فصل: تفسير الآيات (7- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآيات (7- 8):

{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)}
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} إلخ كما في قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38] وقوله تعالى: {يا أيها الإنسان} [الإنشقاق: 6] إلخ اعتراض وقيل هو محذوف للتهويل أي كان ما كان مما يضيق عنه نطاق البيان وقدره بعضهم نحو ما صرح به في سورتي التكوير والانفطار وقيل هو ما دل عليه {القرءان خَلَقَ الإنسان} إلخ وتقديره لاقى الإنسان كدحه وقيل هو نفسه على حذف الفاء والأصل في أيها الإنسان أو بتقدير يقال وقال الأخفش والمبرد هو قوله تعالى: {فملاقيه} بتقدير فأنت ملاقيه ليكون مع المقدر جملة وعلى هذا جملة يا أيها الإنسان إلخ معترضة وقال ابن الانباري والبلخي هو {وأذنت} على زيادة الواو كما قيل في قوله تعالى: {حتى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أبوابها} [الزمر: 73] وعن الأخفش أن إذا هنا لا جواب لها لأنها ليست بشرطية بل هي في {إذا السماء} [الانشقاق: 1] متجردة عنها مبتدأ وفي {وإذا الأرض} [الانشقاق: 3] خبر والواو زائدة أي وقت انشقاق السماء وقت مد الأرض وقيل لا جواب لها لأنها ليست بذلك بل متجردة عن الشرطية واقعة مفعولًا لا ذكر محذوفًا ولا يخفى ما في بعض هذه الأقوال من الضعف ولعل الأولى منها الأولان والحساب اليسير السهل الذي لا مناقشة فيه كما قيل وفسره عليه الصلاة والسلام بالعرض وبالنظر في الكتاب مع التجاوز فقد أخرج الشيخان والترمذي وأبو داود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ليس أحد يحاسب إلا هلك. قلت يا رسول الله جعلني الله تعالى فداك أليس الله تعالى يقول: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} قال ذلك العرض يعرضون ومن نوقش الحساب هلك» وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن مردويه والحاكم وصححه عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: «اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا» فلما انصرف عليه الصلاة والسلام قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير قال: «أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه».

.تفسير الآية رقم (9):

{وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)}
{وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} أي عشيرته المؤمنين مبتهجًا بحاله قائلًا {هاؤم اقرؤا كتابيه} [الحاقة: 19] وقيل أي فريق المؤمنين ملطًا وإن لم يكونوا عشيرته إذ كل المؤمنين أهل للمؤمن من جهة الاشتراك في الايمان وقيل أي إلى خاصته ومن أعده الله تعالى له في الجنة من الحور والغلمان وأخرج هذا ابن المنذر عن مجاهد وقرأ زيد بن علي ويقلب مضارع قلب مبنيًا للمفعول.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10)}
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه وَرَاء ظَهْرِهِ} أي يؤتاه بشماله من وراء ظهره قيل تغل يمناه إلى عنقه وتجعل شماله وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله وروى أن شماله تدخل في صدره حتى تخرج من وراء ظهره فيأخذ كتابه بها فلا تدافع بين ما هنا وما في سورة الحاقة حيث لم يذكر فيه الظهر ثم هذا إن كان في الكفرة وما قبله في المؤمنين المتقين فلا تعرض هنا للعصاة كما استظهره في البحر وقيل لا بعد في إدخال العصاة في أهل اليمين أما لأنهم يعطون كتبهم باليمين بعد الخروج من النار كما اختاره ابن عطية أو لأنهم يعطونها بها قبل لكن مع حساب فوق حساب المتقين ودون حساب الكافرين ويكون قوله تعالى: {فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} [الاشتقاق: 8] من وصف الكل بوصف البعض وقيل إنهم يعطونها بالشمال وتمييز الكفرة بكون الإعطاء من وراء ظهورهم ولعل ذلك لأن مؤتي الكتب لا يتحملون مشاهدة وجوههم لكمال بشاعتها أو لغاية بغضهم إياهم أو لأنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.

.تفسير الآية رقم (11):

{فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)}
{فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُورًا} يطلبه ويناديه ويقول يا ثبوراه تعالى فهذا أو أنك والثبور الهلاك وهو جامع لأنواع المكاره.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَيَصْلَى سَعِيرًا (12)}
{ويصلى سَعِيرًا} يقاسي حرها أو يدخلها وقرأ أكثر السبعة وعمر بن عبد العزيز وأبو الشعثاء والحسن والأعرج يصلي بضم الياء وفتح الصاد واللام مشددة من التصلية لقوله تعالى: {وتصلية جحيم} [الواقعة: 94] وقرأ أبو الأشهب وخارجة عن نافع وأبان عن عاصم والعتكي وجماعة عن أبي عمرو يصلي بضم الياء ساكن الصاد مخفف اللام مبنيًا للمفعول من الأصلاء لقوله تعالى: {وَنُصْلِهِ جَهَنَّم}

.تفسير الآية رقم (13):

{إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13)}
{إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ} في الدنيا {مَسْرُورًا} فرحًا بطرًا مترفًا لا يخطر بباله أمور الآخرة ولا يتفكر في العواقب ولم يكن حزينًا متفكرًا في حاله ومآله كسنة الصلحاء والمتقين والجملة استئناف لبيان علة ما قبلها وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (14):

{إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)}
{إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} تعليل لسروره في الدنيا أي ظن أن لن يرجع إلى الله تعالى تكذيبًا للمعاد وقيل ظن أن لن يرجع إلى العدم أي ظن أنه لا يموت وكان غافلًا عن الموت غير مستعد له وليس بشيء والحور الرجوع مطلقًا ومنه قول الشاعر:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ** يحور رمادًا بعد إذ هو ساطع

والتقييد هنا بقرينة المقام وإن مخففة من الثقيلة سادة ما في حيزها مسد مفعولي الظن على المشهور.

.تفسير الآية رقم (15):

{بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)}
{بلى} إيجاب لما بعد لن وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} تحقيق وتعليل له أي بلى يحور البتة أن ربه عز وجل الذي خلقه كان به وبأعماله الموجبة للجزاء بصيرًا بحيث لا تخفى عليه سبحانه منها خافية فلابد من رجعه وحسابه ومجازاته.

.تفسير الآية رقم (16):

{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16)}
{فَلاَ أُقْسِمُ بالشفق} هي الحمرة التي تشاهد في أفق المغرب بعد الغروب وأصله من رقة الشيء يقال شيء شفق أي لا يتماسك لرقته ومنه أشفق عليه رق قلبه والشفقة من الإشفاق وكذلك الشفق قال الشاعر:
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا ** والموت أكرم نزال على الحرم

وقيل البياض الذي يلي تلك الحمرة ويرى بعد سقوطها وفي تسمية ذلك شفقًا خلاف فالجمهور على أنه لا يسمى به وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز وأبوحنيفة رضي الله تعالى عنهم على أنه يسمى وروى أسد بن عمرو عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه رجع عن ذلك إلى ما عليه الجمهور وتمام الكلام عليه في شروح الهداية وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وعكرمة أنه هنا النهار كله. وروى ذلك عن الضحاك وابن أبي نجيح وكأنه شجعهم على ذلك عطف الليل عليه وعن عكرمة أيضًا أنه ما بقي من النهار والفاء في جواب شرط مقدر أي إذا عرفت هذا أو إذا تحقق الحور بالبعث فلا أقسم بالشفق.

.تفسير الآية رقم (17):

{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)}
{واليل وَمَا وَسَقَ} وما ضم وجمع يقال وسقه فاتسق واستوسق أي جمعه فاجتمع ويقال طعام موسوق أي مجموع وابل مستوسقة أي مجتمعة قال الشاعر:
إن لنا قلائصا حقائقا ** مستوسقات لم يجدن سائقًا

ومنه الوسق الأصواع المجتمعة وهي ستون صاعًا أوحمل بعير لاجتماعه على ظهره وما تحتمل المصدرية والموصولة والجمهور على الثاني والعائد محذوف أي والذي وسقه والمراد به ما يجتمع بالليل ويأي إلى مكانه من الدواب وغيرها وعن مجاهد ما يكون فيه من خير أو شر وقيل ما ستره وغطى عليه بظلمته وقيل ما جمعه من الظلمة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن جبير أنه قال وما وسق وما عمل فيه ومنه قوله:
فيومًا ترانا صالحين وتارة ** تقوم بنا كالواسق المتلبب

وقيل وسق عنى طرد أي وما طرده إلى أماكنه من الدواب وغيرها أو ما طرده من ضوء النهار ومنه الوسيقة قال في القاموس وهي من الإبل كالرفقة من الناس فإذا سرقت طردت معًا.

.تفسير الآية رقم (18):

{وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)}
{والقمر إِذَا اتسق} أي اجتمع نورع وصار بدرًا.

.تفسير الآية رقم (19):

{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)}
{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبقٍ} خطاب لجنس الإنسان المنادى أولًا باعتبار شموله لأفراده والمراد بالكوب الملاقاة والطبق في الأصل ما طابق غيره مطلقًا وخص في العرف بالحال المطابقة لغيرها ومنه قول الأقرع بن حابس.
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره ** وساقني طبق منه إلى طبق

وعن للمجاوزة وقال غير واحد هي عنى بعد كما في قولهم سادوك كابرًا عن كابر وقوله:
ما زلت أقطع منهلًا عن منهل ** حتى أنخت بباب عبد الواحد

والمجاوزة والبعدية متقاربان والجار والمجرور متعلق حذوف وقع صفة لطبقًا أو حالًا من فاعل تركبن والظاهر أن نصب طبقًا على أنه مفعول به أي لتلاقن حالًا مجاوز لحال أو كائنة بعد حال أو مجاوزين لحال أو كائنين بعد حال كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول وجوز كون الركوب على حقيقته وتجعل الحال مركوبة مجازًا وقيل نصب طبقًا على التشبيه بالظرف أو الحالية وقال جمع الطبق جمع طبقة كتخم وتخمة وهي المرتبة ويقال إنه اسم جنس جمعي واحدة ذلك والمعنى لتركبن أحوالًا بعد أحوال هي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها ورجحه الطيبي فقال هذا الذي يقتضيه النظم وترتب الفاء في {فلا أقسم} [الانشقاق: 16] على قوله تعالى: {بلى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} [الانشقاق: 15] وفسر بعضهم الأحوال بما يكون في الدنيا من كونهم نطفة إلى الموت وما يكون في الآخرة من البعث إلى حين المستقر في إحدى الدارين وقيل يمكن أن يراد بطبقًا عن طبق الموت المطابق للعدم الأصلي والإحياء المطابق للإحياء السابق فيكون الكلام قسمًا على البعث بعد الموت ويجري فيه ما ذكره الطيبي وأخرج نعيم بن حماد وأبو نعيم عن مكحول أنه قال في الآية تكونون في كل عشرين سنة على حال لم تكونوا على مثلها وفي رواية ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في كل عشرين عامًا تحدثون أمرًا لم تكونوا عليه فالطبق عنى عشرين عامًا وقد عد ذلك في القاموس من جملة معانيه وما ذكر بيان للمعنى المراد وقيل الطبق هنا القرن من الناس مثله في قول العباس بن عبد المطلب يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وأنت لما ولدت أشرقت الأر ** ض وضاءت بنورك الأفق

تنقل من صالب إلى رحم ** إذا مضى عالم بدا طبق

وإن المعنى لتركبن سنن من مضى قبلكم قرنًا بعد قرن وكلا القولين خلاف الظاهر وقرأ عمر وابن مسعود وابن عباس ومجاهد والأسود وابن جبير ومسروق والشعبي وأبو العالية وابن وثاب وطلحة وعيسى والأخوان وابن كثير {لَتَرْكَبُنَّ} بتاء الخطاب وفتح الباء وروى عن ابن عباس وابن مسعود أنهما أيضًا كسرا تاء المضارعة وهي لغة بني تميم على أنه خطاب للإنسان أيضًا لكن باعتبار اللفظ لا باعتبار الشمول وأخرج البخاري عن ابن عباس أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم روى عن جماعة وكأن من ذهب إلى أنه عليه الصلاة والسلام هو المراد بالإنسان فيما تقدم يذهب إليه وعليه يراد لتركبن أحوالًا شريفة بعد أخرى من مراتب القرب أو مراتب من الشدة في الدنيا باعتبار ما يقاسيه صلى الله عليه وسلم من الكفرة ويعانيه في تبليغ الرسالة أو الكلام عدة بالنصر أي لتلاقن فتحًا بعد فتح ونصرًا بعد نصر وتبشيرًا بالمعراج أي لتركبن سماء بعد سماء كما أخرجه عبد بن حميد عن ابن عباس وابن مسعود وأيد بالتوكيد بالجملة القسمية والتعقيب بالإنكارية وأخرج ابن المنذر وجماعة عن ابن مسعود أنه قال في ذلك يعني السماء تنفطر ثم تنشق ثم تحمر وفي وراية السماء تكون كالمهل وتكون مردة كالدهان وتكون واهية وتشقق فتكون حالًا بعد حال فالتاء للتأنيث والضمير الفاعل عائد على السماء وقرأ عمر وابن عباس أيضًا ليركبن بالياء آخر الحروف وفتح الباء على الالتفات من خطاب الإنسان إلى الغيبة وعن ابن عباس يعني نبيكم عليه الصلاة والسلام فجعل الضمير له صلى الله عليه وسلم والمعنى على نحو ما تقدم وقيل الضمير الغائب يعود على القمر لأنه يتغير أحوالًا من سرار واستهلال وأبدار وقرأ عمر أيضًا ليركبن بياء الغيبة وضم الباء على أن ضمير الجمع للإنسان باعتبار الشمول وقرئ بالتاء الفوقية وكسر الباء على تأنيث الإنسان المخاطب باعتبار النفس وأمر تقدير الحالية المشار إليها فيما مر على هذه القراآت لا يخفى والفاء في قوله تعالى: