فصل: تفسير الآية رقم (91):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (86):

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)}
{هُوَ الخلاق} لك ولهم ولسائر الأشياء على الأطلاق {العليم} بأحوالك وأحوالهم وبكل شيء فلا يخفى عليه جل شأنه شيء مما جرى بينك وبينهم فحقيق أن تكل الأمور إليه ليحكم بينكم أو هو الذي خلقكم وعلم تفاصيل أحوالكم وقد علم سبحانه ان الصفح الجميل اليوم أصلح إلى أن يكون السيف أصلح، فهو تعليل للأمر بالصفح على التقديرين على ما قيل، وقال بعض المدققين: إنه على الأخير تذييل للأمر المذكور وعلى الأول لقوله سبحانه: {إِنَّ الساعة لاَتِيَةٌ} [الحجر: 85] وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما والجحدري والأعمش. ومالك بن دينار {هُوَ الخالق} وكذا في مصحف أبي. وعثمان رضي الله تعالى عنهما وهو صالح للقليل والكثير و{الخلاق} مختص بالكثير و{العليم} أوفق به، وهو على ما قيل أنسب بما تقدم من قوله سبحانه: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق.

.تفسير الآية رقم (87):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ (87)}
{وَلَقَدْ ءاتيناك سَبْعًا} أي سبع آيات وهي الفاتحة وروي ذلك عن عمر. وعلي. وابن عباس. وابن مسعود. وأبي جعفر. وأبي عبد الله. والحسن. ومجاهد. وأبي العالية والضحاك. وابن جبير. وقتادة رضي الله تعالى عنهم. وجاء ذلك مرفوعًا أيضًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، وقيل: سبع سور وهي الطول وروي ذلك أيضًا عن عمر وابن عباس وابن مسعود وابن جبير ومجاهد وهي في رواية البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة سورة واحدة، وفي أخرى عد براءة دون الأنفال السابعة، وفي أخرى عد، يونس دونهما، وفي أخرى عد الكهف، وقيل: السبع آل حم، وقيل: سبع صحف من الصحف النازلة على الأنبياء عليهم السلام، على معنى أنه عليه الصلاة والسلام أوتي ما يتضمن سبعًا منها وإن لم يكن لفظها وهي الأسباع، وعن زياد بن أبي مريم هي أمور سبع الأمر والنهي والبشارة والإنذار وضرب الأمثال وتعداد النعم وأخبار الأمم، وأصح الأقوال الأول. وقد أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي ورفعوه، وقال أبو حيان: إنه لا ينبغي العدول عنه بل لا يجوز ذلك. وأورد على القول بأنها السبع الطول ان هذه السورة مكية وتلك السبع مدنية، وروي هذا عن الربيع، فقد أخرج البيهقي في الشعب وابن جرير وغيرهما أنه قيل له: إنهم يقولون: هي السبع الطول فقال: لقد أنزلت هذه الآية وما نزل من الطول شيء وأجيب بأن المراد بايتائها إنزالها إلى السماء الدنيا ولا فرق بين المدني والمكي فيها. واعترض بأن ظاهر {ءاتيناك} يأباه، وقيل: إنه تنزيل للمتوقع منزلة الواقع في الامتنان ومثله كثير {مّنَ المثاني} بيان للسبع وهو على ما قال في موضع من الكشاف جمع مثى عنى مردد ومكرر ويجوز أن يكون مثنى مفعل من التثنية عنى التكرير والإعادة كما في تعالى: {ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] أي كرة بعد كرة ونحو قولهم لبيك وسعديك وأراد كما في الكشف أنه جمع لمعنى التكرير والإعادة كما ثنى لذلك لكن استعمال المثنى في هذا المعنى أكثر لأنه أول مراتب التكرار ويحتمل أن يريد ان مثنى عنى التكرير والإعادة كما أن صريح المثنى كذلك في نحو {كَرَّتَيْنِ} ثم جمع مبالغة وقوله من التثنية إيضاح للمعنى لأنه من الثنى عنى التثنية والأل أرجح نظرًا إلى ظاهر اللفظ والثاني نطرًا إلى الأصل وقال في موضع آخر: إنه من التثنية أو الثناء والواحدة مثناة أو مثنية بفتح الميم على ما في أكثر النسخ وإلا قيس على ما قال المدقق بحسب اللفظ أن ذلك مشتق من الثناء أو الثنى جميع مثنى مفعل منهما اما عنى المصدر جمع لما صير صفة أو عنى المكان في الأصل نقل إلى الوصف مبالغة نحو أرض مأسدة لأن محل الثناء يقع على سبيل المجاز على الثاني والمثنى عليه وكذلك محل الثنى ولا بعد في باب العدل أن يكون منقولًا عنه لا مخترعًا ابتداء، واطلاق ذلك على الفاتحة لأنها تكرر قراءتها في الصلاة وروى هذا عن الحسن وأبي عبد الله رحمهما الله تعالى وعن الزجاج لأنه تثنى بما يقرأ بعدها من القرآن وقيل ونسب إلى الحسن أيضًا: لأنه نزلت مرتين مرة كة ومرة بالمدينة.
وتعقب بأنها كانت مسماة بهذا الاسم قبل نزولها الثاني إذ السورة كما سمعت غير مرة مكية وقيل: لأن كثيرًا من ألفاظها مكرر كالرحمن والرحيم وإياك والصراط وعليهم، وقيل: لاشتمالها على الثناء على الله تعالى والقولان كما ترى، وقيل ونسب إلى ابن عباس ومجاهد أن اطلاق المثاني على الفاتحة لأن الله سبحانه استثناها وادخرها لهذه الأمة فلم يعطها لغيرهم، وروي هذا الادخار في غيرها أيضًا وفي غيرها أن ذلك لأنه تكرر قراءته وألفاظه أو قصصه ومواعظه أو لما فيه من الثناء عليه تعالى بما هو أهله جل شأنه أو لأنه مثنى عليه بالبلاغة والإعجاز أو يثنى بذلك على المتكلم به، وعن أبي زيد البلخي أن اطلاق المثاني على ذلك لأنه يثنى أهل الشر عن شرهم فتأمل، وجوز أن يراد بالمثاني القرآن كله وأخرج ذلك ابن المنذر وغيره عن أبي مالك وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في توجيه اطلاقها عليه مع الاختلاف في الافراد والجمع، وأن يراد بها كتب الله تعالى كلها فمن للتبعيض وعلى الأول للبيان {وَلَقَدْ ءاتيناك} بالنصب عطف على سبعا فإن أريد بها الآيات أو السور أو الأمور السبع التي رويت عن زياد فهو من عطف الكل على الجزء بأن يراد بالقرآن مجموع ما بين الدفتين أو من عطف العام على الخاص بأن يراد به المعنى المشترك لين الكل والبعض وفيه دلالة على امتياز الخاص حتى كأنه غيره كما في عكسه وإن أريد بها الاسباع فهو من عطف أحد الوصفين على الآخر كما في قوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام

البيت بناء على أن القرآن في نفسه الاسباع أي ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم، واختار بعض تفسير {القرءان العظيم} كالسبع المثاني بالفاتحة لما أخرجه البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» وفي الكشف كونهما الفاتحة أوفق لمقتضى المقام لما مر في تخصيص {الكتاب وَقُرْءانٍ مُّبِينٍ} [الحجر: 1] بالسورة وأشد طباقًا للواقع فلم يكن إذ ذاك قد أوتي صلى الله عليه وسلم القرآن كله اه، وأمر العطف معلوم مما قبله. وقرأت فرقة {والقرءان} بالجر عطفًا على {المثاني}، وأبعد من ذهب إلى أن الواو مقحمة والتقدير سبعا من المثاني القرآن العظيم.

.تفسير الآية رقم (88):

{لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)}
{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} لا تطمح بنظرك طموح راغب ولا تدم نظرك {إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ} من زخارف الدنيا وزينتها {أزواجا مّنْهُمْ} أصنافًا من الكفرة اليهود والنصارى والمشركين، وقيل: رجالًا مع نسائهم، والنهي قيل له صلى الله عليه وسلم وهو لا يقتضي الملابسة ولا المقاربة، وقيل: هو لأمته وان كان الخطاب له عليه الصلاة والسلام، وأيد بما أخرجه ابن جرير. وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية: نهى الرجل أن يتمنى مال صاحبه نعم كان صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآية شديد الاحتياط فيما تضمنته، فقد أخرج أبو عبيد. وابن المنذر عن يحيى بن أبي كثير أنه عليه الصلاة والسلام مر بابل لحي يقال لهم بنو الملوح أو بنو المصطلق قد عنست في أبوالها وأبعارها من السمن فتقنع بثوبه ومر ولم ينظر إليها لقوله تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} الآية، ويعد نحو هذا الفعل من باب سد الذرائع. ومنهم من أيد الأول بهذا وبدلالة ظاهر السياق عليه، وحاصلها مع ما قبل أوتيت النعمة العظمة الت كل نعمة وان عظمت فهي بالنسبة إليها حقيرة فعليك أن تستغنى بذلك ولا ترغب في متاع الدنيا، وجعل من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» بناء على أن «يتغن» من الغنى المقصور كيستغنى وليس مقصورًا على الممدود، ويشهد لذلك ما في الحديث الصحيح في الخيل «وأما التي هي له سترلا فرجل ربطها تغنيًا وتعففًا» وعن أبي بكر رضي الله تعالى عنه من أوتي القرآن فرأى أن أحد أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغر عظيمًا وعظم صغيرًا. وقد أخرج ابن المنذر عن سفيان بن عيينة ما هو عناه، وقال العراقي: أن الخبر مروى لكن لم أقف على روايته عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه في شيء من كتب الحديث.
وحكى بعضهم في سبب نزول الآية أنه وافت من بصرى واذرعات سبع قوافل لقريظة والنضير في يوم واحد فيها أنواع من البر والطيب والجواهر فقال المسلمون: لو كانت لنا لقتوينا بها ولأنفقناها في سبيل الله تعالى فنزلت، فكأنه سبحانه يقول: قد أعطيتكم سبعًا هي خير من سبع قوافل، وروى هذا عن الحسن بن الفضل. وتعقب بأنه ضعيف أو لا يصح لأن السورة مكية وقريظة والنضير كانوا بالمدينة فكيف يصح أن يقال ذلك وهو كما ترى. نعم روى أنه صلى الله عليه وسلم وافى بأذرعات سبع قوافل ليهود بني قريظة والنضير فيها إلخ وهو غير معروف، وقد قالوا: إنه لم يعهد سفره صلى الله عليه وسلم للشام، واستؤنس بخبر النزول على أن النهي معني به سيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام كانلهي في قوله تعالى: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} حيث أنهم لم يؤمنوا، وكان صلى الله عليه وسلم يود أن يؤمن كل من بعث إليه ويشق عليه عليه الصلاة والسلام لمزيد شفقته بقاء الكفرة على كفرهم ولذلك قيل له: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} وكأن مرجع الجملة الأولى إلى النهي عن الالتفات إلى أموالهم ومرجع هذه الجملة إلى النهي عن الالتفات إليهم، وليس المعنى لا تحزن عليهم حيث أنهم المتمتعون بذلك فإن التمتع به لا يكون مدارًا للحزن عليهم، وكون المعنى لا تحزن على تمتعهم بذلك فالكلام على حذف مضاف لا يخفى ما فيه من ارتكاب خلاف الظاهر من غير داع إليه {واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} كناية عن التواضع لهم والرفق بهم، وأصل ذلك أن الطائر إذا أراد أن يضم فرخه إليه بسط جناحيه له، والجناحان من ابن آدم جانباه.

.تفسير الآية رقم (89):

{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)}
{وَقُلْ إِنّى أَنَا النذير المبين} أي المنذر الكاشف نزول عذاب الله تعالى ونقمة المخوفة بمن لم يؤمن.

.تفسير الآية رقم (90):

{كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90)}
{كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين} قيل: إنه متعلق بقوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتيناك} [الحجر: 87] إلخ على أن يكون في موضع نصب نعتا لمصدر من {ءاتَيْنَا} محذوف أي آتيناك سبعا من المثانى إيتاء كما أنزلنا وهو في معنى أنزلنا عليك ذلك أنزالا كإنزالنا على أهل الكتاب.

.تفسير الآية رقم (91):

{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ (91)}
أي قسموه إلى حق وباطل حيث قالوا عنادًا وعداوة: بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما، وتفسير المقتسمين المذكورين بأهل الكتاب مما روي عن الحسن. وغيره، وفي الدر المنثور أخرج البخاري. وسعيد بن منصور. والحاكم. وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية: هم أهل الكتاب جزءوه أجزاءً فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، وجاء ذلك مرفوعًا أيضًا، فقد أخرج الطبراني في الأوسط عن الحبر قال: «سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أرأيت قول الله تعالى: {كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين} [الحجر: 90] قال عليه الصلاة والسلام: اليهود والنصارى قال: {الذين جَعَلُواْ القرءان عِضِينَ} ما عضين؟ قال صلى الله عليه وسلم: آمنوا ببعض وكفروا ببعض» أو اقتسموه لأنفسهم استهزاءً به؛ فقد روي عن عكرمة أن بعضهم كان يقول: سورة البقرة لي وبعضهم سورة آل عمران لي وهكذا، وجوز أن يراد بالمقتسمين أهل الكتاب ويراد من القرآن معناه اللغوي أي المقروء من كتبهم أي الذين اقتسموا ما قرؤا من كتبهم وحرفوه وأقروا ببعض وكذبوا ببعض، وحمل توسط قوله تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [الحجر: 88] إلخ بين المتعلق والمتعلق على إمداد ما هو المراد بالكلام من التسلية. وتعقب القول بهذا التعلق بأنه جل هذا المقام عن التشبيه فلقد أوتي صلى الله عليه وسلم ما لم يؤت أحد قبله ولا بعده مثله، وفي حمل القرآن على معناه اللغوي ما فيه، وقيل: هو متعلق بقوله تعالى: {وَقُلْ إِنّى أَنَا النذير المبين} [الحجر: 89] لأنه في قوة الأمر بالإنذار كأنه قيل: أنذر قريشًا مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين يعني اليهود وهو ما جرى على قريظة. والنضير بأن جعل المتوقع كالواقع وقد وقع كذلك. وتعقب بأن المشبه به العذاب المنذر ينبغي أن يكون معلومًا حال النزول وهذا ليس كذلك فيلغو التشبيه، وتنزيل المتوقع منزلة الواقع له موقع جليل من الإعجاز لكن إذا صادف مقامًا يقتضيه كما في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} [الفتح: 1] ونظائره، على أن تخصيص الاقتسام باليهود جرد اختصاص العذاب المذكور بهم مع شركتهم للنصارى في الاقتسام المتفرع على الموافقة والمخالفة، وفي الاقتسام عنى التحريف الشامل للكتابين بل تخصيص العذاب المذكور بهم مع كونه من نتائج الاقتسام تخصيص من غير مخصص، وجوز أن يراد بالمقتسمين جماعة من قريش وهي اثنا عشر، وقال ابن السائب: ستة عشر رجلًا حنظلة بن أبي سفيان. وعتبة. وشيبة ابنا ربيعة. والوليد بن المغيرة وأبو جهل. والعاص بن هشام. وأبو قيس بن الوليد. وقيس بن الفاكه. وزهير بن أمية. وهلال عبد الأسود. والسائب بن صيفي.
والنضر بن الحرث. وأبو البختري بن هشام. وزمعة بن الحجاج. وأمية بن خلف. وأوس بن المغيرة أرسلهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم ليقفوا على مداخل طرق مكة لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم فانقسموا على هاتيك المداخل يقول بعضهم: لا تغتروا بالخارج فإنه ساحر، ويقول الآخر: كذاب، والآخر: شاعر إلى غير ذلك من هذيانهم فأهلكهم الله تعالى يوم بدر وقبله بآفات، ويجعل {الذين} منصوبًا بالنذير على أنه مفعوله الأول و{كَمَا} مفعوله الثاني أي أنذر المعضين الذين يجزؤن القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين الذين اقتسموا مداخل مكة وهذوًا مثل هذيانهم.
وتعقب بأن فيه مع ما فيه من المشاركة لما سبق في عدم كون العذاب الذي شبه به العذاب المنذر واقعًا ومعلومًا للمنذرين أنه لا داعي إلى تخصيص وصف التعضية بهم وإخراج المقتسمين من بينهم مع كونهم أسوة لهم في ذلك فإن وصفهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصفوا به من السحر والشعر والكذب متفرع على وصفهم للقرآن بذلك وهل هو إلا نفس التعضية ولا إلى إخراجهم من حكم الإنذار، على أن ما نزل بهم من العذاب لم يكن من الشدة بحيث يشبه به عذاب غيرهم ولا مخصوصًا بهم بل هو عام لكلا الفريقين وغيرهم، مع أن بعض من عد من المنذرين على قول كالوليد بن المغيرة. والأسود. وغيرهما قد هلكوا قبل مهلك أكثر المقتسمين يوم بدر، ولا إلى تقديم المفعول الثاني على الأول كما ترى، وقيل: إنه صفة لمفعول {النذير} أقيم مقامه بعد حذفه والمقتسمون هم القاعدون في مداخل الطرق كما حرر، أي النذير عذابًا مثل العذاب الذي أنزلناه على المقتسمين.
وتعقب أيضًا بأن فيه مع ما مر أنه يقتضي أن يكون {كَمَآ أَنْزَلْنَا} من مقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يصلح لذلك، واعتذر له بأنه كما يقول بعض خواص الملك أمرنا بكذا والآمر الملك كما تقدم غير بعيد أو حكاية لقول الله تعالى، وفيه من التعسف ما لا يخفى، وأيضًا فيه إعمال الوصف الموصوف في المفعول وهو مما لا يجوز.
وأجيب بأن الكوفية تجوزه والقائل بنى الكلام على ذلك أو أن المراد بالمفعول المفعول الغير الصريح وتقديره بعذاب وهو لا يمنع الوصف من العمل فيه، وقيل: المراد بالمقتسمين على تقدير الوصفية الرهط الذين تقاسموا. على أن يبيتوا صالحًا عليه السلام فأهلكهم الله تعالى، والاقتسام عنى التقاسم، ولا إشكال في التشبيه لأن عذابهم أمر محقق نطق به القرآن العظيم فيصح أن يقع مشبهًا به للعذاب المنذر، والموصول إما مفعول أول للنذير أو لما دل هو عليه من {أُنذِرَ}.
وتعقب أيضًا بأن فيه بعد إغماض العين عما في المفعولية من الخلاف أو الخفاء أنه لا يكون للتعرض لعنوان التعضية في حيز الصلة ولا لعنوان الاقتسام بالمعنى المزبور في حيز المفعول الثاني فائدة لما أن ذلك إنما يكون للإشعار بعلية الصلة والصفة للحكم الثابت للموصول والموصوف فلا يكون هناك وجه شبه يدور عليه تشبيه عذابهم بعذابهم خاصة لعدم اشتراكهم في السبب، فإن المعضين عزل من التقاسم على التبيت الذي هو السبب لهلاك أولئك مع أن أولئك عزل من التعضية التي هي السبب لهلاك هؤلاء ولا علاقة بين السببين مفهومًا ولا وجودًا تصحح وقوع أحدهما في جانب والآخر في جانب، واتفاق الفريقين على مطلق الاتفاق على الشرور المفهوم من الاتفاق على الشر المخصوص الذي هو التبييت المدلول عليه بالتقاسم غير مفيد إذ لا دلالة لعنوان التعضية على ذلك وإنما يدل عليه اقتسام المداخل، وجعل الموصول مبتدأ على أن خبره الجملة القسمية لا يليق بجزالة التنزيل وجلالة شأنه الجليل اه، وهذا الجعل مروي عن ابن زيد، وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخرجها البيهقي. وأبو نعيم في الدلائل ما يقتضيه، ومن هنا قيل نع عدم اللياقة، وبعض من يسلمها يقول: يجوز أن يكون الموصول صفة {المقتسمين} [الحجر: 90] مرادًا بهم أولئك الرهط، ومعنى جعلهم القرآن عضين حكمهم بأنه مفترى وتكذيبهم به والمراد منه معناه اللغوي فيؤول إلى وصفهم بتكذيبهم بكتابهم وإعراضهم عن الإيمان به والعمل بما فيه، ويوافق ما مر من قوله تعالى فيهم وفي قومهم: {وءاتيناهم ءاياتنا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} [الحجر: 81] بناءً على أن المراد بالآيات آيات الكتاب المنزل على نبيهم عليه السلام حسا قيل به فيما سبق، وإن أبيت ذلك بناءً على ما سمعت هنا لك التزمنا كون الموصول مفعولًا وقلنا: فائدة التعرض للعنوانين المذكورين على الوجه المذكور الإشارة إلى تفظيع أمر التكذيب وكونه في سببيته للعذاب كالاقتسام على قتل النبي، ويلتزم ما يشعر به هذا من أفظعية الاقتسام المزبور لأنه لا يكون إلا عن تكذيب ومزيد عداوة للنبي، وفيه بحث، وقيل: المصحح لوقوع أحد العنوانين في جانب والآخر في جانب أن التكذيب ينجر بزعم المكذبين إلى إبطال أمر النبي عليه الصلاة والسلام وإطفاء نوره وهو العلة الغائية لذلك والاقتسام المذكور كذلك وهو كما ترى، وقال أبو البقاء وليته لم يقل: إن {كَمَآ أَنْزَلْنَا} متعلق بقوله تعالى: {مَتَّعْنَا بِهِ أزواجا مّنْهُمْ} [الحجر: 88] وهو في موضع نصب نعتًا لمصدر محذوف أي متعناهم تمتيعًا كما أنزلنا، والمعنى نعمنا بعضهم كما عذبنا بعضهم. وذكر ابن عطية. وغيره أنه يحتمل أن يكون المعنى قل إني أنا النذير المبين كما قد أنزلنا في الكتب أنك ستأتي نذيرًا على المقتسمين أي أهل الكتاب، ومرادهم على ما قيل أن {مَا} في {كَمَا} موصولة، والمراد من المشابهة المستفادة من الكاف الموافقة وهي مع ما في حيزها في محل النصب على الحالية من مفعول {قُلْ} أي قل هذا القول حال كونه كما أنزلنا على أهل الكتابين أي موافقًا لذلك، والأنسب على هذا حمل الاقتسام على التحريف ليكون وصفهم بذلك تعريضًا بما فعلوا من تحريفهم وكتمانهم لنعت النبي صلى الله عليه وسلم.
وأنت تعلم أن فيه بعدًا لكنه أولى بالنسبة إلى بعض ما تقدم، وقريب منه ما قيل: المعنى ولقد آتيناك سبعًا من المثاني إيتاءً موافقًا للإيتاء الذي أنزلناه على أهل الكتابين وأخبرناهم به في كتبهم، وفيه ما فيه.
وأما جعلها زائدة والمعنى أنا النذير المبين ما أنزلنا فحاله غني عن التنبيه عليه، وقال العلامة أبو السعود بعد نقل أقوال عقبها بما عقبها: والأقرب من الأقوال المذكورة أن {كَمَآ أَنْزَلْنَا} [الحجر: 90] متعلق بقوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتيناك} [الحجر: 87] إلخ، وإن المراد بالمقتسمين أهل الكتابين، وأن الموصول مع صلته صفة مبينة لكيفية اقتسامهم ومحل الكاف النصب على المصدرية، وحديث جلة المقام عن التشبيه من لوائح النظر الجليل.
والمعنى لقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم إيناءً مماثلًا لإنزال الكتابين على أهلهما، وعدم التعرض لذكر ما أنزل عليهم من الكتابين لأن الغرض بيان المماثلة بين الإيتائين لا بين متعلقيهما، والعدول عن تطبيق ما في جانب المشبه به على ما في جانب المشبه بأن يقال: كما آتينا المقتسمين حسا وقع في قوله تعالى: {الذين ءاتيناهم الكتاب} [البقرة: 121] إلخ للتنبيه على ما بين الإيتائين من التنائي فإن الأول على وجه التكرمة والامتنان فشتان بينه وبين الثاني، ولا يقدح ذلك في وقوعه مشبهًا به فإن ذلك إنما هو لمسلميته عندهم، وتقدم وجوده على المشبه زمانًا لا لمزية تعود إلى ذاته، ونظير ذلك ما قيل في الصلوات الإبراهيمية فليس في التشبيه إشعار بأفضلية المشبه به من المشبه فضلًا عن إيهام ما تعلق به الأول مما تعلق به الثاني، وإنما ذكروا بعنوان الاقتسام إنكارًا لاتصافهم به مع تحقق ما ينفيه من الإنزال المذكور وإيذانًا بأنهم كان من حقهم أن يؤمنوا بكله حسب إيمانهم بما أنزل عليهم بحكم الاشتراك في العلة والاتحاد في الحقيقة التي هي مطلق الوحي، وتوسيط قوله تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [الحجر: 88] إلخ لكمال اتصاله بما هو المقصود من بيان حال ما أوتي النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد بين أولًا علو شأنه ورفعة مكانه صلى الله عليه وسلم بحيث يستوجب اعتباطه عليه الصلاة والسلام كانه واستغناءه به عما سواه، ثم نهى عن الالتفات إلى زهرة الدنيا وعبر سبحانه عن إيتائها لأهلها بالتمتع المنبئ عن وشك زوالها عنهم، ثم عن الحزن لعدم إيمان المنهمكين فيها، وأمر راعاة المؤمنين والاكتفاء بهم عن غيرهم وبإظهار قوامه واجب الرسالة ومراسم النذارة حسا فصل في تضاعيف ما أوتي من القرآن العظم.
ثم رجع إلى كيفية إتيانه على وجه أدمج فيه ما يزيح شبه المنكرين ويستنزلهم من العناد من بيان مشاركته لما لا ريب لهم في كونه وحيًا صادقًا، فتأمل والله تعالى عنده علم الكتاب اه وهو كلام ظاهر عليه مخايل التحقيق.
وفي البحر بعد نقل أكثر هذه الأقوال وهذه أقوال وتوجيهات مكلفة والذي يظهر لي أنه تعالى لما أمره صلى الله عليه وسلم بأن لا يحزن على من لم يؤمن وأمره عليه الصلاة والسلام بخفض جناحه للمؤمنين أمره صلى الله عليه وسلم أن يعلم المؤمنين وغيرهم أنه هو النذير المبين لئلا يظن المؤمنون أنهم لما أمر صلى الله عليه وسلم بخفض جناحه لهم خرجوا من عهدة النذارة فأمر صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم: {إِنّى أَنَا النذير المبين} [الحجر: 89] لكم ولغيركم كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها} [النازعات: 45] وتكون الكاف نعتًا لمصدر محذوف، والتقدير وقل قولًا مثل ما أنزلنا على المقتسمين إنك نذير لهم، فالقول للمؤمنين في النذارة كالقول للكفارة المقتسمين لئلا يظن إنذارك للكفار مخالفًا لإنذار المؤمنين بل أنت في وصف النذارة لهم نزلة واحدة تنذر المؤمن كما تنذر الكافر كما قال تعالى: {إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشّرِ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 188] اه بحروفه، وهو كما ترى ركيك لفظًا ومعنى والله تعالى أعلم راده وعنده علم الكتاب، وعضين جمع عضة وأصلها عضوة بكسر العين وفتح الضاد عنى جزء فهو معتل اللام من عضاه بالتشديد جعله أعضاء وأجزاء؛ فالمعنى جعلوا القرآن أجزاء.
وقيل: العضه في لغة قريش السحر فيقولون للساحر: عاضه وللساحرة عاضهة، وفي حديث رواه ابن عدي في الكامل. وأبو يعلى في مسنده «لعن الله تعالى العاضهة والمستعضهة» وأراد صلى الله عليه وسلم الساحرة والمستسحرة أي المستعملة لسحر غيرها، وهو على هذا مأخوذ من عضهته فاللام المحذوفة هاء كما في شفة وشاة على القول بأن أصلهما شفهة وشاهة بدليل جمعهما على شفاه وشياه وتصغيرهما على شفيهة وشويهة.
وعن الكسائي أنه من عضهه عضها وعضيهة رماه بالبهتان، قيل: وأخذ العضه عنى السحر من هذا لأن البهتان لا أصل له والسحر تخييل أمر لا حقيقة له، وذهب الفراء إلى أنه من العضاه وهي شجرة تؤذي كالشوك واختار بعضهم الأول، وجمع السلامة لجبر ما حذف منه كعزين وسنين وإلا فحقه أن لا يجمع جمع السلامة المذكر لكونه غير عاقل ولتغير مفرده؛ ومثل هذا كثير مطرد، ومن العرب من يلزمه الياء ويجعل الإعراب على النون فيقول: عضينك كسنينك وهذه اللغة كثيرة في تميم. وأسد، وفي التعبير عن تجزئة القرآن بالتعضية التي هي تفريق الأعضاء من ذي الروح المستلزم لإزالة حياته وإبطال اسمه دون مطلق التجزئة والتفريق اللذين را يوجدان فيما لا يضره التبعيض للتنصيص على قبح ما فعلوه بالقرآن العظيم.