فصل: سورة الإخلاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (3):

{سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)}
{سيصلى نَارًا} سيدخلها لا محالة في الآخرة ويقاسي حرها والسين لتأكيد الوعيد والتنوين للتعظيم أي نارًا عظيمة {ذَاتَ لَهَبٍ} ذات اشتعال وتوقد عظيم وهي نار جهنم وجملة {ما أغنى} [المسد: 2] إلخ قال في الكشف استئناف جوابًا عما كان ياول أنا افتدى الي ويتوهم من صدقه وفيه تحسير له وتهكم بما كان يفتخر به من المال والبنين وهذه الجملة تصوير للهلاك بما يظهر معه عدم اغناء المال والولد وهو ظاهر على تفسير ما كسب بالولد وقال بعض الأفاضل الأولى اشارة لهلاك عمله وهذه اشارة لهلاك نفسه وهو أيضًا على بعض الأوجه السابقة فتذكر ولا تغفل وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (4):

{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)}
{وامرأته} عطف على المستكن في {سيصلي} لمكان الفصل بالمفعول وقوله تعالى: {حَمَّالَةَ الحطب} نصب على الشتم والذم وقيل على الحالية بناء على أن الإضافية غير حقيقية للاستقبال على ما ستسمعه إن شاء الله تعالى وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان أخرج ابن عساكر عن جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر رضي الله تعالى عنهما أن عقيل بن أبي طالب دخل على معاوية فقال معاوية له: أين ترى عمك أبا لهب من النار، فقال له عقيل: إذا دخلتها فهو على يسارك مفترش عمتك حمالة الحطب والراكب خير من المركوب ولا أظن صحة هذا الخبر عن الصادق لأن فيه ما فيه وكانت على ما في البحر عوراء ووسمت بذلك لأنها على ما أخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن ابن زيد كانت تأتي بأغصان الشوك تطرحها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل كانت تحمل حزمة الشوك والحسك والسعدان فتنشرها بالليل في طريقة عليه الصلاة والسلام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطؤه كما يطأ الحرير وروي عن قتادة أنها مع كثرة مالها كانت تحمل الحطب على ظهرها لشدة بخلها فعيرت بالبخل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه وعن مجاهد أنها كانت تمشي بالنميمة وأخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن أيضًا وروي عن ابن عباس والسدى ويقال لمن يمشي بها يحمل الحطب بين الناس أي يوقد بينهم النائرة ويؤرث الشر فالحطب مستعار للنميمة وهي استعارة مشهورة ومن ذلك قوله:
من البيض لم تصطد على ظهر لأمة ** ولم تمش بين الحسن بالحطب الرطب

وجعله رطيا ليدل على التدخين الذي هو زيادة في الشر ففيه إيغال حسن وكذا قول الراجز:
ان بني الأدرم حمالو الحطب ** هم الوشاة في الرضاء والغضب

وقال ابن جرير حمالة الخطايا والذنوب من قولهم فلأن يحطب على ظهره إذا كان يكتسب الآثام والخطايا والظاهر أن الحطب عليه مستعار للخطايا بجامع أن كلًا منها مبدى للاحراق وقيل الحطب جمع حاطب كحارس وحرس أي تحمل الجناة على الجنايات وهو محمل بعيد وقرأ أبو حيوة وابن مقسم سيصلي بضم الياء وفتح الصاد وشد اللام ومريئته بالتصغير والهمز وقرئ ومريته بالتصغير وقلب الهمزة ياء وادغامها وقرأ الحسن وابن اسحق سيصلي بضم الياء وسكون الصاد واختلس حركة الهاء في امرأته أبو عمر وفي رواية وقرى أبو قلابة حاملة الحطب على وزن فاعله مضافًا وقرأ الأكثرون حمالة الخطب بالرفع والإضافة وقرئ حمالة للحطب بالتنوين رفعًا ونصبًا وبلام الجر في الحطب وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (5):

{فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}
{فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ} جملة من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر في موضع الحال من الضمير في حالة وقيل من امرأته المعطوف على الضمير وقيل الظرف حال منها وحبل مرتفع به على الفاعلية وقيل هو خبر لامرأته وهي مبتدأ لا معطوفة على الضمير وحبل فاعل وعلى قراءة حمالة بالرفع قيل امرأته مبتدأ وحمالة خبر وفي جيدها حبل خبر ثان أو حال من ضمير حمالة أو الظرف كذلك وحبل مرتفع به على الفاعلية أو امرأته مبتدأ وحمالة صفته لأنه للماضي فيتعرف بالإضافة والخبر على ما سمعت أو امرأته عطف على الضمير وحمالة خبر مبتدأ محذوف أي هي حمالة ما بعد خبر ثان أو حال من ضمير حمالة على نظير ما مر وفي التركيب غير ذلك من أوجه الإعراب سيذكران إن شاء الله تعالى وبعض ما ذكرناه هاهنا غير مطرد على جميع الأوجه في معنى الآية كما لا يخفى عند الاطلاع عليها على المتأمل والمسد ما مسد أي فتل من الحبال فتلا شديدًا من ليف المقل على ما قال أبو الفتح ومن أي ليف على ما قيل وقيل من لحاء شجر باليمن يسمى المسد وروي ذلك عن ابن زيد وقد يكون كما في البحر من جلود الإبل أو أوبارها ومنه قوله:
ومسد أمر من أيانق ** ليست بأنياب ولا حقائق

أي في عنقها حبل مما مسد من الحبال والمراد تصويرها بصور الحطابة التي تحمل الحزمة وتربطها في جيدها تخسيسًا لحالها وتحقيرًا لها لتمتعض من ذلك ويمتعض بعلها إذا كانا في بيت العز والشرف وفي منصب الثروة والجدة ولقد عير بعض الناس الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بحاله الحطب فقال:
ما ذا أردت إلى شتمى ومنقصتي ** أم ما تعير من حمالة الحطب

غراء شادخة في المجد غرتها ** كانت سليلة شيخ ثاقب الحسب

وقد أغضبها ذلك فيروى أنها لما سمعت السورة أتت أبا بكر رضي الله تعالى عنه وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وبيدها فهر، فقالت بلغني أن صاحبك هجاني ولا فعلن وأفعلن وان كان شاعرًا فإنا مثله أقول:
مذمما أبينا ورينه ** قلينا وأمره عصينا

وأعمى الله تعالى بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فروي أن أبا بكر قال لها هل ترى معي أحدًا فقالت أتهزأ بي لا أرى غيرك فسكت أبو بكر ومضت وهي تقول قريش تعلم أني بنت سيدها فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام لقد حجبني عنها ملائكة فما رأتني وكفى الله تعالى شرها وقيل إن ذلك ترشيح للمجاز بناء على اعتباره في{حمالة الحطب} [المسد: 4] وفي الكشاف يحتمل أن يكون المعنى تكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم أو من الضريع وفي جيدها حبل مما مسد من سلاسل النار كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه وعليه فالحبل مستعار للسلسلة وروي هذا عن عروة بن الزبير ومجاهد وسفيان وأمر الاعراب على ما في الكشف انه إن نصب حمالة يكون حالا هو والجملة أعني في جيدها حبل عن المعطوف على ضمير سيصلي أي ستصلي امرأته على هذه الحالة أو يكون حمالة نصبا على الذم والجملة وحدها حالا أو امرأته في جيدها حبل جملة وقعت حالا عن الضمير ويحتمل عطف الجملة على الجملة على ضعف وعلى الرفع يحتمل أن تكون الجملة حالا وإن يكون امرأته عطفًا على الفاعل وحمالة الحطب في جيدها جملة لا محل لها من الإعراب وقعت بيانًا لكيفية صليها أي هي حمالة الحطب انتهى فتأمل ولا تغفل وعلى جميع الأوجه والاحتمالات إنما لم يقل سبحانه في عنقها والمعروف أن يذكر العنق مع الغل ونحوه مما فيه امتهان كما قال تعالى: {في أعناقهم أغلالا} [يس: 8] والجيد مع الحلي كقوله:
وأحسن من جيد المليحة حليها

ولو قال عنقها كان غثا من الكلام قال في الروض الانف لأنه تهكم نحو {فبشرهم بعذاب أليم} [آل عمران: 21] أي لا جيد لها فيحلى ولو كان لكانت حليته هذه ولتحقيرها قيل امرأته ولم يقل زوجه انتهى وهو بديع جدًا إلا أنه يعكر على آخره قوله تعالى: {وامرأته قائمة} [هود: 71] ولعله استعان هاهنا على ما قال بالمقام وعن قتادة انه كان في جيدها قلادة من ودع وفي معناه قول الحسن من خرز وقال ابن المسيب كانت قلادة فاخرة من جوهر وأنها قالت واللات والعزى لانفقتها على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم ولعل المراد على هذا أنها تكون في نار جهنم ذات قلادة من حديد ممسود بدل قلادتها التي كانت تقول فيها لأنفقنها إلخ وعلى ما قبله تهجين أمر قلادتها لتأكيد ذمها بالبخل الدال عليه قوله تعالى: {حَمَّالَةَ الحطب} [المسد: 4] على ما نقلناه سابقًا عن قتادة ويحتمل غير ذلك ووجه التعبير بالجيد على ما ذكر مما لا يخفى وزعم بعضهم أن الكلام يحتمل أن يكون دعاء عليها بالخنق بالحبل وهو عن الذهن مناط الثريا نعم ذكر أنها ماتت يوم ماتت مخنوقة بحبل حملت به حزمة حطب لكن هذا لا يستدعي حمل ما ذكر على الدعاء هذا. واستشكل أمر تكليف أبي لهب بالايمان مع قوله تعالى: {سيصلى} إلخ بأنه بعد أن أخبر الله تعالى عنه بأنه سيصلى النار لابد أن يصلاها ولا يصلاها إلا الكافر فالاخبار بذلك يتضمن الاخبار بأنه لا يؤمن أصلًا فمتى كان مكلفًا بالايمان بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ومنه ما ذكر لزم أن يكون مكلفًا بأن يؤمن بأن لا يؤمن أصلًا وهو جمع بين النقيضين خارج عن حد الامكان وأجيب عنه بأن ما كلفه هو الايمان بجميع ما جاء النبي عليه الصلاة والسلام إجمالًا لا الايمان بتفاصيل ما نطق به القرآن الكريم حتى يلزم أن يكلف الايمان بعدم إيمانه المستمر ويقال نحو هذا في الجواب عن تكليف الكافرين المذكورين في قوله تعالى: {قُلْ ياأهل أَيُّهَا الكافرون} [الكافرون: 1] إلخ بالايمان بناء على تعينهم مع قوله تعالى: {وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 3] إلخ بناء على دلالته على استمرار عدم عبادتهم ما يعبد عليه الصلاة والسلام وأجاب بعضهم بأن قوله تعالى: {سيصلى} إلخ ليس نصًا في أنه لا يؤمن أصلًا فإن صلى النار غير مختص بالكفار فيجوز أن يفهم أبو لهب منه أن دخوله النار لفسقه ومعاصيه لا لكفره ولا يجري هذا في الجواب عن تكليف أولئك الكافرين بناء على فهمهم السورة إرادة الاستمرار وأجاب بعض آخر بأن من جاء فيه مثل ذلك وعلم به مكلف بأن يؤمن بما عداه مما جاء به صلى الله عليه وسلم وأجاب الكعبي وأبو الحسين البصري وكذا القاضي عبد الجبار بغير ما ذكر مما رده الإمام وقيل في خصوص هذه الآية أن المعنى سيصلى نارًا ذات لهب ويخلد فيها إن مات ولم يؤمن فليس ذلك مما هو نص في أنه لا يؤمن وما لهذه الأجوبة وما عليها يطلب من مطولات كتب الأصول والكلام واستدل بقوله تعالى: {وامرأته} على صحة أنكحة الكفار والله تعالى أعلم.

.سورة الإخلاص:

وسميت بها لما فيها من التوحيد ولذا سميت أيضا بالأساس أصل لسائر أصول الدين وعن كعب كما قال الحافظ بن رجب أسست السموات السبع والأرضون السبع على هذه السورة {قل هو الله أحد} ورواه الزمخشري عن أبى وأنس مرفوعا ولم يذكره أحد من المحدثين المعتبرين كذلك وكيف كان المراد فالمراد به كمال قال ما خلقت السموات والأرضون إلا لتكون دلائل على توحيد الله تعالى ومعرفة صفاته التي تضمنتها هذه السورة.
وقيل: معنى تأسيسها عليها إنها إنما خلقت بالحق كما قال تعالى: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق} وهو العدل والتوحيد وهو إن لم يرجع إلى الأول لا يخلو عن نظر.
وقيل: المراد أن مصحح إيجادهما أي بعد إمكانهما الذاتي ما أشارت إليه السورة من وحدته عز وجل واستحالة أن يكون له سبحانه تعالى شريك إذ لولا ذلك لم يمكن وجودهما لإمكان التمانع كما قرره بعض الأجلة في توجيه برهانية قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} وفيه بعد وتسمى أيضا سورة {قل هو الله أحد} كما هو مشهور يشير إليه الأثر أيضا والمقشقشة لما سمعت في تفسير سورة الكافرون وسورة التوحيد وسورة التفريد وسورة التجريد وسورة النجاة وسورة الولاية وسورة المعرفة لأن معرفة الله تعالى إنما تتم بمعرفة ما فيها وفي أثر أن رجلا صلى فقرأها فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: «إن هذا عبد عرف ربه».
وسورة الجمال قيل لما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إن الله جميل يحب الجمال» فسألوه صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك فقال: «أحد صمد لم يلد ولم يولد» ولا أظن صحة الخبر وسورة النسبة لورودها جوابا لمن قال انسب لنا ربك على ما ستسمعه إن شاء الله تعالى.
وقيل: لما أخرجه الطبراني من طريق عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي عن الوازع بن نافع عن أبى سلمة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «لكل شيء نسبة ونسبة الله تعالى {قل هو الله أحد الله الصمد}». وهو كما قال الحافظ ابن رجب ضعيف جدا وعثمان يروى المناكير وفي الميزان أنه موضوع وسورة الصمد وسورة المعوذة لما أخرج النسائي والبزار وابن مردويه بسند صحيح عن عبد الله بن أنيس قال أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وضع يده على صدري ثم قال: «قل». فلم أدري ما أقول، ثم قال: «{قل هو الله أحد}» فقلت حتى فرغت منها، ثم قال: «{قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق}». فقلت حتى فرغت منها، ثم قال: «{قل أعوذ برب الناس}» فقلت حتى فرغت منها، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «هكذا فتعوذ، وما تعوذ المتعوذون بمثلهم قط».
وسورة المانعة قيل لما روى ابن عباس أنه تعالى قال لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم حين عرج به: «أعطيتك سورة الإخلاص وهي من ذخائر كنوز عرشي».
وهي المانعة تمنع كربات القبر ونفحات النيران والظاهر عدم صحة هذا الخبر ويعارضه ما أخرجه ابن الضريس عن أبى أمامة أربع آيات نزلت من كنز العرش لم ينزل منه غيرهن أم الكتاب وآية الكرسي وخاتمة سورة البقرة والكوثر وحكمه حكم المرفوع بل أخرجه الشيخ ابن حبان والديلمي وغيرهما بالسند عن أبى أمامة مرفوعا وسورة المحضر قيل لأن الملائكة عليهم السلام تحضر لاستماعها إذا قرئت وسورة المنفرة قيل لأن الشيطان ينفر عند قراءتها وسورة البراءة قيل لما روى أنه عليه الصلاة والسلام رأى رجلا يقروها فقال أما هذا فقد برئ من الشرك ولم أدر من روى ذلك نعم روى أبو نعم من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة عن مهاجر قال سمعت رجلا يقول صحبت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في سفر فسمع رجلا يقرأ {قل يا أيها الكافرون} فقال قد برئ من الشرك وسمع آخر يقرأ {قل هو الله أحد} فقال غفر له وعليه فألحق بهذا الاسم سورة الكافرون ولعل الأولى أن يقال سميت بذلك لما في حديث الترمذي عن أنس من أراد أن ينام على فراشه فنام على يمينه ثم قرأ {قل هو الله أحد} مائة مرة كتب الله تعالى له براءة من النار وسورة المذكرة لأنها تذكر خالص التوحيد وسورة النور قيل لما روى من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «إن لكل شيء نورا، ونور القرآن {قل هو الله أحد}».
وسورة الإيمان لأنه لا يتم بدون ما تضمنته من التوحيد وقد ذكر معظم هذه الأشياء الإمام الرازي وبين وجه التسمية بها بما بين والرجل رحمه الله تعالى ليس بإمام في معرفة أحوال المرويات لا يميز غثها من سمينها أو لا يبالى بذلك فيكتب ما ظفر به وإن عرف شدة ضعفه.
وهي مكية في قول عبد الله والحسن عكرمة وعطاء ومجاهد وقتادة مدنية في قول ابن عباس ومحمد بن كعب وأبى العالية والضحاك قاله في البحر وخبر ابن عباس السابق إن صح ظاهر في أنها عنده مكية وفي الإتقان فيها قولان لحديثين في سبب نزولها متعارضين وجمع بعضهم بينهما بتكرر نزولها ثم ظهر لي ترجيح أنها مدنية. اهـ.
وعلى ما في الكتابين لا يخفى ما في قول الدواني أنها مكية بالاتفاق من الدلالة على قلة الاطلاع.
وآيها خمس في المكي والشامي أربع في غيرهما ووضعت هنا قيل للوزان في اللفظ بين فواصلها ومقطع سورة المسد.
وقيل وهو الأولى: إنها متصلة بـ {قل يا أيها الكافرون} في المعنى فهما بمنزلة كلمة التوحيد في النفي والإثبات ولذا يسميان المقشقشتين وقرن بينهما في القراءة في صلوات كثيرة على ما قاله بعض الأئمة كركعتي الفجر والطواف والضحى وسنة المغرب وصبح المسافر ومغرب ليلة الجمعة إلا أنه فصل بينهما بالسورتين لما تقدم من الوجه ونحوه وكان في إيلائها سورة تبت ردا على أبى لهب بخصوصه.
وجاء في أخبار كثيرة تدل على مزيد فضلها منها ما تقدم آنفا.
وروى مبارك بن فضالة عن أنس أن لرجلا قال: يا رسول الله، إني أحب هذه السورة {قل هو الله أحد} قال: «إن حبك إياها أدخلك الجنة».
وأخرجه الإمام أحمد في المسند عن أبى النضر عن مبارك المذكور عن أنس وذكر البخاري أن حبها يوجب دخول الجنة تعليقا وروى مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن قال سمعت أبا هريرة يقول أقبلت مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ {قل هو الله أحد} فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «وجبت». قلت: وما وجبت؟ قال: «الجنة».
وأخرجه النسائي والترمذي، وقال: حديث صحيح لا نعرفه إلا من حديث مالك.
وأخرج أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: حسن غريب عن بريدة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سمع رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى».
وفي المسند عن محجن بن الأدرع أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم دخل المسجد فإذا هو برجل قد قضى صلاته وهو يتشهد ويقول إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم فقال نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «ثلاث مرات قد غفر له قد غفر له قد غفر له».
وأخرج البخاري ومالك وأبو داود والنسائي عن أبى سعيد أن رجلا سمع رجلا يقرأ {قل هو الله أحد} يرددها فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فذكر ذلك له وكان الرجل يتقالها فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن».
وأخرج أحمد والنسائي في اليوم والليلة من طريق هشيم عن أبى بن كعب أو رجل من الأنصار قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «من قرأ {قل هو الله أحد} فكأنما قرأ بثلث القرآن».
وفي رواية يوسف بن عطية الصفار بسنده عن أبى مرفوعا: «من قرأ: {قل هو الله أحد} فكأنما قرأ ثلث القرآن وكتب له من الحسنات بعدد من أشرك بالله تعالى وآمن به».
وجاء أنها تعدل ثلث القرآن في عدة أخبار مرفوعة وموقوفة.
وفي المسند من طريق ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن أبى الهيثم عن أبى سعيد قال بات قتادة بن النعمان يقرأ الليلة كله بـ {قل هو الله أحد} فذكر ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل نصف القرآن أو ثلثه». وحمل على الشك من الراوي والروايات تعين الثلث واختلف في المراد بذلك فقيل المراد أنها باعتبار معناها ثلث من القرآن المجزأ إلى ثلاثة لا أن ثواب قراءتها ثلث ثواب القرآن والى هذا ذهب جماعة لكنهم اختلفوا في بيان ذلك فقيل أن القرآن يشتمل على قصص وأحكام وعقائد وهي كلها مما يتعلق بالعقائد فكانت ثلثا بذلك الاعتبار.
وقال الغزالي في الجواهر ما حاصله هي عدل ثلثه باعتبار أنواع العلوم الثلاثة التي هي أم القرآن علم المبدأ وعلم المعاد وعلم ما بينهما أعنى علم الصراط المستقيم.
وقال الجوني المطالب التي في القرآن معظمها الأصول الثلاثة التي بها يصح الإسلام ويحصل الإيمان وهي معرفة الله تعالى والاعتراف بصدق رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم واعتقاد القيام بين يديه وهذه السورة تفيد الأصل الأول فهي ثلثه من هذا الوجه.
وقيل: القرآن قسمان خبر وإنشاء والخبر قسمان خبر عن الخالق وخبر عن المخلوق فهذه ثلاثة أثلاث وسورة الإخلاص أخلصت الخبر عن الخالق فهي بهذا الاعتبار ثلث وهذا كما ترى وأياما كان قيل لا تنافى بين رواية الثلث ورواية عدل القرآن كله المذكورة في الكشاف على تقدير ثبوتها لجواز أن يقال هي عدل القرآن باعتبار أن المقصود التوحيد وما دعاه ذرائع إليه ويؤيد اعتبار الأجزاء أنفسها دون الثواب ما في صحيح مسلم من طريق قتادة عن أبى الدرداء أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «أيعجز أحدكم أن يقرأ كل يوم ثلث القرآن؟» قالوا: نعم. قال: «فإن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء، فـ: {قل هو الله أحد} ثلث القرآن».
وقيل: المراد تعدل الثلث ثوابا بالظواهر الأحاديث وضعف ذلك ابن عقيل وقال: لا يجوز أن يكون المعنى فله أجر ثلث القرآن لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات». فيكون ثواب قراءة القرآن بتمامه أضعافا مضاعفة بالنسبة لثواب قراءة هذه السورة والدواني أورد هذا إشكالا على هذا القول ثم أجاب بأن للقارئ ثوابين تفصيليا بحسب قراءة الحروف وإجماليا بسب ختمه القرآن فثواب {قل هو الله أحد} يعدل ثلث ثواب الختم الإجمالي لا غيره ونظيره إذا عين أحد لمن يبنى له دارا في كل يوم دنانير وعين له إذا أتمه جائزة أخرى غير أجرته اليومية وفي شرح البخاري للكرماني فإن قلت المشقة في قراءة الثلث أكثر منها في قراءتها.
فكيف يكون حكمه حكمها قلت يكون ثواب قراءة الثلث بعشر وثواب قراءتها بقدر ثواب مرة منها لأن التشبيه في الأصل دون الزائد وتسع منها في مقابلة زيادة المشقة.
وقال الخفاجي بعد أن قال ليس فيما ذكر ما يثلج الصدر ويطمئن له البال والذي عندي في ذلك أن للنظر في معنى كلام الله تعالى المتدبر لآياته ثوابا وللتالي له وإن لم يفهمه ثواب آخر فالمراد أن من تلاها مراعيا حقوق أدائها فاهما دقيق معانيها كانت تلاوته لها مع تأملها وتدبرها تعدل ثواب تلاوة ثلث القرآن من غير نظر في معانيه أو ثلث ليس فيه ما يتعلق بمعرفة الله تعالى وتوحيده والأبدع في أشرف المعنى إذا ضم لبعض من أشرف الألفاظ أن يعدل من جنس تلك الألفاظ مقدارا كثيرا كلوح ذهب زنته عشرة مثاقيل مرصع بأنفس الجواهر يساوى ألف مثقال ذهبا فصاعدا. انتهى.
ولا أرى له كثير امتياز على غيره مما تقدم والذي أختاره أن يقال لا مانع من أن يخص الله عز وجل بعض العبادات التي ليس فيها كثير مشقة بثواب أكثر من ثواب ما هو جنسها واشق منها بأضعاف مضاعفة وهو سبحانه الذي لا حجر عليه ولا يتناهى جوده وكرمه فلا يبعد أن يتفضل جل وعلا على قارئ القرآن بكل حرف عشر حسنات ويزيد على ذلك أضعافا مضاعفة جدا لقارئ الإخلاص بحيث يعدل ثوابه ثواب قارئ ثلث منه غير مشتمل على تلك السورة ويفوض حكمة التخصيص إلى علمه سبحانه وكذا يقال في أمثالها وهذا مراد جعل ذلك من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه وليس هذا بأبعد ولا أبدع من تخصيص بعض الأزمنة والأمكنة الماهية بأن للعبادة منه ولو قليلة من الثواب ما بزيد أضعافا مضاعفة على ثواب العبادة في مجاوره مثلا ولو كثيرة بل قد خص سبحانه بعض الأزمنة والأمكنة بوجوب العبادة وفي بعضها بحرمتها فيه وله سبحانه في كل ذلك من الحكم ما هو به أعلم.
وقال ابن عبد البر السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام فيها وأسلم وكذلك حديث معاوية بن معاوية الليثي الذي افتتح به الإمام الكلام في هذه السورة الكريمة خرجه الطبراني وأبو يعلى من طرق كلها ضعيفة والأحاديث الصحيحة الواردة فيها تكفى في فضلها بل قيل لذلك إنها أفضل سورة في القرآن ومنهم من استدل عليه بما روى الدارمي في مسنده عن أبى المغيرة عن صفوان الكلاعي قال: قال رجل: يا رسول الله، أي سور القرآن أعظم؟! قال: «{قل هو الله أحد}».
وفي المسند من طريقي معاذ بن رفاعة وأسيد بن عبد الرحمن عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم؟!» قلت: بلى. قال: فأقرأني {قل هو الله أحد}، و{قل أعوذ برب الفلق}، و{قل أعوذ برب الناس} ثم قال: «يا عقبة لا تنساهن ولا تبت ليلة حتى تقرأهن».
وروى الترمذي بعض هذا الحديث وحسنه ولا يدل على أنها أفضل سور القرآن مطلقا بل على أنها من الأفضل.
وقال ابن الحصاد: العجب ممن ينكر الاختلاف في الفضل مع كثرة النصوص الواردة فيه واختلف القائلون بالتفضيل فقال بعضهم الفضل راجع إلى عظم ومضاعفة الثواب بحسب انتقالات النفس وخشيتها وتدبرها عند أوصاف العلا.
وقيل: بل يرجع لذات اللفظ فإن تضمنته سورة الإخلاص مثلا من الدلالة على الوحدانية وصفاته تعالى ليس موجودا في تبت مثلا فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها ونقل الحليمي عن البيهقي أن معنى التفضيل بين الآيات والسور يرجع إلى أشياء أحدها أن يكون العمل بها أولى من العمل بأخرى وأعود على الناس وعلى هذا يقال في آيات الأمر والنهى والوعد والوعيد خير من آيات القصص لأنه إنما أريد بها تأكيد الأمر والنهى الإنذار والتنشير ولا غنى للناس عن هذه الأمور وقد يستغنون عن القصص فكان ما هو أعود عليهم وانفع لهم مما يجرى مجرى الأصول خير لهم مما يجعل تبعا لما لابد منه الثاني أن يقال الآيات التي تشتمل على تعديد أسماء الله تعالى وبيان صفاته والدلالة على عظمته عز وجل أفضل بمعنى أنها واجل قدرا مما لا تشتمل على ذلك الثالث لن يقال سورة خير من سورة أو آية خير من آية بمعنى أن القارئ يتعجل له بقراءتها فائدة سوى الثواب الآجل ويتأدى منه بتلاوتها عبادة كآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين فإن قارئها يتعجل بقراءتها الاحتراز مما يخشى والاعتصام بالله تعالى ويتأدى بتلاوتها عبادة الله سبحانه لما فيها من ذكره تعالى بالصفات العلا على سبيل الاعتقاد لها وسكون النفس إلى فضل ذلك الذكر وبركته وأما آيات الحكم فلا يقع بنفس تلاوتها إقامة حكم وإنما يقع بها علم وقد يقال إن سورة أفضل من سورة لأن الله تعالى جعل قراءتها كقراءة أضعافها مما سواها واوجب بها من الثواب ما لم يوجب سبحانه لغيرها وإن كان المعنى الذي لأجله بلغ بها هذا المقدار لا يظهر لنا وهذا نظير ما يقال في تفضيل الأزمنة والأمكنة بعضها على بعض على ما سمعت آنفا وبالجملة التفضيل بأحد هذه الاعتبارات لا ينافى كون الكل كلام الله عز وجل ومتحد النسبة إليه سبحانه كما لا يخفى والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
{قل هو الله أحد} المشهور أن ضمير الشأن ومحله الرفع على الابتداء خبره الجملة بعده ومثلها لا يكون لها رابط لأنها عين المبتدأ في المعنى والسر في تصديرها به التنبه من أول الأمر على فخامة مضمونها مع ما فيه من زيادة التحقيق والتقرير فإن الضمير لا يفهم من أول الأمر إلا شأن مبهم له خطر جليل فيبقى الذهن مترقبا لما أمامه مما يفسره ويزيل إبهامه فيتمكن عند وروده له فضل تمكن وقول الشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز إن له مع أن حسنا بل لا يصح بدونها غير مسلم نعم قال الشهاب القاسمي إن هاهنا إشكالا لأنه إن جعل الخبر مجموع معنى الجملة المبين في باب القضية أعنى مجموع الله أحد والنسبة بينهما ففيه أن الظاهر أن ذلك المجموع ليس هو الشأن مضمون الجملة الذي هو مفرد أعنى الوحدانية وإن جعل مضمون الجملة الذي هو مفرد فتخصيص عدم الرابط بالجملة المخبر بها عن ضمير الشأن غير متجه إذ كل جملة كذلك لأن الخبر لابد من اتحاده بالمبتدأ بحسب الذات ولا يتحد به كذلك إلا مضمون الجملة الذي هو مفرد وأجيب باختيار الشق الأول كما يرشد إليه تعبيرهم عن هذا الضمير أحيانا بضمير القصة ضرورة أن مضمون الجملة الذي هو مفرد ليس بقصة وإنما القصة معناها المبين في باب القضية وأيضا يعدون مثل قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» من الجمل التي هي عين المبتدأ في المعنى الغير المحتاجة إلى الضمير لذلك ومن المعلوم أن ما يقال ليس المضمون الذي هو مفرد بل هو الجملة بذلك المعنى ولذا تراهم يوجبون كسر همزة إن بعد القول وكذا تمثيلهم لها بنطقي الله حسبي وكفى أي منطوقي أي منطوقي الذي أنطق به ذلك إذ من الظاهر أن ما نطق به الجملة بالمعنى المعروف وقد دل كلام ابن مالك في التسهيل على المراد يكون الجملة التي لا تحتاج إلى رابط عين المبتدأ أنها وقعت خبرا عن مفرد مدلوله جملة وهو ظاهر فيما قلنا أيضا وكون ذلك شأنا أي عظيما من الأمور باعتبار ما تضمنه ووصف الكلام بالعظم ومقابله بهذا الاعتبار شائع ذائع.
وقال العلامة أحمد الغنيمي: إن أريد أنها عينه بحسب المفهوم فهو مشكل لعدم الفائدة وإن أريد عينه بحسب المصدق مع التغاير في المفهوم كما هو شأن سائر الموضوعات مع محمولاتها فقد يقال إنه مشكل أيضا إذ ما صدق ضمير الشأن أعم من الله أحد والخالص لا يحمل على العام في القضايا الكلية ودعوى الجزئية في هذا المقام ينبو عنه تصريحهم بأن ضمير الشأن لا يخلو عن إبهام وبعبارة أخرى إن ما صدق عليه ضمير الشأن مفرد وما صدق الجملة مركب ولا شيء من المفرد بمركب ولذا تراهم يؤولون الجملة الواقعة خبرا بمفرد صادق على المبتدأ ليصح وقوعها خبرا عن ضمير الشأن ينافيه تصريحهم بأنها غير مؤولة بالمفرد وإن كانت في موقعه وأجيب بأن معنى قولهم هو ضمير الشأن أنه ضمير راجع إليه الموضوع موضعه وإن لم يسبق له ذكر للإيذان بأنه من الشهرة والنباهة بحيث يستحضره كل أحد واليه يشير كل مشير وعليه يعود كل ضمير وقولهم في عد الضمائر التي ترجع إلى متأخر لفظا ورتبة منها ضمير الشأن فإنه راجع إلى الجملة بعده مسامحة ارتكبوها لأن بيان الشأن وتعيين المراد به بها فما صدق الضمير هو بعينه ما صدق الشأن الذي عاد هو عليه فيختار الشق الثاني فإما إن يراد بالشأن الشأن المعهود ادعاء وتجعل القضية شخصية نظير هذا زيد وإما أن يراد المعنى الكلى وتجعل القضية مهملة وهي في قوة الجزئية كأنه قيل بعض الشأن الله أحد وجاء الإبهام الذي ادعى تصريحهم به من عدم تعين البعض قبل ذكر الجملة وحملها عليه وما صدق عليه الشأن كما يكون مفردا يكون جملة فليكن هنا كذلك واستمجد الأول واحتمال الكلية مبالغة نحو كل الصيد في جوف الفرا كما ترى فليتأمل وجوزوا أن يكون هو ضمير المسئول عنه أو المطلوب صفته أو نسبته فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده والبخاري في تاريخه والترمذي والبغوي في معجمه وابن عاصم في السنة والحاكم وصححه وغيرهم عن أبى كعب أن المشركين قالوا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم: يا محمد، انسب لنا ربك. فأنزل الله تعالى: {قل هو الله أحد} السورة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني في الأوسط والبيهقي بسند حسن وآخرون عن جابر قال جاء أعرابي إلى صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: انسب لنا ربك. فأنزل الله تعالى: {قل هو الله أحد}. إلخ.
وفي المعالم عن ابن عباس أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال عامر: إلام تدعونا يا محمد؟ قال: «إلى الله» قالا صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة أو من حديد أو من خشب فنزلت هذه السورة فأهلك الله تعالى أربد بالصاعقة وعامرا بالطاعون.
وأخرج بن أبى حاتم في الأسماء والصفات عن ابن عباس أن اليهود جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام منهم كعب بن الأشرف وحيى بن أخطب فقالوا يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك فأنزل الله تعالى السورة وكون السائلين اليهود مروى عن الضحاك وابن جبير وقتادة ومقاتل وهو ظاهر في أن السورة مدنية وجاز رجوع الضمير إلى ذلك للعلم به من السؤال وجرى ذكره فيه وهو عليه المبتدأ والاسم الجليل خبره وأحد خبر بعد خبر وأجاز الزمخشري أن يكون بدلا من الاسم الجليل على ما هو المختار من جواز إبدال النكرة من المعرفة وإن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو أحد وأجاز أبو البقاء أن يكون الاسم الأعظم بدلا من هو وأحد خبره والله تعالى وتقدس علم على الذات الواجب الوجود كما ذهب إليه جمهور الأشاعرة وغيرهم خلافا للمعتزلة حيث قالوا العلم في حقه سبحانه محال لأن أحدا لا يعلم ذاته تعالى المخصوص بخصوصية حتى يوضع له وإنما يعلم بمفهومات كلية منحصرة في فرد فيكون اللفظ موضوعا لامتثال تلك المفهومات الكلية فلا يكون علما ورد بأنه تعالى عالم بخصوصية ذاته فيجوز أن يضع لفظا بإزائه بخصوصه فيكون علما وهذا على مذهب القائلين بأن الوضع هو الله تعالى ظاهر إلا أنه يلزم أن يكون ما يفهم لفظ الله غير ما وضع له إذ لا يعلم غيره تعالى خصوصية ذاته تعالى التي هي الموضع له على هذا التقدير والقول بأنه يجوز أن يكون المفهوم الكلى آلة للوضع ويكون الموضوع له هو الخصوصية التي يصدق عليها المفهوم الكلى كما قيل في هذا ونظائره يلزم عليه أيضا أن يكون وضع اللفظ لما لا يفهم منه فإنا لا نفهم من أسمائه تعالى إلا تلك المفهومات الكلية والظاهر أن الملائكة عليهم السلام كذلك لاحتجاب ذاته عز وجل عن غيره سبحانه ومن هنا استظهر بعض الأجلة ما نقل عن حجة الإسلام أن الأشبه أن الاسم الجليل جار في الدلالة على الموجود الحق الجامع لصفات الإلهية المنعوت بنعوت الربوبية المنفرد بالوجود الحقيقي مجرى الأعلام أي وليس بعلم وقد مر ما يتعلق بذلك أول الكتاب فارجع إليه بقى في هذا المقام بحث وهو أن الأعلام الشخصية كزيد أما أن يكون كل منها موضوعا للشخص المعين كما هو المتبادر المشهور فإذا أخبر أحد بتولد ابن له فسماه زيدا مثلا من غير أن يبصره يكون ذلك اللفظ اسما للصورة الخيالية التي حصلت في مخيلته وحينئذ إذا لم يكن المولود بهذه السورة لم يكن إطلاق الاسم عليه بحسب ذلك الوضع ولو قيل بكونه موضوعا للمفهوم الكلى المنحصر في ذلك الفرد لم يكن علما كما سبق ثم إذا سمعنا علما من تلك الأعلام الشخصية ولم نبصر مسماه أصلا فإنا لا نفهم الخصوصية التي هو عليها بل ربما تخيلناه عل غير ما هو عليه الصور وإما يكون جميع تلك الصور الخيالية موضوعا له فيكون من قبيل الألفاظ المشتركة بين معان غير محصورة وإما أن يكون الموضوع له هو الخصوصية التي هو عليها فقط فيكون غيرها خارجا عن الموضوع له فيكون فهم غيرها من الخصوصيات منه غلطا فإما أن يترك دعوى كون تلك الأعلام جزئيات حقيقية ويقال إنها موضوعات للمفهومات الكلية المنحصرة في الفرد أو يلتزم أحد الاحتمالات الأخر وكلا الوجهين محل تأمل كما ترى فتأمل واحدا قالوا همزته مبدلة من الواو وأصله وحد وإبدال الواو المفتوحة همزة قليل ومنه قولهم امرأة أناة يريدون وناة لأنه من الوني وهو الفتور وهذا بخلاف أحد الذي يلازم النفي ونحوه ويراد به العموم كما في قوله تعالى: {فما منكم من أحد عنه حاجزين} وقوله عليه الصلاة والسلام: «أحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي». وقوله تعالى: {هل تحس منهم أحد} وقوله سبحانه: {فلا تدعوا مع الله أحدا} وقوله عز وجل: {وإن أحد من المشركين استجارك} فإن همزته أصلية.
وقيل: الهمزة فيه أصلية كالهمزة في الآخر والفرق بينهما.
قال الراغب: إن المختص بالنفي منهما لاستغراق جنس الناطقين ويتناول القليل والكثير على طريق الاجتماع والافتراق على نحو ما في الدار أحد أي لا واحد ولا اثنان فصاعدا لا مجتمعين ولا مفترقين ولهذا لم يصح استعماله في الإثبات لأن النفي المتضادين يصح ولا يصح إثباتهما فلو قيل في الدار أحد لكان فيه أثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد يصح أن يقال ما من أحد فاضلين وعليه الآية المذكورة آنفا والمستعمل في الإثبات على ثلاثة أوجه الأول أن يضم إلى العشرات نحو أحد عشر وأحد وعشرون والثاني أن يستعمل مضافا أو مضافا إليه بمعنى الأول كما في قوله تعالى: {أما أحدكما فيسقى ربه خمرا} وقولهم يوم الأحد أي يوم الأول والثالث أن يستعمل مطلقا وصفا وليس ذلك إلا في وصف الله تعالى وهو أن كان أصله واحدا إلا أن أحدا يستعمل في غيره سبحانه نحو قول النابغة:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ** بذي الجليل على مستأنس وحدي

انتهى.
وقال مكي أصل أحد واحد فأبدلوا الواو همزة فاجتمع ألفان لأن الهمزة تشبه الألف فحذفت إحداهما تخفيفا وفرق ثعلب بين أحد وواحد بأن أحدا لا يبنى عليه العدد ابتداء فلا يقال أحد واثنان كما يقال واحد واثنان ولا يقال رجل أحد كما يقال رجل واحد ولذلك اختص به سبحانه وفرق بعضهم بينهما أيضا بأن الأحد في النفي نص في العموم بخلاف الواحد فإنه محتمل للعموم وغيره فيقال ما في الدار أحد ولا يقال بل اثنان ويجوز أن يقال ما في الدار واحد بل اثنان ونقل عن بعض الحنفية أنه قال في التفرقة بينهما أن في الأحدية لا تحتمل الجزئية والعددية بحال والواحدية تحتملها لأنه يقال مائة واحد وألف واحد ولا يقال مائة أحد إلا ألف أحد وبنى على ذلك مسألة الإمام محمد بن الحسن التي ذكرها في الجامع الكبير إذا كان لرجل أربع نسوة فقال والله لا أقرب واحدة منكن صار موليا منهن جميعا ولم يجز أن يقرب واحدة منهن إلا بكفارة ولو قال والله لا أقرب أحداكن لم يصر موليا إلا من إحداهن والبيان إليه وفرق الخطابي بأن الأحدية لتفرد الذات والواحدية لنفى لمشاركة في الصفات ونقل عن المحققين التفرقة بعكس ذلك ولما لم ينفك في شأنه تعالى أحد الأمرين من الآخر قيل الواحد الأحد في حكم اسم واحد وفسر الأحد هنا ابن عباس وأبو عبيدة كما قال ابن الجوزي بالواحد وأيد بقراءة الأعمش قل هو الله الواحد وفسر بما لا يتجزأ ولا ينقسم.
وقال بعض الأجلة: إن الواحد مقول على ما تحته بالتشكيك فالمراد به هنا حيث أطلق المتصف بالواحدية التي لا يمكن أن يكون أزيد منها ولا أكمل فهو ما يكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد خارجا وذهنا وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة المقتضية للألوهية وهو مأخوذ من كلام الرئيس أبى على بن سينا في تفسيره السورة الجليلة حيث قال إن أحدا دال على أنه تعالى واحد من جميع الوجوه وأنه لا كثرة هناك أصلا لا كثرة معنوية وهي كثرة المقومات والأجناس والفصول وكثرة الأجزاء الخارجية المتمايزة عقلا كما في المادة والصورة والكثرة الحسية بالقوة أو بالفعل كما في الجسم وذلك يتضمن لكونه سبحانه منزها عن الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان وسائر ما يثلم الوحدة الكاملة والبساطة الحقة اللائقة بكرم وجهه عز وجل عن أن يشبهه شيء أو يساويه سبحانه شيء.
وقال ابن عقيل الحنبلي الذي يصح لنا من القول مع إثبات الصفات أنه تعالى واحدا في إلهيته لا غير.
وقال غيره من السلفيين كالحافظ ابن رجب هو سبحانه الواحد في إلهيته وربوبيته فلا معبود ولا رب سواه عز وجل واختار بعد وصفه تعالى بما ورد له سبحانه من الصفات أن المراد الواحدية الكاملة وذلك على الوجهين كون الضمير للشأن وكنه للمسئول عنه ولا يصح أن يراد الواحد بالعدد أصلا إذ يخلوا الكلام عليه من الفائدة وذكر بعضهم أن الاسم الجليل يدل على جميع صفات الكمال وهي الصفات الثبوتية ويقال لها صفات الإكرام أيضا والأحد يدل على جميع صفات الجلال وهي الصفات السلبية ويتضمن الكلام على كونهما خبرين الإخبار بكون المسئول عنه متصفا بجميع الصفات الجلالية والكمالية وتعقب بأن إلهية جامعة لجميع ذلك بل كل واحد الأسماء الحسنى كذلك لأن الهوية الإلهية لا يمكن التعبير عنها لجلالتها وعظمتها إلا بأنه هو هو وشرح تلك الهوية بلوازم منها ثبوتية ومنها سلبية واسم الله تعالى متناول لهما جميعا فهو إشارة إلى هويته تعالى والله سبحانه كالتعريف لها فلذا عقب به وكلام الرئيس ينادى بذلك وسنشير إليه إن شاء الله تعالى وقرأ عبد الله وأبي هو الله أحد بغير قل وقد اتفقوا على أنه لابد منها في قل يا أيها الكافرون ولا تجوز في تبت فقيل لعل ذلك لأن سورة الكافرين مشاقة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أو موادعته عليه الصلاة والسلام لهم ومثل ذلك يناسب أن يكون من الله تعالى لأن صلى الله تعالى عليه وسلم مأمور بالإنذار والجهاد وسورة تبت معاتبة لأبي لهب والنبي عليه الصلاة والسلام على خلق عظيم وأدب جسيم فلو أمر بذلك لزم مواجهته به وهو عمه صلى الله تعالى عليه وسلم وهذه السورة توحيد وهو يناسب أن يقول به تارة ويؤمر بأن يدعوا إليه أخرى.
وقيل في وجه: قل في سورة الكافرون إن فيها ما لا يصح أن يكون من الله تعالى كلا أعبد ما تعبدون فلابد فيها من ذكر قل وفيه نظر لأنه لا يلزم ذكره بهذا اللفظ فافهم.
وقال الدواني في وجه ترك قل في تبت لا يبعد أن يقال إن القول بمعاتبة أبى لهب إذا كان من الله تعالى كان أدخل في زجره وتفضيحه.
وقيل: فيه رمز إلى أنه لكونه على العلات عمه صلى الله تعالى عليه وسلم لا ينبغي أن يهينه بمثل هذا الكلام إلا الذي خلقه إذ لا يبعد أن يتأذى مسلم من أقاربه لو سبه أحد غيره عز وجل فقد أخرج ابن أبى الدنيا وابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله تعالى عنهما قال مرت درة ابنة أبى لهب برجل فقال هذه ابنة عدو الله أبى لهب فأقبلت عليه فقالت ذكر الله تعالى أبى بنباهة وشرفه وترك أباك بجهالته ثم ذكرت ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فخطب فقال لا يؤذين مسلم بكافر ثم إن إثبات قل على قراءة الجمهور في المصحف والتزام قراءتها في هذه السورة ونظائرها مع أنه ليس من دأب المأمور بقل أن يتلفظ في مقام الائتمار إلا بالمقول قال الماتريدي في التأويلات لأن المأمور ليس المخاطب به فقط بل كل أحد ابتلى بما ابتلى به المأمور فاثبت ليبقى على مر الدهور منا على العباد.
وقيل: يمكن أن يقال المخاطب بقل نفس التالي كأنه تعالى أعلم به أن كل أحد عند مقام هذا المضمون ينبغي أن يأمر نفسه بالقول به وعدم التجاوز عنه فتأمل والله تعالى الموفق وقوله تعالى: {الله الصمد} مبتدأ وخبر.
وقيل: الصمد نعت والخبر ما بعده وليس بشيء.
والصمد قال ابن الأنباري لا خلاف بين أهل اللغة أنه السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم.
وقال الزجاج هو الذي ينتهي إليه السؤدد ويصمد إليه أي يقصده كل شيء وأنشدوا:
لقد بكر الناعي بخير بني أسد ** بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد

وقوله:
علوته بحسام ثم قلت له ** خذها خزيت فأنت السيد الصمد

وعن علي بن أبى طلحة عن ابن عباس أنه قال: هو السيد الذي قد كمل في سؤدده والشريف الذي قد كمل في شرفه والعظيم الذي قد كمل في عظمته والحليم الذي قد كمل في حلمه والعليم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمته وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد وعن أبى وعن أبى هريرة هو المستغنى عن كل أحد المحتاج أليه كل أحد وعن ابن جبير هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وعن الربيع هو الذي لا تعتريه الآفات وعن مقاتل بن حيان هو الذي لا عيب فيه وعن قتادة هو الباقي بعد خلقه ونحوه قول معمر هو الدائم وقول مرة الهمداني هو الذي لا يبلى ولا يفنى وعنه أيضا هو الذي يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه.
وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال لا أعلمه إلا قد رفعه قال الصمد الذي لا جوف له وروى عن الحسن ومجاهد ومنه قوله شهاب:
حروب لا تزال جياده ** عوابس يعلكن الشكيم المصمدا

وعن أبى عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود قال الصمد الذي ليس له أحشاء وهو رواية عن ابن عباس وعن عكرمة هو الذي لا يطعم وفي لرواية أخرى الذي لم يخرج منه شيء وعن الشعبي هو الذي لا يأكل ولا يشرب وعن طائفة منهم أبى بن كعب والربيع بن أنس أنه الذي لم يلد ولم يولد كأنهم جعلوا ما بعده تفسير الله والمعول عليه تفسيرا بالسيد الذي يصمد إليه الخلق في الحوائج والمطالب وتفسيره بالذي لا جوف له وما عداهما إما راجع إليهما أو هو مما لا تساعد عليه اللغة وجعل معنى كونه تعالى سيد أنه مبدأ الكل وفي معناه تفسيره بالغنى المطلق المحتاج إليه ما سواه وقال: يحتمل أن يكون كلا المعنيين مرادا فيكون وصفا له تعالى بمجموع السلب والإيجاب وهو ظاهر في جواز استعمال المشترك في كلا معنييه كما ذهب إليه الشافعي والذي اختار تفسيره بالسيد الذي يصمد إليه الخلق وهو فعل بمعنى مفعول من صمد بمعنى قصد فيتعدى بنفسه وباللام وإطلاق الصمد بمعنى السيد عليه تعالى مما لا خوف فيه وإن كان في إطلاق السيد نفسه خلاف والصحيح إطلاقه عليه عز وجل كما في الحديث السيد الله.
وقال السهيلي: لا يطلق عليه تعالى مضافا فلا يقال سيد الملائكة والناس مثلا وقصد الخلق إياه تعالى بالحوائج أعم من القصد الطبيعي والقصد بحسب الاستعداد الأصلي الثابت لجميع الماهيات إذ هي كلها متوجهة أي المبدأ تعالى في طلب كمالاتها منه عز وجل وتعريفه دون أحد قيل لعلمهم بصمديته تعالى دون أحديته وتعقب بأنه لا يخلو عن كدر لأن علم المخاطب بمضمون الخبر لا يقتضى تعريفه بل أنما يقتضى أن لا يلقى إليه إلا بعد تنزيله منزلة الجاهل لأن إفادة لازم فائدة الخبر بمعزل عن هذا المقام فالأولى أن يقال إن التعريف لإفادة الحصر كقولك زيد الرجل ولا حاجة إليه في الجملة السابقة بناء على أن مفهوم أحد المنزه عن أنحاء التركيب والتعدد مطلقا إلى آخر ما تقدم مع أنهم لا يعرفون أحديته تعالى ولا يعترفون بها وأعترض بأنه يقتضى أن الخبر إذا كان معلوما للمخاطب لا يخبر به إلا بتنزيله منزلة الجاهل أو إفادته لازم الخبر أو إذا قصد الحصر وهو ينافى ما تقرر في المعنى من أن كون المبتدأ والخبر معلومين لا ينافى كون الكلام مفيدا للسامع فائدة مجهولة لأن ما يستفيده السامع من الكلام هو أنتساب أحدهما للآخر وكونه هو هو فيجوز أن يقال هنا إنهم يعرفونه تعالى بوجه ما ويعرفون معنى المقصود سواء كان هو الله سبحانه أو غيره عندهم ولكن لا يعرفون أنه هو سواء كان بمعنى الفرد الكامل أو لجنس فعينه الله تعالى لهم.
وقيل: إن أحد في غير النفي والعدد لا يطلق على يره تعالى فلم يحتج إلى تعريفه بخلاف الصمد فإنه جاء في كلامهم إطلاقه على غيره عز وجل أي كما في البيتين السابقين فلذا عرف وتكرار الاسم الجليل دون الإتيان بالضمير قيل للإشعار بأن من لم يتصف بالصمدية لم يستحق الألوهية وذلك على ما صرح به الدواني مأخوذ من إفادة تعريف الجزأين الحصر فإذا قلت السلطان العادل أشعر بأن لم يتصف بالعدل لم يستحق السلطنة.
وقيل ذلك تعليق الصمد بالله يشعر بعلية الألوهية للصمدية بناء على أنه في الأصل صفة وإذا كانت الصمدية نتيجة الألوهية لم يستحق الألوهية من لم يتصف بها وبحث فيه بأن الألوهية فيما يظهر للصمدية لأنه إنما يعبد لكونه محتاجا إليه دون العكس إلا أن يقال المراد بالألوهية مبدأها وما ترتب عليه لا كونه معبودا بالفعل وإنما لم يكتف بمسند إليه واحد لأحد والصمد هو الاسم الجليل بأن يقال الله الأحد الصمد للتنبه على أن كلا من الوصفين مستقل في تعيين الذات وترك العطف في الجملة المذكورة لأنها كالدليل عليه فإن من كان غنيا لذاته محتاجا إليه جميع ما سواه لا يكون إلا واحد أو ما سواه لا يكون إلا ممكنا محتاجا إليه أو لأنها كالنتيجة لذلك بناء على أن الأحدية تستلزم الصمدية والغنى المطلق وبالجملة هذه الجملة من وجه تشيه الدليل ومن وجه تشبيه النتيجة فهي مستأنفة أو مؤكدة وقرأ أبان بن عثمان وزيد بن على ونصر بن عاصم وابن سيرين والحسن وابن أبى إسحاق وأبو السمال وأبو عمر وفي رواية يونس ومحبوب والأصمعي واللؤلؤي وعبيد أحد الله بحذف لتنوين لالتقائه مع لام التعريف وه موجود في كلام العرب وأكثر ما يوجد في الشعر كقول أبي الأسود الدؤلي:
فألفيته غير مستعتب ** ولا ذاكر الله إلا قليلا

وقول الآخر:
عمرو الذي هشم الثريد لضيفه ** ورجال مكة مسنتون عجاف

والجيد هو التنوين وكسره لالتقاء الساكنين وقوله تعالى: {لم يلد} إلخ على نحو ما سبق ونفى ذلك عنه تعالى لأن الولادة تقتضى انفصال مادة منه سبحانه وذلك يقتضى التركيب المنافي للصمدية والأحدية أو لأن الولد من جنس أبه ولا يجانسه سبحانه تعالى أحد لأنه سبحانه واجب وغيره ممكن لأن الولد على ما قيل يطلبه العاقل إما لإعانته أو ليخلفه بعده وهو سبحانه دائم باق غير محتاج إلى شيء من ذلك والاقتصار على الماضي دون أن يقال لن يلد لوروده ردا على من قال أن الملائكة بنات الله سبحانه أو المسيح ابن الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ويجوز أن يكون المراد استمرار النفي وعبر الماضي لمشاكلة قوله تعالى: {لم يلد} وهو لابد أن يكون بصيغة الماضي ونفى المولودية عنه سبحانه لاقتضائها المادة فيلزم التركيب المنافي للغنى المطلق والأحدية الحقيقية أو لاقتضائها سيق العدم ولو بالذات أو لاقتضائها المجانسة المستحيلة وقدم نفى الولادة لأنه إلههم لأن طائفة من الكفار توهموا خلافه بخلاف نفى المولودية أو لكثرة متوهمي خلاف الأول دون خلاف الثاني بناء على أن النصارى يلزمهم بواسطة دعوى الاتحاد القول بالولادة والمولودية فيمن يعتقدونه إلها وذلك على ما تضمنته كتبهم أنهم يقولون إن الآب هو الأقنوم الأول من الثالوث والابن هو الثاني الصادر منه صدوره أزليا مساويا بالأزلية وروح القدس هو الثالث الصادر عنهما كذلك والطبيعة الإلهية واحدة وهي لكل من الثلاثة وكل منها متحد معها ومع ذلك هم ثلاثة جواهر لا جوهر واحد فالآب ليس هو الابن والابن ليس هو الآب وروح القدس ليس هو الآب ولا الابن وهما ليسا روح القدس ومع ذا هم إله واحد إذ لهم لاهوت واحدة وطبيعة واحدة وجوهر واحد وكل منهم متحد مع اللاهوت وإن كان بينهم تمايز والأول هو الوجود الواجب الجوهري والثاني هو العقل الجوهري ويقال له العلم والثالث هو الإدارة الجوهرية ويقال لها المحبة فالله ثلاثة أقانيم جوهرية وهي على تمايزها تمايزا حقيقيا وقد يطلقون عليه إضافيا أي بإضافة بعضها إلى بعض جوهر وطبيعة واحدة هو الله وليس يوجد فيه غيره بل كل ما هو داخل فيه عين ذاته ويقولون إن فيه تعالى عما يقولون أربع إضافات أولاها فاعلية التعقيل في الأقنوم الأول ثانيتها مفعولية التعقل في الأقنوم الثاني الذي هو صورة عقل الأب ثالثتها فاعلية الانبثاق في الأقنوم الأول والثاني اللذين لهما الإرادة رابعتها مفعولية هذا الانبثاق في الأقنوم الثالث الذي هو حب الإرادة الإلهية التي للأقنوم الأول والثاني وزعموا أن التعبير الفاعلية والمفعولية في الأقانيم الإلهية على سبيل التوسع وليست الفاعلية في الآب نحو الابن إلا الأبوة وفيه وفي الابن نحو روح القدس ليست إلا بدء صدوره منهما وليست المفعولية في الابن وروح القدس إلا البنوة في الابن والانبثاق في الروح ويقولون كل ذلك مما يجب الإيمان به وإن كان فوق الطور البشرى ويزعمون أن لتلك الأقانيم أسماء تلقوها من الحواريين فالأقنوم الأول في الطبع الإلهي يدعى أبا والثاني أبنا وكلمة وحكمة ونورا وضياء وشعاعا والثالث روح القدس ومغريا وهو معنى قولهم باليونانية أراكليط وقالوا في بيان وجه الإطلاق إن ذلك لأن الأقنوم الأول بمنزلة ينبوع ومبدأ أعطى الأقنوم الثاني الصادر عنه بفعل يقتضى شبه فاعله وه فعل العقل طبيعته وجوهره كله حتى أن الأقنوم الثاني الذي هو في صورة الأول الجوهرية الإلهية مساو له كمال المساواة وحد الإيلاد هو صدوره حي من حي بآلة ومبدأ مقارن يقتضى شبه طبيعته وهنا كذلك بل أبلغ لأن الثاني للطبيعة الإلهية نفسها فلا بدع إذا سمى الأول أبا والثاني ابنا وإنما قيل للثاني كلمة لأن الإيلاد ليس على نحو إيلاد الحيوان والنبات بل يفعل العقل أي يتصور الأب لاهوته وفهمه ذاته ولا شك أن تلك الصورة كلمة لأنها مفهومية العقل ونطقه.
وقيل: لها حكمة كان مولود من الآب بفعل عقله الإلهي الذي هو حكمة.
وقيل: له نور وشعاع وضياء لأنه حيث كان حكمة كان به معرفة حقائق الأشياء وانكشافها كالمذكورات.
وقيل: للثلث روح القدس لأنه صادر من الآب والابن بفعل الإرادة التي هي واحدة للآب والابن ومنبثق منهما بفعل هو كهيجان الإرادة بالحب نحو محبوبها فهو حب الله والله هو نفسه الروح الصرف والتقدس عينه ولكل من الأول والثاني وجه لأن يدعى روحا لمكان الاتحاد لكن لما دعي الأول باسم يدل على رتبته وإضافته إلى الثاني والثاني كذلك اختص الثلث بالاسم المشاع ولم يدع ابنا وإن كان له طبيعة الآب وجوهره كالابن لأنه لم يصدر من الآب بفعل يقتضى شبه فاعله يعنى بفعل العقل بل صدر منه فعل الإرادة فالثاني من الأول كهابيل من آدم والثلث كحواء منه والكل حقيقة واحدة لكن يقال لهابيل ابن ولا يقال لها بنت.
وقيل: له مغزى لأنه كان عتيدا لأن يأتي الحواريين فيغريهم لفقد المسيح عليه السلام وأما الفعلية والمفعولية فلأنهما غير موجودين حقيقة والأبوة والبنوة هاهنا لا تقتضيها كما في المحدثات ولذا لا يقال هنا للآب علة وسبب لابنه وإن قيل هناك فالثلاثة متساوية في الجوهر والذات واستحقاق العبادة والفضل من كل وجه ثم أنهم زعموا تجسد الأقنوم الثاني وهو الكلمة واتحاده بأشرف أجزاء البتول من الدم بقوة روح القدس فكان المسيح عليه السلام المركب من الناسوت والكلمة والكلمة مع اتحادها لم تخرج عن بساطتها ولم تتغير لأنها الحد الذي ينتهي إليه الاتحاد فلا مانع في جهتها من الاتحاد وكذا لا مانع من جهة الناسوت منه فلا يتعاصى الله تعالى شيء زعموا أنه المسيح عليه السلام كان إلها تاما وإنسانا تاما ذات طبيعتين ومشيئتين قائمتين بأقنوم إلهي وهو أقنوم الكلمة ومن ثم تحمل عليه الصفات الإلهية والبشرية معا لكن من حيثيتين ثم إنهم أزادوا في الطنبور رنة وقالوا إن المسيح أطعم يوما الحواريين خبزا وسقاهم خمرا فقال أكلتم لحمى وشربتم دمي فاتحدتم معي وأنا متحد مع الآب إلى رنات أخر هي أشهر من أن تذكر ويعلم مما ذكرنا أنه لا فرق عندهم بين أن يقال أن الله تعالى هو المسيح وبين أن يقال أن المسيح هو أبنه وبين أن يقال إن سبحانه ثالث ثلاثة ولذا جاء في التنزيل كل من هذه الأقوال منسوبا إليهم ولا حاجة إلى جعل كل قول لقوم كما قال غير واحد من المفسرين والمتكلمين ثم لا يخفى منافاة ما ذكروه للأحدية والصمدية وقولهم إن الأقانيم مع كونها ثلاث جواهر متمايزة تمايزا حقيقيا جوهر واحد لبداهة بطلانه لا يسمن ولا يغنى وما يذكونه من المثال لإيضاح ذلك فهو عن الإيضاح بمعزل وبعيد عن المقصود بألف ألف منزل وكنا ذكرنا في ضمن هذا الكتاب ما يتعلق ببعض عقائدهم مع رده إلا أنه كان قبل النظر في كتبهم وقد اعتمدنا فيه ما ذكره المتكلمون عنهم واليوم لنا عزم على تأليف رسالة تتضمن تحرير اعتقاداتهم في الواجب تعالى وذكر شبههم العقلية والنقلية التي يستندون إليها ويعولون في التثليث عليها حينما وقفنا عليه في كتبهم مع ردها على أكمل وجه إن شاء الله تعالى ونسأل الله تعالى التوفيق لذلك وأن يسلك سبحانه بنا في جميع أمورنا أقوم المسالك فهو سبحانه الجواد الأجود الذي لم يجبه من توجه إليه بالرد ولم يكن له كفوا أحد أي لم يكافئه أحد ولم يماثله ولم يشاكله من صاحبة وغيرها.
وقيل: هو نفى للكفاءة المعتبرة بين الأزواج وهو كما ترى وله صلة كفوا على ما ذهب إليه المبرد وغيره والأصل أن يؤخر إلا أنه قدم للاهتمام لأن المقصود نفى الكفاءة عن ذاته عز وجل وللاهتمام أيضا قدم الخبر مع ما فيه من رعاية الفواصل قيل أن الظرف هنا وإن لم يكن خيرا مبطلا سقوطه معنى الكلام لأنك لو قلت لم يكن كفوا أحد لم يكن له معنى فلما احتيج إليه صار بمنزلة الخبر فحسن ذلك.
وقال أبو حيان: كلام سيبويه في الظرف الذي يصلح أن يكون خبرا وهو الظرف التام وما هنا ليس كذلك.
وقال ابن الحاجب: قدم الظرف للفواصل ورعايتها ولم يقدم على أحد لئلا يفصل بين المبتدأ وخبره وفيه نظر ظاهر وجوز أن يكون الظرف حالا من أحد قدم عليه رعاية للفاصلة ولئلا يلتبس بالصفة أو الصلة وأن يكون خبرا ليكن ويكون كفوا حالا من الضمير في الظرف الوقع خبرا وهذا الوجه نقله أبو على في الحجة عن بعض النحاة ورد بأنه كما سمعت آنفا عن أبى حيان ظرف ناقص لا يصح أن يكون خيرا فإن قدر له متعلق خاص وهو مماثل ونحوه مما تم به الفائدة يكون كفوا زائدا ولعل وقوع الجمل الثلاث متعاطفة دون ما عداها من هذه السورة لأنها سيقت لمعنى وغرض واحد وهو نفى المماثلة.
والمناسبة عنه تعالى بوجه من الوجوه وما تضمنته أقسامها لأن المماثل إما ولد أو والد أو نظير غيرهما فلتغاير الأقسام واجتماعها في المقسم لزم العطف فيها بالواو كما هو مقتضى قواعد المعنى.
وفي كفوا لغات ضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الكاف مع ضم الفاء وقرأ حمزة ويعقوب ونافع في رواية كفوا بالهمز والتخفيف وحفص بالحركة وإبدال الهمزة واوا وباقي السبعة بالحركة مهموزا وسهل الهمزة الأعرج وأبو جعفر وشيبة في رواية وفي أخرى عنه كفى من غير همز نقل حركة الهمزة إلى الفاء وحذف الهمزة وقرأ سليمان بن علي عن عبد الله بن عباس كفاء بكسر الكاف وفتح الفاء والمد كما في قول النابغة:
لا تقذفني بركن لا كفاء له

أي لا مثل له كما قال الأعلم وهذه السورة الجليلة قد انطوت مع تقارب قطرها على أشتات المعارف الإلهية والعقائد الإسلامية ولذا جاء فيها ما جاء من الأخبار وورد ما ورد من الأخبار ودل على معنى تحقيق الإلهية الصمدية التي معناها وجوب الوجود أو المبدئية لوجود كل ما عداه من الموجودات تم عقب ذلك ببيان أنه لا يتولد عنه غيره لأنه غير متولد عن غيره وبين أنه تعالى وإن كان إلها لجميع الموجودات فياضا للوجود عليها فلا يجوز أن يفيض الوجود على مثله كما لو يكن وجوده من غيره ثم عقب ذلك ببيان أنه ليس في الوجود ما يساويه في قوة الوجود فمن أول السورة إلى الصمد في ماهيته تعالى ولوازم ماهيته ووحدة حقيقته وانه غير مركب أصلا ومن قوله تعالى: {لم يلد} إلى: {أحد} في بيان أنه ليس ما يساويه من نوعه ولا من جنسه لا بأن يكوون سبحانه متولدا عنه ولا بأن يكون موازى في الوجود وبهذا المبلغ يحصل تمام معرفة ذاته عز وجل. انتهى.
وأشار فيه إلى أن ولم يولد كالتعليل لما قبله وكأن قد قال قبل أن كل ما كان ماديا أو كان له علاقة بالمادة يكون متولدا من غيره فيصير تقدير الكلام لم يلد لأنه لم يتولد والإشارة إلى دليله بهو أول السورة فإنه لما لم يكن له ماهية واعتبار سوى أنه لذاته وجب أن لا يكون متولدا عن غيره وإلا لكانت هويته مستفادة من غيره فلا يكون هو لذاته وظاهر العطف يقتضى عدم اعتبار ما أشار إليه من العلية وقد علمت فيما سبق وجه ذكره وجعل بعضهم العطف فيه قريبا من عطف لا يستقدمون على لا يستأخرون وأشار بعض السلف إلى أن ذكر ذلك لأنه جاء في سبب النزول أنهم سألوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن ربه سبحانه من أي شيء أمن كذا أم من كذا وممن ورث الدنيا ولمن يورثها.
وقال الإمام: إنه هو الله أحد ثلاثة ألفاظ وكل واحد منها إشارة إلى مقام من مقامات الطالبين فالمقام الأول مقام المقربين وهو أعلى مقامات السائرين إلى الله تعالى وهؤلاء نظروا بعيون عقولهم إلى ما هيأت الأشياء وحقائقها من حيث هي فما رأوا موجودا سوى الحق لأنه الذي يجب وجوده لذاته وما عداه ممكن لذاته فهو من حيث ذاته ليس فقالوا هو إشارة إلى الحق إذ ليس هناك في نظرهم يرجع إليه سواه عز وجل ليحتاج إلى التمييز والمقام الثاني لأصحاب اليمين هؤلاء شاهدوه الحق سبحانه موجودا وكذا شاهدوا الخلق فحصلت كثرة في الموجودات في نظرهم فلم يكن هو كافيا في الإشارة إلى الحق بل لابد من مميز فاحتاجوا إلى يقرنوا لفظة الله بلفظ فقيل لأجلهم هو الله والمقام الثالث هو مقام أصحاب الشمال الذين أن يكون واجب الوجود أكثر من واحد والإله كذلك فجيء بأحد ردا عليهم وإبطالا لمقالتهم. انتهى.
وبعض الصوفية عد لفظة هو من أعداد الأسماء الحسنى بل قال إن هاء الغيبة هي اسمه تعالى الحقيقي لدلالته على الهوية المطلقة مع كونه من ضروريات التنفس الذي به بقاء حياة النفس وإشعار رسمه بالإحاطة ومرتبته من العدد إلى دوامه وعدم فنائه ونقل الدواني عن الإمام أنه قال علمني بعض المشايخ يا هو يا من هو يا من لا إله هو وعلى ذلك اعتقاد أكثر المشايخ اليوم ولم يرد ذلك في الأخبار المقبولة عن المحدثين والله تعالى أعلم.