فصل: تفسير الآية رقم (41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (38):

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)}
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} من أصناف المخلوقات {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} تقدم الكلام فيها {وَمَا مَسَّنَا} وما أصابنا بذلك مع كونه مما لا تفي به القوى والقدر {مِن لُّغُوبٍ} تعب ما فالتنوين للتحقير، وهذا كما قال قتادة. وغيره رد على جهلة اليهود زعموا أنه تعالى شأنه بدأ خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش سبحانه وتعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا.
وعن الضحاك أن الآية نزلت لما قالوا ذلك، ويحكى أنهم يزعمون أنه مذكور في التوراة، وجملة {وَمَا مَسَّنَا} إلخ تحتمل أن تكون حالية وأن تكون استئنافية، وقرأ السلمي. وطلحة. ويعقوب {لُغُوبٌ} بفتح اللام بزنة القبول والولوع وهو مصدر غير مقيس بخلاف مضموم اللام.

.تفسير الآية رقم (39):

{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)}
{فاصبر على مَا يَقُولُونَ} أي ما يقول المشركون في شأن البعث من الأباطيل المبنية على الاستبعاد والإنكار فإن من قدر على خلق العالم في تلك المدة اليسيرة بلا إعياء قادر على بعثهم والانتقام منهم، أو على ما يقول اليهود من مقالة الكفر والتشبيه.
والكلام متعلق بقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا} [ق: 38] إلخ على الوجهين، وفي الكشف أنه على الأول متعلق بأول السورة إلى هذا الموضع وأنه أنسب من تعلقه بلقد خلقنا الآية لأن الكلام مرتبط بعضه ببعض إلى هاهنا على ما لا يخفى على المسترشد.
وأنت تعلم أن الأقرب تعلقه على الوجهين بما ذكرنا {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ} أي نزهه تعالى عن العجز عما يمكن وعن وقوع الخلف في أخباره التي من جملتها الأخبار بوقوع البعث وعن وصفه عز وجل بما يوجب التشبيه، أو نزهه عن كل نقص ومنه ما ذكر حامدًا له تعالى على ما أنعم به عليك من إصابة الحق وغيرها.
{قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ الغروب} هما وقتا الفجر والعصر وفضليتهما مشهورة.

.تفسير الآية رقم (40):

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)}
{وَمِنَ اليل} مفعول لفعل محذوف يفسره {فَسَبّحْهُ} باعتبار الاتحاد النوعي، والعطف للتغاير الشخصي أي وسبحه بعض الليل فسبحه أو مفعول لقوله تعالى: {سبحه} على أن الفاء جزائية والتقدير مهما يكن من شيء فسبحه بعض الليل، وقدم المفعول للاهتمام به وليكون كالعوض عن المحذوف ولتتوسط الفاء الجزائية كما هو حقها، ولعل المراد بهذا البعض السحر فإن فضله مشهور {فَسَبّحْهُ وأدبار السجود} وأعقاب الصلاة جمع دبر بضم فسكون أو دبر بضمتين.
وقرأ ابن عباس. وأبو جعفر. وشيبة. وعيسى. والأعمش. وطلحة. وشبل. والحرميان {ادبار} بكسر الهمزة وهو مصدر تقول: أدبرت الصلاة إدبارًا انقضت وتمت، والمعنى ووقت انقضاء السجود كقولهم: آتيك خفوق النجم. وذهب غير واحد إلى أن المراد بالتسبيح الصلاة على أنه من إطلاق الجزء أو اللازم على الكل أو الملزوم، وعليه فالصلاة قبل الطلوع الصبح وقبل الغروب العصر، قاله قتادة. وابن زيد. والجمهور، وأخرجه الطبراني في الأوسط. وابن عساكر عن جرير بن عبد الله مرفوعا، ومن الليل صلاة العتمة وإدبار السجود النوافل بعد المكتوبات أخرجه ابن جرير عن ابن زيد، وقال ابن عباس: الصلاة قبل الطلوع الفجر وقبل الغروب الظهر والعصر ومن الليل العشاءان وإدبار السجود النوافل بعد الفرائض، وفي روية أخرى عنه الوتر بعد العشاء، وفي أخرى عنه أيضًا. وعن عمر. وعلي. وابنه الحسن. وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم. والشعبي. وإبراهيم. ومجاهد والأوزاعي ركعتان بعد المغرب، وأخرجه مسدد في مسنده. وابن المنذر. وابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه مرفوعًا، وقال مقاتل: ركعتان بعد العشاء يقرأ في الأولى {قُلْ ياأهل أَيُّهَا الكافرون} [الكافرون: 1] وفي الثانية {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، وقيل: من الليل صلاة العشاءين والتهجد، وعن مجاهد صلاة الليل، وفيه احتمال العموم لصلاة العشاءين والخصوص بالتهجد وهو الأظهر.

.تفسير الآية رقم (41):

{وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41)}
{واستمع} أمر بالاستماع، والظاهر أنه أريد به حقيقته، والمستمع له محذوف تقديره واستمع لما أخبره به من أهوال يوم القيامة، وبين ذلك بقوله تعالى: {يَوْمَ يُنَادِ المناد} إلى آخره، وسلك هذا لما في الإبهام ثم التفسير من التهويل والتعظيم لشأن المخبر به، وانتصب {يَوْمٍ} بما دل عليه {ذَلِكَ يَوْمُ الخروج} [ق: 42] أي يوم ينادي المنادى يخرجون من القبور، وقيل: المفعول محذوف تقديره نداء المنادى، وقيل: تقديره نداء الكافرين بالويل والثبور و{يَوْمٍ} ظرف لذلك المحذوف، وقيل: لا يحتاج ذلك إلى مفعول والمعنى كن مستمعًا ولا تكن غافلًا، وقيل: معنى استمع انتظر، والخطاب لكل سامع، وقيل: للرسول عليه الصلاة والسلام و{وم} منتصب على أنه مفعول به لاستمع أي أنتظر يوم ينادي المنادي فإن فيه تبين صحة ما قلته كما تقول لمن تعد بورود فتح: استمع كذا وكذا. والمنادى على ما في بعض الآثار جبريل عليه السلام بنفخ إسرافيل في الصور وينادي جبريل يا أيتها العظام النخرة والجلود المتمزقة والشعور المتقطعة إن الله يأمرك أن تجتمعي لفصل الحساب. وأخرج ابن عساكر. والواسطي في فضائل بيت المقدس عن يزيد بن جابر أن إسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور فيقول: يا أيتها العظام النخرة إلى آخره فيكون المراد بالمنادى هو عليه السلام. وفي «الحواشي الشهابية» الأول هو الأصح {مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} هو صخرة بيت المقدس على ما روى عن يزيد بن جابر. وكعب. وابن عباس. وبريدة. وقتادة، وهي على ما روى عن كعب أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلًا.
وفي الكشاف أنها أقرب إليها باقنين عشر ميلًا وهي وسط الأرض، وأنت تعلم أن مثل هذا لا يقبل إلا بوحي، ثم إن كونها وسط الأرض مما تأباه القواعد في معرفة العروض والأطوال، ومن هنا قيل: المراد قريب ممن يناديهم فقيل: ينادي من تحت أقدامهم، وقيل: من منابت شعورهم فيسمع من كل شعرة يا أيتها العظام النخرة إلخ، ومن الناس من قال: المراد بقربه كون النداء منه لا يخفى على أحد بل يستوي في سماعه كل أحد، والنداء في كل ذلك على حقيقته، وجوز أن يكون في الإعادة نظير كن في الابتداء على المشهور فهو تمثيل لإحياء الموتى جرد الإرادة ولا نداء ولا صوت حقيقة، ثم إن ما ذكرناه من أن المنادي ملك وأنه ينادي بما سمعت هو المأثور، وجوز أن يكون نداؤه بقوله للنفس: ارجعي إلى ربك لتدخلن مكانك من الجنة أو النار أو هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار، وأن يكون المنادى هو الله تعالى ينادي {احشروا الذين ظَلَمُواْ وأزواجهم} [الصافات: 22] أو {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق: 24] مع قوله تعالى: {ادخلوها بِسَلامٍ} [ق: 34] أو {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة: 30] أو {أَيْنَ شُرَكَائِىَ} [النحل: 27] أو غير ذلك، وأن يكون غيره تعالى وغير الملك من المكلفين ينادي {يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] أو {أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} [الأعراف: 50] أو غير ذلك، والمعول عليه ما تقدم.

.تفسير الآية رقم (42):

{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)}
{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصيحة} وهي النفخة الثانية، و{يَوْمٍ} بدل من {يَوْمَ يُنَادِ} [ق: 41] إلخ، والعامل فيهما ما دل عليه {ذَلِكَ يَوْمُ الخروج} كما تقدم، وجوز أن يكون ظرفًا لما دل عليه ذلك و{يَوْمٍ يُنَادِى} غير معمول له بل لغيره على ما مر، وأن يكون ظرفًا لينادي، وقوله تعالى: {بالحق} في موضع الحال من {الصيحة} أي يسمعونها ملتبسة بالحق الذي هو البعث، وجوز أن يكون {الحق} عنى اليقين والكلام نظير صاح بيقين أي وجد منه الصياح يقينًا لا كالصدى وغيره فكأنه قيل: الصيحة المحققة، وجوز أن يكون الجار متعلقًا بيسمعون على أن المعنى يسمعون بيقين، وأن يكون الباء للقسم و{الحق} هو الله تعالى أي يسمعون الصيحة أقسم بالله وهو كما ترى {ذلك} أي اليوم {يَوْمُ الخروج} من القبور وهو من أسماء يوم القيامة.
وقيل: الإشارة إلى النداء واتسع في الظرف فجعل خبرًا عن المصدر، أو الكلام على حذف مضاف أي ذلك النداء نداء يوم الخروج أو وقت ذلك النداء يوم الخروج.

.تفسير الآية رقم (43):

{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43)}
{إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ} في الدنيا من غير أن يشاركنا في ذلك أحد {وَإِلَيْنَا المصير} الرجوع للجزاء في الآخرة لا إلى غيرنا لا استقلالًا ولا اشتراكًا.

.تفسير الآية رقم (44):

{يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44)}
{يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرض عَنْهُمْ} بدل بعد بدل، ويحتمل أن يكون ظرفًا للمصير أي ألينا مصيرهم في ذلك اليوم أو لما دل عليه {ذَلِكَ حَشْرٌ} أي يحشرون يوم تشقق. وقرأ نافع. وابن عامر {تشق} بشد الشين وقرئ {يَوْمَ تَشَقَّقُ} بضم التاء مضارع شققت على البناء للمفعول و{تنشق} مضارع انشقت. وقرأ زيد بن علي {تتشقق} بتاءين، وقوله تعالى: {عَنْهُمْ سِرَاعًا} مصدر وقع حالًا من الضمير في {عَنْهُمْ} بأتويل مسرعين والعامل «تشقق» وقيل: التقدير يخرجون سراعًا فتكون حالًا من الواو والعامل يخرحج، وحكاه أبو حيان عن الحوفي ثم قال: ويجوز أن يكون هذا المقدر عاملًا في {يَوْمَ تَشَقَّقُ} أخرج ابن المنذر عن مجاهد أنه قال في الآية: تمطر السماء عليهم حتى تنشق الأرض عنهم، وجاء إن أول من تنشق عنه الأرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج الترمذي وحسنه. والطبراني. والحاكم واللفظ له عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر وعمر ثم أهل البقيع فيحشرون معى ثم أنتظر أهل مكة وتلا ابن عمر {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرض عَنْهُمْ سِرَاعًا}» {ذَلِكَ حَشْرٌ} بعث وجمع {عَلَيْنَا يَسِيرٌ} أي هين، وتقديم الجار والمجرور لتخصيص اليسر به عز وجل فإنه سبحانه العالم القادر لذاته الذي لا يشغله شأن عن شأن {نَّحْنُ أَعْلَمُ بما يَقُولُونَ} من نفي البعث وتكذيب الآيات الناطقة وغير ذلك مما لا خير فيه، وهذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم.

.تفسير الآية رقم (45):

{نَحْنُ أَعْلَمُ بما يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)}
{وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} أي ما أنت مسلط عليهم تقسرهم على الايمان أو تفعل بهم ما تريد وأنما أنت منذر، فالباء زائدة في الخبر و{عَلَيْهِمْ} متعلق به.
ويفهم من كلام بعض الأجلة جواز كون {جَبَّارٍ} من جبره على الأمر قهره عليه عنى أجبره لا من أجبره إذ لم يجيء فعال عنى مفعل من أفعل إلا فيما قل كدراك وسراع، وقال علي بن عيسى: لم يسمع ذلك إلا في دراك.
وقيل: جبار من جبر عنى أجبر لغة كنانة وإن {عَلَيْهِمْ} متعلق حذوف وقع حال أي ما أنت جبار تجبرهم على الايمان واليًا عليهم، وهو محتمل للتضمين وعدمه فلا تغفل، وقيل: أريد التحلم عنهم وترك الغلظة عليهم، وعليه قيل: الآية منسوخة، وقيل: هي منسوخة على غيره أيضًا بآية السيف {فَذَكّرْ القرءان مِن يَخَافُ وَعِيدِ} فإنه لا ينتفع به غيره، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «قالوا يا رسول الله لوخوفتنا فنزلت فذكر بالقرآن من يخاف وعيد» وما أنسب هذا الاختتام بالافتتاح بقوله سبحانه: {ق والقرءان المجيد} [ق: 1] هذا وللشيخ الأكبر قدس سره في قوله تعالى: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15] ولغير واحد من الصوفية في قوله سبحانه: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} [ق: 16] كلام أشرنا إليه فيما سبق، ومنهم من يجعل {ق} إشارة إلى الوجود الحق المحيط بجميع الموجودات {والله من ورائهم محيط} [ق: 20] وقيل: هو إشارة إلى مقامات القرب، وقيل: غير ذلك، وطبق بعضهم سائر آيات السورة على مافي الأنفس وهو مما يعلم بأدنى التفات ممن له أدنى ممارسة لكلامهم والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.