فصل: تفسير الآية رقم (81):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (81):

{فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)}
{فَلَمَّا أَلْقُوْاْ} ما ألقوا من العصى والحبال واسترهبوا الناس وجاؤوا بسحر عظيم {قَالَ} لهم {موسى} غير مكترث بهم وا صنعوا {مَا جِئْتُمْ بِهِ السحر} {مَا} موصولة وقعت مبتدأ و{السحر} خبر وأل فيه للجنس والتعريف لإفادة القصر إفرادًا أي الذي جئتم به هو السحر لا الذي سماه فرعون وملؤه من آيات الله تعالى سحرًا وهو للجنس، ونقل عن الفراء أن أل للعه، لتقدم السحر في قوله تعالى: {إِنَّ هذا لساحر} [يونس: 76] ورد بأن شرط كونها للعهد اتحاد المتقدم والمتأخر ذاتًا كما في {أَرْسَلْنَا إلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فعصى فِرْعَوْنُ الرسول} [المزمل: 15، 16] ولا اتحاد فيما نحن فيه فإن السحر المتقدم ما جاء به موسى عليه السلام وهذا ما جاء به السحرة. ومن الناس من منع اشتراط الاتحاد الذاتي مدعيًا أن الاتحاد في الجنس كاف فقد قالوا في قوله تعالى: {والسلام على} [مريم: 33] إن أل للعهد مع أن السلام الواقع على عيسى عليه السلام غير السلام الواقع على يحيى عليه السلام ذاتًا، والظاهر اشتراط ذلك وعدم كفاية الاتحاد في الجنس وإلا لصح في رأيت رجلًا وأكرمت الرجل إذا كان الأول زيدًا والثاني عمرًا مثلًا أن يقال: إن أل للعه، لأن الاتحاد في الجنس ظاهر ولم نجد من يقوله بل لا أظن أحدًا تحدثه نفسه بذلك وما في الآية من هذا القبيل بل المغايرة بين المتقدم والمتأخر أظهر إذ الأول سحر ادعائي والثاني حقيقي، و{السلام} فيما نقوا متحد وتعدد من وقع عليه لا يجعله متعددًا في العرف والتدقيق الفلسفي لا يلتفت إليه في مثل ذلك.

وقد ذكر بعض المحققين أن القول يكون التعريف للعهد مع دعوى استفادة القصر منه مما يتنافيان لأن القصر إنما يكون إذا كان التعريف للجنس. نعم إذا لم يرد بالنكرة المذكورة أولًا معين ثم عرفت لا ينافي التعريف الجنسية لأن النكرة تساوي تعريف الجنس فحينئذ لا ينافي تعريف العهد القصروان كان كلامهم يخالفه ظاهرًا فليحرر انتهى. وأقول: دعوى الفراء العهد هنا مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، ولعله أراد الجنس وأن عبر بالعهد بناء على ما ذكره الجلال السيوطي في همع الهوامع نقلًا عن ابن عصفور أنه قال: لا يبعد عندي أن يسمى الألف واللام اللتان لتعريف الجنس عهديتين لأن الأجناس عند العقلاء معلومة مذ فهموها والعهد تقدم المعرفة. وادعى أبو الحجاج يوسف بن معزوز أن أل لا تكون إلا عهدية وتأوله بنحو ما ذكر إلا أن ظاهر التعليل لا يساعد ذلك. وقرأ عبد الله {ساحر} بالتنكير، وأبى {مَّا ءاتَيْتُم بِهِ ساحر} والكلام على ذلك مفيد للقصر أيضًا لكن بواسطة التعريض لوقوعه في مقابلة قولهم: {إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} [يونس: 76] وجوز في {مَا} في جميع هذا القراآت أن تكون استفهامية و{السحر} خبر مبتدأ محذوف. وقرأ أبو عمرو. وأبو جعفر {السحر} بقطع الألف ومدها على الاستفهام فما استفهامية مرفوعة على الابتداء و{جِئْتُمْ بِهِ} خبرها و{السحر} خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف، أي شيء جسيم جئتم به أهو السحر أو السحر هو، وقد يجعل السحر بدلًا من {مَا} كما تقول ما عندك أدينار أم درهم، وقد تجعل {مَا} نصبًا بفعل محذوف يقدر بعدها أي أي شيء أتيتم به و{جِئْتُمْ بِهِ} مفسر له وفي {السحر} الوجهان الأولان.
وجوز أن تكون موصولة مبتدأ والجملة الاسمية أي أهو السحر أو السحر هو خبره، وفيه الأخبار بالجملة الإنشائية، ولا يجوز أن تكون على هذا التقدير منصوبة بفعل محذوف يفسره المذكور لأن ما لا يعمل لا يفسر عاملًا.
{إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ} أي سيمحقه بالكلية بما يظهره على يدي من المعجزة فلا يبقى له أثر أصلًا أو سيظهر بطلانه وفساده للناس، والسين للتأكيد {إِنَّ الله لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المفسدين} أي جنسهم على الإطلاق فيدخل فيه السحرة دخولًا أوليًا، ويجوز أن يراد بالمفسدين المخاطبون فيكون من وضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بالافساد والاشعار بعلة الحكم، والجملة تذييل لتعليل ما قبلها وتأكيده، والمراد بعدم إصلاح ذلك عدم إثباته أو عدم تقويته بالتأييد الإلهي لا عدم جعل الفاسد صالحًا لظهور أن ذلك مما لا يكون أي أنه سبحانه لا يثبت عمل المفسدين ولا يديمه بل يزيله ويمحقه أو لا يقويه ولا يؤيده بل يظهر بطلانه ويجعله معلومًا.
واستدل بالآية على أن السحر إفساد وتمويه لا حقيقة له. وأنت تعلم أن في اطلاق القول بأن السحر لا حقيقة له بحثًا، والحق أن منه ما له حقيقة ومنه ما هو تخيل باطل ويسمى شعبذة وشعوذة.

.تفسير الآية رقم (82):

{وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)}
{وَيُحِقُّ الله الحق} أي يثبته ويقويه وهو عطف على قوله سبحانه: {سَيُبْطِلُهُ} [يونس: 81] وإظهار الاسم الجليل في المقامين لإلقاء الروعة وتربية المهابة {بكلماته} أي بأوامره وقضاياه، وعن الحسن أي بوعده النصر لمن جاء به وهو سبحانه لا يخلف ذلك، وعن الجبائي أي بما ينزله مبينًا لمعاني الآيات التي أتى بها نبيه عليه السلام. وقرئ {بكلماته} وفسرت بالأمر واحد الأوامر حسا فسرت الكلمات بالأوامر وأريد منها الجنس فيتطابق القراءتان، وقيل: يحتمل أن يراد بها قول كن وأن يراد بها الأمر واحد الأمور ويراد بالكلمات الأمور والشؤون {وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} ذلك، والمراد بهم كل من اتصف بالإجرام من السحرة وغيرهما.

.تفسير الآية رقم (83):

{فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83)}
{فَمَا ءامَنَ لموسى} عطف على مقدر فصل في موضع آخر أي فألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون إلخ، وإنما لم يذكر تعويلًا على ذلك وإيثار للإيجاز وإيذانًا بأن قوله تعالى: {إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ} [يونس: 81] مما لا يحتمل الخلف أصلًا، ولعل عطفه على ذلك بالفاء باعتبار الإيجاب الحادث الذي هو أحد مفهومي الحصر، فانهم قالوا: معنى ما قام إلا زيد قام زيد ولم يقم غيره، وبعضهم لم يعتبر ذلك وقال: إن عطفه بالفاء على ذلك مع كونه عدمًا مستمرًا من قبيل ما في قوله تعالى: {فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} [هود: 97] وما في قولك: وعظته فلم يتعظ وصحت به فلم ينزجر، والسر في ذلك أن الاتيان بالشيء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه وإن كان استمرارًا عليه لكنه بحسب العنوان فعل جديد وضع حادث أي فما آمن عليه السلام في مبدى أمره {إِلاَّ ذُرّيَّةٌ مّن قَوْمِهِ} أي إلا أولاد بعض بني إسرائيل دعا عليه السلام الآباء فلم يجيبوه خوفًا من فرعون وأجابته طائفة من شبانهم، فالمراد من الذرية الشبان لا الأطفال. و{مِنْ} للتبعيض، وجوز أن تكون للابتداء والتبعيض مستفاد من التنوين، والضمير لموسى عليه السلام كما هو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأخرج ابن جرير عنه أن الضمير لفرعون وبه قال جمع، فالمؤمنون من غير بني إسرائيل ومنهم زوجته آسية وماشطته ومؤمن آل فرعون والخازن وامرأته، وفي إطلاق الذرية على هؤلاء نوع خفاء. ورجح بعضهم ارجاع الضمير لموسى عليه السلام بأنه المحدث عنه وبأن المناس على القول الآخر الاضمار فيما بعد، ورجح ابن عطية ارجاع الضمير لفرعون بأن المعروف في القصص أن بني إسرائيل كانوا في قهر فرعون وكانوا قد بشروا بأن خلاضهم على يد مولود يكون نبيًا صفته كذا كذا فلما ظهر موسى عليه السلام اتبعوه ولم يعرف أن أحدًا منهم خالفه فالظاهر القول الثاني، وما ذكر من أن المحدث عنه موسى عليه السلام لا يخلو عن شيء، فإن لقائل أن يقابل ذلك بأن الكلام في قوم فرعون لأنهم القائلون إنه ساحر ولأن وعظ أهل مكة وتخويفهم المسوق له الآيات قاض بأن المقصود هنا شرح أحوالهم. وأنت تعلم أن للبحث في هذا مجالًا والمعروف بعد تسليم كونه معروفًا لا يضر القول الأول لأن المراد حينئذ فما أظهر إيمانه وأعلن به الاذرية من بني إسرائيل دون غيرهم فانهم أخفوه ولم يظهروه {على خَوْفٍ} حال من ذرية و{على} عنى مع كما قيل في قوله تاعلى: {وَءاتَى المال على حُبّهِ} [البقرة: 177] والتنوين للتعظيم أي كائنين مع خوف عظيم {مِن فِرْعَوْنَ} الضمير لفرعون، والجمع عند غير واحد على ما هو المعتاد في ضمائر العظماء.
ورد بأن الوارد في كلام العرب الجمع في ضمير المتكلم كنحن وضمير المخاطب كما في قوله تعالى: {رَبّ ارجعون} [المؤمنون: 99] وقوله:
ألا فارحموني يا اله محمد

ولم ينقل في ضمير الغائب كما نقل عن الرضى، وأجيب بأن الثعالبي. والفارسي نقلًا في الغائب أيضًا والمثبت مقدم على النافي، وبأنه لا يناسب تعظيم فرعون فإن كان على زعمه وزعم قومه فإنما يحسن في كلام ذكر أنه محكى عنهم وليس فليس. ويجاب بأن المراد من التعظيم تنزيله منزلة المتعدد، وكونه لا يناسب في حيز المنع، لم لا يجوز أن يكون مناسبًا لما فيه من الإشارة إلى مزيد عظم الخوف المتضمن زيادة مدح المؤمنين؟ وقيل: إن ذلك وارد على عادتهم في محاوراتهم في مجرد جمع ضمير العظماء وإن لم يقصد التعظيم أصلًا فتأمله، وجوز أن يكون الجمع لأن المراد من {فِرْعَوْنُ} آله كما يقال: ربيعة. ومضر. واعترض عليه بأن هذا إنما عرف في القبيلة وأبيها إذ يطلق اسم الأب عليهم وفرعون ليس من هذا القبيل، على أنه قد قيل: إن اطلاق أبي نحو القبيلة عليها لا يجوز ما لم يسمع ويتحقق جعله علمًا لها، ألا تراهم لا يقولون: فلان من هاشم ولا من عبد المطلب بل من بني هاشم وبني عبد المطلب فكيف يراد من فرعون آله ولم يتحقق فيه جعله علمًا لهم، ودعوى التحقق هنا أول المسألة فالقول بأن الجمع لأن المراد به آله كربيعة ليس بشيء إلا أن يراد أن فرعون ونحوه من الملوك إذا ذكر خطر بالباب خطر أتباعه معه فعاد الضمير على ما في الذهن، وتمثيله بما ذكر لأنه نظيره فـ الجملة، ثم إنه لا يخفى أنه إذا أريد من فرعون آله ينبغي أن يراد من {فِرْعَوْنَ أَشَدَّ} فرعون وآله على التغليب، وقيل: إن الكلام على حذف مضاف أي آل فرعون فالضمير راجع إلى ذلك المحذوف، وفيه أن الحذف يعتمد القرينة ولا قرينة هنا، وضميير الجمع يحتمل رجوعه لغير ذلك المحذوف كما ستعلمه قريبًا إن شاء الله تعالى فلا يصلح لأن يكون قرينة، وأما أن المحذوف لا يعود إليه ضمير كما قال أبو البقاء فليس بذاك لأنه إن أريد أنه لا يعود إليه مطلقًا فغير صحيح؛ وإن أريد إذا حذف لقرينة فممنوع لأنه حينئذٍ في قوا المذكور، وقد كثير عود الضمير إليه كذلك في كلام العرب، وقريب من هذا القيل زعم أن هناك معطوفًا محذوفًا إليه يعود الضمير أي على خوف من فرعون وقومه وملئهم، ويرد عليه أيضًا ما قيل: إن هذا الحذف ضعيف غير مطرد.
وقيل: الضمير للذرية أو للقوم أي على خوف من فرعون ومن أشراف بني إسرائيل حيث كانوا يمنعونهم خوفًا من فرعون عليهم أو على أنفسهم، أو من أشراف القبط ورؤسائهم حيث كانوا يمنعونهم انتصارًا لفرعون، ولعل المنساق إلى الذهن رجوعه إلى الذرية والجمع باعتبار المعنى، ويؤول المعنى إلى أنهم آمنوا على خوف من فرعون ومن أشراف قومهم {أَن يَفْتِنَهُمْ} أي يبتليهم ويعذبهم، وأصل الفتن كما قال الراغب إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته واستعمل في إدخال الإنسان النار كما في قوله سبحانه: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] ويسمي ما يحصل منه العذاب فتنة ويستعمل في الاختيار وعنى البلاء والشدة وهو المراد هنا، و{ءانٍ} وما بعدها في تأويل مصدر وقع بدلًا من فرعون بدل اشتمال أي على خوف من فرعون فتنته، ويجوز أن يكون مفعول {خوْفٍ} لأنه مصدر منكر كثر إعماله، وقيل: إنه مفعول له والأصل لأن يفتنهم فحذف الجار وهو مما يطرد فيه الحذف، ولا يضر في مثل هذا عدم اتحاد فاعل المصدر والمعلل به على أن مذهب بعض الأئمة عدم اشتراط ذلك في جواز النصب وإليه مال الرضى وأيده بما ذكرناه في حواشينا على شرط القطر للمصنف، وإسناد الفعل إلى فرعون خاصة لأنه مدار أمر التعذيب، وفي الكلام استخدام في رأي حيث أريد من فرعون أولًا آله وثانيًا هو وحده وأنت تعلم ما فيه.
{وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرض} أي لغالب قاهر في أرض مصر، واستعمال العلو بالغلبة والقهر مجاز معروف {وَإِنَّهُ لَمِنَ المسرفين} أي المتجاوزي الحد في الظلم والفساد بالقتل وسفك الدماء أو في الكبر والعتو حتى ادعى الربوبية واسترق أسباط الأنبياء عليهم السلام، والجملتان اعتراض تذييلي مؤكد لمضمون ما سبق وفيهما من التأكيد ما لا يخفى.

.تفسير الآية رقم (84):

{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84)}
{وَقَالَ مُوسَى} لما رأى تخوف المؤمنين {ياقوم إِن كُنتُمْ ءامَنْتُمْ بالله} أي صدقتم به وبآياته {فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ} أي اعتمدوا لا على أحد سواه فإنه سبحانه كافيكم كل شر وضر.
{إِن كُنْتُم مُّسْلِمِينَ} أي مستسلمين لقضاء الله تعالى مخلصين له، وليس هذا من تعليق الحكم بشرطين بل من تعليق شيئين بشرطين لأنه علق وجوب التوكل المفهوم من الأمر وتقديم المتعلق بالإيمان فإنه المقتضى له وعلق نفس التوكل ووجوده بالإسلام والإخلاص لأنه لا يتحقق مع التخليط، ونظير ذلك إن دعاك زيد فأجبه إن قدرت عليه فإن وجوب الإجابة معلق بالدعوة ونفس الدعوة معلقة بالقدرة، وحاصله إن كنتم آمنتم بالله فيجب عليكم التوكل عليه سبحانه فافعلوه واتصفوا به إن كنتم مستسلمين له تعالى.
وهذا النوع على ما في الكشف يفيد مبالغة في ترتب الجزاء على الشرط على نحو إن دخلت الدار فأنت طالق إن كنت زوجتي وجعله بعضهم من باب التعليق بشرطين المقتضى لتقدم الشرط الثاني على الأول في الوجود حتى لو قال: إن كلمت زيدًا فأنت طالق إن دخلت الدار لم تطلق ما لم تدخل قبل الكلام لأن الشرط الثاني شرط للأول فيلزم تقدمه عليه، وقرره بأن هاهنا ثلاثة أشياء: الإيمان. والتوكل. والإسلام، والمراد بالإيمان التصديق وبالتوكل إسناد الأمور إليه عز وجل، وبالإسلام تسليم النفس إليه سبحانه وقطع الأسباب فعلق التوكل بالتصديق بعد تعليقه بالإسلام لأن الجزاء معلق بالشرط الأول وتفسير للجزاء الثاني كأنه قيل: إن كنتم مصدقين بالله تعالى وآياته فخصوه سبحانه بإسناد جميع الأمور إليه وذلك لا يتحصل إلا بعد أن تكونوا مخلصين لله تبارك وتعالى مستسلمين بأنفسكم له سبحانه ليس للشيطان فيكم نصيب وإلا فاتركوا أمر التوكل.
ويعلم منه أن ليس لكل أحد من المؤمنين الخوض في التوكل بل للآحاد منهم وأن مقام التوكل دون مقام التسليم والأكثر على الأول ولعله أدق نظرًا.