فصل: تفسير الآية رقم (57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (53):

{فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53)}
{فَمَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} أي بطونكم من شدة الجوع فإنه الذي اضطرهم وقسرهم على أكل مثلها مما لا يؤكل، وأما على قراءة الجمهور فوجهه الحمل على المعنى لأنه عنى الشجرة، أو الأشجار إذا نظر لصدقه على المتعدد، وأما التذكير على هذه القراءة في قوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (54):

{فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54)}
{فشاربون عَلَيْهِ} أي عقيب ذلك بلا ريث.
{مِنَ الحميم} أي الماء الحار في الغاية لغلبة العطش فظاهر لا يحتاج إلى تأويل، وقال بعضهم: التأنيث أولًا باعتبار المعنى والتذكير ثانيًا باعتبار اللفظ، فقيل عليه: إن فيه اعتبار اللفظ بعد اعتبار المعنى على خلاف المعارف فلو أعيد الضمير المذكر على الشجر باعتبار كونه مأكولًا ليكون التذكير والتأنيث باعتبار المعنى كان أولى وفيه بحث، ووجهه على القراءة الثانية أن الضمير عائد على الزقوم أو على الشجر باعتبار أنها زقوم أو باعتبار أنها مأكول، وقيل: هو مطلقًا عائد على الأكل، وتعقب بأنه بعيد لأن الشرب عليه لا على تناوله مع ما فيه من تفكيك الضمائر وكونه مجازًا شائعًا وغير ملبس لا يدفع البعد فتأمل.

.تفسير الآية رقم (55):

{فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)}
{فشاربون شُرْبَ الهيم} قال ابن عباس. ومجاهد. وعكرمة. والضحاك جمع أهيم وهو الجمل الذي أصابه الهيام بضم الهاء وهو داء يشبه الاستسقاء يصيب الإبل فتشرب حتى تموت، أو تسقم سقمًا شديدًا، ويقال إبل هيماء وناقة هيماء كما يقال: جمل أهيم قال الشاعر:
فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد ** صداها ولا يقضي عليها هيامها

وجعل بعضهم {الهيم} هنا جمع الهيماء، وقيل: هو جمع هائم أو هائمة، وجمع فاعل على فعل كبازل وبزل شاذ، وعن ابن عباس أيضًا. وسفيان {الهيم} الرمال التي لا تروى من الماء لتخلخلها ومفرده هيام بفتح الهاء على المشهور كسحاب وسحب ثم خفف وفعل به ما فعل بجمع أبيض من قلب الضمة كسرة لتسلم الياء ويخف اللفظ فكسرت الهاء لأجل الياء وهو قياس مطرد في بابه، وقال ثعلب: هو بالضم كقراد وقرد ثم خفف وفعل به ما فعل مما سمعت والعطف بالفاء قيل: لأن الإفراط بعد الأصلي، وقيل: لأن كلا من المتعاطفين أخص من الآخر فإن شارب الحميم قد لا يكون به داء الهيام ومن به داء الهيام قد يشرب غير الحميم، والشرب الذي لا يحصل الري ناشيء عن شرب الحميم لأنه لا يبل الغليل، والذي اختاره ما قاله مفتي الديار الرومية: إن ذلك كالتفسير لما قبله أي لا يكون شربكم شربًا معتادًا بل يكون مثل شرب الهيم، والشرب بالضم مصدر، وقيل: اسم لما يشرب، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى جماعة منهم الحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما {شُرْبَ} بفتح الشين وهو مصدر شرب المقيس، وبذلك قرأ جمع من السبعة. والأعرج. وابن المسيب. وشعيب. ومالك بن دينار. وابن جريج، وقرأ مجاهد. وأبو عثمان النهدي بكسر الشين وهو اسم عنى المشروب لا مصدر كالطحن والرعي.

.تفسير الآية رقم (56):

{هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)}
{هذا} الذي ذكر من ألوان العذاب {نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدين} يوم الجزاء فإذا كان ذلك نزلهم وهو ما يقدم للنازل مما حضر فما ظنك بما لهم بعدما استقر لهم القرار واطمأنت لهم الدار في النار، وفي جعله نزلًا مع أنه مما يكرم به النازل من التهكم ما لا يخفى، ونظير ذلك قوله:
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا ** جعلنا القنا والمرهفات له نزلا

وقرأ ابن محيصن. وخارجة عن نافع. ونعيم. ومحبوب. وأبو زيد. وهرون. وعصمة. وعباس كلهم عن أبي عمرو نزلهم بتسكين الزاي المضمومة للتخفيف كما في البيت، والجملة مسوقة من جهته سبحانه وتعالى بطريق الفذلكة مقررة لمضمون الكلام الملقن غير داخلة تحت القول، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (57):

{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57)}
{نَحْنُ خلقناكم فَلَوْلاَ تُصَدّقُونَ} تلوين للخطاب وتوجيه له إلى الكفرة بطريق الإلزام والتبكيت والفاء لترتيب التحضيض على ما قبلها أي فهلا تصدقون بالخلق بقرينة {نَحْنُ خلقناكم} ولما لم يحقق تصديقهم المشعر به قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [لقمان: 25] عملهم حيث لم يقترن بالطاعة والأعمال الصالحة بل اقترن بما ينبئ عن خلافه من الشرك والعصيان نزل منزلة العدم والإنكار فحضوا على التصديق بذلك، وقيل: المراد فهلا تصدقون بالبعث لتقدمه وتقدم إنكاره في قولهم: {أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [الواقعة: 47] فيكون الكلام إشارة إلى الاستدلال بالإبداء على الإعادة فإن من قدر عليه قدر عليها حتمًا، والأول هو الوجه كما يظهر مما بعد إن شاء الله تعالى:

.تفسير الآية رقم (58):

{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)}
{أَفَرَءيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ} أي ما تقذفونه في الأرحام من النطف، وقرأ ابن عباس. وأبو الثمال {تُمْنُونَ} بفتح التاء من مني النطقة عنى أمناها أي أزالها بدفع الطبيعة.

.تفسير الآية رقم (59):

{أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59)}
{ءأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ} أي تقدرونه وتصورونه بشرًا سويًا تام الخلقة، فالمراد خلق ما يحصل منه على أن في الكلام تقديرًا أو تجوزًا، وجوز إبقاء ذلك على ظاهره أي {تَخْلُقُونَهُ أَم} وتنشئون نفس ذات ما تمنونه {أَم نَحْنُ الخالقون} له من غير دخل شيء فيه وأرأيتم قد مر الكلام غير مرة فيه، ويقال هنا: إن اسم الموصول مفعوله الأول والجملة الاستفهامية مفعوله الثاني، وكذا يقال فيم بعد من نظائره وما يعتبر فيه الرؤية بصرية تكون الجملة الاستفهامية فيه مستأنفة لا محل لها من الإعراب، وجوز في أنتم أن يكون مبتدأ، والجملة بعده خبره، وأن يكون فاعلًا لفعل محذوف والأصل أتخلقون فلما حذف الفعل انفصل الضمير، واختاره أبو حيان، و{أَمْ} قيل: منقطعة لأن ما بعدها جملة فالمعنى بل أنحن الخالقون على أن الاستفهام للتقرير، وقال قوم من النحاة: متصلة معادلة للهمزة كأنه قيل: {تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الخالقون} ثم جيء بالخالقون بعد بطريق التأكيد لا بطريق الخبرية أصالة.

.تفسير الآية رقم (60):

{نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ سْبُوقِينَ (60)}
{نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت} قسمناه عليكم ووقتنا موت كل أحد بوقت معين حسا تقتضيه مشيئتنا المبنية على الحكم البالغة، وقرأ ابن كثير {قَدَّرْنَآ} بالتخفيف {وَمَا نَحْنُ سْبُوقِينَ} أي لايغلبنا أحد.

.تفسير الآية رقم (61):

{عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61)}
{على أَن نُّبَدّلَ أمثالكم} أي على أن نذهبكم ونأتي مكانكم أشباهكم من الخلق فالسبق مجاز عن الغلبة استعارة تصريحية أو مجاز مرسل عن لازمه، وظاهر كلام بعض الأجلة أنه حقيقة في ذلك إذا تعدى بعلي، والجملة في وضع الحال من ضمير {قَدَّرْنَآ} [الواقعة: 60] وكأن المراد {قَدَّرْنَآ} ذلك ونحن قادرون على أن نميتكم دفعة واحدة ونخلق أشباهكم.
{وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من الخلق والأطوار التي لا تعهدونها، وقال الحسن: من كونكم قردة وخنازير، ولعل اختيار ذلك لأن الآية تنحو إلى الوعيد، والمراد ونحن قادرون على هذا أيضًا وجوز أن يكون أمثالكم جمع مثل بفتحتين عنى الصفة لا جمع مثل بالسكون عنى الشبه كما في الوجه الأول أي ونحن نقدر على أن نغير صفاتكم التي أنتم عليها خَلْقًا وَخُلُقًا وننشئكم في صفات لا تعلمونها، وقيل: المعنى وننشئكم في البعث عل غير صوركم في الدنيا، وقيل: المعنى وما يسبقنا أحد فيهرب من الموت أو يغير وقته الذي وقتناه، على أن المراد تمثيل حال من سلم من الموت أو تأخر أجله عن الوقت المعين له بحال من طلبه طالب فلم يلحقه وسبقه، وقوله تعالى: {على أَن نُّبَدّلَ} إلخ في موضع الحال من الضمير المستتر في مسبوقين أي حال كوننا قادرين أو عازمين على تبديل أمثالكم، والجملة السابقة على حالها، وقال الطبري: {على أَن نُّبَدّلَ} متعلق بقدّرنا وعلة له وجملة {وَمَا نَحْنُ سْبُوقِينَ} اعتراض، والمعنى نحن قدرنا بينكم الموت لأن نبدل أمثالكم أي نميت طائفة ونبدلها بطائفة هكذا قرنًا بعد قرن.

.تفسير الآية رقم (62):

{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62)}
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الاولى} من خلقكم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة؛ وقال قتادة: هي فطرة آدم عليه السلام من التراب ولا ينكرها أحد من ولده {فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ} فهلا تتذكرون أن من قدر عليها فهو على النشأة الأخرى أقدر وأقدر فإنها أقل صنعًا لحصول المواد وتخصيص الأجزاء وسبق المثاق، وهذا على ما قالوا دليل على صحة القياس لكن قيل: لا يدل إلا على قياس الأولى لأنه الذي في الآية، وفي الخبر «عجبًا كل العجب للمكذب بالنشأة الآخرة وهو يرى النشأة الأولى، وعجبًا للمصدق بالنشأة الآخرة وهو يسعى لدار الغرور» وقرأ طلحة تذكرون بالتخفيف وضم الكاف.

.تفسير الآية رقم (63):

{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63)}
{أَفَرَءيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ} ما تبذرون حبه وتعملون في أرضه.

.تفسير الآية رقم (64):

{أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)}
{ءأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ} تنبتونه وتردونه نباتًا يرف وينمي إلى أن يبلغ الغاية {أَمْ نَحْنُ الزرعون} أي المنبتون لا أنتم والكلام في أنتم و{أَمْ} كما مر آنفًا، وأخرج البزار. وابن جرير. وابن مردويه. وأبو نعيم. والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه وابن حبان كما قال الخفاجي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم زرعت ولكن ليقل حرثت» ثم قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه:«ألم تسمعوا الله تعالى يقول: {أَفَرَءيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزرعون لَوْ}» يشير رضي الله تعالى عنه إلى أنه عليه الصلاة والسلام أخذ النهي من هذه الآية فإنه أسند الحرث إلى المخاطبين دون الزرع، وقال القرطبي: إنه يستحب للزارع أن يقول بعد الاستعاذة وتلاوة هذه الآية الله تعالى الزارع والمنبت والمبلغ اللهم صل على محمد وارزقنا ثمره وجنبنا ضرره واجعلنا لأنعمك من الشاكرين، قيل: وقد جرب هذا الدعاء لدفع آفات الزرع كلها وإنتاجه.

.تفسير الآية رقم (65):

{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)}
{لَّوْ نَشَاء لجعلناه حطاما} هشيمًا متكسرًا متفتتًا لشدة يبسه بعدما أنبتناه وصار بحيث طمعتم في حيازة غلاله {فَظَلْتُمْ} بسبب ذلك {تَفَكَّهُونَ} تتعجبون من سوء حاله إثر ما شاهدتموه على أحسن ما يكون من الحال على ما روى عن ابن عباس. ومجاهد. وقتادة، وقال الحسن: تندمون أي على ما تعبتم فيه، وأنفقتم عليه من غير حصول نفع، أو على ما اقترفتم لأجله من المعاصي، وقال عكرمة: تلاومون على ما فعلتم، وأصله التفكه التنقل بصنوف الفاكهة واستعير للتنقل بالحديث وهو هنا ما يكون بعد هلاك الزرع وقد كنى به في الآية عن التعجب، أو الندم. أو التلاوم على اختلاف التفاسير، وفي البحر كل ذلك تفسير باللازم، ومعنى {تَفَكَّهُونَ} تطرحون الفكاهة عن أنفسكم وهي المسرة، ورجل فكه منبسط النفس غير مكترث بشيء وتفكه من أخوات تحرج وتحوب أي إن التفعل فيه للسلب.
وقرأ أبو حيوة. وأبو بكر في رواية العتكي عنه {فَظَلْتُمْ} بكسر الظاء كما قالوا: مست بالكسر ومست بالفتح، وحكاها الثوري عن ابن مسعود وجاءت عن الأعمش، وقرأ عبد الله. والجحدري فظللتم بلامين أولاهما مكسورة، وقرأ الجحدري أيضًا كذلك مع فتح اللام والمشهور ظللت بالكسر، وقرأ أبو حزام تفكنون بالنون بدل الهاء، قال ابن خالويه: تفكه بالهاء تعجب، وتفكن بالنون تندم.