} من جيبه {فَإِذَا هي بَيْضَاء للناظرين} أي بياضها يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة، وكان بياضًا نورانيًا. روي أنه لما أبصر أمر العصا قال: هل لك غيرها؟ فأخرج عليه السلام يده فقال: ما هذه قال: يدي فأدخلها في أبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشى الأبصار ويسد الأفق.

.تفسير الآية رقم (34):

{قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)}
{قَالَ لِلْمَلإِ} أشراف قومه {حَوْلَهُ} منصوب لفظًا على الظرفية وهو ظرف مستقر وقع حالًا أي مستقر ين حوله.
وجوز أن يكون في موضع الصفة للملأ على حد.
ولقد أمر على اللئيم يسبني ** والأول أسهل وأنسب

ومن العجيب ما نقله أبو حيان عن الكوفيين أنهم يجعلون الملأ اسم موصول و«حوله» متعلق حذوف وقع صلة له كأنه قيل: قال للذين استقروا حوله {إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ} فائق في علم السحر.

.تفسير الآية رقم (35):

{يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)}
{يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم} قسرا {مّنْ أَرْضِكُمْ} التي نشأتم فيها وتوطنتموها {بِسِحْرِهِ} وفي هذا غاية التنفير عنه عليه السلام وابتغاء الغوائل له إذ من أصعب الأشياء على النفوس مفارقة الوطن لاسيما إذا كان ذلك قسرا وهو السر في نسبة الإخراج والأرض إليهم {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} أي أي أمر تأمرون فمحل {مَاذَا} النصب على المصدرية و{تَأْمُرُونَ} من الأمر ضد النهي ومفعوله محذوف أي تأمروني، وفي جعله عبيده بزعمه آمرين له مع ما كان يظهره لهم من دعوى الألوهية والربوبية ما يدل على أن سلطان المعجرة بهره وحيره حتى لا يدري أي طرفيه أطول فزل عند ذكر دعوى الألوهية وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية وانحط عن ذروة الفرعنة إلى حضيض المسكنة ولهذا أظهر استشعاء الخوف من استيلائه عليه السلام على ملكه.
وجوز أن يكون {مَاذَا} في محل النصب على المفعولية وأن يكون «تأمرون» من المؤامرة عنى المشاورة لأمر كل بما يقتضيه رأيه ولعل ما تقدم أولى.

.تفسير الآيات (36- 37):

{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)}
{قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} أي آخر أمرهما إلى أن تأتيك السحرة من أرجأته إذا أخرته، ومنه المرجئة وهم الذين يؤخرون العمل لا يأتونه ويقولون: لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
وقرأ أهل المدينة. والكسائي. وخلف {أَرْجِهْ} بكسر الهاء، وعاصم. وحمزة {أَرْجِهْ} بغير همز وسكون الهاء، والباقون «أرجئه» بالهمز وضم العاء، وقال أبو علي: لابد من ضم الهاء مع الهمزة ولا يجوز غيره، والأحسن أن لا يبلغ بالضم إلى الواو، ومن قرأ بكسر الهاء فأرجه عنده من أرجيته بالياء دون الهمزة والهمز على ما نقل الطيبي أفصح، وقد توصل الهاء المذكورة بياء فيقال: أرجهي كما يقال مررت بهي، وذكر الزجاج أن بعض الحذاق بالنحو لا يجوز إسكان نحو هاء {أَرْجِهْ} أعني هاء الإضمار، وزعم بعض النحويين جواز ذلك واستشهد عليه ببيت مجهول ذكره الطبرسي: وقال هو شعر لا يعرف قائله والشاعر يجوز أن يخطئ.
وقال بعض الأجلة: الإسكان ضعيف لأن هذه الهاء إنما تسكن في الوقف لكنه أجرى الوصل مجرى الوقف، وقيل: المعنى أحبسه، ولعله قالوا ذلك لفرط الدهشة أو تجلدًا ومداهنة لفرعون وإلا فيكف يمكنه أن يحبسه مع ما شاهد منه من الآيات {وابعث فِي المدائن حاشرين} شرطاء يحشرون السحرة ويجمعونهم عندك {يَأْتُوكَ} مجزوم في جواب الأمر أي إن تبعثهم يأتوك {بِكُلّ سَحَّارٍ} كثير العمل بالسحر {عَلِيمٌ} فائق في علمه، ولكون المهم هنا هو العمل أتوا بما يدل على التفضيل فيه، وقرأ الأعمش. وعاصم في رواية {بِكُلّ ساحر عَلِيمٍ} {فَجُمِعَ السحرة} أي المعهودون على أن التعريف كما في المفتاح عهدي، وقال الفاضل المحقق: إن المعهود قد يكون عامًا مستغرقًا كما هنا ولا منافاة بينهما كما يتوهم وفيه بحث فتأمل.

.تفسير الآية رقم (38):

{فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38)}
{لميقات يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} لما وقت به من ساعات يوم معين وهو وقت الضحى من يوم الزينة على أن الميقات من صفات الزمان، وفي الكشاف هو ما وقت به أي حدد من زمان أو مكان ومنه مواقيت الإحرام.

.تفسير الآية رقم (39):

{وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39)}
{وَقِيلَ لِلنَّاسِ} استبطاء لهم في الاجتماع وحثا على التبادر إليه {هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ} في ذلك الميقات فالاستفهام مجاز عن الحث والاستعجال كما في قول تأبط شرا:
هل أنت باعث دينار لحاجتنا ** أو عبد رب أخا عون بن مخراق

فإنه يريد ابعث أحدهما إلينا سريعًا ولا تبطئ به.

.تفسير الآية رقم (40):

{لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40)}
{لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة} أي في دينهم {إِن كَانُواْ هُمُ الغالبين} لا موسى عليه السلام، وليس مرادهم بذلك إلا أن لا يتبعوا موسى عليه السلام في دينه لكن ساقوا كلامهم مساق الكناية حملًا للسحرة على الاهتمام والجد في المغالبة، وجوز أن يكون مرادهم اتباع السحرة أي الثبات على ما كانوا عليه من الدين ويدعي أنهم كانوا على ما يريدفرعون من الدين.
والظاهر أن فرعون غير داخل في القائلين، وعلى تقدير دخوله لم يجوز بعضهم إرادة المعنى الحقيقي لهذا الكلام لامتناع اتباع مدعى الإلهية السحرة، وجوزه أخرون لاحتمال أن يكون قال ذلك لما استولى عليه من الدهشة من أمر موسى عليه السلام كما طلب الأمر ممن حوله لذلك، ولعل إتيانهم بأن للإلهاب وإلا فالأوفق قامهم أن يقولوا إذا كانوا هم الغالبين.

.تفسير الآية رقم (41):

{فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41)}
{فَلَمَّا جَاء السحرة قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ إِنَّ لَنَا لاجْرًا} أي لأجرًا عظيمًا {إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين} لا موسى عليه السلام ولعلهم أخرجوا الشرط على أسلوب ما وقع غي كلام القائلين موافقة لهم وإلا فلا يناسب حالهم إظهار الشك في غلبتهم.

.تفسير الآية رقم (42):

{قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)}
{قَالَ} فرعون لهم {نِعْمَ} لكم ذلك {وَإِنَّكُمْ} مع ذلك {إِذًا لَّمِنَ المقربين} عندي، قيل: قال لهم: تكونون أول من يدخل على وآخر من يخرج عني. و{أَذِنَ} عند جمع على ما تقتضيه في المشهور من الجواب والجزاء، ونقل الزركشي في البرهان عن بعض المتأخرين أنها هنا مركبة من {إِذَا} التي هي ظرف زمان ماض والتنوين الذي هو عوض عن جملة محذوفة بعدها وليست هي الناصبة للمضارع. وقد ذهب إلى ذلك في نظير لآية الكافيجي. والقاضي تقي الدين بن رزين. وأنا ممن يقول بإثبات هذا المعني لها. والمعنى عليه وإنكم إذا غلبتم أو إذا كنتم العالبين لمن المقربين. وقرئ {نِعْمَ} بفتح النون وكسر العين وذلك لغة في {نِعْمَ}.

.تفسير الآية رقم (43):

{قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43)}
{قَالَ لَهُمْ موسى} أي بعد ما قال له السحرة: {إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى} [طه: 65] {أَلْقُواْ مَا أَنتُمْ مُّلْقُونَ} لم يرد عليه السلام الأمر بالسحر والتمويه حقيقة فإن السحر حرام وقد يكون كفرًا فلا يليق بالمعصوم الأمر به بل الإذن بتقديم ما علم بالهام أو فراسة صادقة أو قرائن الحال أنهم فاعلوه البتة ولذا قال: {مَا أَنتُمْ مُّلْقُونَ} ليتوصل بذلك إلى إبطاله.
وهذا كما يؤمر الزنديق بتقرير حجته لترد وليس في ذلك الرضا الممتنع فإنه الرضا على طريق الاستحسان وليس في الإذن المذكور ومطلق الرضا غير ممتنع، وما اشتهر من قولهم: الرضا بالكفر كفر ليس على إطلاقه كما عليه المحققون من الفقهاء والأصوليين.

.تفسير الآية رقم (44):

{فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44)}
{فَأَلْقَوْاْ حبالهم وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ} أي وقد قالوا عند الالقاء {بِعِزَّةِ فِرْعَونَ} أي بقوته التي يمتنع بها من الضيم من قولهم. أرض عزاز أي صلبة {إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون} لا موسى عليه السلام، والظاهر أن هذا قسم منهم بعزته عليه اللعنة على الغلبة وخصوها بالقسم هنا لمناسبتها للغلبة وقسمهم على ذلك لفرط اعتقادهم في أنفسهم وإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر. وفي ذلك إرهاب لموسى عليه السلام بزعمهم، وعدلوا عن الخطاب إلى الغيبة في قولهم {بِعِزَّةِ فِرْعَونَ} تعظيمًا له، وهذا القسم من نوع أقسام الجاهلية، وقد سلك كثير من المسلمين في الإيمان ما هو أشنع من أيمانهم لا يرضون بالقسم بالله تعالى وصفاته عز وجل ولا يعتدون بذلك حتى يحلف أحدهم بنعمة السلطان أو برأسه أو برأس المحلف أو بلحيته أو بتراب قبر أبيه حفينئذ يستوثق منه، ولهم أشياء يعظونها ويحلفون بها غير ذلك، ولا يبعد أن يكون الحلف بالله تعالى كذبًا أقل إثمًا من الحلف بها صدقًا وهذا مما عمت به البلوى ولا حوال ولا قوة إلا بالله تعالى العلي العظيم، وقال ابن عطية بعد أن ذكر أنه قسم: والأحرى أن يكون على جهة التعظيم والتبرك باسمه إذا كانوا يعبدونه كما تقول: إذا ابتدأت بشيء بسم الله تعالى وعلى بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك.