فصل: تفسير الآية رقم (77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (76):

{وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76)}
{وَإِنَّهَا} أي المدينة المهلكة وقيل القرى {لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} أي طريق ثابت يسلكه الناس ويرون آثارها وقيل: الضمير للآيات، وقيل: للحجارة، وقيل: للصيحة أي وإن الصيحة صد لمن يعمل عملهم لقوله تعالى: {وَمَا هي مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ} [هود: 83] و{مُّقِيمٌ} قيل معلوم، وقيل: معتد دائم السلوك.

.تفسير الآية رقم (77):

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي فيما ذكر من المدينة أو القرى أو في كونها رأى من الناس يشاهدونها عند مرورهم عليها {لآيَةً} عظيمة {لِلْمُؤْمِنِينَ} بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فانهم الذين يعرفون ان سوء صنيعهم هو الذي ترك ديارهم بلاقع، واما غيرهم فيحملون ذلك على الاتفاق أو الأوضاع الفلكية، وافراد الآية بعد جمعها فيما سبق قيل لما أن المشاهد هاهنا بقية الآثار لاكل القصة كما فيما سلف، وقيل: للإشارة إلى أن المؤمنين يكفيهم آية واحدة.

.تفسير الآية رقم (78):

{وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78)}
{وَإِن كَانَ أصحاب الايكة لظالمين} هم قوم شعيب عليه السلام؛ والايكة في الأصل الشجرة الملتفة واحدة الايك، قال الشاعر:
تجلو بقادمتي حمامة ايكة ** بردا اسف لقاتة بالأثمد

والمراد بها غبضة أي بقعة كثيفة الأشجار بناء على ما روي أن هؤلاء القوم كانوا يسكنون الغيضة وعامة شجرها الدوم وقيل السدر فبعث الله تعالى إليهم شعيبًا فكذبوه فأهلكوا بما ستسمعه إن شاء الله تعالى، وقيل: بلدة كانوا يسكنونها، واطلاقها على ما ذكر إما بطريق النقل أو تسمية المحل باسم الحال فيه ثم غلب عليه حتى صار علماف، وأيد القول بالعملية أنه قرئ في الشعراء (176) وص (13) {ليكة} ممنوع الصرف، و{إن} عند البصريين هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف واللام هي الفارقة، وعند الفراء هي النافية ولا اسم لها واللام عنى الا، والمعول عليه الأول أي وأن الشأن كان أولئك القوم متجاوزين عن الحد.

.تفسير الآية رقم (79):

{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)}
{فانتقمنا مِنْهُمْ} جاز يناهم على جنايتهم السابقة بالعذاب؛ والضمير لاصحاب الأيكة.
وزعم الطبرسي أنه لهم ولقوم لوط وليس بذاك. روى غير واحد عن قتادة قال: ذكر لنا أنه جل شأنه سلط عليهم الحر سبعة أيام لا يظلهم منه ظل ولا يمنعهم منه شيء ثم بعث سبحانه عليهم سحابة فجعلوا يلتمسون الروح منها فبعث عليهم منها نارًا فأكلتهم فهو عذاب يوم الظلة {وَإِنَّهُمَا} أي محلى قوم لوط وقوم شعيب عليهما السلام وإلى ذلك ذهب الجمهور، وقيل: الضمير للأيكة ومدين، والثاني وإن لم يذكر هنا لكن ذكر الأول يدل عليه لارسال شعيب عليه الصلاة والسلام إلى أهلهما، فقد أخرج ابن عساكر وغيره عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله تعالى إليهما شعيبًا عليه السلام» ولا يخلو عن بعد بل قيل: إن القول الأول كذلك أيضًا لأن الأخبار عن مدينة قوم لوط عليه السلام بأنها {لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} أي لبطريق واضح يتكرر مع الأخبار عنها آنفًا، بأنها لبسبيل مقيم على ما عليه أكثر المفسرين، وجمع غيرها معها في الأخبار لا يدفع التكرار بالنسبة إليها وكأنه لهذا قال بعضهم: الضمير يعود على لوط وشعيب عليهما السلام أي وانهما لبطريق من الحق واضح.
وقال الجبائي: الضمير لخبر هلاك قوم لوط وخبر هلاك قوم شعيب، والإمام اسم لما يؤتم به وقد سمي به الطريق واللوح المحفوظ ومطلق اللوح المعد للقراءة وزيج البناء ويراد به على هذا اللوح المحفوظ.
وقال مؤرج الإمام: الكتاب في لغة حمير، والأخبار عنهما بأنهما في اللوح المحفوظ إشارة إلى سبق حكمه تعالى بهلاك القومين لما علمه سبحانه من سوء أفعالهم.

.تفسير الآية رقم (80):

{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)}
{وَلَقَدْ كَذَّبَ أصحاب الحجر} يعني ثمود {المرسلين} حين كذبوا رسولهم صالحًا عليه السلام، فإن من كذب واحدًا من رسل الله سبحانه فكأنما كذب الجميع لاتفاق كلمتهم على التوحيد والأصول التي لا تختلف باختلاف الأمم والأعصار، وقيل: المراد بالمرسلين صالح عليه السلام ومن معه من المؤمنين على التغليب وجعل الأتباع مرسلين كما قيل: الخبيبون لخبيب بن الزبير وأصحابه، وقال الشاعر:
قدنى من نصر الخبيبين قدى

والقول بأنه نزل كل من الناقة وسقبها منزلة رسول لأنه كالداعي لهم إلى اتباع صالح عليه السلام فجمع بهذا الاعتبار لا اعتبار له ألًا فيما أرى.
والحجر واد بين الحجاز والشام كانوا بسكنونه، قال الراغب: يسمى ما أحيط به الحجارة حجرًا وبه سمى حجر الكعبة وديار ثمود، وقد نهى صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله تعالى عنهم كما في صحيح البخاري وغيره عن الدخول على هؤلاء القوم إلا أن يكونوا باكين حذرًا من أن يصيبهم مثل ما أصابهم.
وجاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن الناس عام غزوة تبوك استقوا من مياه الآبار التي كانت تشرب منها ثمود وعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم باهراق القدور وأن يعلفوا الإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت ترد الناقة.

.تفسير الآية رقم (81):

{وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81)}
{وءاتيناهم ءاياتنا} من الناقة وسقبها وشربها ودرها.
وذكر بعضهم أن في الناقة خمس آيات خروجها من الصخرة. ودنوا نتاجها عند خروجها. وعظمها حتى لم تشبهها ناقة. وكثرة لبنها حتى يكفيهم جميعًا، وقيل: كانت لنبيهم عليه السلام معجزات غير ما ذكر ولا يضرنا أنها لم تذكر على التفصيل، وهو على الإجمال ليس بشيء، وقيل: المراد بالآيات الأدلة العقلية المنصوبة لهم الدالة عليه سبحانه المبتوتة في الأنفس والآفاق وفيه بعد، وقيل آيات الكتاب المنزل على نبيهم عليه السلام.
وأورد عليه أنه عليه السلام ليس له كتاب مأثور إلا أن يقال: الكتاب لا يلزم أن ينزل عليه حقيقة بل يكفى كونه معه مأمورًا بالأخذ بما فيه ويكون ذلك في حكم نزوله عليه، وقد يقال: بتكرار النزول حقيقة ولا يخفي قوة الإيراد، وقيل: يجوز أن يراد بالآيات ما يشمل ما بلغهم من آيات الرسل عليهم السلام، ومتى صح أن يقال: أن تكذيب واحد منهم في حكم تكذيب الكل فلم لم يصح أن يقال: إن ما يأتي به واحد من الآيات كأنه أتى به الكل وفيه نظر، وبالجملة الظاهر هو التفسير الأول {فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} غير مقبلين على العمل بما تقتضيه، وتقديم المعمول لرعاية تناسب رؤوس الآي.

.تفسير الآية رقم (82):

{وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ (82)}
{وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتًا ءامِنِينَ} من نزول العذاب بهم، وقيل: من الموت لاغترارهم بطول الأعمار، وقيل: من الانهدام ونقب اللصوص وتحزيب الأعداء لمزيد وثاقتها، وقال ابن عطية: أصح ما يظهر لي في ذلك انهم كانوا يأمنون عواقب الآخرة فكانوا لا يعملون بحسبها بل يعملون بحسب الأمن وتفريع قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (83):

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83)}
أظهر في تأييد الأول، ووقع في سورة الأعراف (78، 91) {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} ووفق بينهما بان الصيحة تفضي إلى الرجفة أو هي مجاز عنها، واستشكل التقييد صبحين مع ما روى في ترتيب أحوالهم بعد أن أوعدهم عليه السلام بنزول العذاب من أنه لما كانت ضحوة اليوم الرابع تحنطوا بالصبر وتكفنوا بالانطاع فاتتهم صيحة من السماء فتقطعت لها قلوبهم، فإن هذا يقتضي أن أخد الصيحة اياهم بعد الضحوة لا مصبحين. وأجيب بأنه ان صحت الرواية يحمل {مُّصْبِحِينَ} على كون الصيحة في النهار دون الليل أو أطلق الصبح على زمان ممتد إلى الضحوة وقيل: يجمع بين الآية والخبر بنحو ما جمع به بين الآيتين آنفًا، وفيه تأمل فتأمل.

.تفسير الآية رقم (84):

{فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84)}
{فَمَا أغنى عَنْهُمْ} ولم يدفع عنهم ما نزل بهم {مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من نحت البيوت الوثيقة أو منه ومن جمع الأموال والعدد بل خروا جاثمين هلكى فما الأولى نافية وتحتمل الاستفهام و{مَا} الثانية يحتمل أن تكون مصدرية وأن تكون موصولة واستظهره أبو حيان والعائد عليه محذوف أي الذي كانوا يكسبونه.
وفي الإرشاد أن الفاء لترتيب عدم الإغناء الخاص بوقت نزول العذاب حسا كانوا يرجونه لا عدم الاغناء المطلق فانه أمر مستمر، وفي الآية من التهكم بهم ما لا يخفى.

.تفسير الآية رقم (85):

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)}
{وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق} أي الا خلقا متلبسًا بالحق والحكمة بحيث لا يلائم استمرار الفساد واستقرار الشرور، وقد اقتضت الحكمة اهلاك أمثال هؤلاء دفعا لفسادهم وإرشادًا لمن بقى إلى الصلاح {وَإِنَّ الساعة لآتِيَةٌ} ولابد فننتقم أيضًا من أمثال هؤلاء، فالجملة الأولى إشارة إلى عذابهم الدنيوي والثانية إلى عقابهم الأخروي، وفي كلتا الجملتين من تسليته صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى مع تضمن الأولى الإشارة إلى وجه اهلاك أولئك بأنه أمر اقتضته الحكمة، وفي التفسير الكبير في وجه النظم انه تعالى لما ذكر اهلاك الكفار فكأنه قيل: كيف يليق ذلك بالرحيم؟ فأجاب سبحانه بأنه إنما خلقت الخلق ليكونوا مشتغلين بالعبادة والطاعة فإذا تركوها وأعرضوا عنها وجب في الحكمة إهلاكهم وتطهير الأرض.
وتعقبه المفسر بانه إنما يستقيم على قول المعتزلة، ثم ذكر وجهًا آخر ذلك وهو أن المقصود من هذه القصة تصبير النبي صلى الله عليه وسلم على سفاهة قومه فإنه عليه الصلاة والسلام إذا سمع أن الأمم السالفة كانوا يعاملون أنبياءهم عليهم السلام ثل هذه المعاملات الفاسدة هان عليه عليه الصلاة والسلام تحمل سفاهة قومه، ثم إنه تعالى لما بين انزال العذاب على الأمم السالفة المكذبة قال له صلى الله عليه وسلم إن الساعة لآتية وان لله تعالى ينتقم لك فيها من أعدائك ويجازيك وإياهم على حسناتك وسيآتهم فإنه سبحانه ما خلق السموات والأرض وما بنيهما إلا بالعدل والإنصاف فكيف يليق بحكمته إهمال أمرك، وإلى جواز تفسير {الحق} بالعدل ذهب شيخ الإسلام وأشار إلى أن الباء للسببية وإن المعنى ما خلقنا ذلك إلا بسبب العدل والإنصاف يوم الجزاء على الأعمال، وذكر أنه ينبئ عن ذلك الجملة الثانية؛ ولعل جعل كل جملة إشارة إلى شيء حسا أشرنا إليه أولى.
واستدل بالأولى بعض الأشاعرة على أن أفعال العباد مطلقًا مخلوقة له تعالى لدخولها فيما بينهما، وزعم بعض المعتزلة الرد بها على القائلين بذلك لأن المعاصي من الأفعال باطلة فإذا كانت مخلوقة له سبحانه لكانت مخلوقة بالحق والباطل لا يكون مخلوقًا بالحق، وهو كلام خال عن التحقيق {فاصفح} أي أعرض عن الكفرة المكذبين {الصفح الجميل} وهو ما خلا عن عتاب على ما روي غير واحد عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفسر الراغب {الصفح} نفسه بترك الترثيب وذكر انه أبلغ من العفو وفي أمره صلى الله عليه وسلم بذلك إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام قادر على الانتقام منهم فكأنه قيل: أعرض عنهم وتحمل أذيتهم ولا تعجل بالانتقام منهم وعاملهم معاملة الصفوح الحليم، وحاصل ذلك أمره صلى الله عليه وسلم خالفتهم بخلق رضى وحلم وتأن بأن ينذرهم ويدعوهم إلى الله تعالى قبل القتال ثم يقاتلهم، وعلى هذا فالآية غير منسوخة، وعن ابن عباس.
وقتادة. ومجاهد. والضحاك إنها منسوخة بآية السيف، وكأنهم ذهبوا إلى أن المراد بها مداراتهم وترك قتالهم، وآثار هذا الأخير العلامة الطيبي قال: ليكون خاتمة القصص جامعة للتسلي والأمر بالمداواة وتخلصًا إلى مشرع آخر وهو قوله تعالى الآتي: {وَلَقَدْ} إلى آخره ففيه حديث الأعراض عن زهرة الحياة الدنيا وهو من أعظم أنواع الضر لكن ذكر في الكشف أن الذي يقتضيه النظم ان قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السموات} إلى آخره جمع بين حاشيتي مفصل الآيات البرهانية والامتنانية ملخص منها مع زيادة مبالغة من الحصر ليلقيه المحتج به إلى المعاندين ويتسلى به عن استهزاء الجاحدين وتمهيد لتطرية ذكر المقصود من كون الذكر كاملًا في شأن الهداية وافيًا بكل ما علق به من الغرض القائم له بحق الرعاية، ثم قال: ومنه يظهر أن الآية عطف على {وَمَا خَلَقْنَا} إلخ عطف الخاص على العام إشارة إلى أنه أتم النعم وأحق دليل وأحق ما يشتفي به عن الغليل وان من أوتيه لا يضره فقد شيء سواه ومن طلب الهوى في غيره ترك وهواه اه فتدبر.