فصل: ذِكْرُ حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الرّضَاعَةِ وَمَا يَحْرُمُ بِهَا وَمَا لَا يَحْرُمُ وَحُكْمِهِ فِي الْقَدْرِ الْمُحَرّمِ مِنْهَا وَحُكْمِهِ فِي إرْضَاعِ الْكَبِيرِ هَلْ لَهُ تَأْثِيرٌ أَمْ لَا؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي النّفَقَةِ لِلْأَقَارِبِ:

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى عِدّةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنّهُ لَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ وَإِنّمَا ذَلِكَ بِرّ وَصِلَةٌ وَهَذَا مَذْهَبٌ يُعَزّى إلَى الشّعْبِيّ. قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشّيّ حَدّثَنَا قَبِيصَةُ عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَنْ أَشْعَث عَنْ الشّعْبِيّ قَالَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَجْبَرَ أَحَدًا عَلَى أَحَدٍ يَعْنِي عَلَى نَفَقَتِهِ. وَفِي إثْبَاتِ هَذَا الْمَذْهَبِ بِهَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ وَالشّعْبِيّ أَفْقَهُ مِنْ هَذَا وَالظّاهِرُ أَنّهُ أَرَادَ أَنّ النّاسَ كَانُوا أَتْقَى لِلّهِ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ الْغَنِيّ أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى قَرِيبِهِ الْمُحْتَاجِ فَكَانَ النّاسُ يَكْتَفُونَ بِإِيجَابِ الشّرْعِ عَنْ إيجَابِ الْحَاكِمِ أَوْ إجْبَارِهِ. الْمَذْهَبُ الثّانِي: أَنّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ النّفَقَةُ عَلَى أَبِيهِ الْأَدْنَى وَأُمّهِ الّتِي وَلَدَتْهُ خَاصّةً فَهَذَانِ الْأَبَوَانِ يُجْبَرُ الذّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ الْوَلَدِ عَلَى النّفَقَةِ عَلَيْهِمَا إذَا كَانَا فَقِيرَيْنِ فَأَمّا نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ فَالرّجُلُ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ ابْنِهِ الْأَدْنَى حَتّى يَبْلُغَ فَقَطْ وَعَلَى نَفَقَةِ بِنْتِهِ الدّنْيَا حَتّى تَزَوّجَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ ابْنِ ابْنِهِ وَلَا بِنْتِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَا وَلَا تُجْبَرُ الْأُمّ عَلَى نَفَقَةِ ابْنِهَا وَابْنَتِهَا وَلَوْ كَانَا فِي غَايَةِ الْحَاجَةِ وَالْأُمّ فِي غَايَةِ الْغِنَى وَلَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ النّفَقَةُ عَلَى ابْنِ ابْنٍ وَلَا جَدّ وَلَا أَخٍ وَلَا أُخْتٍ وَلَا خَالٍ وَلَا خَالَةٍ وَلَا أَحَدٍ مِنْ الْأَقَارِبِ الْبَتّةَ سِوَى مَا ذَكَرْنَا. وَتَجِبُ النّفَقَةُ مَعَ اتّحَادِ الدّينِ وَاخْتِلَافِهِ حَيْثُ وَجَبَتْ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَهُوَ أَضْيَقُ الْمَذَاهِبِ فِي النّفَقَاتِ. الْمَذْهَبُ الثّالِثُ أَنّهُ تَجِبُ نَفَقَةُ عَمُودِيّ النّسَبِ خَاصّةً دُونَ مَنْ عَدَاهُمْ مَعَ اتّفَاقِ الدّينِ وَيَسَارِ الْمُنْفِقِ وَقُدْرَتِهِ وَحَاجَةِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ وَعَجْزِهِ عَنْ الْكَسْبِ بِصِغَرِ أَوْ جُنُونٍ أَوْ زَمَانَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الْعَمُودِ الْأَسْفَلِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَمُودِ الْأَعْلَى: فَهَلْ يُشْتَرَطُ عَجْزُهُمْ عَنْ الْكَسْبِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ طَرّدَ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا فِي الْعَمُودِ الْأَسْفَلِ. فَإِذَا بَلَغَ الْوَلَدُ صَحِيحًا سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَهَذَا مَذْهَبُ الشّافِعِيّ وَهُوَ أَوْسَعُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. الْمَذْهَبُ الرّابِعُ أَنّ النّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى كُلّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِذِي رَحِمِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ أَوْ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمْ مَعَ اتّحَادِ الدّينِ وَاخْتِلَافِهِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ لَمْ تَجِبْ إلّا مَعَ اتّحَادِ الدّينِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى ذِي رَحِمِهِ الْكَافِرِ ثُمّ إنّمَا تَجِبُ النّفَقَةُ بِشَرْطِ قُدْرَةِ الْمُنْفِقِ وَحَاجَةِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا اُعْتُبِرَ فَقْرُهُ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَلَا بُدّ مَعَ فَقْرِهِ مِنْ عَمَاهُ أَوْ زَمَانَتِهِ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا بَصِيرًا لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ وَهِيَ مُرَتّبَةٌ عِنْدَهُ عَلَى الْمِيرَاثِ إلّا فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ فَإِنّهَا عَلَى أَبِيهِ خَاصّةً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اللّؤْلُؤِيّ أَنّهَا عَلَى أَبَوَيْهِ خَاصّةً بِقَدْرِ مِيرَاثِهِمَا طَرْدًا لِلْقِيَاسِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ أَوْسَعُ مِنْ مَذْهَبِ الشّافِعِيّ الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ أَنّ الْقَرِيبَ إنْ كَانَ مِنْ عَمُودِيّ النّسَبِ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَهَلْ يُشْتَرَطُ اتّحَادُ الدّينِ بَيْنَهُمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنّهُ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ إلّا بِشَرْطِ أَنْ يَرِثَهُمْ بِفَرْضِ أَوْ تَعْصِيبٍ كَسَائِرِ الْأَقَارِبِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عَمُودِيّ النّسَبِ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمْ بِشَرْطِ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ تَوَارُثٌ. ثُمّ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التّوَارُثُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ ثُبُوتُ التّوَارُثِ فِي الْحَالِ أَوْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فِي الْجُمْلَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْأَقَارِبُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ الّذِينَ لَا يَرِثُونَ فَلَا نَفَقَةَ لَهُمْ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَنْهُ وَخَرّجَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وُجُوبَهَا عَلَيْهِمْ مِنْ مَذْهَبِهِ مِنْ تَوَارُثِهِمْ وَلَابُدّ عِنْدَهُ مِنْ اتّحَادِ الدّينِ بَيْنَ الْمُنْفِقِ وَالْمُنْفَقِ عَلَيْهِ حَيْثُ وَجَبَتْ النّفَقَةُ إلّا فِي عَمُودِيّ النّسَبِ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ بِغَيْرِ الْقَرَابَةِ كَالْوَلَاءِ وَجَبَتْ النّفَقَةُ بِهِ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ عَلَى الْوَارِثِ دُونَ الْمَوْرُوثِ وَإِذَا لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ رَجُلٍ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ. وَعَنْهُ لَا تَلْزَمُهُ. وَعَنْهُ تَلْزَمُهُ فِي عَمُودِيّ النّسَبِ خَاصّةً دُونَ مَنْ عَدَاهُمْ. وَعَنْهُ تَلْزَمُهُ لِزَوْجَةِ الْأَبِ خَاصّةً وَيَلْزَمُهُ إعْفَافُ عَمُودِيّ نَسَبِهِ بِتَزْوِيجِ أَوْ تَسَرّ إذَا طَلَبُوا ذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَكَذَلِكَ يَجِيءُ فِي كُلّ مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ أَخ أَوْ عَمّ أَوْ غَيْرِهِمَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ لِأَنّ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ قَدْ نَصّ فِي الْعَبْدِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُزَوّجَهُ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ وَإِلّا بِيعَ عَلَيْهِ وَإِذَا لَزِمَهُ إعْفَافُ رَجُلٍ لَزِمَهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ لِأَنّهُ لَا تَمَكّنَ مِنْ الْإِعْفَافِ إلّا بِذَلِكَ وَهَذِهِ غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدّمَةِ وَهُوَ وُجُوبُ الْإِنْفَاقِ عَلَى زَوْجَةِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ وَلِهَذِهِ مَأْخَذٌ وَلِتِلْكَ مَأْخَذٌ وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ أَوْسَعُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَة وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْسَعَ مِنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ يُوجِبُ النّفَقَةَ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ الصّحِيحُ فِي الدّلِيلِ وَهُوَ الّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُ أَحْمَدَ وَنُصُوصُهُ وَقَوَاعِدُ الشّرْعِ وَصِلَةُ الرّحِمِ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ تُوصَلَ وَحَرّمَ الْجَنّةَ عَلَى كُلّ قَاطِعِ رَحِمٍ فَالنّفَقَةُ تُسْتَحَقّ بِشَيْئَيْنِ بِالْمِيرَاثِ بِكِتَابِ اللّهِ وَبِالرّحِمِ بِسُنّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ حَبَسَ عَصَبَةَ صَبِيّ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهِ وَكَانُوا بَنِي عَمّهِ وَتَقَدّمَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إذَا كَانَ عَمّ وَأُمّ فَعَلَى الْعَمّ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ وَعَلَى الْأُمّ بِقَدْرِ مِيرَاثِهَا فَإِنّهُ لَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّهُ} [الْإِسْرَاءِ 26] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النّسَاءِ 36] وَقَدْ أَوْجَبَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَطِيّةَ لِلْأَقَارِبِ وَصَرّحَ بِأَنْسَابِهِمْ فَقَالَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاك ثُمّ أَدْنَاكَ فَأَدْنَاك حَقّ وَاجِبٌ وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ. فَإِنْ قِيلَ فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْبِرّ وَالصّلَةُ دُونَ الْوُجُوبِ. قِيلَ يَرُدّ هَذَا أَنّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِهِ وَسَمّاهُ حَقّا وَأَضَافَهُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {حَقّهُ} وَأَخْبَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّهُ حَقّ وَأَنّهُ وَاجِبٌ وَبَعْضُ هَذَا يُنَادِي عَلَى الْوُجُوبِ جِهَارًا. فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ بِحَقّهِ تَرْكُ قَطِيعَتِهِ. فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ فَأَيّ قَطِيعَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَرَاهُ يَتَلَظّى جَوْعًا وَعَطَشًا وَيَتَأَذّى غَايَةَ الْأَذَى بِالْحَرّ وَالْبَرْدِ وَلَا يُطْعِمُهُ لُقْمَةً وَلَا يَسْقِيهِ جَرْعَةً وَلَا يَكْسُوهُ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَيَقِيهِ الْحَرّ وَالْبَرْدَ وَيُسْكِنُهُ تَحْتَ سَقْفٍ يُظِلّهُ هَذَا وَهُوَ أَخُوهُ ابْنُ أُمّهِ وَأَبِيهِ أَوْ عَمّهِ صِنْوِ أَبِيهِ أَوْ خَالَتِهِ الّتِي هِيَ أُمّهُ إنّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِلْأَجْنَبِيّ الْبَعِيدِ بِأَنْ يُعَاوِضَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الذّمّةِ إلَى أَنْ يُوسِرَ ثُمّ يَسْتَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ هَذَا مَعَ كَوْنِهِ فِي غَايَةِ الْيَسَارِ وَالْجِدَةِ وَسِعَةِ الْأَمْوَالِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ قَطِيعَةً فَإِنّا لَا نَدْرِي مَا هِيَ الْقَطِيعَةُ الْمُحَرّمَةُ وَالصّلَةُ الّتِي أَمَرَ اللّهُ بِهَا وَحَرّمَ الْجَنّةَ عَلَى قَاطِعِهَا. الْوَجْهُ الثّانِي: أَنْ يُقَالَ فَمَا هَذِهِ الصّلَةُ الْوَاجِبَةُ الّتِي نَادَتْ عَلَيْهَا النّصُوصُ وَبَالَغَتْ فِي إيجَابِهَا وَذَمّتْ قَاطِعَهَا؟ فَأَيّ قَدْرٍ زَائِدٍ فِيهَا عَلَى حَقّ الْأَجْنَبِيّ حَتّى تَعْقِلَهُ الْقُلُوبُ وَتُخْبِرَ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْمَلَ بِهِ الْجَوَارِحُ؟ أَهُوَ السّلَامُ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ وَعِيَادَتُهُ إذَا مَرِضَ وَتَشْمِيتُهُ إذَا عَطَسَ وَإِجَابَتُهُ إذَا دَعَاهُ وَإِنّكُمْ لَا تُوجِبُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلّا مَا يَجِبُ نَظِيرُهُ لِلْأَجْنَبِيّ عَلَى الْأَجْنَبِيّ؟ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الصّلَةُ تَرْكَ ضَرْبِهِ وَسَبّهِ وَأَذَاهُ وَالْإِزْرَاءَ بِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا حَقّ يَجِبُ لِكُلّ مُسْلِمٍ عَلَى كُلّ مُسْلِمٍ بَلْ لِلذّمّيّ الْبَعِيدِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَمَا خُصُوصِيّةُ صِلَةِ الرّحِمِ الْوَاجِبَةِ؟ وَلِهَذَا كَانَ بَعْضُ فُضَلَاءِ الْمُتَأَخّرِينَ يَقُولُ أَعْيَانِي أَنْ أَعْرِفَ صِلَةَ الرّحِمِ الْوَاجِبَةَ. وَلَمّا أَوْرَدَ النّاسُ هَذَا عَلَى أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَالُوا لَهُمْ مَا مَعْنَى صِلَةِ الرّحِمِ عِنْدَكُمْ؟ صَنّفَ بَعْضُهُمْ فِي صِلَةِ الرّحِمِ كِتَابًا كَبِيرًا وَأَوْعَبَ فِيهِ مِنْ الْآثَارِ الْمَرْفُوعَةِ وَالْمَوْقُوفَةِ وَذَكَرَ جِنْسَ الصّلَةِ وَأَنْوَاعَهَا وَأَقْسَامَهَا وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَتَخَلّصْ مِنْ هَذَا الْإِلْزَامِ فَإِنّ الصّلَةَ مَعْرُوفَةٌ يَعْرِفُهَا الْخَاصّ وَالْعَامّ وَالْآثَارُ فِيهَا أَشْهَرُ مِنْ الْعِلْمِ وَلَكِنْ مَا الصّلَةُ الّتِي تَخْتَصّ بِهَا الرّحِمُ وَتَجِبُ لَهُ الرّحْمَةُ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهَا الْأَجْنَبِيّ؟ فَلَا يُمْكِنُكُمْ أَنْ تُعَيّنُوا وُجُوبَ شَيْءٍ إلّا وَكَانَتْ النّفَقَةُ أَوْجَبَ مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا مُسْقِطًا لِوُجُوبِ النّفَقَةِ إلّا وَكَانَ مَا عَدَاهَا أَوْلَى بِالسّقُوطِ مِنْهُ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ قَرَنَ حَقّ الْأَخِ وَالْأُخْتِ بِالْأَبِ وَالْأُمّ فَقَالَ أُمّكَ وَأَبَاك وَأُخْتَكَ وَأَخَاك ثُمّ أَدْنَاكَ فَأَدْنَاكَ فَمَا الّذِي نَسَخَ هَذَا وَمَا الّذِي جَعَلَ أَوّلَهُ لِلْوُجُوبِ وَآخِرَهُ لِلِاسْتِحْبَابِ؟ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَلَيْسَ مِنْ بِرّ الْوَالِدَيْنِ أَنْ يَدَعَ الرّجُلُ أَبَاهُ يَكْنُسُ الْكُنُفَ وَيُكَارِي عَلَى الْحُمُرِ وَيُوقِدُ فِي أَتّونِ الْحَمّامِ وَيَحْمِلُ لِلنّاسِ عَلَى رَأْسِهِ مَا يَتَقَوّتُ بِأُجْرَتِهِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْغِنَى وَالْيَسَارِ وَسِعَةِ ذَاتِ الْيَدِ وَلَيْسَ مِنْ بِرّ أُمّهِ أَنْ يَدَعَهَا تَخْدُمُ النّاسَ وَتَغْسِلُ ثِيَابَهُمْ وَتُسْقِي لَهُمْ الْمَاءَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَا يَصُونُهَا بِمَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا وَيَقُولُ الْأَبَوَانِ مُكْتَسِبَانِ صَحِيحَانِ وَلَيْسَا بِزَمِنَيْنِ وَلَا أَعْمَيَيْنِ فَيَا اللّهِ الْعَجَبُ أَيْنَ شَرْطُ اللّهِ وَرَسُولِهِ فِي بِرّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الرّحِمِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى وَلَيْسَتْ صِلَةُ الرّحِمِ وَلَا بِرّ الْوَالِدَيْنِ مَوْقُوفَةً عَلَى ذَلِكَ شَرْعًا وَلَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.ذِكْرُ حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الرّضَاعَةِ وَمَا يَحْرُمُ بِهَا وَمَا لَا يَحْرُمُ وَحُكْمِهِ فِي الْقَدْرِ الْمُحَرّمِ مِنْهَا وَحُكْمِهِ فِي إرْضَاعِ الْكَبِيرِ هَلْ لَهُ تَأْثِيرٌ أَمْ لَا؟

ثَبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ: مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ إنّ الرّضَاعَةَ تُحَرّمُ مَا تُحَرّمُ الْوِلَادَة. وَثَبَتَ فِيهِمَا: مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ فَقَالَ إنّهَا لَا تَحِلّ لِي إنّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرّضَاعَةِ وَيَحْرُمُ مِنْ الرّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الرّحِمِ. وَثَبَتَ فِيهِمَا: أَنّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: ائْذَنِي لِأَفْلَحَ أَخِي أَبِي الْقُعَيْسِ فَإِنّهُ عَمّكِ وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ أَرْضَعَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا. وَبِهَذَا أَجَابَ ابْنُ عَبّاسٍ لَمّا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ جَارِيَتَانِ أَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا جَارِيَةً وَالْأُخْرَى غُلَامًا: أَيَحِلّ لِلْغُلَامِ أَنْ يَتَزَوّجَ الْجَارِيَةَ؟ قَالَ لَا اللّقَاحُ وَاحِدٌ. وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تُحَرّمُ الْمَصّةُ وَالْمَصّتَان. وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُحَرّمُ الْإِمْلَاجَةُ والإملاجتان. وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَنّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَلْ تُحَرّمُ الرّضْعَةُ الْوَاحِدَةُ؟ قَالَ لَا. وَثَبَتَ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا: عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ فِيمَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرّمْنَ ثُمّ نُسِخْنَ بِخَمْسِ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُنّ فِيمَا يَقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ. وَثَبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ: مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ إنّمَا الرّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ. وَثَبَتَ فِي جَامِعِ التّرْمِذِيّ: مِنْ حَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَا يُحَرّمُ مِنْ الرّضَاعَةِ إلّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ وَقَالَ التّرْمِذِيّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. سُنَنِ الدّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ يَرْفَعُهُ لَا رِضَاعَ إلّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ لَا يُحَرّمُ مِنْ الرّضَاعِ إلّا مَا أَنْبَتَ اللّحْمَ وَأَنْشَرَ الْعَظْمَ. وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْضِعِيهِ فَقَالَتْ وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ قَدْ عَلِمْتُ أَنّهُ كَبِير. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ أَنّ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: إنّهُ يَدْخُلُ عَلَيْك الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ الّذِي مَا أُحِبّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسْوَةٌ؟ إنّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ سَالِمًا يَدْخُلُ عَلَيّ وَهُوَ رَجُلٌ وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْضِعِيهِ حَتّى يَدْخُلَ عَلَيْك. وَسَاقَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ سِيَاقَةً تَامّةً مُطَوّلَةً فَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ كَانَ تَبَنّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ هِنْدًا بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَهُوَ مَوْلَى لِامْرَأَةِ مِنْ الْأَنْصَارِ كَمَا تَبَنّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدًا وَكَانَ مَنْ تَبَنّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيّةِ دَعَاهُ النّاسُ إلَيْهِ وَوَرِثَ مِيرَاثَهُ حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الْأَحْزَابِ 5] فَرُدّوا إلَى آبَائِهِمْ فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدّينِ فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيّ ثُمّ الْعَامِرِيّ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا كُنّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وَكَانَ يَأْوِي مَعِي وَمَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَيَرَانِي فُضُلًا وَقَدْ أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ مَا قَدْ عَلِمْت فَكَيْفَ تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْضِعِيهِ فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا مِنْ الرّضَاعَةِ فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا تَأْمُرُ بَنَاتِ إخْوَتِهَا وَبَنَاتِ أَخَوَاتِهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبّتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنْ يَرَاهَا وَيَدْخُلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ ثُمّ يَدْخُلَ عَلَيْهَا وَأَبَتْ ذَلِكَ أُمّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرّضَاعَةِ مِنْ النّاسِ حَتّى يَرْضَعَ فِي الْمَهْدِ وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ وَاَللّهِ مَا نَدْرِي لَعَلّهَا كَانَتْ رُخْصَةً مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِسَالِمِ دُونَ النّاسِ. فَتَضَمّنَتْ هَذِهِ السّنَنُ الثّابِتَةُ أَحْكَامًا عَدِيدَةً بَعْضُهَا مُتّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمّةِ وَفِي بَعْضِهَا نِزَاعٌ.

.الرّضَاعَةُ تُحَرّمُ مَا تُحَرّمُ الْوِلَادَةُ:

الْحُكْمُ الْأَوّلُ قَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الرّضَاعَةُ تُحَرّمُ مَا تُحَرّمُ الْوِلَادَةُ وَهَذَا الْحُكْمُ مُتّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمّةِ حَتّى عِنْدَ مَنْ قَالَ إنّ الزّيَادَةَ عَلَى النّصّ نَسْخٌ وَالْقُرْآنُ لَا كَانَ زَائِدًا عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ سَوَاءٌ سَمّاهُ نَسْخًا أَوْ لَمْ يُسَمّهِ كَمَا اُضْطُرّ إلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمّتِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا مَعَ أَنّهُ زِيَادَةٌ عَلَى نَصّ الْقُرْآنِ وَذَكَرَهَا هَذَا مَعَ حَدِيثِ أَبِي الْقُعَيْسِ فِي تَحْرِيمِ لَبَنِ الْفَحْلِ عَلَى أَنّ الْمُرْضِعَةَ وَالزّوْجَ صَاحِبَ اللّبَنِ قَدْ صَارَا أَبَوَيْنِ لِلطّفْلِ وَصَارَ الطّفْلُ وَلَدًا لَهُمَا فَانْتَشَرَتْ الْحُرْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَاتِ الثّلَاثِ فَأَوْلَادُ الطّفْلِ وَإِنْ نَزَلُوا أَوْلَادُ وَلَدِهِمَا وَأَوْلَادُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُرْضِعَةِ وَالزّوْجِ مِنْ الْآخَرِ وَمِنْ غَيْرِهِ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ مِنْ الْجِهَاتِ الثّلَاثِ. فَأَوْلَادُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ لِأَبِيهِ وَأُمّهِ وَأَوْلَادُ الزّوْجِ مِنْ غَيْرِهَا إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ مِنْ أَبِيهِ وَأَوْلَادُ الْمُرْضِعَةِ مَنْ غَيْرِهِ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ لِأُمّهِ وَصَارَ آبَاؤُهَا أَجْدَادَهُ وَجَدّاتِهِ وَصَارَ إخْوَةُ الْمَرْأَةِ وَأَخَوَاتِهَا أَخْوَالَهُ وَخَالَاتِهِ وَإِخْوَةُ صَاحِبِ اللّبَنِ وَأَخَوَاتِهِ أَعْمَامُهُ وَعَمّاتُهُ فَحُرْمَةُ الرّضَاعِ تَنْتَشِرُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَاتِ الثّلَاثِ فَقَطْ. وَلَا يَتَعَدّى التّحْرِيمُ إلَى غَيْرِ الْمُرْتَضِعِ مِمّنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ فَيُبَاحُ لِأَخِيهِ نِكَاحُ مَنْ أَرْضَعَتْ أَخَاهُ وَبَنَاتِهَا وَأُمّهَاتِهَا وَيُبَاحُ لِأُخْتِهِ نِكَاحُ صَاحِبِ اللّبَنِ وَأَبَاهُ وَبَنِيهِ وَكَذَلِكَ لَا يَنْتَشِرُ إلَى مَنْ فَوْقَهُ مِنْ آبَائِهِ وَأُمّهَاتِهِ وَمَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ أَعْمَامِهِ وَعَمّاتِهِ وَأَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ فَلِأَبِي الْمُرْتَضِعِ مِنْ النّسَبِ وَأَجْدَادِهِ أَنْ يَنْكِحُوا أُمّ الطّفْلِ مِنْ الرّضَاعِ وَأُمّهَاتِهَا وَأَخَوَاتِهَا وَبَنَاتِهَا وَأَنْ يَنْكِحُوا أُمّهَاتِ صَاحِبِ اللّبَنِ وَأَخَوَاتِهِ وَبَنَاتِهِ إذْ نَظِيرُ هَذَا مِنْ النّسَبِ حَلَالٌ فَلِلْأَخِ مِنْ الْأَبِ أَنْ يَتَزَوّجَ أُخْتَ أَخِيهِ مِنْ الْأُمّ وَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمّ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَ أَخِيهِ مِنْ الْأَبِ وَكَذَلِكَ يَنْكِحُ الرّجُلُ أُمّ ابْنِهِ مِنْ النّسَبِ وَأُخْتَهَا وَأَمّا أُمّهَا وَبِنْتُهَا فَإِنّمَا حَرُمَتَا بِالْمُصَاهَرَةِ.