فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (18):

{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)}
{والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} فإنه أول النهار فيناسب أول الليل وقيل كونه عنى أدبر أنسب بهذا لما بين أدبار الليل وتنفس الصبح من الملاصقة فيكون بينهما مناسبة الجوار والمراد من تنفس الصبح على ما ذكر غير واحد إضاءته وتبلجه وفي الكشاف أنه إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح ونسيم فجعل ذلك نفسًا له على المجاز وقيل تنفس الصبح وعنى بالمجاز الاستعارة لأنه لما كان النفس ريحًا خاصًا يفرح عن القلب انبساطًا وانقباضًا شبه ذلك النسيم بالنفس وأطلق عليه الاسم استعارة وجعل الصبح متنفسًا لمقارنته له ففي الكلام استعارة مصرحة وتجوز في الإسناد وظاهر كلام بعضهم أنه بعد الاستعارة يكون ذلك كناية عن الإضاءة وجوز أن يكون هناك مكنية وتخييلية بأن يشبه الصبح اش وآت من مسافة بعيدة ويثبت له التنفس المراد به هبوب نسيمه مجازًا على طريق التخييل كما في {ينقضون عهد الله} [البقرة: 27] وقال الإمام النهار بغشيان الليل المظلم كالمكروب وكما أنه يجد راحة بالتنفس كذلك تخلص الصبح من الظلام وطلوعه كأنه تخلص من كرب إلى راحة وهذا أدق مما في الكشاف كما لا يخفى وجوز أن يقال إن الليل لما غشي النهار ودفع به إلى تحت الأرض فكأنه أماته ودفنه فجعل ظهور ضوئه كالتنفس الدال على الحياة وهو نحو مما نقل عن الإمام وقيل تنفس أي توسع وامتد حتى صار نهارًا والظاهر أن التنفس في الآية إشارة إلى الفجر الثاني الصادق وهو المنتشر ضوءه معترضًا بالأفق بخلاف الأول الكاذب وهو ما يبدو مستطيلًا وأعلاه أضوأ منت باقيه ثم يعدم وتعقبه ظلمة أو يتناقص حتى ينغمر في الثاني على زعم بعض أهل الهيئة أو يختلف حاله في ذلك تارة وتارة بحسب الأزمنة والعروض على ما قيل وسمي هذا الكاذب عارضًا ففي خبر مسلم «لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا العارض لعمود الصبح حتى يستطير» أي ينتشر ذلك العموم في نواحي الأفق وكلام بعض الأجلة يشعر بأنه فيها إشارة إلى الكاذب حيث قال يؤخذ من تسمية الفجر الأول عارضًا للثاني أنه يعرض للشعاع الناشئ عنه الفجر الثاني انحباس قرب ظهوره كما يشعر به التنفس في قوله تعالى: {والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} فعند ذلك الانحباس يتنفس منه شيء من شبه كوة والمشاهد في المنحبس إذا خرج بعضه دفعة أن يكون أوله أكثر من آخره ويعلم من ذلك سبب طول العمود وأضاءه أعلاه إلى آخر ما قال وفيه بحث ثم الظاهر أن تنفس الصبح وضياءه بواسطة قرب الشمس إلى الأفق الشرقي قدار معين وهو في المشهور ثمانية عشر جزءًا وقول الإمام: إنه يلزم على ذلك بناءً على كرية الأرض واستضاءة أكثر من نصفها من الشمس دائمًا ظهور الضياء وتنفس الصبح إذا فارقت الشمس سمت القدم من دائرة نصف النهار وذلك بعيد نصف الليل والواقع خلافه تشكيك فيما يقرب أن يكون بديهيًا وفيه غفلة عن أحوال ظل الأرض وانعكاس الأشعة من أبصار سكنة أقطارها فتأمل ولا تغفل والواو في قوله تعالى والصبح والليل على ما نقل عن ابن جني للعطف وإذا ليس معمولًا لفعل القسم لفساد المعنى إذ التقييد بالزمان غير مراد حالًا كان أو استقبالًا وإنما هو على ما اختاره غير واحد معمول مضاف مقدر من نحو العظمة لأن الإقسام بالشيء إعظام له كأنه قيل ولا أقسم بعظمة الليل زمان عسعس وبعظمة النهار زمان تنفس على نحو قولهم عجبًا من الليث إذا سطا فإنه ليس المعنى على تقييد بالليل كائنًا إذا عسعس والحال مقدرة أي مقدرًا كونه في ذلك الوقت وصرح العلامة التفتازاني في التلويح في مثله أن إذا بدل من الليل إذ ليس المراد تعليق القسم وتقييده بذلك الوقت ولهذا منع المحققون كونه حالًا من الليل لأنه أيضًا يفيد تقييد القسم بذلك الوقت وسيأتي إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الشمس ما يتعلق بهذا المقام أيضًا.

.تفسير الآية رقم (19):

{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)}
{أَنَّهُ} أي القرآن الجليل الناطق بما ذكر من الدواهي الهائلة وجعل الضمير للإخبار عن الحشر والنشر تعسف {لَقَوْلُ رَسُولٍ} هو كما قال ابن عباس وقتادة والجمهور جبريل عليه السلام ونسبته إليه عليه السلام لأنه واسطة فيه وناقل له عن مرسله وهو الله عز وجل: {كَرِيمٌ} أي عزيز على الله سبحانه وتعالى وقيل متعطف على المؤمنين.

.تفسير الآية رقم (20):

{ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)}
{ذِى قُوَّةٍ} أي شديد كما قال سبحانه: {شديد القوى} [النجم: 5] وجاء في قوته أنه عليه السلام بعث إلى مدائن لوط وهي أربع مدائن وفي كل مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري فحملها بمن فيها من الأرض السفلى حتى سمع أهل السماء أصوات الدجاج ونباح الكلاب ثم هوى بها فأهلكها وقيل المراد القوة في أداء طاعة الله تعالى وترك الإخلال بها من أول الخلق إلى آخر زمان التكليف وقيل لا يبعد أن يكون المراد قوة الحفظ والبعد عن النسيان والخلط {عِندَ ذِى العرش مَكِينٍ} أي ذي مكانة رفيعة وشرف عند الله العظيم جل جلاله عندية إكرام وتشريف لا عندية مكان فالظرف متعلق كين وهو فعيل من المكانة وقد كثر استعمالها كما في الصحاح حتى ظن أن الميم من أصل الكلمة واشتق منه تمكن كما اشتق من المسكنة تمسكن وجوز أن يكون مصدرًا ميميًا من الكون وأصله مكون بكسر الواو فصار بالنقل والقلب مكينًا وأريد بالكون الوجود كأنه من كمال الوجود صار عين الوجود والأول هو الظاهر وقيل إن الظرف متعلق حذوف وقع صفة أخرى لرسول أي كائن عند ذي العرش الكينونة اللائقة وهو كما ترى.

.تفسير الآية رقم (21):

{مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)}
{مطاع} فيما بين الملائكة المقربين عليهم السلام يصدرون عن أمره ويرجعون إلى رأيه {ثُمَّ} ظرف مكان للبعيد وهو يحتمل أن يكون ظرفًا لما قبله وجعل إشارة إلى {عند ذي العرش} [التكوير: 20] والمراد بكونه مطاعًا هناك كونه مطاعًا في ملائكته تعالى المقربين كما سمعت ويحتمل أن يكون ظرفًا لما بعده أعني قوله سبحانه: {أَمِينٌ} والإشارة بحالها وأمانته على الوحي وفي رواية عنه عليه السلام أنه قال: «أمانتي أني لم أومر بشيء فعدوته إلى غيره» ولأمانته أنه عليه السلام يدخل الحجب كما في بعض الآثار بغير إذن وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وأبو البرهسم وابن مقسم ثم بضم الثاء حرف عطف تعظيمًا للأمانة وبيانًا لأنها أفضل صفاته المعدودة وقال صاحب اللوامح هي عنى الواو لأن جبريل عليه السلام كان بالصفتين معًا في حال واحدة ولو ذهب ذاهب إلى الترتيب والمهلة في هذا العطف عنى مطاع في الملأ الأعلى على ثم أمين عند انفصاله عنهم حال وحيه إلى الأنبياء عليهم السلام لجاز إن ورد به أثر انتهى والمعول عليه ما سمعت والمقام يقتضي تعظيم الأمانة لأن دفع كون القرآن افتراء منوط بأمانة الرسول.

.تفسير الآية رقم (22):

{وَمَا صَاحِبُكُمْ جْنُونٍ (22)}
{وَمَا صاحبكم} هو رسول الله صلى الله عليه وسلم {جْنُونٍ} كما تبهته الكفرة قاتلهم الله تعالى وفي التعرض لعنوان الصحبة مضافة إلى ضميرهم على ما هو الحق تكذيب لهم بألطف وجه إذ هو إيماء إلى أنه عليه الصلاة والسلام نشأ بين أظهركم من ابتداء أمره إلى الآن فأنتم أعرف به وبأنه صلى الله عليه وسلم أتم الخلق عقلًا وأرجحهم قيلًا وأكملهم وصفًا وأصفاهم ذهنًا فلا يسند إليه الجنون إلا من هو مركب من الحمق والجنون. واستدل الزمخشري بالمبالغة في ذكر جبريل عليه السلام وتركها في شأن النبي صلى الله عليه وسلم على أفضليته عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وأجابوا بما بحث فيه والوجه في الجواب على ما في الكشف أن الكلام مسوق لحقية المنزل دلالة على صدق ما ذكر فيه من أهوال القيامة وقد علمت أن من شأن البليغ أن يجرد الكلام لما ساق له لئلا يعد الزيادة لكنة وفضولًا ولا خفاء أن وصف الآتي بالقول يشد من عضد ذلك أبلغ شد وأما وصف من أنزل عليه فلا مدخل له في البين إلا إذا كان الغرض الحث على اتباعه فلهذا لم تدل المبالغة في شأن جبريل عليه السلام وعد صفاته الكوامل وترك ذلك في شأن نبينا عليه أفضل الصلوات والتسليمات على تفضيله بوجه. وقال بعضهم إن لأحد من هو معزز معظم مقرب لديه دل على أن المرسل إليه كانة عنده ليس فوقها مكانة وقد علمت أن المقام ليس للمبالغة في مدح المنزل عليه وقيل المراد بالرسول هو نبينا صلى الله عليه وسلم كالمراد بالصاحب وهو خلاف الظاهر الذي عليه الجمهور.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)}
{وَلَقَدْ رَءاهُ} أي وبالله تعالى لقد رأى صاحبكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسول الكريم جبريل عليه السلام على كرسي بين السماء والأرض بالصورة التي خلقه الله تعالى عليها له ستمائة جناح {بالافق المبين} وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق كما روى عن الحسن وقتادة ومجاهد وسفيان وفي رواية عن مجاهد أنه صلى الله عليه وسلم رآه عليه السلام نحو جياد وهو مشرق مكة وقيل إن المراد به مطلع رأس السرطان فإنه أعلى المطالع لأهل مكة وهذه الرؤية كانت فيها بعد أمر غار حراء. وخكى ابن شجرة أنه أفق السماء الغربي وليس بشيء. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في الآية رآه في صورته عند سدرة المنتهى والأفق على هذا قيل عنى الناحية وقيل سمي ذلك أفقًا مجازًا.

.تفسير الآية رقم (24):

{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)}
{وَمَا هُوَ} أي رسول الله صلى الله عليه وسلم {عَلَى الغيب} على ما يخبر به من الوحي إليه وغيره من الغيوب {بِضَنِينٍ} من الضن بكسر الضاد وفتحها عنى البخل أي ببخيل لا يبخل بالوحي ولا يقصر في التبليغ والتعليم ومنح كل ما هو مستعد له من العلوم على خلاف الكهنة فإنهم لا يطلعون على ما يزعمون معرفته إلا بإعطاء حلوان وقرأ ابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر وابن الزبير وعائشة وعمر بن عبد العزيز وابن جبير وعروة وهشام بن جندب ومجاهد وغيرهم ومن السبعة النحويان وابن كثير بظنين بالظاء أي تهم من الظنة بالكسر عنى التهمة وهو نظير الوصف السابق بـ {امين}. وقيل معناه بضعيف القوة على تبليغ الوحي من قولهم بئر ظنون إذا كانت قليلة الماء والأول أشهر ورجحت هذه القراءة عليها بأنها أنسب بالمقام لاتهام الكفرة له صلى الله عليه وسلم ونفي التهمة أولى من نفي البخل وبأن التهمة تتعدى بعلى دون البخل فإنه لا يتعدى بها إلا باعتبار تضمينه معنى الحرص ونحوه لكن قال الطبري بالضاد خطوط المصاحف كلها ولعله أراد المصاحف المتداولة فإنهم قالوا بالظاء خط مصحف ابن مسعود ثم أن هذا لا ينافي قول أبي عبيدة أن الظاهر والضاد في الخط القديم لا يختلفان إلا بزيادة رأس إحداهما على الأخرى زيادة يسير قد تشتبه كما لا يخفى والفرق بين الضاد والظاء مخرجًا أن الضاد مخرجها من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره ومنهم من يتمكن من إخراجها منهما والظاء مخرجها من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا واختلفوا في إبدال إحداهما بالأخرى هل يمتنع وتفسد به الصلاة أم لا فقيل تفسد قياسًا ونقله في المحيط البرهاني عن عامة المشايخ ونقله في الخلاصة عن أبي حنيفة ومحمد وقيل لا استحسانًا ونقله فيها عن عامة المشايخ كأبي مطيع البلخي ومحمد بن سلمة وقال جمع أنه إذا أمكن الفرق بينهما لتعمد ذلك وكان مما لم يقرأ به كمًا هنا وغير المعنى فسدت صلاته وإلا فلا لعسر التمييز بينهما خصوصًا على العجم وقد أسلم كثير منهم في الصدر الأول ولم ينقل حثهم على الفرق وتعليمه من الصحابة ولو كان لازمًا لفعلوه ونقل وهذا هو الذي ينبغي أن يعول عليه ويفتي به وقد جمع بعضهم الألفاظ التي لا يختلف معناها ضادًا وظاء في رسالة صغيرة ولقد أحسن بذلك فليراجع فإنه مهم.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25)}
{وَمَا هُوَ} أي القرآن {بِقَوْلِ شيطان رَّجِيمٍ} أي بقول بعض المسترقة للمسع لأنها هي التي ترجم وهو نفي لقولهم أنه كهانة.