فصل: فَصْلٌ فِي قَضَائِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي صِحّةِ النّكَاحِ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْإِجَازَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.وُجُوبُ قَسْمِ الِابْتِدَاءِ:

مِنْهَا وُجُوبُ قَسْمِ الِابْتِدَاءِ وَهُوَ أَنّهُ إذَا تَزَوّجَ بِكْرًا عَلَى ثَيّبٍ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا ثُمّ سَوّى بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ ثَيّبًا خَيّرَهَا بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعًا ثُمّ يَقْضِيهَا لِلْبَوَاقِي وَبَيْنَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا وَلَا يُحَاسِبُهَا هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَ فِيهِ إمَامُ أَهْلِ الرّأْيِ وَإِمَامُ أَهْلِ الظّاهِرِ وَقَالُوا: لَا حَقّ لِلْجَدِيدَةِ غَيْرَ مَا تَسْتَحِقّهُ الّتِي عِنْدَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا.

.إذَا اخْتَارَتْ الثّيّبُ السّبْعَ قَضّاهُنّ لِلْبَوَاقِي:

وَمِنْهَا. أَنّ الثّيّبَ إذَا اخْتَارَتْ السّبْعَ قَضَاهُنّ لِلْبَوَاقِي وَاحْتَسَبَ عَلَيْهَا بِالثّلَاثِ وَلَوْ اخْتَارَتْ الثّلَاثَ لَمْ يَحْتَسِبْ عَلَيْهَا بِهَا وَعَلَى هَذَا مَنْ سُومِحَ بِثَلَاثٍ دُونَ مَا فَوْقَهَا فَفَعَلَ أَكْثَرَ مِنْهَا دَخَلَتْ الثّلَاثُ فِي الّذِي لَمْ يُسَامِحْ بِهِ بِحَيْثُ لَوْ تَرَتّبَ عَلَيْهِ إثْمٌ أَثِمَ عَلَى الْجَمِيعِ وَهَذَا كَمَا رَخّصَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا. فَلَوْ أَقَامَ أَبَدًا ذُمّ عَلَى الْإِقَامَةِ كُلّهَا.

.لَا تَجِبُ التّسْوِيَةُ بَيْنَ النّسَاءِ فِي الْمَحَبّةِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْوَطْءِ:

وَمِنْهَا: أَنّهُ لَا تَجِبُ التّسْوِيَةُ بَيْنَ النّسَاءِ فِي الْمَحَبّةِ فَإِنّهَا لَا تُمْلَكُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَحَبّ نِسَائِهِ إلَيْهِ. وَأُخِذَ مِنْ هَذَا أَنّهُ لَا تَجِبُ التّسْوِيَةُ بَيْنَهُنّ فِي الْوَطْءِ لِأَنّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْمَحَبّةِ وَالْمَيْلِ وَهِيَ بِيَدِ مُقَلّبِ الْقُلُوبِ. وَفِي هَذَا تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنّهُ إنْ تَرَكَهُ لِعَدَمِ الدّاعِي إلَيْهِ وَعَدَمِ الِانْتِشَارِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ الدّاعِي إلَيْهِ وَلَكِنْ دَاعِيهِ إلَى الضّرّةِ أَقْوَى فَهَذَا مِمّا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَمِلْكِهِ فَإِنْ أَدّى الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا حَقّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ التّسْوِيَةُ وَإِنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ مِنْهُ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ.

.الْإِقْرَاعُ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي السّفَرِ وَأَنّهُ لَا يَقْضِي لِلْبَوَاقِي إذَا قَدِمَ:

وَمِنْهَا: إذَا أَرَادَ السّفَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِإِحْدَاهُنّ إلّا بِقُرْعَةٍ. وَمِنْهَا: أَنّهُ لَا يَقْضِي لِلْبَوَاقِي إذَا قَدِمَ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَكُنْ يَقْضِي لِلْبَوَاقِي.
أَحَدُهَا: أَنّهُ لَا يَقْضِي سَوَاءٌ أَقْرَعَ أَوْ لَمْ يُقْرِعْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ.
وَالثّانِي: أَنّهُ يَقْضِي لِلْبَوَاقِي أَقْرَعَ أَوْ لَمْ يُقْرِعْ وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الظّاهِرِ.
وَالثّالِثُ أَنّهُ إنْ أَقْرَعَ لَمْ يَقْضِ وَإِنْ لَمْ يُقْرِعْ قَضَى وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ وَالشّافِعِيّ.

.لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ لَيْلَتَهَا لِضَرّتِهَا:

وَمِنْهَا: أَنّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ لَيْلَتَهَا لِضَرّتِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ جَعْلُهَا لِغَيْرِ الْمَوْهُوبَةِ وَإِنْ وَهَبَتْهَا لِلزّوْجِ فَلَهُ جَعْلُهَا لِمَنْ شَاءَ مِنْهُنّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنّ اللّيْلَةَ حَقّ لِلْمَرْأَةِ فَإِذَا أَسَقَطَتْهَا وَجَعَلَتْهَا لِضَرّتِهَا تَعَيّنَتْ لَهَا وَإِذَا جَعَلَتْهَا لِلزّوْجِ جَعَلَهَا لِمَنْ شَاءَ مِنْ نِسَائِهِ فَإِذَا اتّفَقَ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ الْوَاهِبَةِ تَلِي لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ قَسَمَ لَهَا لَيْلَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَلِيهَا فَهَلْ لَهُ نَقْلُهَا إلَى مُجَاوَرَتِهَا فَيَجْعَلُ اللّيْلَتَيْنِ مُتَجَاوِرَتَيْنِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْفُقَهَاءِ وَهُمَا فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَالشّافِعِيّ. وَمِنْهَا: أَنّ الرّجُلَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ كُلّهِنّ فِي يَوْمِ إحْدَاهُنّ وَلَكِنْ لَا يَطَؤُهَا فِي غَيْرِ نَوْبَتِهَا. وَمِنْهَا: أَنّ لِنِسَائِهِ كُلّهِنّ أَنْ يَجْتَمِعْنَ فِي بَيْتِ صَاحِبَةِ النّوْبَةِ يَتَحَدّثْنَ إلَى أَنْ يَجِيءَ وَقْتُ النّوْمِ فَتَؤُوبُ كُلّ وَاحِدَةٍ إلَى مَنْزِلِهَا.
إنْ رَضِيَتْ الزّوْجَةُ بِالْإِقَامَةِ عِنْدَ الزّوْجِ وَلَا حَقّ لَهَا فِي الْقَسْمِ وَالْوَطْءِ وَالنّفَقَةِ فَلَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ ذَلِكَ:
وَمِنْهَا: أَنّ الرّجُلَ إذَا قَضَى وَطَرًا مِنْ امْرَأَتِهِ وَكَرِهَتْهَا نَفْسُهُ أَوْ عَجَزَ عَنْ حُقُوقِهَا فَلَهُ أَنْ يُطَلّقَهَا وَلَهُ أَنْ يُخَيّرَهَا إنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ عِنْدَهُ وَلَا حَقّ لَهَا فِي الْقَسْمِ وَالْوَطْءِ وَالنّفَقَةِ أَوْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَصْطَلِحَانِ عَلَيْهِ فَإِذَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ لَزِمَ وَلَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ بَعْدَ الرّضَى. هَذَا مُوجَبُ السّنّةِ وَمُقْتَضَاهَا وَهُوَ الصّوَابُ الّذِي لَا يَسُوغُ غَيْرُهُ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنّ حَقّهَا يَتَجَدّدُ فَلَهَا الرّجُوعُ فِي ذَلِكَ مَتَى شَاءَتْ فَاسِدٌ فَإِنّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُعَاوَضَةِ وَقَدْ سَمّاهُ اللّهُ تَعَالَى صُلْحًا فَيَلْزَمُ كَمَا يَلْزَمُ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مِنْ لَكَانَ فِيهِ تَأْخِيرُ الضّرَرِ إلَى أَكْمَلِ حَالَتَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ صُلْحًا بَلْ كَانَ مِنْ أَقْرَبِ أَسْبَابِ الْمُعَادَاةِ وَالشّرِيعَةُ مُنَزّهَةٌ عَنْ ذَلِكَ وَمِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ أَنّهُ إذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَالْقَضَاءُ النّبَوِيّ يَرُدّ هَذَا.

.الْأَمَةُ الْمُزَوّجَةُ عَلَى النّصْفِ مِنْ الْحُرّةِ:

وَمِنْهَا: أَنّ الْأَمَةَ الْمُزَوّجَةَ عَلَى النّصْفِ مِنْ الْحُرّةِ كَمَا قَضَى بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِي رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الصّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إلّا رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ أَنّهُمَا سَوَاءٌ وَبِهَا قَالَ أَهْلُ الظّاهِرِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ هُوَ الّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَدْلُ فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُسَوّ بَيْنَ الْحُرّةِ وَالْأَمَةِ لَا فِي الطّلَاقِ وَلَا فِي الْعِدّةِ وَلَا فِي الْحَدّ وَلَا فِي الْمِلْكِ وَلَا فِي الْمِيرَاثِ وَلَا فِي الْحَجّ وَلَا فِي مُدّةِ الْكَوْنِ عِنْدَ الزّوْجِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا فِي أَصْلِ النّكَاحِ بَلْ جَعَلَ نِكَاحَهَا بِمَنْزِلَةِ الضّرُورَةِ وَلَا فِي عَدَدِ الْمَنْكُوحَاتِ فَإِنّ الْعَبْدَ لَا يَتَزَوّجُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَد بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ يَتَزَوّجُ الْعَبْدُ ثِنْتَيْنِ وَيُطَلّقُ ثِنْتَيْنِ وَتَعْتَدّ امْرَأَتُهُ حَيْضَتَيْنِ وَاحْتَجّ بِهِ أَحْمَد وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ يَحِلّ لِلْعَبْدِ مِنْ النّسَاءِ إلّا ثِنْتَانِ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ سَأَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ النّاسَ كَمْ يَتَزَوّجُ الْعَبْدُ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ ثِنْتَيْنِ وَطَلَاقُهُ ثِنْتَيْنِ. فَهَذَا عُمَرُ وَعَلِيّ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصّحَابَةِ مَعَ انْتِشَارِ هَذَا الْقَوْلِ وَظُهُورِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِلْقِيَاسِ.

.فَصْلٌ فِي قَضَائِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي تَحْرِيمِ وَطْءِ الْمَرْأَةِ الْحُبْلَى مِنْ غَيْرِ الْوَاطِئِ:

ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدّرْدَاءِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَتَى بِامْرَأَةِ مُجِحّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ فَقَالَ لَعَلّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمّ بِهَا. فَقَالُوا: نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ كَيْفَ يُوَرّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلّ لَهُ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلّ لَهُ.

.الِاخْتِلَافُ فِي نِكَاحِ الْحَامِلِ مِنْ زِنًى:

قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ: لَا يَصِحّ فِي تَحْرِيمِ وَطْءِ الْحَامِلِ خَبَرٌ غَيْرُ هَذَا. انْتَهَى وَقَدْ رَوَى أَهْلُ السّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَى تَحِيضَ حَيْضَةً وَفِي التّرْمِذِيّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِ مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ قَالَ التّرْمِذِيّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ... وَفِيهِ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَرّمَ وَطْءَ السّبَايَا حَتّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنّ وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَيْفَ يُوَرّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلّ لَهُ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلّ لَهُ كَانَ شَيْخُنَا يَقُولُ فِي مَعْنَاهُ كَيْفَ يَجْعَلُهُ عَبْدًا مَوْرُوثًا عَنْهُ وَيَسْتَخْدِمُهُ اسْتِخْدَامَ الْعَبِيدِ وَهُوَ وَلَدُهُ لِأَنّ وَطْأَهُ زَادَ فِي خَلْقِهِ؟ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الْوَطْءُ يَزِيدُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ. قَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ فَوَطِئَهَا قَبْلَ وَضْعِهَا فَإِنّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالْمُشْتَرِي وَلَا يَتْبَعُهُ لَكِنْ يُعْتِقُهُ لِأَنّهُ قَدْ شَرِكَ فِيهِ لِأَنّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي أَبِي الدّرْدَاءِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّ بِامْرَأَةِ مُجِحّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ فَقَالَ لَعَلّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمّ بِهَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. يَعْنِي: أَنّهُ إنْ اسْتَلْحَقَهُ وَشَرِكَهُ فِي مِيرَاثِهِ لَمْ يَحِلّ لَهُ لِأَنّهُ لَيْسَ بِوَلَدِهِ وَإِنْ أَخْذَهُ مَمْلُوكًا يَسْتَخْدِمُهُ لَمْ يَحِلّ لَهُ لِأَنّهُ قَدْ شَرِكَ فِيهِ لِكَوْنِ الْمَاءِ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ. وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْحَامِلِ سَوَاءٌ كَانَ حَمْلُهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيّدٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًى وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ إلّا فِيمَا إذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًى فَفِي صِحّةِ الْعَقْدِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: بُطْلَانُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالثّانِي: صِحّتُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشّافِعِيّ ثُمّ اخْتَلَفَا فَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ الْوَطْءِ حَتّى تَنْقَضِيَ الْعِدّةُ وَكَرِهَهُ الشّافِعِيّ وَقَالَ أَصْحَابُهُ لَا يَحْرُمُ.

.فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الرّجُلِ يُعْتِقُ أَمَتَهُ وَيَجْعَلُ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا:

ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصّحِيحِ: أَنّهُ أَعْتَقَ صَفِيّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. قِيلَ لِأَنَسٍ مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا وَذَهَبَ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَفَعَلَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَعْلَمِ التّابِعِينَ وَسَيّدِهِمْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيّ وَالزّهْرِيّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنّهُ لَا يَصِحّ حَتّى يَسْتَأْنِفَ نِكَاحَهَا بِإِذْنِهَا فَإِنْ أَبَتْ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنّهُ يُوكِلُ رَجُلًا يُزَوّجُهُ إيّاهَا. وَالصّحِيحُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوّلُ الْمُوَافِقُ لِلسّنّةِ وَأَقْوَالِ الصّحَابَةِ وَالْقِيَاسِ فَإِنّهُ كَانَ يَمْلِكُ رَقَبَتَهَا فَأَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ رَقَبَتِهَا وَأَبْقَى مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ بِعَقْدِ النّكَاحِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِمّا لَوْ أَعْتَقَهَا وَاسْتَثْنَى خِدْمَتَهَا وَقَدْ تَقَدّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي غَزَاةِ خَيْبَرَ.

.فَصْلٌ فِي قَضَائِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي صِحّةِ النّكَاحِ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْإِجَازَةِ:

.تَخْيِيرُ الْكَارِهَةِ:

فِي السّنَنِ: عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَتْ أَنّ أَبَاهَا زَوّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَخَيّرَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

.تَخْيِيرُ الصّغِيرِ، تَخْيِيرُ الْيَتِيمَةِ عِنْدَ الْبُلُوغِ:

وَقَدْ نَصّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى الْقَوْلِ بِمُقْتَضَى هَذَا فَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِي صَغِيرٍ زَوّجَهُ عَمّهُ قَالَ إنْ رَضِيَ بِهِ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَسَخَ وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللّهِ إذَا زُوّجَتْ الْيَتِيمَةُ فَإِذَا بَلَغَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ حُكِيَ لَهُ قَوْلُ سُفْيَانَ فِي يَتِيمَةٍ زُوّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا الزّوْجُ ثُمّ حَاضَتْ عِنْدَ الزّوْجِ بَعْدُ قَالَ تُخَيّرُ فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَمْ يَقَعْ التّزْوِيجُ وَهِيَ أَحَقّ بِنَفْسِهَا وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْتُ زَوْجِي؟ فَلْيَشْهَدُوا عَلَى نِكَاحِهِمَا. قَالَ أَحْمَدُ جَيّدٌ.

.تَخْيِيرُ السّيّدِ بِزَوَاجِ عَبْدِهِ:

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِي الْعَبْدِ إذَا تَزَوّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيّدِهِ ثُمّ عَلِمَ السّيّدُ بِذَلِكَ فَإِنْ شَاءَ يُطَلّقُ عَلَيْهِ فَالطّلَاقُ بِيَدِ السّيّدِ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي التّزْوِيجِ فَالطّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يُطَلّقُ أَيْ يُبْطِلُ الْعَقْدَ وَيَمْنَعُ تَنْفِيذَهُ وَإِجَازَتَهُ هَكَذَا أَوّلَهُ الْقَاضِي وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ النّصّ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي مَذْهَبِهِ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي صِحّةَ هَذَا الْقَوْلِ فَإِنّ الْإِذْنَ إذَا جَازَ أَنْ يَتَقَدّمَ الْقَبُولَ وَالْإِيجَابَ جَازَ أَنْ يَتَرَاخَى عَنْهُ. وَأَيْضًا فَإِنّهُ كَمَا يَجُوزُ وَقْفُهُ عَلَى الْفَسْخِ يَجُوزُ وَقْفُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ كَالْوَصِيّةِ ثَانِي الْحَالِ كَحُصُولِهِ فِي الْأَوّلِ وَلِأَنّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ هُوَ وَقْفٌ لِلْعَقْدِ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى إجَازَةِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَرَدّهُ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النّكَاحِ:

قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ} [الْحُجُرَاتُ 13]. وَقَالَ تَعَالَى. {إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الْحُجُرَاتُ 10]. وَقَالَ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التّوْبَةُ 71] وَقَالَ تَعَالَى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أَنّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آلُ عِمْرَانَ 195]. وَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيّ عَلَى عَجَمِيّ وَلَا لِعَجَمِيّ عَلَى عَرَبِيّ وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ. وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ إلّا بِالتّقْوَى النّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ وَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ آلَ بَنِي فُلَانٍ لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ إنّ أَوْلِيَائِي الْمُتّقُونَ حَيْثُ كَانُوا وَأَيْنَ كَانُوا التّرْمِذِيّ: عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ فَقَالَ إذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلَاثَ مَرّاتٍ. وَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِبَنِي بَيَاضَةَ أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وَأَنْكِحُوا إلَيْهِ وَكَانَ حَجّامًا وَزَوّجَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الْقُرَشِيّةَ مِنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَاهُ وَزَوّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ الْفِهْرِيّةَ الْقُرَشِيّةَ مِنْ أُسَامَةَ ابْنِهِ وَتَزَوّجَ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ بِأُخْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {وَالطّيّبَاتُ لِلطّيّبِينَ وَالطّيّبُونَ لِلطّيّبَاتِ} [النّورُ 26] وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النّسَاءِ} [النّسَاءُ 3].

.لَمْ يَعْتَبِرْ الْقُرْآنُ وَالسّنّةُ فِي الْكَفَاءَةِ إلّا الدّينَ:

فَاَلّذِي يَقْتَضِيهِ حُكْمُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اعْتِبَارُ الدّينِ فِي الْكَفَاءَةِ أَصْلًا وَكَمَالًا فَلَا تُزَوّجُ مُسْلِمَةٌ بِكَافِرٍ وَلَا عَفِيفَةٌ بِفَاجِرٍ وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقُرْآنُ وَالسّنّةُ فِي الْكَفَاءَةِ أَمْرًا وَرَاءَ ذَلِكَ فَإِنّهُ حَرّمَ عَلَى الْمُسْلِمَةِ نِكَاحَ الزّانِي الْخَبِيثِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ نَسَبًا وَلَا صِنَاعَةٌ وَلَا غِنًى وَلَا حُرّيّةً فَجَوّزَ لِلْعَبْدِ الْقِنّ نِكَاحَ الْحُرّةِ النّسِيبَةِ الْغَنِيّةِ إذَا كَانَ عَفِيفًا مُسْلِمًا وَجَوّزَ لِغَيْرِ الْقُرَشِيّينَ نِكَاحَ الْقُرَشِيّات وَلِغَيْرِ الْهَاشِمِيّينَ نِكَاحَ الْهَاشِمِيّاتِ وَلِلْفُقَرَاءِ نِكَاحَ الْمُوسِرَاتِ.

.مَذْهَبُ مَالِكٍ:

وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي أَوْصَافِ الْكَفَاءَةِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ إنّهَا.

.مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ:

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ النّسَبُ وَالدّينُ.

.مَذْهَبُ أَحْمَدَ:

وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ هِيَ الدّينُ وَالنّسَبُ خَاصّةً. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: هِيَ خَمْسَةٌ الدّينُ وَالنّسَبُ وَالْحُرّيّةُ وَالصّنَاعَةُ وَالْمَالُ. وَإِذَا اُعْتُبِرَ فِيهَا النّسَبُ فَعَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنّ الْعَرَبَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ.
الثّانِيةُ أَنّ قُرَيْشًا لَا يُكَافِئُهُمْ إلّا قُرَشِيّ وَبَنُو هَاشِمٍ لَا يُكَافِئُهُمْ إلّا هَاشِمِيّ.