فصل: تفسير الآية رقم (37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (35):

{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}
{وَإِنْ خِفْتُمْ} الخطاب كما قال ابن جبير والضحاك وغيرهما للحكام، وهو وارد على بناء الأمر على التقدير المسكوت عنه للإيذان أن ذلك مما ليس ينبغي أن يفرض تحققه أعني عدم الإطاعة؛ وقيل: لأهل الزوجين أو للزوجين أنفسهما، وروى ذلك عن السدي، والمراد فإن علمتم كما قال ابن عباس أو فإن ظننتم كما قيل {شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} أي الزوجين، وهما وإن لم يجر ذكرهما صريحًا فقد جرى ضمنًا لدلالة النشوز الذي هو عصيان المرأة زوجها، والرجال والنساء عليهما، والشقاق الخلاف والعداوة واشتقاقه من الشق وهو الجانب لأن كلًا من المتخالفين في شق غير شق الآخر، وبين من الظروف المكانية التي يقل تصرفها، وإضافة الشقاق إليها إما لإجراء الظرف مجرى المفعول كما في قوله:
يا سارق الليلة أهل الدار

أو الفاعل كقولهم صام نهاره، والأصل شقاقًا بينهما أي أن يخالف أحدهما الآخر، فللملابسة بين الظرف والمظروف نزل منزلة الفاعل أو المفعول وشبه بأحدهما ثم عومل معاملته في الإضافة إليه، وقيل: الإضافة عنى في وقيل: إن بين هنا عنى الوصل الكائن بين الزوجين أعني المعاشرة وهو ليس بظرف، وإلى ذلك يشير كلام أبي البقاء، ولم يرتض ذلك المحققون.
{فابعثوا} أي وجهوا وأرسلوا إلى الزوجين لإصلاح ذات البين {حُكْمًا} أي رجلًا عدلًا عارفًا حسن السياسة والنظر في حصول المصلحة {مّنْ أَهْلِهِ} أي الزوج، و{مِنْ} إما متعلق بابعثوا فهو لابتداء الغاية، وإما حذوف وقع صفة للنكرة فهي للتبعيض {وَحَكَمًا} آخر على صفة الأول {مّنْ أَهْلِهَا} أي الزوجة، وخص الأهل لأنهم أطلب للصلاح وأعرف بباطن الحال وتسكن إليهم النفس فيطلعون على ما في ضمير كلّ من حب وبغض وإرادة صحبة أو فرقة وهذا على وجه الاستحباب، وإن نصبا من الأجانب جاز، واختلف في أنهما هل يليان الجمع والتفريق إن رأيا ذلك؟ فقيل لهما وهو المروي عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس رضي الله تعالى عنهما وإحدى الروايتين عن ابن جبير، وبه قال الشعبي فقد أخرج الشافعي في الأم. والبيهقي في السنن. وغيرهما عن عبيدة السلماني قال: جاء رجل وامرأة إلى علي كرم الله تعالى وجهه ومع كل واحد منهم فئام من الناس فأمرهم علي كرم الله تعالى وجهه أن يبعثوا رجلًا حكمًا من أهله ورجلًا حكمًا من أهلها، ثم قال للحكمين: تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا، قالت المرأة: رضيت بكتاب الله تعالى بما عليّ فيه ولي، وقال الرجل: أما الفرقة فلا، فقال علي كرم الله تعالى وجهه: كذبت والله حتى تقر ثل الذي أقرت به، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في هذه الآية: {وَإِنْ خِفْتُمْ} إلخ هذا في الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما أمر الله تعالى أن يبعثوا رجلًا صالحًا من أهل الرجل ورجلًا مثله من أهل المرأة فينظران أيهما المسيء فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته وقسروه على النفقة، وإن كانت المرأة هي المسيئة قسروها على زوجها ومنعوها النفقة فإن اجتمع أمرهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز، فإن رأيا أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره ذلك الآخر ثم مات أحدهما فإن الذي رضي يرث الذي كره ولا يرث الكاره الراضي، وقيل: ليس لهما ذلك، وروي ذلك عن الحسن.
فقد أخرج عبد الرزاق وغيره عنه أنه قال: إنما يبعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه، وأما الفرقة فليست بأيديهما، وإلى ذلك ذهب الزجاج، ونسب إلى الإمام الأعظم، وأجيب عن فعل علي كرم الله تعالى وجهه بأنه إمام وللإمام أن يفعل ما رأى فيه المصلحة فلعله رأى المصلحة فيما ذكر فوكل الحكمين على ما رأى على أن في كلامه ما يدل على أن تنفيذ الأمر موقوف على الرضا حيث قال: للرجل كذبت حتى تقر ثل الذي أقرت به. وأنت تعلم أن هذا على ما فيه لا يصلح جوابًا عما روي عن ابن عباس، ولعل المسألة اجتهادية وكلام أحد المجتهدين لا يقوم حجة على الآخر. وذهب الإمامية إلى ما ذهب إليه الحسن وكأن الخبر عن علي كرم الله تعالى وجهه لم يثبت عندهم، وعن الشافعي روايتان في المسألة، وعن مالك أن لهما أن يتخالعا إن وجدا الصلاح فيه، ونقل عن بعض علمائنا أن الإساءة إن كانت من الزوج فرقا بينهما وإن كانت منها فرقا على بعض ما أصدقها، والظاهر أن من ذهب إلى القول بنفاذ حكمهما جعلهما وكيلين حكما على ذلك. وقال ابن العربي في الأحكام: إنهما قاضيان لا وكيلان فإن الحَكَم اسم في الشرع له.
{إِن يُرِيدَا} أي الحكمان {إصلاحا} أي بين الزوجين وتأليفًا {يُوَفّقِ الله بَيْنَهُمَا} فتتفق كلمتهما ويحصل مقصودهما؛ فالضمير أيضًا للحكمين، وإلى ذلك ذهب ابن عباس ومجاهد والضحاك وابن جبير والسدي. وجوز أن يكون الضميران للزوجين أي إن أرادا إصلاح ما بينهما من الشقاق أوقع الله تعالى بينهما لألفة والوفاق، وأن يكون الأول: للحكمين، والثاني: للزوجين أي إن قصدا إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه الله تعالى أوقع الله سبحانه بين الزوجين الألفة والمحبة وألقى في نفوسهما الموافقة والصحبة، وأن يكون الأول: للزوجين، والثاني: للحكمين أي إن يرد الزوجان إصلاحًا واتفاقًا يوفق الله تعالى شأنه بين الحكمين حتى يعملا بالصلاح ويتحرياه {إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} بالظواهر والبواطن فيعلم إرادة العباد ومصالحهم وسائر أحوالهم، وقد استدل الحبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بهذه الآية على الخوارج في إنكارهم التحكيم في قصة عليّ كرم الله تعالى وجهه، وهو أحد أمور ثلاثة علقت في أذهانهم فأبطلها كلها رضي الله تعالى عنه فرجع إلى موالاة الأمير كرم الله تعالى وجهه منهم عشرون ألفًا، وفيها كما قال ابن الفرس رد على من أنكر من المالكية بعث الحكمين في الزوجين، وقال: تخرج المرأة إلى دار أمين أو يسكن معها أمين.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)}
{واعبدوا الله وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} كلام مبتدأ مسوق للإرشاد إلى خلال مشتملة على معالي الأمور إثر إرشاد كل من الزوجين إلى المعاملة الحسنة، وإزالة الخصومة والخشونة إذا وقعت في البين وفيه تأكيد لرعاية حق الزوجية وتعليم المعاملة مع أصناف من الناس، وقدم الأمر بما يتعلق بحقوق الله تعالى لأنها المدار الأعظم، وفي ذلك إيماء أيضًا إلى ارتفاع شأن ما نظم في ذلك السلك، والعبادة أقصى غاية الخضوع، و{شَيْئًا} إما مفعول به أي لا تشركوا به شيئًا من الأشياء صنمًا كان أو غيره، فالتنوين للتعميم. واختار عصام الدين كونه لتحقير ليكون فيه توبيخ عظيم أي لا تشركوا به شيئًا حقيرًا مع عدم تناهي كبريائه إذ كل شيء في جنب عظمته سبحانه أحقر حقير ونسبة الممكن إلى الواجب أبعد من نسبة المعدوم إلى الموجود إذ المعدوم إمكان الموجود، وأين الإمكان من الوجوب؟ ضدان مفترقان أيّ تفرق، وإما مصدر أي لا تشركوا به عز شأنه شيئًا من الإشراك جليًا أو خفيًا، وعطف النهي عن الإشراك على الأمر بالعبادة مع أن الكف عن الإشراك لازم للعبادة بذلك التفسير إذ لا يتصور غاية الخضوع لمن له شريك ضرورة أن الخضوع لمن لا شريك له فوق الخضوع لمن له شريك للنهي عن الإشراك فيما جعله الشرع علامة نهاية الخضوع، أو للتوبيخ بغاية الجهل حيث لا يدركون هذا اللزوم كذا قيل: ولعل الأوضح أن يقال: إن هذا النهي إشارة إلى الأمر بالإخلاص فكأنه قيل: واعبدوا الله مخلصين له ويؤل ذلك كما أومأ إليه الإمام إلى أنه سبحانه أمر أولًا بما يشمل التوحيد وغيره من أعمال القلب والجوارح ثم أردفه بما يفهم منه التوحيد الذي لا يقبل الله تعالى عملًا بدونه فالعطف من قبيل عطف الخاص على العام.
{وبالوالدين إحسانا} أي وأحسنوا بهما إحسانًا فالجار متعلق بالفعل المقدر، وجوز تعلقه بالمصدر وقدم للاهتمام وأحسن يتعدى بالباء وإلى واللام، وقيل: إنما يتعدى بالباء إذا تضمن معنى العطف. والإحسان المأمور به أن يقوم بخدمتهما ولا يرفع صوته عليهما، ولا يخشن في الكلام معهما، ويسعى في تحصيل مطالبهما والانفاق عليهما بقدر القدرة، وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة الكلام فيما يتعلق بهما. {وَبِذِى القربى} أي بصاحب القرابة من أخ وعم وخال وأولاد كل ونحو ذلك، وأعيد الباء هنا ولم يعد في البقرةقال في البحر: لأن هذا توصية لهذه الأمة فاعتنى به وأكد، وذلك في بني إسرائيل. {واليتامى والمساكين} من الأجانب {والجار ذِى القربى} أي الذي قرب جواره {والجار الجنب} أي البعيد من الجنابة ضد القرابة، وهي على هذا مكانية، ويحتمل أن يراد بالجار ذي القربى من له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين وبالجار الجنب الذي لا قرابة له ولو مشركًا، أخرج أبو نعيم.
والبزار من حديث جابر بن عبد الله وفيه ضعف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجيران ثلاثة: فجار له ثلاثة حقوق: حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام، وجار له حقان: حق الجوار وحق الإسلام، وجار له حق واحد: حق الجوار، وهو المشرك من أهل الكتاب»، وأخرج البخاري في الأدب عن عبد الله بن عمر: أنه ذبحت له شاة فجعل يقول لغلامه: أهديت لجارنا اليهودي أهديت لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» والظاهر أن مبنى الجوار على العرف، وعن الحسن كما في الأدب أنه سئل عن الجار فقال: أربعين دارًا أمامه وأربعين خلفه وأربعين عن يمينه وأربعين عن يساره، وروي مثله عن الزهري. وقيل: أربعين ذراعًا، ويبدأ بالأقرب فالأقرب، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابًا، وقرئ والجار ذا القربى بالنصب أي وأخص الجار، وفي ذلك تنبيه على عظم حق الجار. وقد أخرج الشيخان عن أبي شريح الخزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره» وفيما سمعه عبد الله كفاية، وأخرجه الشيخان وأحمد من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.
{والصاحب بالجنب} هو الرفيق في السفر أو المنقطع إليك يرجو نفعك ورفدك، وكلا القولين عن ابن عباس، وقيل: الرفق في أمر حسن كتعلم وتصرف وصناعة وسفر وعدوا من ذلك من قعد بجنبك في مسجد أو مجلس وغير ذلك من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه، واستحسن جماعة هذا القيل لما فيه من العموم. وأخرج عبد بن حميد عن علي كرم الله تعالى وجهه الصاحب بالجنب المرأة، والجار متعلق حذوف وقع حالًا من الصاحب، والعامل فيه الفعل المقدر {وابن السبيل} وهو المسافر أو الضيف. {وَمَا مَلَكَتْ أيمانكم} قال مقاتل: من عبيدكم وإمائكم، وكان كثيرًا ما يوصي بهم صلى الله عليه وسلم فقد أخرج أحمد والبيهقي عن أنس قال: «كان عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يغرغرها في صدره وما يفيض بها لسانه» ثم الإحسان إلى هؤلاء الأصناف متفاوت المراتب حسا يليق بكل وينبغي {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا} أي ذا خيلاء وكبر يأنف من أقاربه وجيرانه مثلًا ولا يلتفت إليهم {فَخُورًا} يعد مناقبه عليهم تطاولًا وتعاظمًا، والجملة تعليل للأمر السابق.
أخرج الطبراني وابن مردويه عن ثابت بن قيس بن شماس قال: «كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ هذه الآية {إِنَّ الله} إلخ فذكر الكبر وعظمه فبكى ثابت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ فقال: يا رسول الله إني لأحب الجمال حتى إنه ليعجبني أن يحسن شراك نعلي قال: فأنت من أهل الجنة إنه ليس بالكبر أن تحسن راحلتك ورحلك ولكن الكبر من سفه الحق وغمص الناس» والأخبار في هذا الباب كثيرة.

.تفسير الآية رقم (37):

{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37)}
{الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} فيه أوجه من الإعراب: الأول: أن يكون بدلًا من مَن بدل كل من كل، الثاني: أن يكون صفة لها بناءًا على رأي من يجوز وقوع الموصول موصوفًا، والزجاج يقول به، الثالث: أن يكون نصبًا على الذم،.
الرابع: أن يكون رفعًا عليه،.
الخامس: أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين، السادس: أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي مبغوضون، أو أحقاء بكل ملامة ونحو ذلك مما يؤخذ من السياق وإنما حذف لتذهب نفس السامع كل مذهب، وتقديره بعد تمام الصلة أولى، السابع: أن يكون كما قال أبو البقاء: مبتدأ {والذين} [النساء: 38] الآتي معطوفًا عليه، والخبر {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ} [النساء: 40] على معنى لا يظلمهم وهو بعيد جدًا. وفرق الطيبي بين كونه خبرًا ومبتدأ بأنه على الأول: متصل بما قبله لأن هذا من جنس أوصافهم التي عرفوا بها، وعلى الثاني: منقطع جيء به لبيان أحوالهم، وذكر أن الوجه الاتصال وأطال الكلام عليه، وفي البخل أربع لغات: فتح الخاء والباء وبها قرأ حمزة والكسائي وضمهما وبها قرأ الحسن وعيسى بن عمر وفتح الباء وسكون الخاء وبها قرأ قتادة وضم الباء وسكون الخاء وبها قرأ الجمهور.
{وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ} أي من المال والغنى أو من نعوته صلى الله عليه وسلم. {وَأَعْتَدْنَا للكافرين عَذَابًا مُّهِينًا} أي أعددنا لهم ذلك ووضع المظهر موضع المضمر إشعارًا بأن من هذا شأنه فهو كافر لنعم الله تعالى، ومن كان كافرًا لنعمه فله عذاب يهينه كما أهان النعم بالبخل والإخفاء، ويجوز حمل الكفر على ظاهره، وذكر ضمير التعظيم للتهويل لأن عذاب العظيم عظيم، وغضب الحليم وخيم، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لما قبلها، وسبب نزول الآية ما أخرجه ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر بسند صحيح عن ابن عباس قال: كان كردم بن زيد حليف كعب بن الأشرف وأسامة بن حبيب ونافع بن أبي نافع وبحرى بن عمرو وحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالًا من الأنصار يتنصحون لهم فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون فأنزل الله تعالى: {الذين يَبْخَلُونَ} إلى قوله سبحانه: {وَكَانَ الله بِهِم عَلِيمًا} [النساء: 37- 39]، وقيل: نزلت في الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وروي ذلك عن سعيد بن جبير وغيره، أخرج عبد بن حميد وآخرون عن قتادة أنه قال في الآية: هم أعداء الله تعالى أهل الكتاب بخلوا بحق الله تعالى عليهم وكتموا الإسلام ومحمدًا صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة «والإنجيل»، والبخل على هذه الرواية ظاهر في البخل بالمال، وبه صرح ابن جبير في إحدى الروايتين عنه، وفي الرواية الأخرى أنه البخل بالعلم، وأمرهم الناس أي أتباعهم به يحتمل أن يكون حقيقة، ويحتمل أن يكون مجازًا تنزيلًا لهم منزلة الآمرين بذلك لعلمهم باتباعهم لهم.