فصل: تفسير الآية رقم (2):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (2):

{أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)}
{أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} إلخ بيان إجمالي لما فعل الله تعالى بهم والهمزة للتقرير كما سبق ولذلك عطف على الجملة الاستفهامية ما بعدها كأنه قيل قد جعل كيدهم في تعطيل الكعبة وتخريبها وصرف شرف أهلها لهم في تضييع وإبطال بأن دمرهم أشنع تدمير وأصل التضليل من ضل عنه إذا ضاع فاستعير هنا للإبطال ومنه قيل لامرئ القيس الضليل لأنه ضلل ملك أبيه وضيعه.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)}
{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ} أي جماعات جمع إبالة بكسر الهمزة وتشديد الباء الموحدة وحكى الفراء إبالة مخففًا وهي حزمة الحطب الكبيرة شبهت بها الجماعة من الطير في تضامها وتستعمل أيضًا في غيرها ومنه قوله:
كادت تهد من الأصوات راحلتي ** إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل

وقيل واحده إبول مثل عجول وقيل إبيل مثل سكين وقيل أبال وقال أبو عبيدة والفراء لا واحد له من لفظه كعباديد الفرق من الناس الذاهبون في كل وجه والشماطيط القطع المتفرقة وجاءت هذه الطير على ما روي عن جمع من جهة البحر ولم تكن نجدية ولا تهامية ولا حجازية وزعم بعض أن حمام الحرم من نسلها ولا يصح ذلك ومثله ما نقل عن حياة الحيوان من أنها تعشش وتفرخ بين السماء والأرض وقد تقدم الخلاف في لونها وعن عكرمة كأن وجهوها مثل وجوه السباع لم تر قبل ذلك ولا بعده.

.تفسير الآية رقم (4):

{تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)}
{تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ} صفة أخرى لطير وعبر بالمضارع لحكاية الحال واستحضار تلك الصورة البديعة وقرأ أبو حنيفة وأبو يعمر وعيسى وطلحة في رواية يرميهم بالياء التحتية والضمير المستتر للطير أيضًا والتذكير لأنه اسم جمع وهو على ما حكى الخفاجي لازم التذكير فتأنيثه لتأويله بالجماعة وقيل يجوز الأمران وهو ظاهر كلام أبي حيان وقيل الضمير عائد على {ربك} وليس بذاك ونسبة القراءة المذكورة لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه حكاها في البحر وعن صاحب النشر أنه رضي الله تعالى عنه لا قراءة له وأن القراآت المنسوبة له موضوعة {مّن سِجّيلٍ} صفة حجارة أي كائنة من طين متحجر معرب سنك كل وقيل هو عربي من السجل بالكسر وهو الدلو الكبيرة ومعنى كون الحجارة من الدلو أنها متتابعة كثيرة كالماء الذي يصب من الدلو ففيه استعارة مكنية وتخييلية وقيل من الاسجال عنى الإرسال والمعنى من مثل شيء مرسل ومن في جميع ذلك ابتدائية وقيل من السجل وهو الكتاب أخذ منه السجين وجعل علمًا للديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار والمعنى من جملة العذاب المكتوب المدون فمن تبعيضية واختلف في حجم تلك الطير وكذا في حجم تلك الحجارة فمن أنها مثل الخطاطيف وأن الحجارة أمثال الحمص والعدس وأخرج أبو نعيم عن نوفل بن أبي معاوية الديلمي أنه قال رأيت الحصى التي رمى بها أصحاب الفيل حصى مثل الحمص وأكبر من العدس حمر بحتمة كأنها جزع ظفار وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس أنه قال حجارة مثل البندق وفي رواية ابن مردويه عنه مثل بعر الغنم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير أنه قال في الآية هي طير خرجت من قبلة البحر كأنها رجال السند معها حجارة أمثال الإبل الوارك وأصغرها مثل رؤوس الرجال لا تريد أحدًا منهم إلا أصابته ولا أصابته إلا قتلته والمعول عليه أن الطير في الحجم كالخطاطيف وأن الحجارة منها ما هو كالحمصة ودوينها وفويقها وروى ابن مردويه وأبو نعيم عن أبي صالح أنه مكتوب على الحجر اسم من رمى به واسم أبيه وأنه رأى ذلك عند أم هانئ.

.تفسير الآية رقم (5):

{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}
{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} كورق زرع وقع فيه الأكال وهو أن يأكله الدود أو أكل حبه فبقي صفرًا منه والكلام على هذا على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أو على الإسناد المجازي والتشبيه بذلك لذهاب أرواحهم وبقاء أجسادهم أو لأن الحجر بحرارته يحرق أجوافهم وذهب غير واحد إلى أن المعنى كتبن أكلته الدواب وراثته والمراد كروث إلا أنه لم يذكر بهذا اللفظ لهجنته فجاء على الآداب القرآنية فشبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث ففيه إظهار تشويه حالهم وقيل المعنى كتبن تأكله الدواب وتروثه والمراد جعلهم في حكم التبن الذي لا يمنع عنه الدواب أي مبتذلين ضائعين لا يلتفت إليهم أحد ولا يجمعهم ولا يدفنهم كتبن في الصحراء تفعل به الدواب ما شاءت لعدم حافظ له إلا أنه وضع مأكول موضع أكلته الدواب لحكاية الماضي في صورة الحال وهو كما ترى وكأنه لما أن مجيئهم لهدم الكعبة ناسب إهلاكهم بالحجارة ولما أن الذي أثار غضبهم عذرة الكناني شبههم فيما فعل سبحانه بهم على القول الأخير بالروث أو لما أن الذي أثاره احتراقها بما حملته الريح من نار العرب على ما سمعت شبههم عز وجل فيما فعل جل شأنه بهم بعصف أكل حبه على ما أشرنا إليه أخيرًا وقرأ أبو الدرداء فيما نقل ابن خالويه مأكول بفتح الهمزة اتباعًا لحركة الميم وهو شاذ وهذا كما أتبعوا في قولهم محموم الحاء لحركة الميم والله تعالى أعلم.

.سورة قريش:

ويقال سورة لإيلاف قريش.
وهي مكية في قول الجمهور مدنية في قول الضحاك وابن السائب.
وآيها خمس في الحجازي وأربع في غيره.
ومناسبتها لما قبلها أظهر من أن تخفى بل قالت طائفة إنهما سورة واحدة واحتجوا عليه بأن أبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه بالبسملة بما روى عن عمرو بن ميمون الأزدي قال صليت المغرب خلف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقرأ في الركعة الأولى والتين وفي الثانية ألم تر ولإيلاف قريش من غير أن يفصل بالبسملة وأجيب بأن جمعا أثبتوا الفصل في مصحف أبي والمثبت مقدم على النافي وبأن خبر بن ميمون إن سلمت صحته محتمل لعدم سماعه ولعله قرأها سرا ويدل على كونها سورة مستقلة ما أخرج البخاري في تاريخه والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الخلافيات عن أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «فضل الله تعالى قريشا بسبع خصال لم يعطها أحد قبلهم ولا يعطاها أحد بعدهم أني فيهم وفي لفظ النبوة فيهم والخلافة فيهم والحجابة فيهم والسقاية فيهم ونصروا على الفيل وعبدوا الله تعالى سبع سنين- وفي لفظ عشر سنين- لم يعبده سبحانه أحد غيرهم ونزلت فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم لإيلاف قريش».
وجاء نحو هذا الأخير في خبرين آخرين أحدهما عن الزبير بن العوام يرفعه والثاني عن سعيد بن المسيب عنه صلى الله تعالى عليه وسلم ويؤيد الاستقلال كون آيها ليست على نمط آي ما قبلها وأنت تعلم أنه بعد ثبوت تواتر الفصل لا يحتاج إلى شيء مما يذكر.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)}
{لإيلاف قُرَيْشٍ} الإيلاف على ما قال الخفاجي مصدر ألفت الشيء وآلفته من الألف وهو كما قال الراغب اجتماع مع التئام وقال الهروي في الغريبين الإيلاف عهود بينهم وبين الملوك فكان هاشم يؤلف ملك الشام والمطلب كسرى وعبد شمس ونوفل يؤالفان ملك مصر والحبشة قال ومعنى يؤالف يعاهد ويصالح وفعله آلف على وزن فاعل ومصدره آلاف بغير ياء بزنة قبال أو ألف الثلاثي ككتب كتابًا ويكون الفعل منه أيضًا على وزن أفعل مثل آمن ومصدره إيلاف كإيمان وحمل الإيلاف على العهود خلاف ما عليه الجمهور كما لا يخفى على المتتبع وفي البحر إيلاف مصدر آلف رباعيًا وآلاف مصدر ألف ثلاثيًا يقال ألف الرجل الأمر ألفًا وآلافًا وآلف غيره إياه وقد يأتي آلف متعديًا لواحد كآلف ومنه قوله:
من المؤلفات الرمل أدماء حرة ** شعاع الضحى في جيدها يتوضح

وسيأتي إن شاء الله تعالى ما في ذلك من القراآت وقريش ولد النضر بن كنانة وهو أصح الأقوال وأثبتها عند القرطبي قيل وعليه الفقهاء لظاهر ما روي أنه عليه الصلاة والسلام سئل من قريش فقال من ولد النضر وقيل ولد فهر بن مالك بن النضر وحكي ذلك عن الأكثرين بل قال الزبير بن بكار أجمع النسابون من قريش وغيرهم على أن قريشًا إنما تفرقت عن فهر واسمه عند غير واحد قريش وفهر لقبه ويكنى بأبي غالب وقيل ولد مخلد بن النضر وهو ضعيف وفي بعض السير أنه لا عقب للنضر بن كنانة إلا مالك وأضعف من ذلك بل هو قول رافضي يريد بن نفي حقية خلافة الشيخين أنهم ولد قصي بن حكيم وقيل عروة المشهور بلقبه كلاب لكثرة صيده أو لمكالبته أي مواثبته في الحرب للأعداء نعم قصي جمع قريشًا في الحرم حتى اتخذوه مسكنًا بعد أن كانوا متفرقين في غيره وهذا الذي عناه الشاعر بقوله:
أبونا قصي كان يدعي مجمعا ** به جمع الله القبائل من فهر

فلا يدل على ما زعمه أصلًا وهو في الأصل تصغير قرش بفتح القاف اسم لدابة في البحر أقوى دوابه تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى وبذلك أجاب ابن عباس معاوية لما سأله لم سميت قريش قريشًا وتلك الدابة تسمى قرشًا كما هو المذكور في كلام الحبر وتسمى قريشًا وعليه قول تبع كما حكاه عنه أبو الوليد الأزرقي وأنشده أيضًا الحبر لمعاوية إلا أنه نسبه للجمحي:
وقريش هي التي تسكن البحـ ** ـر بها سميت قريش قريشا

تأكل الغث والسمين ولا تتـ ** ـرك يومًا لذي جناحين ريشًا

هكذا في البلاد حي قريش ** يأكلون البلاد أكلًا كميشا

ولهم آخر الزمان نبي ** يكثر القتل فيهم والخموشا

وقال الفراء هو من التقرش عنى التكسب سموا بذلك لتجارتهم وقيل من التقريش وهو التفتيش ومنه قول الحرث بن حلزة:
أيها الشامت المقرش عنا ** عند عمرو فهل لنا إبقاء

سموا بذلك لأن أباهم كان يفتش عن أرباب الحوائج ليقضي حوائجهم وكذا كانوا هم يفتشون على ذي الخلة من الحاج ليسدوها وقيل من التقرش وهو التجمع ومنه قوله:
اخوة قرشوا الذنوب علينا ** في حديث من دهرهم وقديم

سموا بذلك لتجمعهم بعد التفرق والتصغير إذا كان من المزيد تصغير ترخيم وإذا كان من ثلاثي مجرد فهو على أصله وأيًا ما كان فهو للتعظيم مثله في قوله:
وكل أناس سوف تدخل بينهم ** دويهية تصفر منها الأنامل

والنسبة إليه قرشي وقريشي كما في القاموس وأجمعوا على صرفه هنا راعوا فيه معنى الحي ويجوز منع صرفه ملحوظًا فيه معنى القبيلة للعلمية والتأنيث وعليه قوله:
وكفى قريش المعضلات وسادها

عن سيبويه أنه قال في نحو معد وقريش وثقيف هذه الأحياء أكثر وإن جعلت أسماء للقبائل فجائز حسن واللام في لإيلاف للتعليل والجار والمجرور متعلق عند الخليل بقوله: {فليعبدوا} والفاء لما في الكلام من معنى الشرط إذ المعنى أن نعم الله تعالى غير محصورة فإن لم يعبدوا لسائر نعمه سبحانه فليعبدوا لهذه النعمة الجليلة ولما لم تكن في جواب شرط محقق كانت في الحقيقة زائدة فلا يمتنع تقديم معمول ما بعدها عليها وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (2):

{إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)}
{إيلافهم رِحْلَةَ الشتاء والصيف} بدل من {إيلاف قريش} [قريش: 1] ورحلة مفعول به لإيلافهم على تقدير أن يكون من الألفة أما إذا كان من المؤالفة عنى المعاهدة فهو منصوب على نزع الخافض أي معاهدتهم على أو لأجل رحلة إلخ وإطلاق لإيلاف ثم أبدل المقيد منه للتفخيم وروي عن الأخفش أن الجار متعلق ضمر أي فعلنا ما فعلنا من إهلاك أصحاب الفيل لإيلاف قريش وقال الكسائي والفراء كذلك إلا أنهما قدرا الفعل بدلالة السياق اعجبوا كأنه قيل أعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف وتركهم عبادة الله تعالى الذي أعزهم ورزقهم وآمنهم فلذا أمروا بعبادة ربهم المنعم عليهم بالرزق والأمن عقبه وقرن بالفاء التفريعية وعن الأخفش أيضًا أنه متعلق بـ {جعلهم كعصف} [الفيل: 5] في السورة قبله والقرآن كله كالسورة الواحدة فلا يضر الفصل بالبسملة خلافًا لجمع والمعنى أهلك سبحانه من قصدهم من الحبشة ولم يسلطهم عليهم ليبقوا على ما كانوا عليه من إيلافهم رحلة الشتاء والصيف أو أهلك عز وجل من قصدهم ليعتبر الناس ولا يجترئ عليهم أحد فيتم لهم الأمن في رحلتهم ولا ينافي هذا كون إهلاكهم لكفرهم باستهانة البيت لجواز تعليله بأمرين فإن كلًا منهما ليس علة حقيقية ليمتنع التعدد وقال غير واحد أن اللام للعاقبة وكان لقريش رحلتان رحلة في الشتاء إلى اليمن ورحلة في الصيف إلى بصرى من أرض الشام كما روي عن ابن عباس وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله تعالى وولاة بيته العزيز فلا يتعرض لهم والناس بين متخطف ومنهوب وعن ابن عباس أيضًا أنهم كانوا يرحلون في الصيف إلى الطائف حيث الماء والظل يرحلون في الشتاء إلى مكة للتجارة وسائر أغراضهم وأفردت الرحلة مع أن المراد رحلتا الشتاء والصيف لا من اللبس وظهور المعنى ونظيره قوله:
حمامة بطن لواديين ترنمي

كلوا في بعض بطنكم تعفوا

فإن زمانكم زمن خميص

حيث لم يقل بطونكم بالجمع لذلك وقول سيبويه: إن ذلك لا يجوز إلا في الضرورة فيه نظر وقال النقاش كانت لهم أربع رحل وتعقبه ابن عطية بأنه قول مردود وفي البحر لا ينبغي أن يرد فإن أصحاب الإيلاف كانوا أربعة إخوة وهم بنو عبد مناف هاشم كان يؤالف ملك الشام أخذ منه خيلًا فأمن به في تجارته إلى الشام وعبد شمس يؤالف إلى الحبشة والمطلب إلى اليمن ونوفل إلى فارس فكان هؤلاء يسمون المتجرين فيختلف تجر قريش بخيل هؤلاء الإخوة فلا يتعرض لهم قال الأزهري الإيلاف شبه الإجارة بالخفارة فإن كان كذلك جاز أن يكون لهم رحل أربع باعتبار هذه الأماكن التي كانت التجارة في خفارة هؤلاء الأربعة فيها فيكون رحلة هنا اسم جنس يصلح للواحد وللأكثر وفي هؤلاء الإخوة يقول الشاعر:
يا أيها الرجل المحول رحله ** هلا نزلت بآل عبد مناف

الآخذون العهد من آفاقها ** والراحلون لرحلة الإيلاف

والرائشون وليس يوجد رائش ** والقائلون هلم للأضياف

والخالطون غنيهم بفقيرهم ** حتى يصير فقيرهم كالكافي

انتهى.
وفيه مخالفة لما نقلناه سابقًا عن الهروي ثم إن إرادة ما ذكر من الرحل الأربع غير ظاهرة كما لا يخفى وقرأ ابن عامر لالاف قريش بلا ياء ووجه ذلك ما مر ولم تختلف السبعة في قراءة إيلافهم بالياء كما اختلف في قراءة الأول ومع هذا رسم الأول في المصاحف العثمانية بالياء ورسم الثاني بغير ياء كما قاله السمين وجعل ذلك أحد الأدلة على أن القراء يتقيدون بالرواية سماعًا دون رسم المصحف وذكر في وجه ذلك أنها رسمت في الأول على الأصل وتركت في الثاني اكتفاءً بالأول وهو كما ترى فتدبر وروي عن أبي بكر عن عاصم أنه قرأ بهمزتين فيهما الثانية ساكنة وهذا شاذ وإن كان الأصل وكأنهم إنما أبدلوا الهمزة التي هي فاء الكلمة لثقل اجتماع همزتين وروى محمد بن داود النقار عن عاصم ائيلافهم بهمزتين مكسورتين بعدهما ياء ساكنة ناشئة عن حركة الهمزة الثانية لما أشبعت والصحيح رجوعه عن القراءة بهمزتين وأنه قرأ كالجماعة وقرأ أبو جعفر فيما حكى الزمخشري لألف قريش وقرأ فيما حكى ابن عطية الفهم وحكيت عن عكرمة وابن كثير وأنشدوا:
زعمتم أن إخوتكم قريش ** لهم إلف وليس لكم إلاف

وعن أبي جعفر أيضًا وابن عامر إلافهم على وزن فعال وعن أبي جعفر أيضًا ليلاف بياء ساكنة بعد اللام ووجه بأنه لما أبدل الثانية ياء حذف الأولى حذفًا على غير قياس وعن عكرمة ليألف قريش على صيغة المضارع المنصوب بأن مضمرة بعد اللام ورفع قريش على الفاعلية وعنه أيضًا لتالف على الأمر وعنه وعن هلال بن فتيان بفتح لام الأمر والظاهر أن إيلافهم على جميع ذلك منصوب على المصدرية ولم أر من تعرض له وقرأ أبو السمال رحلة بضم الراء وهي حينئذٍ عنى الجهة التي يرحل إليها وأما مكسور الراء فهو مصدر على ما صرح به في البحر.