فصل: تفسير الآية رقم (57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (55):

{أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55)}
{أَلا إِنَّ للَّهِ مَا فِي السموات والأرض} أي إن له سبحانه لا لغيره تعالى ما وجد في هذه الأجرام العظيمة داخلًا في حقيقتها أو خارجًا عنها متمكنًا فيها، وكلمة {مَا} لتغليب غير العقلاء على العقلاء، وهو تذييل لما سبق وتأكيد واستدلال عليه بأن من يملك جميع الكائنات وله التصرف فيها قادر على ما ذكر وقيل: إنه متصل بقوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأرض لاَفْتَدَتْ بِهِ} [يونس: 54] كأنه بيان لعقدهم ما يفتدون به وعدم ملكهم شيئًا حيث أفاد أن جميع ما في السموات والأرض ملكه لا ملك لأحد فيه سواه جل وعلا وليس بشيء وإن ذكره بعض الأجلة واقتصر عليه {أَلاَ إِنَّ وَعْدَ الله} أي جميع ما وعد به كائنًا ما كان فيندرج فيه العذاب الذي استعجلوه وما ذكر في أثناء بيان حاله اندراجًا أوليًا، فالمصدر عنى اسم المفعول، ويجوز أن يكون باقيًا على معناه المصدري أي وعده سبحانه بجميع ما ذكر {حَقّ} أي ثابت واقع لا محالة أو مطابق للواقع، والظاهر أن حمل الوعد على العموم بحيث يندرج فيه العذاب المذكور والعقاب للعصاة أو الوعد بهما يستدعي اعتبار التغليب في الكلام، وبعضهم حمل الوعد على ما وعد به صلى الله عليه وسلم من نصره وعقاب من لم يتبعه وقال: إن اعتبار التغليب توهم وليس بالمتعين، وإظهار الاسم الجليل لتفخيم شأن الوعد والإشعار بعلة الحكم، وتصدير الجملتين بحرفي التنبيه والتحقيق للتسجيل على تحقق مضمونها المقرر لمضمون ما سلف من الآيات الكريمة والتنبيه على وجوب استحضاره والمحافظة عليه.
وذكر الإمام في توجيه ذكر أداة التنبيه في الجملة الأولى أن أهل هذا العالم مشغولون بالنظر إلى الأسباب الظاهرة فيضيفون الأشياء إلى ملاكها الظاهرة المجازية ويقولون مثلًا الدار لزيد والغلام لعمرو والسلطنة للخليفة والتصرف للوزير فكانوا مستغرقين في نوم الجهل والغفلة حيث يظنون صحة تلك الإضافات فلذلك زادهم سبحانه بقوله عز اسمه: {أَلا إِنَّ للَّهِ} إلخ، واستناد جميع ذلك إليه جل شأنه بالمملوكية لما ثبت من وجوب وجوده لذاته سبحانه وأن جميع ما سواه ممكن لذاته وأن الممكن لذاته مستند إلى الواجب لذاته إما ابتداء أو بواسطة وذلك يقتضي أن الكل مملوك له تعالى، والكلام في ذكر الأداة في الجملة الثانية على هذا النمط لا يخلو عن تكلف، والحق ما أشرنا إليه في وجه التصدير، ووجه اتصال هذه الجملة بما تقدم ظاهر مما قررنا وللطبرسي في توجيه ذلك كلام ليس بشيء {ولكن أَكْثَرَهُمْ} لسواء استعداداتهم وقصور عقولهم واستيلاء الغفلة عليهم {لاَّ يَعْلَمُونَ} فيقولون ما يقولون ويفعلون ما يفعلون.

.تفسير الآية رقم (56):

{هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)}
{هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ} في الدنيا من غير دخل لأحد في ذلك، وهذا على ما يفهم من كلام البعض استدلال على البعث والنشور على معنى أنه تعالى يفعل الإحياء والإماتة في الدنيا فهو قادر عليهما في العقبى لأن القادر لذاته لا تزول قدرته والمادة القابلة بالذات للحياة والموت قابلة لهما أبدًا، ولا يخفى أن ذكر القدرة على الإماتة استطرادي لا دخل له في الاستدلال على ذلك، والظاهر عندي أنه كالذي قبله تذييل لما سبق {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} في الآخرة بالبعث والحشر.

.تفسير الآية رقم (57):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)}
{تُرْجَعُونَ ياأيها الناس قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ وَشِفَاء لِمَا فِي الصدور وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ} التفات ورجوع إلى استمالتهم نحو الحق واستنزالهم إلى قبوله واتباعه غب تحذيرهم من غوائل الضلال بما تلا عليهم من القوارع وإيذان بأن جميع ذلك مسوق لمصالحهم وهذا وجه الربط بما تقدم. وقال أبو حبان في ذلك: أنه تعالى لما ذكر الأدلة على الألوهية والوحدانية والقدرة ذكر الدلائل الدالة على صحة النبوة والطريق المؤدي إليها وهو المتصف بهذه الأوصاف والأول أولى ولا يأباه عموم الخطاب كما هو الظاهر واختاره الطبري خلافًا لمن جعله خاصًا بقريش، والموعظة كالوعظ والعظة تذكير ما يلين القلب من الثواب والعقاب، وقيل: زجر مقترن بتخويف، والشفاء الدواء ويجمع على أشفية وجمع الجمع أشافي، والهدى معلوم مما مر غير مرة، والرحمة الإحسان أو إرادته أو صفة غيرهما لائقة بمن قامت به، و{مّن رَّبّكُمْ} متعلق بجاء و{مِنْ} ابتدائية أو حذوف وقع صفة لموعظة و{مِنْ} تبعيضية والكلام على حذف مضاف أي موعظة من مواعظ ربكم و{لَّمًّا} إما متعلق بما عنده واللام مقوية وأما متعلق حذوف وقع نعتًا له وكذا يقال على ما قيل فيما بعد، والمراد قد جاءكم كتاب جامع لهذه الفوائد والمنافع كاشف عن أحوال الأعمال حسناتها وسيئاتها مرغب في الأولى ورادع عن الأخرى ومبين للمعارف الحقة المزيلة لأدواء الشكوك وسوء مزاج الاعتقاد وهاد إلى طريق الحق واليقين بالإرشاد إلى الاستدلال بالدلائل الآفاقية والأنفسية ورحمة للمؤمنين حيث نجوا به من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإيمان وتخلصوا من دركات النيران وارتقوا إلى درجات الجنان. قال بعض المحققين: إن في ذلك إشارة إلى أن للنفس الإنسانية مراتب كمال من تمسك بالقرآن فاز بها. أحدها: تهذيب الظاهر عن فعل ما لا ينبغي وإليه الإشارة {بالموعظة} بناءً على أن فيها الزجر عن المعاصي وثانيها: تهذيب الباطن عن العقائد الفاسدة والملكات الردية وإليه الإشارة {وَشِفَاء لِمَا فِي الصدور} وثالثها: تحلي النفس بالعقائد الحقة والأخلاق الفاضلة ولا يحصل ذلك إلا بالهدى. ورابعها: تجلي أنوار الرحمة الإلهية وتختص بالنفوس الكاملة المستعدة بما حصل لها من الكمال الظاهر والباطن لذلك. وقال الإمام: الموعظة إشارة إلى تطهر ظواهر الخلق عما لا ينبغي وهو الشريعة، والشفاء إلى تطهر الأرواح عن العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة وهو الطريقة، والهدى إلى ظهور الحق في قلوب الصديقين وهو الحقيقة، والرحمة إلى بلوغ الكمال والأشراق حتى يكمل غيره ويفيض عليه وهو النبوة والخلافة فهذه درجات لا يمكن فيها تقديم ولا تأخير، ولا يخفى أن هذا خلاف الظاهر جدًا والذي يقتضيه الظاهر كون المذكورات أوصافًا للقرآن باعتبار كونه سببًا وآلة لها، وجعلت عينه مبالغة وبينها تلازم في الجملة، والتنكير فيها للتفخيم، والهداية إن أخذت عنى الدلالة مطلقًا فعامة أو عنى الدلالة الموصولة فخاصة وحينئذٍ يكون {لِلْمُؤْمِنِينَ} قيد الأمرين، ويؤيد تقييد الهدى بذلك قوله سبحانه: {هُدًى لّلْمُتَّقِينَ} فالقرآن واعظ بما فيه من الترهيب والترغيب أو بما فيه من الزجر عن المعاصي كيفما كانت المقترن بالتخويف فقط بناءً على التفسير الثاني للموعظة، وشاف لما في الصدور من الأدواء المفضية إلى الهلاك كالجهل والشك والشرك والنفاق وغيرها، ومرشد ببيان ما يليق وما لا يليق إلى ما فيه النجاة والفوز بالنعيم الدائم أو موصل إلى ذلك، وسبب الرحمة للمؤمنين الذين آمنوا به وامتثلوا ما فيه من الأحكام، وأما إذا ارتكب خلاف الظاهر فيقال غير ما قيل أيضًا مما ستراه إن شاء الله تعالى في باب الإشارة.
واستدل كما قال الجلال السيوطي بالآية على أن القررن يشفي من الأمراض البدنية كما يشفي من الأمراض القلبية فقد أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أشتكي صدري فقال عليه الصلاة والسلام: «اقرأ القرآن يقول الله تعالى شفاء لما في الصدور» وأخرج البيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع: أن رجلًا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجع حلقه فقال: «عليك بقراءة القرآن» وأنت تعلم أن الاستدلال بها على ذلك مما لا يكاد يسلم، والخبر الثاني لا يدل عليه إذ ليس فيه أكثر من أمره صلى الله عليه وسلم الشاكي بقراءة القرآن إرشادًا له إلى ما ينفعه ويزول به وجعه ونحن لا ننكر أن لقراءة القرآن بركة قد يذهب الله تعالى بسببها الأمراض والأوجاع وإنما ننكر الاستدلال بالآية على ذلك؛ والخبر الأول وإن كان ظاهرًا في المقصود لكن ينبغي تأويله كأن يقال: لعله صلى الله عليه وسلم اطلع على أن في صدر الرجل مرضًا معنويًا قلبيًا قد صار سببًا للمرض الحسي البدني فأمره عليه الصلاة والسلام بقراءة القرآن ليزول عنه الأول فيزول الثاني، ولا يستبعد كون بعض الأمراض القلبية قد يكون سببًا لبعض الأمراض القالبية فإنا نرى أن نحو الحسد والحقد قد يكون سببًا لذلك، ومن كلامهم لله تعالى در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله: وهذا أولى من إخراج الكلام مخرج الأسلوب الحكيم.
والحسن البصري ينكر كون القرآن شفاء للأمراض، فقد أخرج أبو الشيخ عنه. أنه قال: إن الله تعالى جعل القرآن شفاء لما في الصدور ولم يجعله شفاء لأمراضكم، والحق ما ذكرنا.

.تفسير الآية رقم (58):

{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)}
{قُلْ} تلوين للخطاب وتوجيه له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمر الناس بأن يغتنموا ما في القرآن العظيم من الفضل والرحمة أي قل لهم {بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ} متعلق حذوف، وأصل الكلام ليفرحوا بفضل الله تعالى وبرحمته ثم قدم الجار والمجرور على الفعل لإفادة اختصاصه بالمجرور ثم أدخل عليه الفاء لإفادة معنى السببية فصار بفضل الله وبرحمته فليفرحوا ثم جيء بقوله سبحانه: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} للتأكيد والتقرير ثم حذف الفعل الأول لدلالة الثاني عليه، والفاء الأولى قيل جزائية والثانية زائدة للتأكيد، والأصل أن فرحوا بشيء فبذلك ليفرحوا لا بشيء آخر ثم زيدت الفاء لما ذكر ثم حذف الشرط، وقيل: إن الأولى هي الزائدة لأن جواب الشرط في الحقيقة فليفرحوا وبذلك مقدم من تأخير لما أشير إليه، وزيدت فيه الفاء للتحسين، ولذلك جوز أن يكون بدلًا من قوله سبحانه: {بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ} وحينئذٍ لا يحتاج إلى القول بحذف متعلقه ونظير ذلك في الاختلاف في تعيين الزائد فيه قول النمر بن تولب:
لا تجزعي إن منفسًا أهلكته ** فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

ومن غريب العربية ما أشار إليه بعضهم إن الآية من باب الاشتغال وقد أقيم اسم الإشارة مقام ضمير المعمول وتوحيده باعتبار ما ذكر ونحوه كما هو شائع فيه، ووجه غرابته أن المعروف في شرط الباب اشتغال العامل بضمير المعمول ولم يذكر أحد من النحاة اشتغاله باسم الإشارة إليه، وجوز أن يقدر متعلق الجار والمجرور {فليعتنوا} أي بفضل الله ورحمته فليعتنوا فبذلك فليفرحوا، والقرينة على تقدير ذلك أن ما يفرح به يكون مما يعتني ويهتم بشأنه، أو تقديم الجار والمجرور على ما قيل، وقال الحلبي: الدلالة عليه من السباق واضحة وليس شرط الدلالة أن تكون لفظية، فقول أبي حيان: إن ذلك إضمار لا دليل عليه مما لا وجه له، وأن يقدر جاءتكم بعد {اثنين قُلْ} مدلولًا عليه بما قبل أي قل جاءتكم موعظة وشفاء وهدى ورحمة بفضل الله وبرحمته ولا يجوز تعلقه بجاءتكم المذكور لأن {قُلْ} تمنع من ذلك، وذلك على هذا إشارة إلى المصدر المفهوم من الفعل وهو المجيء أي فجيء المذكورات فليفرحوا، وتكرير الباء في برحمته على سائر الأوجه للإيذان باستقلالها في استيجاب الفرح، والمراد بالفضل والرحمة إما الجنس ويدخل فيه ما في مجيء القرآن من الفضل والرحمة دخولًا أوليًا وإما ما في مجيئه من ذلك، ويؤيده ما روي عن مجاهد أن المراد بالفضل والرحمة القرآن.
وأخرج أبو الشيخ. وابن مردويه عن أنس قال قال: «رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الله القرآن ورحمته أن جعلكم من أهله».
وروي ذلك عن البراء. وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما موقوفًا. وجاء عن جمع جم أن الفضل القرآن والرحمة الإسلام وهو في معنى الحديث المذكور. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الفضل العلم والرحمة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج الخطيب. وابن عساكر عنه تفسير الفضل بالنبي عليه الصلاة والسلام والرحمة بعلي كرم الله تعالى وجهه، والمشهور وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة كما يرشد إليه قوله تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107] دون الأمير كرم الله تعالى وجهه، وإن كان رحمة جليلة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقيل: المراد بهما الجنة والنجاة من النار. وقيل غير ذلك، ولا يجوز أن يراد بالرحمة على الوجه الأخير من أوجه الإعراب ما أريد بها أولًا بل هي فيه غير الأولى كما لا يخفى. وروى رويس عن يعقوب أنه قرأ {فلتفرحوا} بتاء الخطاب ولام الأمر على أصل المخاطب المتروك بناءً على القول بأن أصل صيغة الأمر الأمر باللام فحذفت مع تاء المضارعة واجتلبت همزة الوصل للتوصل إلى الابتداء بالساكن لا على القول بأنها صيغة أصلية، وقد وردت هذه القراءة في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخرجه جماعة منهم أبو داود. وأحمد. والبيهقي من طرق عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه مرفوعًا، وقرأ بها أيضًا ابن عباس. وقتادة. وغيرهما. وفي تعليقات الزمخشري على كشافه كأنه صلى الله عليه وسلم إنما آثر القراءة بالأصل لأنه أدل على الأمر بالفرح وأشد تصريحًا به إيذانًا بأن الفرح بفضل الله تعالى وبرحمته بليغ التوصية به ليطابق التقرير والتكرير وتضمين معنى الشرط لذلك، ونظيره مما انقلب فيه ما ليس بفصيح فصيحًا قوله سبحانه: {يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الصمد: 4] من تقديم الظرف اللغو ليكون الغرض اختصاص التوحيد انتهى، وهو مأخوذ من كلام ابن جني في توجيه ذلك، ونقل عن «شرح اللب» في توجيهه أنه لما كان النبي صلى الله عليه وسلم مبعوثًا إلى الحاضر والغائب جمع بين اللام والتاء قيل: وكأنه عنى أن الأمر لما كان لجملة المؤمنين حاضرهم وغائبهم غلب الحاضرون في الخطاب على الغائبين وأتى باللام رعاية لأمر الغائبين، وهي نكتة بديعة إلا أنه أمر محتمل، وما نقل عن صاحب الكشاف أولى بالقبول.
وقرئ {فافرحوا} وهي تؤيد القراءة السابقة لأنها أمر المخاطب على الأصل. وقرئ {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} بكسر اللام {هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} من الأموال والحرث والإنعام وسائر حطام الدنيا فإنها صائرة إلى الزوال مشرفة عليه وهو راجع إلى لفظ ذلك باعتبار مدلوله وهو مفرد فروعي لفظه وإن كان عبارة عن الفضل والرحمة.
ويجوز إرجاع الضمير إليهما ابتداء بتأويل المذكور كما فعل في ذلك أو جعلهما في حكم شيء واحد، ولك أن تجعله راجعًا إلى المصدر أعني المجيء الذي أشير إليه و{مَا} تحتمل الموصولية والمصدرية. وقرأ ابن عامر {تجمعون} بالخطاب لمن خوطب {يا أَيُّهَا الناس} [يونس: 57] سواء كان عامًا أو خاصًا بكفار قريش، وضمير {فَلْيَفْرَحُواْ} للمؤمنين أي فبذلك فليفرح المؤمنون فهو خير مما تجمعون أيها المخاطبون وعلى قراءة {فلتفرحوا} {وافرحوا} يكون الخطاب على ما قيل للمؤمنين، وجوز أن يكون لهم على قراءة الغيبة أيضًا التفاتًا، وتعقب بأن الجمع أنسب بغيرهم وإن صح وصفهم به في الجملة فلا ينبغي أن يلتزم القول بما يستلزمه ما دام مندوحة عنه.