فصل: تفسير الآية رقم (54):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (53):

{فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53)}
{فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ} الفاء فصيحة أي فأسري بهم وأخبر فرعون بذلك فأرسل {فِى المدائن} أي مدائن مصر {حاشرين} جامعين للعساكر ليتبعوهم.

.تفسير الآية رقم (54):

{إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)}
{إِنَّ هَؤُلآء} يريد بني إسرائيل والكلام على إدارة القول، والظاهر أنه حال أي قائلًا إن هؤلاء {لَشِرْذِمَةٌ} أي طائفة من الناس، وقيل: هي السفلة منهم، وقيل: بقية كل شيء خسيس، ومنه ثوب شرذام وشرذامة أي خلق مقطع، قال الراجز:
جاء الشتاء وقميصي أخلاق ** شراذم يضحك منه التواق

وقرئ {لَشِرْذِمَةٌ} بإضافة شر مقابل خير إلى ذمة، قال أبو حاتم: وهي قراءة من لا يئخذ منه ولم يروها أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {قَلِيلُونَ} صفة شرذمة، وكان الظاهر قليلة إلا أنه جمع باعتبار أن الشرذمة مشتملة على اسباط كل سبط منهم قليل، وقد بالغ اللعين في قلتهم حيث ذكرهم أولًا باسم دال على القلة وهو شرذمة ثم وصفهم بالقلة ثم جمع القليل للإشارة إلى قلة كل حزب منهم وأتى بجمع السلامة وقد ذكر أنه دال على القلة، واستقلهم بالنسبة إلى جنوده.
فقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن موسى عليه السلام خرج في ستمائة ألف وعشرين ألفًا لا يعد فيهم ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره وتبعهم فرعون على مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان، وقيل: أرسل فرعون في أثرهم ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور مع كل ملك ألف وخرج هو في جمع عظيم وكانت مقدمته سبعمائة ألف رجل كل رجل على حصان وعلى رأسه بيضة، وهم كانوا على ما روى عن ابن عباس ستمائة ألف وسبعين ألفًا، وأنا أقول: إنهم كانوا أقل من عساكر فرعون ولا أجزم بعدد في كلا الجمعين، والاخبار في ذلك لا تكاد تصح وفيها مبالغات خارجة عن العادة. والمشهور عند اليهود أن بني إسرائيل كانوا حين خرجوا من مصر ستمائة ألف رجل خلا الأطفال وهو صريح ما في التوراة التي بأيديهم.
وجوز أن يراد بالقلة الذلة لا قلة العدد بل هي مستفادة من شرذمة يعني أنهم لقلتهم أذلاء لا يبالي بهم ولا يتوقع غلبتهم، وقيل: الذلة مفهومة من شرذمة بناء على أن المراد منها بقية كل شيء خسيس أو السفلة من الناس، و{قَلِيلُونَ} إما صفة لها أو خبر بعد خبر لأن، والظاهر ما تقدم.

.تفسير الآية رقم (55):

{وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)}
{وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} لفاعلون ما يغيظنا من مخالفة أمرنا والخروج بغير إذننا مع ما عندهم من أموالنا المستعارة، فقد روى أن الله تعالى أمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط فاستعاروه وخرجوا به، وتقديم {لَنَا} للحصر والفاصلة واللام للتقوية أو تنوزيل المتعدي منزلة اللازم.

.تفسير الآية رقم (56):

