فصل: تفسير الآية رقم (87):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (86):

{فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)}
{فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} أي غير مربوبين من دان السلطان الرعية إذا ساسهم وتعبدهم، ومنه قيل للعبد: مدين وللأمة مدينة قال الأخطل:
ربت وربا في حجرها ابن مدينة ** تراه على مسحاته يتركل

والكلام ناظر إلى قوله تعالى: {نَحْنُ خلقناكم فَلَوْلاَ تُصَدّقُونَ} [الواقعة: 57]، وقيل: هو من دان عنى انقاد وخضع، وتجوز به عن الجزاء كما في قولهم كما تدين تدان أي فلولا إن كنتم غير مجزيين وجعل ناظرًا لإنكارهم البعث وليس بشيء.

.تفسير الآية رقم (87):

{تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)}
{تَرْجِعُونَهَا} أي الروح إلى مقرها والقائلون بالتجرد يقولون أي ترجعون تعلقها كما كان أولًا.
{إِن كُنتُمْ صادقين} في اعتقادكم عدم خالقيته تعالى فإن عدم تصديقهم بخالقيته سبحانه لهم عبارة عن تصديقهم بعدمها على مذهبهم، وفي البحر وغيره إن كنتم صادقين في تعطيلكم وكفركم بالمحيي والمميت المبدئ المعيد ونسبتكم إنزال المطر إلى الأنواء دونه عز وجل، وترجعون المذكور هو العامل بإذا الظرفية في {إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم} [الواقعة: 83] وهو المحضض عليه بلولا الأولى، و{لَوْلاَ} الثانية تكرير للتأكيد، و{لَوْلاَ} الأولى مع ما في حيزها دليل جواب الشرط الأول أعني {إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [الواقعة: 86] والشرط الثاني مؤكد للأول مبين له، وقدم أحد الشرطين على {تَرْجِعُونَهَا} للاهتمام والتقدير فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مربوبين صادقين فيما تزعمونه من الاعتقاد الباطل فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم وحاصل المعنى أنكم إن كنتم غير مربوبين كما تقتضيه أقوالكم وأفعالكم فما لكم لا ترجعون الروح إلى البدن إذا بلغت الحلقوم وتردونها كما كانت بقدرتكم أو بواسطة علاج للطبيعة، وقوله تعالى: {وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} [الواقعة: 84] جملة حالية من فاعل {بَلَغَتِ} [الواقعة: 83] والاسمية المقترنة بالواو لا تحتاج في الربط للضمير لكفاية الواو فلا حاجة إلى القول بأن العائد ما تضمنه حينئذٍ لأن التنوين عوض عن جملة أي فلولا ترجعونها زمان بلوغها الحلقوم حال نظركم إليه وما يقاسيه من هول النزع مع تعطفكم عليه وتوفركم على إنجائه من المهالك، وقوله سبحانه: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ} [الواقعة: 85] إلخ اعتراض يؤكد ما سيق له الكلام من توبيخهم على صدور ما يدل على سوء اعتقادهم بربهم سبحانه منهم، وفي جواز جعله حالًا مقال.
وقال أبو البقاء: {تَرْجِعُونَهَا} جواب {لَوْلاَ} الأولى، وأغني ذلك عن جواب الثانية، وقيل: عكس ذلك.
وقيل: {إِن كُنتُمْ} شرط دخل على شرط فيكون الثاني مقدمًا في التقدير أي إن كنتم صادقين إن كنتم غير مربوبين فارجعوا الأرواح إلى الأبدان وما ذكرناه سابقًا اختيار جار الله وأيًا مّا كان فقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (88):

{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88)}
{فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المقربين} إلى آخره شروع في بيان حال المتوفى بعد الممات إثر بيان حاله عند الوفاة وضمير {كَانَ} للمتوفى المفهوم مما مر أي فأما إن كان المتوفى الذي بين حاله من السابقين من الأزواج الثلاثة عبر عنهم بأجل أوصافهم.

.تفسير الآية رقم (89):

{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89)}
{فَرَوْحٌ} أي فله روح على أنه مبتدأ خبره محذوف مقدم عليه لأنه نكرة، وقيل: خبر مبتدأ محذوف أي فجزاؤه روح أي استراحة، والفاء واقعة في جواب أما، قال بعض الأجلة: تقدير هذا الكلام مهما يكن من شيء فروح إلخ إن كان من المقربين فحذف مهما يكن من شيء، وأقيم أما مقامه ولم يحسن أن يلي الفاء أما، فأوقع الفصل بين أما والفاء بقوله سبحانه: {إِن كَانَ مِنَ المقربين} [الواقعة: 88] لتحسين اللفظ كما يقع الفصل بينهما بالظرف والمفعول، والفاء في {فَرَوْحٌ} وأخويه جواب أما دون {ءانٍ}، وقال أبو البقاء: جواب أما {فَرَوْحٌ}، وأما {ءانٍ} فاستغنى بجواب أما عن جوابها لأنه يحذف كثيرًا، وفي البحر أنه إذا اجتمع شرطان فالجواب للسابق منهما، وجواب الثاني محذوف، فالجواب هاهنا لأما، وهذا مذهب سيبويه.
وذهب الفارسي إلى أن المذكور جواب {ءانٍ} وجواب أما محذوف، وله قول آخر موافق لمذهب سيبويه.
وذهب الأخفش إلى أن المذكور جواب لهما معًا، وقد أبطلنا المذهبين في شرح التسهيل انتهى، والمشهور أنه لابد من لصوق الاسم لأما وهو عند الرضي وجماعة أكثري لهذه الآية، والذاهبون إلى الأول قالوا: هي بتقدير فأما المتوفى {إِن كَانَ} وتعقب بأنه لا يخفى أن التقدير مستغنى عنه ولا دليل عليه إلا اطراد الحكم، ثم إن كون أما قائمة مقام مهما يكن أغلبي إذ لا يطرد في نحو أما قريشًا فأنا أفضلها إذ التقدير مهما ذكرت قريشًا فأنا أفضلها، وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من كتب العربية.
وأخرج الإمام أحمد. والبخاري في تاريخه. وأبو داود. والنسائي. والترمذي وحسنه. والحاكم وصححه. وآخرون عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ {فَرَوْحٌ} بضم الراء، وبه قرأ ابن عباس. وقتادة. ونوح القارئ. والضحاك. والأشهب. وشعيب. وسليمان التيمي. والربيع بن خيثم. ومحمد بن علي. وأبو عمران الجوني. والكلبي. وفياض. وعبيد. وعبد الوارث عن أبي عمرو. ويعقوب بن حسان. وزيد. ورويس عنه. والحسن وقال: {الروح} الرحمة لأنها كالحياة للمرحوم، أو سبب لحياته الدائمة فإطلاقه عليها من باب الاستعارة أو المجاز المرسل، وروي هذا عن قتادة أيضًا، وقال ابن جني: معنى هذه القراءة يرجع إلى معنى الروح فكأنه قيل: فله ممسك روح وممسكها هو الروح كما تقول: الهواء هو الحياة وهذا السماع هو العيش، وفسر بعضهم الروح بالفتح الرحمة أيضًا كما في قوله تعالى: {وَلاَ تَايْئَسُواْ مِن رَّوْحِ الله} [يوسف: 87] وقيل: هو بالضم البقاء {وَرَيْحَانٌ} أي ورزق كما روي عن ابن عباس. ومجاهد. والضحاك، وفي رواية أخرى عن الضحاك أنه الاستراحة، وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه قال: هو هذا الريحان أي المعروف.
وأخرج ابن جرير عنه أنه قال: تخرج روح المؤمن من جسده في ريحانة؛ ثم قرأ {فَأَمَّا إِن كَانَ} [الواقعة: 88] إلخ.
وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: لم يكن أحد من المقربين يفارق الدنيا حتى يؤتى بغصنين من ريحان الجنة فيشمهما ثم يقبض {وجنات نَعِيمٍ} أي ذات تنعم فالإضافة لامية أولادنى ملابسة، وهذا إشارة إلى مكان المقربين بحيث يلزم منه أن يكونوا أصحاب نعيم.
وأخرج الإمام أحمد في الزهد. وابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. وابن المنذر عن الربيع بن خيثم قال في قوله تعالى: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المقربين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ}: هذا له عند الموت، وفي قوله تعالى: {وَجَنَّةٍ نَعِيمٍ} تخبأ له الجنة إلى يوم يبعث ولينظر ما المراد بالريحان على هذا، وعن بعض السلف ما يقتضي أن يكون الكل في الآخرة.

.تفسير الآية رقم (90):

{وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90)}
{وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أصحاب اليمين} عبر عنهم بالعنوان السابق إذ لم يذكر لهم فيما سبق وصف ينبئ عن شأنهم سواه كما ذكر للفريقين الأخيرين، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (91):

{فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)}
{فسلام لَّكَ مِنْ أصحاب اليمين} قيل: هو على تقدير القول أي فيقال لذلك المتوفى منهم سلام لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين أي يسلمون عليك كقوله تعالى: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا إِلاَّ قِيلًا سلاما سلاما} [الواقعة: 25، 26] فالخطاب لصاحب اليمين ولا التفات فيه مع تقدير القول، و{مِنْ} للابتداء كما تقول سلام من فلان على فلان وسلام لفلان منه.
وقال الطبري: معناه فسلام لك أنت من أصحاب اليمين، فمن أصحاب اليمين خبر مبتدأ محذوف والكلام بتقدير القول أيضًا، وكأن هذا التفسير مأخوذ من كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
أخرج ابن جرير. وابن المنذر عنه أنه قال في ذلك: تأتيه الملائكة من قبل الله تعالى تسلم عليه وتخبره أنه من أصحاب اليمين، والظاهر أن هذا على هذا المعنى عند الموت، وأنه على المعنى السابق في الجنة.
وجوز أن يكون المعنى فسلامة لك عما يشغل القلب من جهتهم فإنهم في خير أي كن فارغ البال عنهم لا يهمك أمرهم، وهذا كما تقول لمن علق قلبه بولده الغائب وتشوش فكره لا يدري ما حاله كن فارغ البال من ولدك فإنه في راحة ودعة، والخطاب لمن يصلح له أو لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم، وعليه قيل: يجوز أن يكون ذلك تسلية له عليه الصلاة والسلام على معنى أنهم غير محتاجين إلى شفاعة وغيرها، ولا يخفى أن كون جميع أصحاب اليمين غير محتاجين إلى ما ذكر غير مسلم فالشفاعة لأهل الكبائر أمر ثابت عند أهل السنة ولا جائز أن يكونوا من أصحاب الشمال فصرائح الآيات أنهم كفار {مَا للظالمين مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18] وكونهم من أصحاب اليمين أقرب من كونهم من السابقين وجعلهم قسمًا على حدة قد علمت حاله فتذكر فما في العهد من قدم.
وذكر بعض الأجلة أن هذه الجملة كلام يفيد عظمة حالهم كما يقال فلان ناهيك به وحسبك أنه فلان إشارة إلى أنه ممدوح فوق حد التفصيل، وكأني بك تختار ذلك فإنه حسن لطيف.

.تفسير الآية رقم (92):

{وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92)}
{وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المكذبين الضالين} وهم أصحاب الشمال عبر عنهم بذلك حسا وصفوا به عند بيان أحوالهم بقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضالون المكذبون} [الواقعة: 51] ذمًّا لهم بذلك وإشعارًا بسبب ما ابتلوا به من العذاب، ولما وقع هذا الكلام بعد تحقق تكذيبهم ورده على أتم وجه ولم يقع الكلام السابق كذلك قدم وصف التكذيب هنا على عكس ما تقدم، ويجوز أن يقال في ذلك على تقدير عموم متعلق التكذيب بحيث يشمل تكذيبه صلى الله عليه وسلم في دعوى الرسالة إن هذا الكلام إخبار من جهته سبحانه بأحوال الأزواج الثلاثة لم يؤمر عليه الصلاة والسلام بأن يشافه بكل جملة منه من هي فيه فقدم فيه وصف التكذيب الشامل لتكذيبه عليه الصلاة والسلام المشعر بسبب الابتلاء بالعذاب كرامة له صلى الله عليه وسلم وتنويهًا بعلو شأنه، ولما كان الكلام السابق داخلًا في حيز القول المأمور عليه الصلاة والسلام بأن يشافه به أولئك الكفرة لم يحسن التقديم للكرامة إذ يكون حينئذٍ من باب مادح نفسه يقرئك السلام، ويجوز أن يقال أيضًا إن الكلام في حال الكافر المحتضر والتكذيب لكونه مقابل التصديق لا يكون إلا بالقلب وهو لم يتعطل منه تعطل سائر أعضائه فلذا قدم هنا، ويرشد إلى هذا ما قالوه في دعاء صلاة الجنازة اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان من وجه تخصيص الإسلام بالإحياء والإيمان بالإماتة.
وقال الإمام في ذلك: إن المراد من الضلال هناك ما صدر عنهم من الإصرار على الحنث العظيم فضلوا عن سبيل الله تعالى ولم يصلوا إليه ثم كذبوا رسله، {وَقَالُواْ أَءذَا مِتْنَا} إلخ فكذبوا بالحشر فقال تعالى: {أَيُّهَا الضالون} الذين أشركتم المكذبون الذين أنكرتم الحشر لآكلون ما تكرهون، وأما هنا فقال سبحانه لهم: أيها المكذبون الذين كذبتم بالحشر الضالون من طريق الخلاص الذين لا يهتدون إلى النعيم، وفيه وجه آخر وهو أن الخطاب هناك مع الكفار فقال سبحانه: أيها الذين أشركتم أولًا وكذبتم ثانيًا، والخطاب هنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يبين له عليه الصلاة والسلام حال الأزواج الثلاثة كما يدل عليه. فسلام لك فقال سبحانه: المقربون في روح وريحان وجنة ونعيم وأصحاب اليمين في سلامة، وأما المكذبون الذين كذبوك وضلوا فقدم تكذيبهم إشارة إلى كرامته صلى الله عليه وسلم حيث بين أن أقوى سبب في عقابهم تكذيبهم انتهى.
وعليك بالتأمل والإنصاف والنظر لما قال دون النظر لمن قال، وقوله تعالى: