فصل: فصل كَرَاهِيَةُ قَوْلِ الْمُبْتَدِئِ عَلَيْك السّلَامُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.الْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ:

وَأَمّا الْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ فَلَا يَصْدُرُ إلّا عَنْ قُوّةِ ثِقَةٍ بِاَللّهِ وَأَنّ اللّهَ يُخْلِفُهُ مَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ قُوّةِ يَقِينٍ وَتَوَكّلٍ وَرَحْمَةٍ وَزُهْدٍ فِي الدّنْيَا، وَسَخَاءِ نَفْسٍ بِهَا، وَوُثُوقٍ بِوَعْدِ مَنْ وَعَدَهُ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا، وَتَكْذِيبًا بِوَعْدِ مَنْ يَعِدُهُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ.

.فصل السّلَامُ عَلَى الصّبْيَانِ وَالنّسْوَانِ:

وَثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّه مَرّ بِصِبْيَانٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ. وَذَكَرَ التّرْمِذِيّ فِي جَامِعِهِ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّ يَوْمًا بِجَمَاعَةِ نِسْوَةٍ فَأَلْوَى بِيَدِهِ بِالتّسْلِيمِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ مَرّ عَلَيْنَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نِسْوَةٍ فَسَلّمَ عَلَيْنَا وَهِيَ رِوَايَةُ حَدِيثِ التّرْمِذِيّ، وَالظّاهِرُ أَنّ الْقِصّةَ وَاحِدَةٌ وَأَنّهُ سَلّمَ عَلَيْهِنّ بِيَدِهِ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ: أَنّ الصّحَابَةَ كَانُوا يَنْصَرِفُونَ مِنْ الْجُمُعَةِ فَيَمُرّونَ عَلَى عَجُوزٍ فِي طَرِيقِهِمْ فَيُسَلّمُونَ عَلَيْهَا، فَتُقَدّمُ لَهُمْ طَعَامًا مِنْ أُصُولِ السّلْقِ وَالشّعِيرِ وَهَذَا هُوَ الصّوَابُ فِي مَسْأَلَةِ السّلَامِ عَلَى النّسَاءِ يُسَلّمُ عَلَى الْعَجُوزِ وَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ دُونَ غَيْرِهِنّ.
فَصْلٌ:
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ وَغَيْرِهِ تَسْلِيمُ الصّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارّ عَلَى الْقَاعِدِ وَالرّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي، وَالْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِير وَفِي جَامِعِ التّرْمِذِيّ عَنْهُ يُسَلّمُ الْمَاشِي عَلَى الْقَائِمِ وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ عَنْهُ يُسَلّمُ الرّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْمَاشِيَانِ أَيّهُمَا بَدَأَ فَهُوَ أَفْضَلُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ إنّ أَوْلَى النّاسِ بِاَللّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسّلَام وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّلَامُ عِنْدَ الْمَجِيءِ إلَى الْقَوْمِ وَالسّلَامُ عِنْدَ الِانْصِرَافِ عَنْهُمْ وَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيُسَلّمْ، وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلّمْ وَلَيْسَتْ الْأُولَى أَحَقّ مِنْ الْآخِرَةِ وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ إذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ فَلْيُسَلّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ ثُمّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلّمْ عَلَيْهِ أَيْضًا وَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَمَاشَوْنَ فَإِذَا اسْتَقْبَلَتْهُمْ شَجَرَةٌ أَوْ أَكَمَةٌ تَفَرّقُوا يَمِينًا وَشِمَالًا، وَإِذَا الْتَقَوْا مِنْ وَرَائِهَا، سَلّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.