{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)}
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذرون} أي إنا لجمع من عاداتنا الحذر والاحتراز واستعمال الحزم في الأمور، أشار أولًا إلى عدم ما يمنع اتباعهم من شوكتهم ثم إلى تحقق ما يدعو إليه من فرط عداوتهم ووجوب التيقظ في شأنهم حثًا عليه أو اعتذارًا بذلك إلى أهل المدائن كيلا يظن به عليه العلنة ما يكسر سلطانه.
وقرأ جمع من السبعة. وغيرهم {حاذرون} بغير ألف، وفرق بين حاذر بالألف وحذر بدونها بأن الأول اسم فاعل يفيد التجد والحدوث والثاني صفة مشبهة تفيد الثبات، وقريب منه ما روى عن الفراء. والكسائي أن الحذر من كان الحذر في خلقته فهو متيقظ منتبه، وقال أبو عبيدة: هما عنى واحد، وذهب سيبويه إلى أن حذرا يكون للمبالغة وأنه يعمل كما يعمل حاذر فينصب المفعول به، وأنشد:
حذر أمورًا لا تضير وآمن ** ما ليس منجيه من الأقدار

وقد نوزع في ذلك بما هو مذكور في كتب النحو. وعن ابن عباس. وابن جبير. والضحاك. وغيرهم أن الحاذر التام السلاح. وفسروا ما في الآية بذلك، وكأنه عنى صاحب حذر وهي آلة الحرب سميت بذلك مجازًا، وحمل على ذلك قوله تعالى: {خُذُواْ حِذْرَكُمْ} [النساء: 71]. وقرأ سميط بن عجلان. وابن أبي عمار. وابن السميقع {حادرون} بالألف والدال المهملة من قولهم: عين حدرة أي عظيمة وفلان حادر أي متورم. قال ابن عطية: والمعنى ممتلئون غيظًا وأنفة. وقال ابن خالويه: الحادر السمين القوي الشديد. والمعنى أقوياء أشداء. ومنه قول الشاعر:
أحب الصبي السوء من أجل أمه ** وأبغضه من بغضها وهو حادر

وقيل: المعنى تامو السلاح على هذه القراءة أيضًا أخذًا من الجدارة عنى الجسامة والقوة فإن تام السلاح يتقوى به كما يتقوى بأعضائه، و{لَّمَّا جَمِيعٌ} على جميع القراآت والمعاني عنى الجمع وليست التي يؤكد بها كما أشرنا إليه ولو كانت هي المؤكدة لنصبت.

.تفسير الآية رقم (57):

{فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57)}
{فأخرجناهم} أي فرعون وجنوده أي خلقنا فيهم داعية الخروج بهذا السبب الذي تضمنته الآيات الثلاث فحملتهم عليه أو خلقنا خروجهم {مّن جنات وَعُيُونٍ} كانت لهم بحافتي النيل كما روى عن ابن عمر. وغيره.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)}
{وَكُنُوزٍ} أي أموال كنزوها وخزنوها تحت الأرض. وخصت بالذكر لأن الأموال الظاهرة أمور لازمة لهم لأنها من ضروريات معاشهم فإخراجهم عنها معلوم بالضرورة. وقيل: لأن أموالهم الظاهرة قد انطمست بالتدمير.
وتعقب بأن الإخراج قبل الانطماس إذ من جملة الأموال الظاهرة الجنات والاخبار عنهم بأنهم أخرجوا منها بعنوان كونها جنات والأصل فيه الحقيقة. وعلى تقدير تسليم أنه بعد يرد أن المدمر ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون وهو مفسر بالقصور والعمارات والجنات فيبقى ما سوى ذلك غير محكوم عليه بالتدمير من الأموال الظاهرة مع أنهم أخرجوا منه أيضًا فيحتاج توجيه عدم التعرض له بغير ما ذكر.
وقيل: المراد بالكنوز أموالهم الباطنة والظاهرة وأطلق عليها ذلك لأنها لم ينفق منها في طاعة الله تعالى، ونقل ذلك عن مجاهد والأول أوفق باللغة. وأكثر جهلة أهل مصر يزعمون أن هذه الكنوز في المقطم من أرض مصر وأنها موجودة إلى الآن وقد بذلوا على إخراجها أموالًا كثيرة لشياطين المغاربة وغيرهم فلم يظفروا إلا بالتراب أو حجر الكذاب، وقال ابن جبير: المراد بالعيون عيون الذهب وهو خلاف المتبادر، ومثله ما قاله الضحاك من أن المراد بالكنوز الأنهار.
{وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} هي المساكن الحسان كما قال النقاش، وعن ابن لهيعة أنها كانت بالقيوم من أرض مصر، وقيل: مجالس الأمراء والأشراف والحكام التي تحفها الأتباع، وقيل: الأسرة في الكلل، وحكى الماوردي أنها مرابط الخيل، وعن ابن عباس. ومجاهد. والضحاك أنها المنابر للخطباء. وقرأ قتادة. والأعرج {وَمَقَامٍ} بضم الميم من أقام.

.تفسير الآية رقم (59):

{كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)}
{كذلك} إما في موضع نصب على أن يكون صفة لمصدر مقدر أي إخراجًا مثل ذلك الإخراج أخرجنا، والإشارة إلى مصدر الفعل أو في موضع جر على أن يكون صفة لمقام أي مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم، وعلى الوجهين لا يرد أنه يلزم تشبيه الشيء بنفسه كما زعم أبو حيان لما مر تحقيقه أو في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك، والمراد تقرير الأمر وتحقيقه. واختار هذا الطيبي فقال: هو أقوى الوجوه ليكون قوله تعالى: {وأورثناها بَنِى إسراءيل} أي ملكناها لهم تمليك الإرث عطفًا عليه، والجملتان معترضتان بين المعطوف عليه وهو {فأخرجناهم} [الشعراء: 57] والمعطوف وهو قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (60):

{فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)}
{فَأَتْبَعُوهُم} لأن الاتباع عقب الإخراج لا إلا يرث.
قال الواحدي: إن الله تعالى رد بني إسرائيل إلى مصر بعدما أغرق فرعون وقومه فأعطاهم جميع ما كان لقوم فرعون من الأموال والعقار والمساكن، وعلى غير هذا الوجه يكون {أَوْرَثْنَا} [الشعراء: 59] عطف على {أَخْرَجْنَا} ولابد من تقدير نحو فاردنا إخراجهم وإيراث بني إسرائيل ديارهم فخرجوا وأتبعوهم انتهى، ويفهم من كلام بعض أن جملة {أورثناها} [الشعراء: 59] إلخ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه في جميع الأوجه، وما ذكر عن الواحدي من أن الله رد بني إسرائيل إلى مصدر بعدما أغرق فرعون وقومه ظاهره وقوع ذلك بعد الغرق من غير تطاول مدة.
وأظهر منه في هذا ما روى عن الحسن قال: كما عبروا البحر ورجعوا وورثوا ديارهم وأموالهم؛ ورأيت في بعض الكتب أنهم رجعوا مع موسى عليه السلام وبقوا معه في مصر عشر سنين، وقيل: إنه رجع بعضهم بعد إغراق فرعون وهم الذين أورثوا أموال القبط وذهب الباقون مع موسى عليه السلام إلى أرض الشام.
وقيل: إنهم بعد أن جاوزوا البحر ذهبوا إلى الشام ولم يدخلوا مصر في حياة موسى عليه السلام وملكوها زمن سليمان عليه السلام، والمذكور في التوراة التي بأيدي اليهود اليوم صريح في أنهم بعد أن جاوزوا البحر توجهوا إلى أرض الشام وقد فصلت قصة ذهابهم إليها وأكثر التواريخ على هذا وظواهر كثير من الآيات تقتضي ما ذكره الواحدي والله تعالى أعلم، ومعنى {والذين اتبعوهم} لحقوهم يقال: تبعت القوم فاتبعهم أي تلوتهم فلحقتهم كأن المعنى فجعلتهم تابعين لي بعدما كنت تابعًا لهم مبالغة في اللحوق، وضمير الفاعل لقوم فرعون والمفعول لبني إسرائيل. وقرأ الحسن {فَأَتْبَعُوهُم} بوصل الهمزة وشد التاء {مُشْرِقِينَ} أي داخلين في وقت شروق الشمس أي طلوعها من أشرق زيد دخل في وقت الشروق كأصبح دخل في وقت الصباح وأمسى دخل في وقت المساء، وقال أبو عبيدة: هو من أشرق توجه نحو الشرق كأنجد توجه نحو نجد وأعرق توجه نحو العراق أي فاتبعوهم متوجهين نحو الشرق، والجمهور على الأول، وعن السدي أن الله تعالى ألقى على القبط الموت ليلة خرج موسى عليه السلام بقومه فمات كل بكر رجل منهم فشغلوا عن طلبهم بدفنهم حتى طلعت الشمس ومثل ذلك في التوراة بزيادة موت أبكار بهائمهم أيضًا، والوصف حال من الفاعل، وقيل: هو حال من المفعول.
ومعنى {مُشْرِقِينَ} في ضياء بناء على ما روى أن بني إسرائيل كانوا في ضياء، وكان فرعون وقومه في ضباب وظلمة تحيروا فيها حتى جاوز بنو إسرائيل البحر ولا يكاد يصح ذلك لقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (61):

{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)}
{فَلَمَّا تَرَاءا الجمعان} أي تقاربا بحيث رأى كل واحد منهما الآخر، نعم ذكر في التوراة ما حاصله أن بني إسرائيل لما خرجوا كان أمامهم نهارًا عمود من غمام وليلًا عمود من نار ليدلهم ذلك على الطريق فلما طلبهم فرعون ورأوا جنوده خافوا جدًا ولاموا موسى عليه السلام في الخروج وقالوا له: أمن عدم القبور صر أخرجتنا لنموت في البر أما قلنا لك: دعنا نخدم المصريين فهو خير من موتنا في البر فقال لهم موسى: لا تخافوا وانظروا إغاثة الله تعالى لكم ثم أوحى الله تعالى إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر فتحول عمود الغمام إلى ورائهم وصار بينهم وبين فرعون وجنوده ودخل الليل ولم يتقدم أحد من جنود فرعون طول الليل وشق البحر ثم دخل بنو إسرائيل وليس في هذا ما يصحح أمر الحالية المذكورة فتأمل.
وقرأ الأعمش. وابن وثاب {ترًا} بغير همز على مذهب التخفيف بين بين ولا يصح تحقيقها بالقلب للزوم ثلاث ألفات متسقة وذلك مما لا يكون أبدًا قاله أبو الفضل الرازي، وقال ابن عطية. وقرأ حمزة {تريئي} بكسر الراء ود ثم بهمز، وروى مثله عن عاصم وروى عنه أيضًا {ترايء} بالفتح والمد، وقال أبو جعفر أحمد بن علي الأنصاري في كتابه الإقناع {التقى الجمعان} في الشعراء إذا وقف عليها حمزة. والكسائي أما لا الألف المنقلبة عن لام الفعل، وحمزة يميل ألف تفاعل وصلًا ووقفًا كإمالة الألف المنقلبة.
وقرئ {فَلَمَّا تَرَاءتِ} الفئتان {قَالَ أصحاب موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} أي لملحقون جاؤا بالجملة الاسمية مؤكدة بحر في التأكيد للدلالة على تحقق الإدراك واللحاق وتنجيزهما، وأرادوا بذلك التحزن وإظهار الشكوى طلبًا للتدبير. وقرأ الأعرج. وعبيد بن عمير {لَمُدْرَكُونَ} بفتح الدال مشددة وكسر الراء من الإدراك عنى الفناء والاضمحلال يقال: أدرك الشيء إذا فنى تتابعًا وأصله التتابع وهو ذهاب أحد على أثر آخر ثم صار في عرف اللغة عنى الهلاك وأن يفنى شيئًا فشيئًا حتى يذهب جميعه، وقد جاء التتابع بهذا المعنى في قول الحماسي:
أبعد بني أمي الذين تتابعوا ** أرجى حياة أم من الموت أجزع

والمعنى أنا لها لكون على أيديهم شيئًا فشيئًا.