فصل: تفسير الآية رقم (70):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (67):

{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67)}
{وَجَآء أَهْلُ المدينة} شروع في حكاية ما صدر من القوم عند وقوفهم على مكان الأضياف من الفعل وما ترتب عليه مما أشير إليه أولًا على سبيل الإجمال، وهذا مقدم وقوعًا على العلم بهلاكهم كما سمعت والواو لا تدل على الترتيب، وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون هذا بعد العلم بذلك وما صدر منه عليه السلام من المحاورة معهم كان على جهة التكتم عنهم والإملاء لهم والتربص بهم، ولا يخفى أن كون المساءة وضيق الذرع من باب التكتم والإملاء أيضًا مما يأبى عنه الطبع السليم، والمراد بالمدينة سذوم وبأهلها أولئك القوم المجرمون، ولعل التعبير عنهم بذلك للإشارة إلى كثرتهم مع ما فيه من الإشارة إلى مزيد فظاعة فعلهم، فإن اللائق بأهل المدينة أن يكرموا الغرباء الواردين على مدينتهم ويحسنوا المعاملة معهم فهم عدلوا عن هذا اللائق مع من حسبوهم غرباء واردين إلى قصد الفاحشة التي ما سبقهم بها أحد من العالمين وجاءوا منزل لوط عليه السلام {يَسْتَبْشِرُونَ} مستبشرين مسرورين إذ قيل لهم: إن عنده عليه السلام ضيوفًا مردًا في غاية الحسن والجمال فطمعوا قاتلهم الله تعالى فيهم:

.تفسير الآية رقم (68):

{قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68)}
{قَالَ إِنَّ هَؤُلآء ضَيْفِى} الضيف كما قدمنا في الأصل مصدر ضافه فيطلق على الواحد والجمع ولذا صح جعله خبرًا لهؤلاء، وإطلاقه على الملائكة عليهم السلام بحسب اعتقاده عليه السلام لكونهم في زي الضيف، وقيل: بحسب اعتقادهم لذلك، والتأكيد ليس لإنكارهم ذلك بل لتحقيق اتصالهم به وإظهار اعتنائه بهم عليه السلام وتشميره لمراعاة حقوقهم وحمايتهم عن السوء، ولذلك قال: {فَلاَ تَفْضَحُونِ} أي عندهم بأن تتعرضوا لهم بسوء فيعلموا أنه ليس لي عندكم قدر أو لا تفضحوني بفضيحة ضيفي فإن من أسيء إلى ضيفه فقد أسيء إليه، يقال: فضحته فضحًا وفضيحة إذا أظهر من أمره ما يلزمه به العار، ويقال: فضح الصبح إذا تبين للناس.

.تفسير الآية رقم (69):

{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69)}
{وَلاَ تُخْزُونِ} أي لا تذلوني ولا تهينوني بالتعرض بالسوء لمن أجرتهم فهو من الخزي عنى الذل، والهوان، وحيث كان التعرض لهم بعد أن نهاهم عنه بقوله: {فَلاَ تَفْضَحُونِ} [الحجر: 68] أكثر تأثيرًا في جانتبه عليه السلام وأجلب للعار إليه إذ التعرض للجار قبل العلم را يتسامح فيه وأما بعد العلم والمناصبة بحمايته والذب عنه فذاك أعظم العار، عبر عليه السلام عما يعتريه من جهتهم بعد النهي المذكور بسبب لجاجهم ومجاهرتهم خالفته بالخزي وأمرهم بتقوى الله تعالى في ذلك، وجوز أن يكون ذلك من الخزاية وهي الحياء أي لا تجعلوني استحيي من الناس بتعرضكم لهم بالسوء، واستظهر بعضهم الأول، وإنما لم يصرح عليه السلام بالنهي عن نفس تلك الفاحشة قيل: لأنه كان يعرف أنه لا يفيدهم ذلك، وقيل: رعاية لمزيد الأدب مع ضيفه حيث لم يصرح بما يثقل على سمعهم وتنفر عنه طباعهم ويرى الحر الموت ألذ طعمًا منه، وقال بعض الأجلة: المراد باتقوا الله أمرهم بتقواه سبحانه عن ارتكاب الفاحشة. وتعقب بأنه لا يساعد ذلك توسيطه بين النهيين المتعلقين بنفسه عليه السلام وكذلك قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (70):

{قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70)}
{قَالُواْ أُوذِينَا لَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالمين} أي عن إجارة أحد منهم وحيلولتك بيننا وبينه أو عن ضيافة أحد منهم، والهمزة للإنكار والواو على ما قال غير واحد للعطف على مقدر أي ألم نتقدم إليك ولم ننهك عن ذلك فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد من الغرباء بالسوء وكان عليه السلام ينهاهم عن ذلك بقدر وسعه ويحول بينهم وبين من يعرضون له وكانوا قد نهوه عن تعاطي مثل ذلك فأنهم قالوا: ما ذكرت من الفضيحة والخزي إنما جاءك من قبلك لا من قبلناإذ لولا تعرضك لما تتصدى له لما اعتراك، ولما رآهم لا يقلعون عماهم عليه {قَالَ هؤلاءآء بَنَاتِى} يعني نساء القوم أو بناته حقيقة. وقد تقدم الكلام في ذلك، واسم الإشارة مبتدأ و{بَنَاتِى} خبره، وفي الكلام حذف أي فتزوجوهن، وجوز أن يكون {بَنَاتِى} بدلًا أو بيانًا والخبر محذوف أي أطهر لكم كما في الآية الأخرى، وأن يكون {هَؤُلاء} في موضع نصب بفعل محذوف أي تزوجوا بناتي، والمتبادر الأول.

.تفسير الآيات (71- 72):

{قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)}
{إِن كُنتُمْ فاعلين} شك في قبولهم لقوله فكأنه قال: إن فعلتم ما أقول لكم وما أظنكم تفعلون، وقيل: إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فيما أحل الله تعالى دون ما حرم، والوجه الأول كما في الكشف أوجه. وفي الحواشي الشهابية: أنه أنسب بالشك، ويفهم صنيع بعضهم ترجيح الثاني قيل لتبادره من الفعل، وعلى الوجهين المفعول مقدر، وجوز تنزيل الوصف منزلة اللازم، وجواب الشرط محذوف أي فهو خير لكم أو فاقضوا ذلك {لَعَمْرُكَ} قسم من الله تعالى بعمر نبينا صلى الله عليه وسلم ما عليه جمهور المفسرين.
وأخرج البيهقي في الدلائل. وأبو نعيم. وابن مردويه. وغيرهم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ما خلق الله تعالى وما ذرأ وما برأ نفسًا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعت الله سبحانه أقسم بحياة أحد غيره قال تعالى: {لَعَمْرُكَ} إلخ، وقيل: هو قسم من الملائكة عليهم السلام بعمر لوط عليه السلام، وهو مع مخالفته للمأثور محتاج لتقدير القول أي قالت الملائكة للوط عليهم السلام: {لَعَمْرُكَ} إلخ، وهو خلاف الأصل وإن كان سياق القصة شاهدًا له وقرينة عليه، فلا يرد ما قاله «صاحب الفرائد» من أنه تقدي من غير ضرورة ولو ارتكب مثله لأمكن إخراج كل نص عن معناه بتقدير شيء فيرتفع الوثوق عاني النص، وأيًا ما كان فعمرك مبتدأ محذوف الخبر وجوبًا أي قسمي أو يميني أو نحو ذلك، والعمر بالفتح والضم البقاء والحياة إلا أنهم التزموا الفتح في القسم لكثرة دوره فناسب التخفيف وإذا دخلته اللام التزم فيه الفتح وحذف الخبر في القسم، وبدون اللام يجوز فيه النصب والرفع وهو صريح، وهو مصدر مضاف للفاعل أو المفعول، وسمع فيه دخول الباء وذكر الخبر قليلًا، وذكر أنه إذا تجرد من اللام لا يتعين للقسم، ونقل ذلك عن الجوهري، وقال ابن يعيش: لا يستعمل إلا فيه أيضًا وجاء شاذار عملي وعدوه من القلب، وقال أبو الهيثم: معنى {لَعَمْرُكَ} لدينك الذي تعمل ويفسر بالعبادة، وأنشد:
أيها المنكح الثريا سهيلا ** عمرك الله كيف يلتقيان

أراد عبادتك الله تعالى فإنه يقال على ما نقل عن ابن الأعرابي عمرت ربي أي عبدته، وفلان عامر لربه أي عابد، وتركت فلانًا يعمر ربه أي يعبده وعهو غريب. وفي البيت توجيهات فقال سيبويه فيه: الأصل عمرتك الله تعالى تعميرًا فحذف الزوائد من المصدر وأقيم مقام الفعل مضافًا إلى مفعوله الأول، ومعنى عمرتك أعطيتك عمرًا بأن سألت الله تعالى أن يعمرك فلما ضمن عمر معنى السؤال تعدى إلى المفعول الثاني أعني الاسم الجليل فهو على هذا منصوب، وأجاز الأخفش رفعه ليكون فاعلًا أي عمرك الله سبحانه تعميرًا، وجوز الرضى أن يكون عمرك فيه منصوبًا على المفعول به لفعل محذوف أي أسأل الله تعالى عمرك وأسأل متعد إلى مفعولين، أو يكون المعنى أسألك بحق تعميرك الله تعالى أي اعتقادك بقاءه وأبديته تعالى فيكون انتصابه بحذف حرف القسم نحو الله لا فعلن، وهو مصدر محذوف الزوائد مضاف إلى الفاعل والاسم الجليل مفعول به له، ولا بأس بإضافة عمر إليه تعالى، وقد جاء مضافًا كذلك قال الشاعر:
إذا رضيت على بنو قشير ** لعمر الله أعجبني رضاها

وقال الأعشى:
ولعمر من جعل الشهور علامة ** منها تبين نقصها وكمالها

وزعم بعضهم أنه لا يجوز أن يقال: لعمر الله تعالى لأنه سبحانه أزلى أبدى، وكأنه توهم أن العمر لا يقال إلا فيما له انقطاع وليس كذلك، وجاء في كلامهم إضافته لضمير المتكلم، قال النابغة:
لعمري وما عمري على بهين

وكره النخعي ذلك لأنه حلف بحياة المقسم، ولا أعرف وجه التخصيص فإن في {لَعَمْرُكَ} خطابًا بالشخص حلفًا بحيلة المخاطب وحكم الحلف بغير الله تعالى مقرر على أتم وجه في محله.
وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما و{عُمُرِكَ} بدون لام {إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ} أي لفى غوايتهم أو شدة غلمتهم التي أزالت عقولهم وتمييزهم بين خطئهم والصواب الذي يشار به إليهم {يَعْمَهُونَ} يتحيرون فكيف يسمعون النصح، وأصل العمة عمى البصيرة وهو مورث للحيرة وبهذا الاعتبار فسر بذلك، والضمائر لأهل المديسنة، والتعبير بالمضارع بناء على المأثور في الخطاب لحكاية الحال الماضية، وقيل: ونسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الضمائر لقريش، واستبعده ابن عطية وغيره لعدم مناسبة السباق والسياق، ومن هنا قيل: الجملة اعتراض وجملة {يَعْمَهُونَ} حال من الضمير في الجار والمجرور، وجوز أن تكون حالا من الضمير المجرور في {سَكْرَتِهِمْ} والعامل السكرة أو معنى الإضافة، ولا يخفاك حاله، وقرأ الأشهب {سَكْرَتِهِمْ} بضم السين، وابن أبي عبلة {سكراتهم} بالجمع، والأعمش {سكرهم} بغير تاء، وأبو عمر وفي رواية الجهضمي {يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ} بفتح الهمزة، وقال أبو البقاء: وذلك على تقدير زيادة اللام، ومثله قراءة سعيد بن جبير {إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام} [الفرقان: 20] بالفتح بناء على أن لام الابتداء إنما تصحب إن المكسورة الهمزة وكأن التقدير على هذه القراءة لعمرك قسمي على أنهم فافهم.

.تفسير الآية رقم (73):

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73)}
{فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} يعني صيحة هائلة، والتعريف للجنس، وقيل: صيحة جبريل عليه السلام فالتعريف للعهد؛ وقال الإمام: ليس في الآية دلالة على هذا التعيين فإن ثبت بدليل قوي قيل به.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال في الآية: الصيحة مثل الصاعقة فكل شيء أهلك به قوم فهو صاعقة وصيحة {مُشْرِقِينَ} داخلين في وقت شروق الشمس، قال المدقق: والجمع بين مصبحين ومشرقين باعتبار الابتداء والانتهاء بأن يكون ابتداء العذاب عند الصبح وانتهاؤه عند الشروق؛ وأخذ الصيحة قهرها إياهم وتمكنها منهم، ومنه الأخيذ الأسير، ولك أن تقول: {مَقْطُوعٌ} عنى يقطع عما قريب انتهى، وقيل: {مُشْرِقِينَ} حال مقدرة.

.تفسير الآية رقم (74):

{فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)}
{فَجَعَلْنَا عاليها} أي المدينة كما هو الظاهر. وجوز رجوعه إلى القرى وان لم يسبق ذكرها والمراد بعاليها وجه الأرض وما عليه وهو المفعول الأول لجعل و{سَافِلَهَا} الثاني له، وقد تقدم الكلام في ذلك {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ} في تضاعيف ذلك {حِجَارَةً} كائنة {مّن سِجّيلٍ} من طين متحجر وهو في المشهور معرب سنك كل، وذهب أبو عبيد وطائفة إلى أنه عربي وأنه يقال فيه {سِجّينٍ} بالنون واحتجوا بقول تميم بن مقبل:
ضربا تواصى به الأبطال سجينا

وهو كما ترى. وسئل الأصمعي عن معناه في البيت فقال: لا أفسره إذ كنت أسمع وأنا حدث سخينا بالخاء المعجمة أي سخنا وسجين بالجيم أيضًا، وقيل: هو مأخوذ من السجل وهو الكتاب أي من طين كتب عليه أسماؤهم أو كتب الله تعذيبهم به، وقد مر الكلام في ذلك أيضًا.

.تفسير الآية رقم (75):

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)}
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي فيما ذكر من القصة {لاَيَاتٍ} لعلامات يستدل بها على حقيقة الحق {لِلْمُتَوَسّمِينَ} قال ابن عباس: للناظرين، وقال جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما: للمتفرسين، وقال مجاهد: للمعتبرين، وقيل غير ذلك وهي معان متقاربة. وفي البحر التوسم تفعل من الوسم وهو العلامة التي يستدل بها على مطلوب، وقال ثعلب: التوسم النظر من القرن إلى القدم واستقصاء وجوه التعريف، قال الشاعر:
أو كلما وردت عكاظ قبيلة ** بعثوا إلى عريفهم يتوسم

وذكر أن أصله التثبت والتفكر مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة محماة في جلد البعير أو غيره، ويقال: توسمت فيه خيرًا أي ظهرت علاماته لي منه، قال عبد الله بن رواحة في رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إني توسمت فيك الخير أعرفه ** والله يعلم أني ثابت البصر

والجار والمجرور في موضع الصفة {لاَيَاتٍ} أو متعلق به، وهذه الآية على ما قال الجلال السيوطي أصل في الفراسة، فقد أخرج الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعًا «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى» ثم قرأ الآية وكان بعض المالكية يحكم بالفراسة في الأحكام جريًا على طريق إياس بن معاوية.