.تَحِيّةُ الْمَسْجِدِ قَبْلَ السّلَامِ:

وَمِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الدّاخِلَ إلَى الْمَسْجِدِ يَبْتَدِئُ بِرَكْعَتَيْنِ تَحِيّةَ الْمَسْجِدِ ثُمّ يَجِيءُ فَيُسَلّمُ عَلَى الْقَوْمِ فَتَكُونُ تَحِيّةُ الْمَسْجِدِ قَبْلَ تَحِيّةِ أَهْلِهِ فَإِنّ تِلْكَ حَقّ اللّهِ تَعَالَى، وَالسّلَامُ عَلَى الْخَلْقِ هُوَ حَقّ لَهُمْ وَحَقّ اللّهِ فِي مِثْلِ هَذَا أَحَقّ بِالتّقْدِيمِ بِخِلَافِ الْحُقُوقِ الْمَالِيّةِ فَإِنّ فِيهَا نِزَاعًا مَعْرُوفًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَاجَةُ الْآدَمِيّ وَكَانَتْ عَادَةُ الْقَوْمِ مَعَهُ هَكَذَا، يَدْخُلُ أَحَدُهُمْ الْمَسْجِدَ فَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ ثُمّ يَجِيءُ فَيُسَلّمُ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا قَالَ رِفَاعَةُ وَنَحْنُ مَعَهُ إذْ جَاءَ رَجُلٌ كَالْبَدَوِيّ فَصَلّى، فَأَخَفّ صَلَاتَهُ ثُمّ انْصَرَفَ فَسَلّمَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَال النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَيْكَ فَارْجِعْ فَصَلّ فَإِنّكَ لَمْ تُصَلّ... وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ تَأْخِيرَ السّلَامِ عَلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَا بَعْدَ الصّلَاةِ. وَعَلَى هَذَا: فَيُسَنّ لِدَاخِلِ الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ فِيهِ جَمَاعَةٌ ثَلَاثُ تَحِيّاتٍ مُتَرَتّبَةٌ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دُخُولهِ بِسْمِ اللّهِ وَالصّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ. ثُمّ يُصَلّي رَكْعَتَيْنِ تَحِيّةَ الْمَسْجِدِ. ثُمّ يُسَلّمُ عَلَى الْقَوْمِ.
فَصْلٌ:
وَكَانَ إذَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ بِاللّيْلِ يُسَلّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ النّائِمَ. وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ ذَكَرَه مُسْلِمٌ.
فَصْلٌ:
وَذَكَرَ التّرْمِذِيّ عَنْهُ عَلَيْهِ السّلَامُ السّلَامُ قَبْلَ الْكَلَام لَا تَدْعُوا أَحَدًا إلَى الطّعَامِ حَتّى يُسَلّمَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ إسْنَادُهُ وَمَا قَبْلَهُ ضَعِيفًا، فَالْعَمَلُ عَلَيْهِ.

.السّلَامُ قَبْلَ السّؤَالِ:

وَقَدْ رَوَى أَبُو أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ أَحْسَنَ مِنْهُ حَدِيثَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «السّلَامُ قَبْلَ السّؤَالِ، فَمَنْ بَدَأَكُمْ بِالسّؤَالِ قَبْلَ السّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ» وَيُذْكَرُ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ لَا يَأْذَنُ لِمَنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالسّلَامِ. وَيُذْكَرُ عنه: لا تَأْذَنُوا لِمَنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالسّلَامِ وَأَجْوَدُ مِنْهَا مَا رَوَاهُ التّرْمِذِيّ عَنْ كَلَدَةَ بِنْ حَنْبَلٍ، أَنّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ بَعَثَهُ بِلَبَنٍ وَلِبَإٍ وَجَدَايَةٍ وَضَغَابِيسَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَعْلَى الْوَادِي قَالَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أُسَلّمْ، وَلَمْ أَسْتَأْذِنْ فَقَال النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ارْجِعْ فَقُلْ السّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُل؟ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَكَانَ إذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِلْ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ فَيَقُولُ السّلَامُ عَلَيْكُمْ السّلَامُ عَلَيْكُمْ.

.فصل تَحْمِيلُ السّلَامِ لِلْغَائِبِينَ:

وَكَانَ يُسَلّمُ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ يُوَاجِهُهُ، وَيُحَمّلُ السّلَامَ لِمَنْ يُرِيدُ السّلَامَ عَلَيْهِ مِنْ الْغَائِبِينَ عَنْهُ وَيَتَحَمّلُ السّلَامَ لِمَنْ يُبَلّغْهُ إلَيْهِ كَمَا تَحَمّلَ السّلَامَ مِنْ اللّهِ عَزّ وَجَلّ عَلَى صِدّيقَةِ النّسَاءِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا لَمّا قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ بِطَعَامٍ، فَاقْرَأْ [عَلَيْهَا] السّلَامَ مِنْ رَبّهَا، [وَمِنّي] وَبَشّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنّة وَقَالَ لِلصّدّيقَةِ الثّانِيَةِ بِنْتِ الصّدّيقِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السّلَامَ فَقَالَتْ وَعَلَيْهِ السّلَامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتهُ يَرَى مَا لَا أَرَى.

.فصل صِيغَةُ السّلَامِ:

وَكَانَ هَدْيُهُ انْتِهَاءَ السّلَامِ إلَى وَبَرَكَاتُهُ فَذَكَرَ النّسَائِيّ عَنْهُ أَنّ رَجُلًا جَاءَ فَقَالَ السّلَامُ عَلَيْكُمْ فَرَدّ عَلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ عَشْرَةٌ ثُمّ جَلَسَ ثُمّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ السّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ فَرَدّ عَلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ عِشْرُونَ ثُمّ جَلَسَ وَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ السّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَرَدّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ ثَلَاثُونَ رَوَاهُ النّسَائِيّ، وَالتّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَحَسّنَهُ. وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، وَزَادَ فِيهِ ثُمّ أَتَى آخَرُ فَقَالَ السّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ فَقَالَ أَرْبَعُونَ فَقَالَ هَكَذَا تَكُونُ الْفَضَائِلُ. وَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحَدِيثُ. فَإِنّ لَهُ ثَلَاثَ عِلَلٍ إحْدَاهَا: أَنّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَرْحُومٍ عَبْدِ الرّحِيمِ بْنِ مَيْمُونٍ، وَلَا يُحْتَجّ بِهِ.
الثّانِيةُ إنّ فِيهِ أَيْضًا سَهْلَ بْنَ مُعَاذٍ وَهُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ.
الثّالِثَةُ أَنّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ أَحَدَ رُوَاتِهِ لَمْ يَجْزِمْ بِالرّوَايَةِ بَلْ قَالَ أَظُنّ أَنّي سَمِعْتُ نَافِعَ بْنَ يَزِيدَ. وَأَضْعَفُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثُ الْآخَرُ عَنْ أَنَسٍ: كَانَ رَجُلٌ يَمُرّ بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ السّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللّهِ، فَيَقُولُ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَيْكَ السّلَامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِضْوَانُهُ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ تُسَلّمُ عَلَى هَذَا سَلَامًا مَا تُسَلّمُهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِك؟ فَقَالَ وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَنْصَرِفُ بِأَجْرِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَكَانَ يَرْعَى عَلَى أَصْحَابِه.

.فصل السّلَامُ ثَلَاثًا:

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُسَلّمَ ثَلَاثًا كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا تَكَلّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتّى تُفْهَمَ عَنْهُ وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ سَلّمَ ثَلَاثًا وَلَعَلّ هَذَا كَانَ هَدْيَهُ فِي السّلَامِ عَلَى الْجَمْعِ الْكَثِيرِ الّذِينَ لَا يَبْلُغُهُمْ سَلَامٌ وَاحِدٌ أَوْ هَدْيَهُ فِي إسْمَاعِ السّلَامِ الثّانِي وَالثّالِثِ إنْ ظَنّ أَنّ الْأَوّلَ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْإِسْمَاعُ كَمَا سَلّمَ لَمّا انْتَهَى إلَى مَنْزِلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ثَلَاثًا، فَلَمّا لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ رَجَعَ وَإِلّا فَلَوْ كَانَ هَدْيُهُ الدّائِمُ التّسْلِيمَ ثَلَاثًا لَكَانَ أَصْحَابُهُ يُسَلّمُونَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَكَانَ يُسَلّمُ عَلَى كُلّ مَنْ لَقِيَهُ ثَلَاثًا، وَإِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ ثَلَاثًا، وَمَنْ تَأَمّلَ هَدْيَهُ عَلِمَ أَنّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنّ تَكْرَارَ السّلَامِ كَانَ مِنْهُ أَمْرًا عَارِضًا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فصل رَدّ السّلَامِ:

وَكَانَ يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسّلَامِ وَإِذَا سَلّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، رَدّ عَلَيْهِ مِثْلَ تَحِيّتِهِ أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا عَلَى الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ إلّا لِعُذْرٍ مِثْلَ حَالَةِ الصّلَاةِ وَحَالَةِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَكَانَ يُسْمِعُ الْمُسْلِمَ رَدّهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يَرُدّ بِيَدِهِ وَلَا رَأْسِهِ وَلَا أُصْبُعِهِ إلّا فِي الصّلَاةِ فَإِنّهُ كَانَ يَرُدّ عَلَى مَنْ سَلّمَ عَلَيْهِ إشَارَةً ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي عِدّةِ أَحَادِيثَ وَلَمْ يَجِئْ عَنْهُ مَا يُعَارِضُهَا إلّا بِشَيْءٍ بَاطِلٍ لَا يَصِحّ عَنْهُ كَحَدِيثٍ يَرْوِيهِ أَبُو غَطَفَانَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ إشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ قَالَ الدّارَقُطْنِيّ: قَالَ لَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ أَبُو غَطَفَانَ هَذَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ. وَالصّحِيحُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يُشِيرُ فِي الصّلَاةِ رَوَاهُ أَنَسٌ وَجَابِر وَغَيْرُهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

.فصل كَرَاهِيَةُ قَوْلِ الْمُبْتَدِئِ عَلَيْك السّلَامُ:

وَكَانَ هَدْيُهُ فِي ابْتِدَاءِ السّلَامِ أَنْ يَقُولَ السّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الْمُبْتَدِئُ عَلَيْك السّلَامُ. قَالَ أَبُو جَرِيّ الْهُجَيْمِيّ: أَتَيْتُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْتُ عَلَيْكَ السّلَامُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السّلَامُ فَإِنّ عَلَيْكَ السّلَامُ تَحِيّةُ الْمَوْتَى حَدِيثٌ وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى طَائِفَةٍ وَظَنّوهُ مُعَارَضًا لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي السّلَامِ عَلَى الْأَمْوَاتِ بِلَفْظِ السّلَامُ عَلَيْكُمْ بِتَقْدِيمِ السّلَامِ فَظَنّوا أَنّ قَوْلَهُ فَإِنّ عَلَيْكَ السّلَامُ تَحِيّةُ الْمَوْتَى إخْبَارٌ عَنْ الْمَشْرُوعِ وَغَلِطُوا فِي ذَلِكَ غَلَطًا أَوْجَبَ لَهُمْ ظَنّ التّعَارُضِ وَإِنّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنّ عَلَيْكَ السّلَامُ تَحِيّةُ الْمَوْتَى إخْبَارٌ عَنْ الْوَاقِعِ لَا الْمَشْرُوعُ أَيْ إنّ الشّعَرَاءَ وَغَيْرَهُمْ يُحَيّونَ الْمَوْتَى بِهَذِهِ اللّفْظَةِ كَقَوْلِ قَائِلِهِمْ:
عَلَيْكَ سَلَامُ اللّهِ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ ** وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتَرَحّمَا

فَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلْكُه هُلْكَ ** وَاحِد وَلَكِنّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدّمَا

فكَرِهَ النبيُّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُحَيّ بِتَحِيّةِ الْأَمْوَاتِ وَمِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ لَمْ يَرُدّ عَلَى الْمُسَلّمِ بِهَا.

.بَحْثٌ فِي الرّدّ عَلَى الْمُسَلّمِ بـ (وَعَلَيْك السّلَامُ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الرّدّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ:

وَكَانَ يَرُدّ عَلَى الْمُسَلّمِ وَعَلَيْكَ السّلَامُ بِالْوَاوِ وَبِتَقْدِيمِ عَلَيْكَ عَلَى لَفْظِ السّلَامِ. وَتَكَلّمَ النّاسُ هَاهُنَا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ لَوْ حَذَفَ الرّادّ الْوَاوَ فَقَالَ عَلَيْكَ السّلَامُ هَلْ يَكُونُ صَحِيحًا؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْمُتَوَلّي وَغَيْرُهُ لَا يَكُونُ جَوَابًا، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الرّدّ لِأَنّهُ مُخَالِفٌ لِسُنّةِ الرّدّ وَلِأَنّهُ لَا يُعْلَمُ هَلْ هُوَ رَدّ، أَوْ ابْتِدَاءُ تَحِيّةٍ؟ فَإِنّ صُورَتَهُ صَالِحَةٌ لَهُمَا، وَلِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ إذَا سَلّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَقُولُوا: وَعَلَيْكُم فَهَذَا تَنْبِيهٌ مِنْهُ عَلَى وُجُوبِ الْوَاوِ فِي الرّدّ عَلَى أَهْلِ تَقْتَضِي تَقْرِيرَ الْأَوّلِ وَإِثْبَاتَ الثّانِي، فَإِذَا أُمِرَ بِالْوَاوِ فِي الرّدّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الّذِينَ يَقُولُونَ السّامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ إذَا سَلّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ فَذِكْرُهَا فِي الرّدّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إلَى أَنّ ذَلِكَ رَدّ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ كَانَ بِالْوَاوِ وَنَصّ عَلَيْهِ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ وَاحْتَجّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [الذاريات: 24]، أَيْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَابُدّ مِنْ هَذَا، وَلَكِنْ حَسُنَ الْحَذْفُ فِي الرّدّ لِأَجْلِ الْحَذْفِ فِي الِابْتِدَاءِ وَاحْتَجّوا بِمَا فِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ خَلَقَ اللّهُ آدَمَ طُولُهُ سِتّونَ ذِرَاعًا، فَلَمّا خَلَقَهُ قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَسَلّمْ عَلَى أُولَئِكَ النّفَرِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيّونَكَ فِإنّهَا تَحِيّتُكَ وَتَحِيّةُ ذُرّيّتِكَ فَقَالَ السّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا: السّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللّهِ فَقَدْ أَخْبَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ هَذِهِ تَحِيّتُهُ وَتَحِيّةُ ذُرّيّتِهِ قَالُوا: وَلِأَنّ الْمُسَلّمَ عَلَيْهِ مَأْمُورٌ أَنْ يُحَيّ الْمُسَلّمَ بِمِثْلِ تَحِيّتِهِ عَدْلًا، وَبِأَحْسَنَ مِنْهَا فَضْلًا، فَإِذَا رَدّ عَلَيْهِ بِمِثْلِ سَلَامِهِ كَانَ قَدْ أَتَى بِالْعَدْلِ. وَأَمّا قَوْلُهُ إذَا سَلّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ فَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي لَفْظَةِ الْوَاوِ فِيهِ فَرُوِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: بِالْوَاوِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ:
عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَرَوَاهُ الثّوْرِيّ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، فَقَالَ فِيهِ فَعَلَيْكُمْ وَحَدِيثُ سُفْيَانَ فِي الصّحِيحَيْنِ وَرَوَاهُ النّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ بِإِسْقَاطِ الْوَاوِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ وَالنّسَائِيّ: فَقُلْ عَلَيْك بِغَيْرِ وَاوٍ. وَقَالَ الْخَطّابِيّ: عَامّةُ الْمُحَدّثِينَ يَرْوُونَهُ وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَرْوِيهِ عَلَيْكُمْ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَهُوَ الصّوَابُ وَذَلِك أَنّهُ إذَا حَذَفَ الْوَاوَ صَارَ قَوْلُهُمْ الّذِي قَالُوهُ بِعَيْنِهِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ وَبِإِدْخَالِ الْوَاوِ يَقَعُ الِاشْتِرَاكُ مَعَهُمْ وَالدّخُولُ فِيمَا قَالُوا؛ لِأَنّ الْوَاوَ حَرْفٌ لِلْعَطْفِ وَالِاجْتِمَاعِ بَيْنَ الشّيْئَيْنِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَمْرِ الْوَاوِ لَيْسَ بِمُشْكِلٍ فَإِنّ السّامَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنّهُ الْمَوْتُ وَالْمُسَلّمُ وَالْمُسَلّمُ عَلَيْهِ مُشْتَرِكُونَ فِيهِ فَيَكُونُ فِي الْإِتْيَانِ بِالْوَاوِ بَيَانٌ لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ وَإِثْبَاتِ الْمُشَارَكَةِ وَفِي حَذْفِهَا إشْعَارٌ بِأَنّ الْمُسَلّمَ أَحَقّ بِهِ وَأَوْلَى مِنْ الْمُسَلّمِ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ هُوَ الصّوَابَ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ حَذْفِهَا، كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ وَلَكِنْ قَدْ فُسّرَ السّامُ بِالسّآمَةِ وَهِيَ الْمَلَالَةُ وَسَآمَةُ الدّينِ قَالُوا: وَعَلَى هَذَا فَالْوَجْهُ حَذْفُ الْوَاوِ وَلَابُدّ وَلَكِنّ هَذَا خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ هَذِهِ اللّفْظَةِ فِي اللّغَةِ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ إنّ الْحَبّةَ السّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلّ دَاءٍ إلّا السّامَ وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنّهُ الْمَوْتُ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَحَذْلِقِينَ جَمْعُ سَلِمَةَ وَرَدّ هَذَا الرّدّ مُتَعَيّنٌ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي السّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ:

صَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي الطّرِيقِ فَاضْطَرّوهُمْ إلَى أَضْيَقِ الطّرِيق لَكِنْ قَدْ قِيلَ إنّ هَذَا كَانَ فِي قَضِيّةٍ خَاصّةٍ لَمّا سَارُوا إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ لَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسّلَام فَهَلْ هَذَا حُكْمٌ عَامّ لِأَهْلِ الذّمّةِ مُطْلَقًا، أَوْ يَخْتَصّ بِمَنْ كَانَتْ حَالُهُ بِمِثْلِ حَالِ أُولَئِكَ؟ هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ وَلَكِنْ قَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النّصَارَى بِالسّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي الطّرِيقِ فَاضْطَرّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ وَالظّاهِرُ أَنّ هَذَا حُكْمٌ عَامّ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ لَا يَبْدَءُونَ بِالسّلَامِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى جَوَازِ ابْتِدَائِهِمْ كَمَا يُرَدّ عَلَيْهِمْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ وَابْنِ مُحَيْرِيز، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ لَكِنْ صَاحِبُ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ يُقَالُ لَهُ السّلَامُ عَلَيْكَ فَقَطْ بِدُونِ ذِكْرِ الرّحْمَةِ وَبِلَفْظِ الْإِفْرَادِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مِنْ حَاجَةٍ تَكُونُ لَهُ إلَيْهِ أَوْ خَوْفٍ مِنْ أَذَاهُ أَوْ لِقَرَابَةٍ بَيْنَهُمَا، أَوْ لِسَبَبٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ، وَعَلْقَمَةَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: إنْ سَلّمْتَ فَقَدْ سَلّمَ الصّالِحُونَ وَإِنْ تَرَكْتَ فَقَدْ تَرَكَ الصّالِحُونَ. وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الرّدّ عَلَيْهِمْ فَالْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِهِ وَهُوَ الصّوَابُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَجِبُ الرّدّ عَلَيْهِمْ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ وَأَوْلَى، وَالصّوَابُ الْأَوّلُ وَالْفَرْقُ أَنّا مَأْمُورُونَ بِهَجْرِ أَهْلِ الْبِدَعِ تَعْزِيرًا لَهُمْ وَتَحْذِيرًا مِنْهُمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الذّمّةِ. فَصْلٌ وَثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ مَرّ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ، فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ. وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ وَغَيْرِهِ السّلَامُ عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى.