فصل: تفسير الآية رقم (58):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (58):

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)}
{إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الاحمانات إِلَى أَهْلِهَا} أخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن أبي طلحة فلما أتاه قال: أرني المفتاح فأتاه به فلما بسط يده إليه قام العباس فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي اجعله لي مع السقاية فكف عثمان يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرني المفتاح يا عثمان فبسط يده يعطيه، فقال العباس مثل كلمته الأولى فكف عثمان يده، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاتني المفتاح، فقال: هاك بأمانة الله تعالى فقام ففتح الكعبة فوجد فيها تمثال إبراهيم عليه السلام معه قداح يستقسم بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما للمشركين قاتلهم الله تعالى وما شأن إبراهيم عليه السلام وشأن القداح وأزال ذلك، وأخرج مقام إبراهيم عليه السلام وكان في الكعبة؛ ثم قال: أيها الناس هذه القبلة، ثم خرج فطاف بالبيت، ثم نزل عليه جبريل عليه السلام فيما ذكر لنا برد المفتاح فدعا عثمان بن أبي طلحة فأعطاه المفتاح ثم قال: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ}» الآية.
وفي رواية الطبراني «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أعطى المفتاح: خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم» يعني سدانة الكعبة، وفي تفسير ابن كثير: أن عثمان دفع المفتاح بعد ذلك إلى أخيه شيبة بن أبي طلحة فهو في يد ولده إلى اليوم. وذكر الثعلبي والبغوي والواحدي «أن عثمان امتنع عن إعطاء المفتاح للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فلوى علي كرم الله تعالى وجهه يده وأخذه منه فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة وصلى ركعتين فلما خرج سأله العباس أن يجمع له السدانة والسقاية فنزلت فأمر عليًا كرم الله تعالى وجهه أن يرد ويعتذر إليه وصار ذلك سببًا لإسلامه ونزول الوحي بأن السدانة في أولاده أبدًا» وما ذكرناه أولى بالاعتبار. أما أولًا: فلما قال الأشموني: إن المعروف عند أهل السير أن عثمان بن طلحة أسلم قبل ذلك في هدنة الحديبية مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص كما ذكره ابن إسحق وغيره وجزم به ابن عبد البر في «الاستيعاب». والنووي في «تهذيبه». والذهبي وغيرهم، وأما ثانيًا: فلما فيه من المخالفة لما ذكره ابن كثير، وقد نصوا على أنه هو الصحيح، وأما ثالثًا: فلأن المفتاح على هذا لا يعد أمانة لأن عليًا كرم الله تعالى وجهه أخذه منه قهرًا وما هذا شأنه هو الغصب لا الأمانة، والقول بأن تسمية ذلك أمانة لأن الله تعالى لم يرد نزعه منه، أو للإشارة إلى أن الغاصب يجب أن يكون كالمؤتمن في قصد الرد، أو إلى أن عليًا كرم الله تعالى وجهه لما قصد بأخذه الخير وكان أيضًا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم جعل كالمؤتمن في أنه لا ذنب عليه لا يخلو عن بعد، وأيًا مّا كان فالخطاب يعم كل أحد كما أن الأمانات، وهي جمع أمانة مصدر سمي به المفعول تعم الحقوق المتعلقة بذممهم من حقوق الله تعالى وحقوق العباد سواء كانت فعلية أو قولية أو اعتقادية، وعموم الحكم لا ينافي خصوص السبب، وقد روي ما يدل على العموم عن ابن عباس.
وأبي. وابن مسعود. والبراء بن عازب وأبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وإليه ذهب الأكثرون، وعن زيد بن أسلم واختاره الجبائي وغيره أن هذا خطاب لولاة الأمر أن يقوموا برعاية الرعية وحملهم على موجب الدين والشريعة، وعدوا من ذلك تولية المناصب مستحقيها، وجعلوا الخطاب الآتي لهم أيضًا، وفي تصدير الكلام بإن الدالة على التحقيق وإظهار الاسم الجليل وإيراد الأمر على صورة الإخبار من الفخامة وتأكيد وجوب الامتثال والدلالة على الاعتناء بشأنه ما لا مزيد عليه، ولهذا ورد من حديث ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لا أمانة له» وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع إذا كن فيك فلا عليك فيما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة طعمة» وأخرج عن ميمون بن مهران «ثلاث تؤدين إلى البر والفاجر: الرحم توصل برة كانت أو فاجرة والأمانة تؤدى إلى البر والفاجر والعهد يوفى به للبر والفاجر»، وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان» والأخبار في ذلك كثيرة، وقرئ الأمانة بالإفراد والمراد الجنس لا المعهود أي يأمركم بأداء أيّ أمانة كانت.
{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ الناس أَن تَحْكُمُواْ بالعدل} أمر بإيصال الحقوق المتعلقة بذمم الغير إلى أصحابها إثر الأمر بإيصال الحقوق المتعلقة بذممهم، فالواو للعطف، والظرف متعلق بما بعد أن وهو معطوف على {أَن تُؤدُّواْ} والجار متعلق به أو قدر وقع حالًا من فاعله أي: ويأمركم أن تحكموا بالإنصاف والسوية، أو متلبسين بذلك إذا قضيتم بين الناس ممن ينفذ عليه أمركم أو يرضى بحكمكم، وهذا مبني على مذهب من يرى جواز تقدم الظرف المعمول لما في حيز الموصول الحرفي عليه، والفصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف، وفي التسهيل الفصل بين العاطف والمعطوف إذا لم يكن فعلًا بالظرف والجار والمجرور جائز وليس ضرورة خلافًا لأبي علي، ولقيام الخلاف في المسألة ذهب أبو حيان إلى أن الظرف متعلق قدر يفسره المذكور أي وأن تحكموا إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا ليسلم مما تقدم، ولا يجوز تعلقه بما قبله لعدم استقامة المعنى لأن تأدية الأمانة ليست وقت الحكومة، والمراد بالحكم ما كان عن ولاية عامة أو خاصة، وأدخلوا في ذلك ما كان عن تحكيم.
وفي بعض الآثار أن صبيين ارتفعا إلى الحسن رضي الله تعالى عنه بن علي كرم الله تعالى وجهه في خط كتباه وحكماه في ذلك ليحكم أي الخطين أجود فبصر به علي كرم الله تعالى وجهه فقال: يا بني أنظر كيف تحكم فإن هذا حكم والله تعالى سائلك عنه يقوم القيامة.
{إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} جملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها متضمنة لمزيد اللطف بالمخاطبين وحسن استدعائهم إلى الامتثال وإظهار الاسم الأعظم لتربية المهابة وهو اسم {ءانٍ} وجملة {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ} خبرها، وما إما عنى الشيء معرفة تامة، و{يَعِظُكُمُ} صفة موصوف محذوف وهو المخصوص بالمدح، أي نعم الشيء شيء يعظكم به، ويجوز نعم هو أي الشيء شيئًا يعظكم به والمخصوص بالمدح محذوف، وإما عنى الذي وما بعدها صلتها وهو فاعل نعم والمخصوص محذوف أيضًا، أي نعم الذي يعظكم به تأدية الأمانة والحكم بالعدل قاله أبو البقاء ونظر فيه بأنه قد تقرر أن فاعل نعم إذا كان مظهرًا لزم أن يكون محلى بلام الجنس أو مضافًا إليه كما في «المفصل»، وأجيب بأن سيبويه جوز قيام ما إذا كانت معرفة تامة مقامه، وابن السراج أيضًا جوز قيام الموصولة لأنها في معنى المعرف باللام، واعترض القول بوقوع ما تمييزًا بأنها مساوية للمضمر في الإبهام فلا تميزه لأن التمييز لبيان جنس المميز، وأجيب نع كونها مساوية له لأن المراد بها شيء عظيم، والضمير لا يدل على ذلك، ومن الغريب ما قيل: إن ما كافة فتدبر، وقد تقدم الكلام فيما في {نِعِمَّا} من القراءات {إِنَّ الله كَانَ سَمِيعًا} بجميع المسموعات ومنها أقوالكم {بَصِيرًا} بكل شيء ومن ذلك أفعالكم، ففي الجملة وعد ووعيد، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي كرم الله تعالى وجهه: سوّ بين الخصمين في لحظك ولفظك.

.تفسير الآية رقم (59):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)}
{يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ} بعدما أمر سبحانه ولاة الأمور بالعموم أو الخصوص بأداء الأمانة والعدل في الحكومة أمر الناس بإطاعتهم في ضمن إطاعته عز وجل وإطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال عز من قائل: {أَطِيعُواْ الله} أي الزموا طاعته فيما أمركم به ونهاكم عنه {وَأَطِيعُواْ الرسول} المبعوث لتبليغ أحكامه إليكم في كل ما يأمركم به وينهاكم عنه أيضًا، وعن الكلبي أن المعنى: أطيعوا الله في الفرائض وأطيعوا الرسول في السنن، والأول أولى وأعاد الفعل وإن كانت طاعة الرسول مقترنة بطاعة الله تعالى اعتناءًا بشأنه عليه الصلاة والسلام وقطعًا لتوهم أنه لا يجب امتثال ما ليس في القرآن وإيذانًا بأن له صلى الله عليه وسلم استقلالًا بالطاعة لم يثبت لغيره، ومن ثمّ لم يعد في قوله سبحانه: {وَأُوْلِى الامر مِنْكُمْ} إيذانًا بأنهم لا استقلال لهم فيها استقلال الرسول صلى الله عليه وسلم، واختلف في المراد بهم فقيل: أمراء المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده ويندرج فيهم الخلفاء والسلاطين والقضاة وغيرهم، وقيل: المراد بهم أمراء السرايا، وروي ذلك عن أبي هريرة وميمون بن مهران، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي، وأخرجه ابن عساكر عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في سرية، وفيها عمار بن ياسر فساروا قبل القوم الذين يريدون فلما بلغوا قريبًا منهم عرسوا وأتاهم ذو العيينتين فأخبرهم فأصبحوا قد هربوا غير رجل أمر أهله فجمعوا متاعهم ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد يسأل عن عمار بن ياسر فأتاه فقال: يا أيا اليقظان إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن قومي لما سمعوا بكم هربوا وإني بقيت فهل إسلامي نافعي غدًا وإلا هربت؟ فقال عمار: بل هو ينفعك فأقم فأقام فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدًا غير الرجل فأخذه وأخذ ماله فبلغ عمارًا الخبر فأتى خالدًا فقال: خل عن الرجال فإنه قد أسلم وهو في أمان مني، قال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبا وارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز أمان عمار، ونهاه أن يجير الثانية على أمير فاستبا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال خالد: يا رسول الله أتترك هذا العبد الأجدع يشتمني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خالد لا تسب عمارًا فإن من سب عمارًا سبه الله تعالى ومن أبغض عمارًا أبغضه الله تعالى ومن لعن عمارًا لعنه الله تعالى فغضب عمار فقام فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه فرضي، فأنزل الله تعالى هذه الآية» ووجه التخصيص على هذا أن في عدم إطاعتهم ولا سلطان ولا حاضرة مفسدة عظيمة، وقيل: المراد بهم أهل العلم، وروى ذلك غير واحد عن ابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد والحسن وعطاء وجماعة، واستدل عليه أبو العالية بقوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِى الامر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] فإن العلماء هم المستنبطون المستخرجون للأحكام، وحمله كثير وليس ببعيد على ما يعم الجميع لتناول الاسم لهم لأن للأمراء تدبير أمر الجيش والقتال، وللعلماء حفظ الشريعة وما يجوز مما لا يجوز.
واستشكل إرادة العلماء لقوله تعالى: {فَانٍ الله فِي شَيْء} فإن الخطاب فيه عام للمؤمنين مطلقًا والشيء خاص بأمر الدين بدليل ما بعده، والمعنى فإن تنازعتم أيها المؤمنون أنتم وأولو الأمر منكم في أمر من أمور الدين {فَرُدُّوهُ} فراجعوا فيه {إِلَى الله} أي إلى كتابه {والرسول} أي إلى سنته، ولا شك أن هذا إنما يلائم حمل أولي الأمر على الأمراء دون العلماء لأن للناس والعامة منازعة الأمراء في بعض الأمور وليس لهم منازعة العلماء إذ المراد بهم المجتهدون والناس ممن سواهم لا ينازعونهم في أحكامهم. وجعل بعضهم: الخطاب فيه لأولي الأمر على الالتفات ليصح إرادة العلماء لأن للمجتهدين أن ينازع بعضهم بعضًا مجادلة ومحاجة فيكون المراد أمرهم بالتمسك بما يقتضيه الدليل، وقيل: على إرادة الأعم يجوز أن يكون الخطاب للمؤمنين وتكون المنازعة بينهم وبين أولي الأمر باعتبار بعض الأفراد وهم الأمراء، ثم إن وجوب الطاعة لهم ما داموا على الحق فلا يجب طاعتهم فيما خالف الشرع، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لبشر في معصية الله تعالى»، وأخرج هو وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي عنه أيضًا كرم الله تعالى وجهه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلًا من الأنصار فأمرهم عليه الصلاة والسلام أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شيء فقال: اجمعوا لي حطبًا فجمعوا له حطبًا قال: أوقدوا نارًا فأوقدوا نارًا قال: ألم يأمركم صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى قال: فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فسكن غضبه وطفئت النار فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا له ذلك فقال عليه الصلاة والسلام «لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف» وهل يشمل المباح أم لا؟ فيه خلاف، فقيل: إنه لا يجب طاعتهم فيه لأنه لا يجوز لأحد أن يحرم ما حلله الله تعالى ولا أن يحلل ما حرمه الله تعالى، وقيل: تجب أيضًا كما نص عليه الحصكفي وغيره، وقال بعض محققي الشافعية: يجب طاعة الإمام في أمره ونهيه ما لم يأمر حرم، وقال بعضهم: الذي يظهر أن ما أمر به مما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله إلا ظاهرًا فقط بخلاف ما فيه ذلك فإنه يجب باطنًا أيضًا، وكذا يقال في المباح الذي فيه ضرر للمأمور به، ثم هل العبرة بالمباح والمندوب المأمور به باعتقاد الآمر فإذا أمر باح عنده سنة عند المأمور يجب امتثاله ظاهرًا فقط أو المأمور فيجب باطنًا أيضًا وبالعكس فينعكس ذلك كل محتمل وظاهر إطلاقهم في مسألة أمر الإمام الناس بالصوم للاستسقاء الثاني لأنهم لم يفصلوا بين كون الصوم المأمور به هناك مندوبًا عند الآمر أو لا، وأيد بما قرروه في باب الاقتداء من أن العبرة باعتقاد المأموم لا الإمام، ولم أقف على ما قاله أصحابنا في هذه المسألة فليراجع هذا، واستدل بالآية من أنكر القياس وذلك لأن الله تعالى أوجب الرد إلى الكتاب والسنة دون القياس، والحق أن الآية دليل على إثبات القياس بل هي متضمنة لجميع الأدلة الشرعية، فإن المراد بإطاعة الله العمل بالكتاب، وبإطاعة الرسول العمل بالسنة، وبالرد إليهما القياس لأن رد المختلف فيه الغير المعلوم من النص إلى المنصوص عليه إنما يكون بالتمثيل والبناء عليه، وليس القياس شيئًا وراء ذلك، وقد علم من قوله سبحانه: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ} أنه عند عدم النزاع يعمل بما اتفق عليه وهو الإجماع.
{إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الاخر} متعلق بالأمر الأخير الوارد في محل النزاع إذ هو المحتاج إلى التحذير عن المخالفة، وجواب الشرط محذوف عند جمهور البصريين ثقة بدلالة المذكور عليه، والكلام على حد إن كنت ابني فأطعني فإن الإيمان بالله تعالى يوجب امتثال أمره، وكذا الإيمان باليوم الآخر لما فيه من العقاب على المخالفة {ذلك} أي الرد المأمور به العظيم الشأن ولو حمل كما قيل على جميع ما سبق على التفريع لحسن. وقال الطبرسي: إنه إشارة إلى ما تقدم من الأوامر أي طاعة الله تعالى وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر ورد المتنازع فيه إلى الله والرسول عليه الصلاة والسلام {خَيْرٌ} لكم وأصلح {وَأَحْسَنُ} أي أحمد في نفسه {تَأْوِيلًا} أي عاقبة، قاله قتادة والسدي وابن زيد، وأفعل التفضيل في الموضعين للإيذان بالكمال على خلاف الموضوع له، ووجه تقديم الأول على الثاني أن الأغلب تعلق أنظار الناس بما ينفعهم، وقيل: المراد: خير لكم في الدنيا وأحسن عاقبة في الآخرة، ووجه التقديم عليه أظهر. وعن الزجاج أن المراد: أحسن تأويلًا من تأويلكم أنتم إياه من غير رد إلى أصل من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. فالتأويل إما عنى الرجوع إلى المآل والعاقبة، وإما عنى بيان المراد من اللفظ الغير الظاهر منه، وكلاهما حقيقة، وإن غلب الثاني في العرف ولذا يقابل التفسير.