فصل: تفسير الآية رقم (88):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (85):

{وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)}
{واجعلنى} في الآخرة {مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم} قد مر معني وراثة الجنة فتذكر. واستدل بدعائه عليه السلام بهذا بعدما تقدم من الأدعية على أن العمل الصالح لا يوجب دخول الجنة وكذا كون العبد ذا منزلة عند الله عز وجل وإلا لاستغنى عليه السلام بطلب الكمال في العلم والعمل وكذا بطلب الإلحاق بالصالحين ذوي الزلفى عنده تعالى عن طلب ذلك، وأنت تعلم أنه تحسن الإطالة في مقام الابتهال ولا يستغنى لزوم عن لازم في المقال فالأولى الاستدلال على ذلك بغير ما ذكر وهو كثير مشتهر، هذا وفي بعض الآثار ما يدل على مزيد فضل هذه الأدعية.
أخرج ابن أبي الدنيا في الذكر. وابن مردويه من طريق الحسن عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا توضأ العبد لصلاة مكتوبة فاسبغ الوضوء ثم خرج من باب داره يريد المسجد فقال حين يخرج بسم الله الذي خلقني فهو يهدي هداه الله تعالى للصواب ولفظ ابن مردويه لصواب الأعمال والذي هو يطعمني ويسقين أطعمه الله تعالى من طعام الجنة وسقاه من شراب الجنة وإذا مرضت فهو يشفين شفاه الله تعالى وجعل مرضه كفارة لذنوبه والذي يميتني ثم يحيين أحياه الله تعالى حياة السعداء وأماته ميتة الشهداء والذي أطمع أن يغفر لى خطيئتي يوم الدين غفر الله تعالى له خطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر رب هب لي حكمًا وألحقني بالصالحين وهب الله تعالى له حكمًا وألحقه بصالح من مضى وصالح من بقى واجعل لي لسان صدق في الآخرين كتب في ورقة بيضاء أن فلان بن فلان من الصادقين ثم يوفقه الله تعالى بعد ذلك للصدق واجعلني من ورثة جنة النعيم جعل الله تعالى له القصور والمنازل في الجنة» وكان الحسن رضي الله تعالى عنه يزيد فيه واغفر لوالدي كما ربياني صغيرًا وكأنه أخذ من قوله:

.تفسير الآية رقم (86):

{وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86)}
{واغفر لاِبِى} قال ابن عباس كما أخرج عنه ابن أبي حاتم أي أمنن عليه بتوبة يستحق بها مغفرتك، وحاصله وفقه للايمان كما يلوح به تعليله بقوله: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضالين} وهذا ظاهر إذا كان هذا الدعاء قبل موته وإن كان بعد الموت فالدعاء بالمغفرة على ظاهره وجاز الدعاء بها لمشرك والله تعالى لا يغفر أن يشرك به لأنه لم يوح إليه عليه السلام بذلك إذ ذاك والعقل لا يحكم بالامتناع، وفي «شرح مسلم» للنووي إن كونه عز وجل لا يغفر الشرك مخصوص بهذه الأمة وكان قبلهم قد يغفر وفيه بحث، وقيل: لأنه كان يخفي الايمان تقية من نمروذ ولذلك وعده بالاستغفار فلما تبين عداوته للايمان في الدنيا بالوحي أو في الآخرة تبرأ منه.
وقوله على هذا: {مِنَ الضالين} بناء على ما ظهر لغيره من حاله أو معناه من الضالين في كتم إيمانه وعدم اعترافه بلسانه تقية من نمروذ، والكلام في هذا المقام طويل وقد تقدم شيء منه فتذكر.

.تفسير الآية رقم (87):

{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)}
{وَلاَ تَحْزَنِى} بتعذيب أبي أو ببعثه في عداد الضالين بعدم توفيقه للايمان أو عاتبتي على ما فرطت أو بنقص رتبتي عن بعض الوراث أو بتعذيبي.
وحيث كانت العاقبة مجهولة وتعذيب من لا ذنب له جائز عقلًا صح هذا الطلب منه عليه السلام، وقيل: يجوز أن يكون ذلك تعليمًا لغيره وهو من الخزي عنى الهوان أو من الخزاية بفتح الخاء عنى الحياء {يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي الناس كافة، والإضمار وإن لم يسبق ذكرهم لما في عموم البعث من الشهرة الفاشية المغنية عنه، وقيل: الضمير للضالين والكلام من تتمة الدعاء لأبيه كأنه قال: لا تخزني يوم يبعث الضالون وأبي فيهم، ولا يخفى أنه يجوز على الأول أن يكون من تتمة الدعاء لأبيه أيضًا، واستظهر ذلك لأن الفصل بالدعاء لأبيه بين الدعوات لنفسه خلاف الظاهر، وعلى ما ذكر يكون قد دعا لأشد الناس التصاقًا به بعد أن فرغ من الدعاء لنفسه.

.تفسير الآية رقم (88):

{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)}
{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ} بدل من {يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: 87] جيء به تأكيدًا لتهويل ذلك اليوم وتمهيدًا لما يعقبه من الاستثناء وهو إلى قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} [الشعراء: 103] بدل من {يَوْمِ يُبْعَثُونَ} جيء به تأكيدًا لتهويل ذلك اليوم وتمهيدًا لما يعقبه من الاستثناء وهو إلى قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} إلخ من كلام إبراهيم عليه السلام، وابن عطية بعد أن أعرب الظرف بدلًا من الظرف الأول قال: إن هذه الآيات عندي منقطعة عن كلام إبراهيم عليه السلام وهي أخبار من الله عز وجل تتعلق بصفة ذلك اليوم الذي طلب إبراهيم أن لا يخزيه الله تعالى فيه، ولا يخفى عدم صحة ذلك مع البدلية، والمراد بالبنون معناه المتبادر، وقيل: المراد بهم جميع الأعوان، وقيل: المعنى يوم لا ينفع شيء من محاسن الدنيا وزينتها، واقتصر على ذكر المال والبنين لأنهما معظم المحاسن والزينة وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (89):

{إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)}
{إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} استثناء من أعم المفاعيل، و{مِنْ} محل نصب أي يوم لا ينفع مال وإن كان مصروفًا في الدنيا إلى وجوه البر والخيرات ولا بنون وإن كانوا صلحاء مستأهلين للشفاعة أحدًا إلا من أتى بقلب سليم عن مرض الكفر والنفاق ضرورة اشتراط نفع كل منهما بالايمان، وفي هذا تأييد لكون استغفاره عليه السلام لأبيه طلبًا لهدايته إلى الايمان لاستحالة طلب مغفرته بعد موته كافرًا مع علمه عليه السلام بعدم نفعه لأنه من باب الشفاعة، وقيل: هو استثناء من فاعل {ينفَعُ} ومن في محل رفع بدل منه والكلام على تقدير مضاف إلى من أي لا ينفع مال ولا بنون الأمال وبنو من أتى الله بقلب سليم حيث أنفق ماله في سبيل البر وأرشد بنيه إلى الحق وحثهم على الخير وقصد بهم أن يكونوا عبادًا لله تعالى مطيعين شفعاء له يوم القيامة، وقيل: هو استثناء مما دل عليه المال والبنون دلالة الخاص على العام أعني مطلق الغني والكلام بتقدير مضاف أيضًا كأنه قيل: يوم لا ينفع غني إلا غني من أتى الله بقلب سليم وغناه سلامة قلبه وهو من الغنى الديني وقد أشير إليه في بعض الأخبار.
أخرج أحمد. والترمذي. وابن ماجه عن ثوبان قال: لما نزلت {والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة} [التوبة: 34] الآية قال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو علمنا أي المال خير اتخذناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة صالحة تعين المؤمن على إيمانه» وقيل: هو استثناء منقطع من {مَّالِ} [الشعراء: 88] والكلام أيضًا على تقدير مضاف أي لا ينفع مال ولا بنون إلا حال من أتى الله بقلب سليم، والمراد بحاله سلامة قلبه، قال الزمخشري: ولابد من تقدير المضاف ولو لم يقدر لم يحصل للاستثناء معنى، ومنع ذلك أبو حيان بأنه لو قدر مثلًا لكن من أتى الله بقلب سليم يسلم أو ينتفع يستقيم المعنى. وأجاب عنه في الكشف بأن المراد أنه على طريق الاستثناء من مال لا يتحصل المعنى بدون تقدير المضاف، وما ذكره المانع استدراك من مجموع الجملة إلى جملة أخرى وليس من المبحث في شيء، ولما لم يكن هذا مناسبًا للمقام جعله الزمخشري مفروغًا عنه فلم يلم عليه بوجه، وقد جوز اتصال الاستثناء بتقدير الحال على جعل الكلام من باب:
تحية بينهم ضرب وجيع

ومثاله أن يقال: هل لزيد مال وبنون فتقول ماله وبنوه سلامة قلبه تريد نفي المال والبنين عنه وإثبات سلامة القلب بدلًا عن ذلك، هذا وكون المراد من القلب السليم القلب السليم عن مرض الكفر والنفاق هو المأثور عن ابن عباس.
ومجاهد. وقتادة. وابن سيرين. وغيرهم، وقال الإمام: هو الخالي عن العقائد الفاسدة والميل إلى شهوات الدنيا ولذاتها ويتبع ذلك الأعمال الصالحات إذ من علامة سلامة القلب تأثيرها في الجوارح.
وقال سفيان: هو الذي ليس فيه غير الله عز وجل، وقال الجنيد قدس سره: هو اللديغ من خشية الله تعالى القلق المنزعج من مخافة القطيعة وشاع إطلاق السليم في لسان العرب على اللديغ، وقيل: هو الذي سلم من الشرك والمعاصي وسلم نفسه لحكم الله تعالى وسالم أولياءه وحارب أعداءه وأسلم حيث نظر فعرف واستسلم وانقاد لله تعالى وأذعن لعبادته سبحانه، والأنسب بالمقام المعنى المأثور وما ذكر من تأويلات الصوفية، وقال في الكشاف فيما نقل عن الجنيد قدس سره وما بعده: إنه من بدع التفاسير وصدقه أبو حيان بذلك في شأن الأول.

.تفسير الآية رقم (90):

{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90)}
{وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ} عطف على {لاَّ ينفَعُ} [الشعراء: 88] وصيغة الماضي فيه وفيما بعده من الجمل المنتظمة معه في سلك العطف للدلالة على تحقق الوقوع وتقرره كما أن صيغة المضارع في المعطوف عليه للدلالة على الاستمرار وهو متوجه إلى النفع فيدل الكلام على استمرار انتفاء النفع واستمراره حسا يقتضيه مقام التهويل أي قربت الجنة للمتقين عن الكفر، وقيل: عنه وعن سائر المعاصي بحيث يشاهدونه من الموقف ويقفون على ما فيها من فنون المحاسن فيبتهجون بأنهم المحشرون إليها.

.تفسير الآية رقم (91):

{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)}
{وَبُرّزَتِ الجحيم لِلْغَاوِينَ} الضالين عن طريق الحق وهو التقوى والايمان أي جعلت بارزة لهم بحيث يرونها مع ما فيها من أنواع الأحوال الهائلة ويتحسرون على أنهم المسوقون إليها، وفي اختلاف الفعلين على ماذكره بعض المحققين ترجيح لجانب الوعد لأن التعبير بالأزلاف وهو غاية التقريب يشير إلى قرب الدخول وتحققه ولذا قدم لسبق رحمته تعالى بخلاف الإبراز وهو الإراءة ولو من بعد فإنه مطمع في النجاة كما قيل من العمود إلى العمود فرج، وقال ابن كمال: في اختلاف الفعلين دلالة على أن أرض الحشر قريبة من الجحيم، وحاصله أن الجنة بعيدة من أرض المحشر بعدًا مكانيًا والنار قريبة منها قربًا مكانيًا فلذا أسند الازلاف أي التقريب إلى الجنة دون الجحيم، قيل: ولعله مبني على أن الجنة في السماء وأن النار تحت الأرض وأن تبديل الأرض يوم القيامة دها واذهاب كريتها إذ حينئذ يظهر أمر البعد والقرب لكن لا يخفى أن كون الجنة في السماء مما يعتقده أهل السنة وليس في ذلك خلاف بينهم يعتد به وأما كون النار تحت الأرض ففيه توقف، وقال الجلال السيوطي في «إتمام الدراية»: نعتقد أن الجنة في السماء ونقف عن النار ونقول: محلها حيث لا يعلمه إلا الله تعالى فلم يثبت عندي حديث اعتمده في ذلك، وقيل: تحت الأرض انتهى، وكون تبديل الأرض دها وإذهاب كريتها قول لبعضهم، واختار الإمام القرطبي بعد أن نقل في التذكرة أحاديث كثيرة أن تبديل الأرض عنى أن الله سبحانه يخلق أرضًا أخرى بيضاء من فضة لم يسفك عليها دم حرام ولا جرى فيها ظلم قط، والأولى أن يقال في بعد الجنة وقرب النار من أرض المحشر: إن الوصول إلى الجنة بالعبور على الصراط وهو منصوب على متن جهنم كما نطقت به الأخبار فالوصول إلى جهنم أولًا وإلى الجنة آخرًا بواسطة العبور وهو ظاهر في القرب والبعد، ثم أن ظاهر الآية يقتضي أن الجنة تنقل عن مكانها اليوم يوم القيامة إذ التقريب يستدعي النقل وليس في الأحاديث على ما نعلم ما يدل على ذلك نعم جاء فيها ما يدل على نقل النار.
ففي التذكرة أخرج مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك»، والظاهر أن معنى يؤتى بها يجاء بها من المحل الذي خلقها الله تعالى فيه وقد صرح بذلك في التذكرة، وقال أبو بكر الرازي في أسئلته فإن قيل: قال الله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ} [الشعراء: 90] أي قربت والجنة لا تنتقل عن مكانها ولا تحول قلنا: معناه وأزلفت المتقون إلى الجنة وهذا كما يقال الحاج إذا دنوا إلى مكة قربت مكة منا، وقيل: معناه أنها كانت محجوبة عنهم فلما رفعت الحجب بينها وبينهم كان ذلك تقريبًا انتهى، ويرد على الأخير أنه يمكن أن يقال مثله في الجحيم وحينئذ يسئل عن وجه اختلاف الفعلين.
ويرد على القول بأن الجنة لا تنتقل عن مكانها أنه خلاف ظاهر الآية ولا يلزم لصحة القول به نقل حديث يدل على نقلها يومئذ فلا مانع من القول به وتفويض الكيفية إلى علم من لا يعجزه شيء وهو بكل شيء عليم وإذا أريد التأويل فليكن ذلك يحمل التقريب على التقريب بحسب الرؤية وإن لم يكن هناك نقل فقد يرى الشيء قريبًا وإن كان في نفس الأمر في غاية البعد كما يشاهد ذلك في النجوم، وقد يقرب البعيد في الرؤية بواسطة المناطر والآلات الموضوعة لذلك وقد ينعكس الحال بواسطتها أيضًا فيرى القريب بعيدًا ومتى جاز وقوع ذلك بواسطة الآلات في هذه النشأة جاز أن يقع في النشأة الأخرى بما لا يعلمه إلا اللطيف الخبير فتأمل والله تعالى أعلم.
وقرأ الأعمش {فبرزت} بالفاء، وقرأ مالك بن دينار {لِلْمُتَّقِينَ وَبُرّزَتِ} بالفتح والتخفيف {والجحيم} بالرفع على الفاعلية.