فصل: فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ وَخِتَانِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فصل هَلْ عَقّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ نَفْسِهِ؟

وَذَكَرَ ابْنُ أَيْمَنَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَقّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ جَاءَتْهُ النّبُوّةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَالَ أَبُو دَاوُد فِي مَسَائِلِهِ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ حَدّثَهُمْ بِحَدِيثِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُثَنّى صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَقّ عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ أَحْمَدُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَرّرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَقّ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ مُهَنّا قَالَ أَحْمَدُ هَذَا مُنْكَرٌ وَضَعّفَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الْمُحَرّرِ.

.فصل الْأَذَانُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ:

ذَكَرَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ رَأَيْتُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَذّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيّ حِينَ وَلَدَتْهُ أُمّهُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا بِالصّلَاةِ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ وَخِتَانِهِ:

قَدْ تَقَدّمَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ فِي الْعَقِيقَةِ تُذْبَحُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُسَمّى قَالَ الْمَيْمُونِيّ: تَذَاكَرْنَا لِكَمْ يُسَمّى الصّبِيّ؟ قَالَ لَنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ يُرْوَى عَنْ أَنَسٍ أَنّهُ يُسْمَى لِثَلَاثَةٍ وَأَمّا سَمُرَةُ فَقَالَ يُسَمّى فِي الْيَوْمِ السّابِعِ. فَأَمّا الْخِتَانُ فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الْغُلَامَ حَتّى يُدْرِكَ. قَالَ الْمَيْمُونِيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ كَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُ أَنْ يُخْتَنَ الصّبِيّ يَوْمَ سَابِعِهِ وَقَالَ حَنْبَلٌ إنّ أَبَا عَبْدِ اللّهِ قَالَ وَإِنْ خُتِنَ يَوْمَ السّابِعِ فَلَا بَأْسَ وَإِنّمَا كَرِهَ الْحَسَنُ ذَلِكَ لِئَلّا يَتَشَبّهَ بِالْيَهُودِ وَلَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ. قَالَ مَكْحُولٌ: خَتَنَ إبْرَاهِيمُ ابْنَهُ إسْحَاقَ لِسَبْعَةِ أَيّامٍ وَخَتَنَ إسْمَاعِيلَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ذَكَرَهُ الْخَلّالُ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيّةَ: فَصَارَ خِتَانُ إسْحَاقَ سُنّةً فِي وَلَدِهِ وَخِتَانُ إسْمَاعِيلَ سُنّةً فِي وَلَدِهِ وَقَدْ تَقَدّمَ الْخِلَافُ فِي خِتَانِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَتَى كَانَ ذَلِكَ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى:

ثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ إنّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللّهِ رَجُلٌ تَسَمّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إلّا اللّهُ وَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ أَحَبّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللّهِ عَبْدُ اللّهِ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمّامٌ وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرّةُ وَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ لَا تُسَمّيَن غُلَامَكَ يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا وَلَا نَجِيحًا وَلَا أَفْلَحَ فَإِنّكَ تَقُولُ أَثَمّتَ هُوَ؟ فَلَا يَكُونُ فَيُقَالُ لَا وَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ غَيّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ وَقَالَ أَنْتِ جَمِيلَةٌ وَكَانَ اسْمُ جُوَيْرِيَةَ بَرّةً فَغَيّرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاسْمِ جُوَيْرِيَةَ. وَقَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمّ سَلَمَةَ: نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُسَمّى بِهَذَا الِاسْمِ فَقَالَ لَا تُزَكّوا أَنْفُسَكُمْ اللّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرّ مِنْكُمْ. وَغَيّرَ اسْمَ أَصْرَمَ بِزُرْعَةَ وَغَيّرَ اسْمَ أَبِي الْحَكَمِ بِأَبِي شُرَيْحٍ وَغَيّرَ اسْمَ حَزْنٍ جَدّ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَجَعَلَهُ سَهْلًا فَأَبَى، وَقَالَ السّهْلُ يُوطَأُ وَيُمْتَهَنُ. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَغَيّرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْمَ الْعَاصِ وَعَزِيزٍ وَعَتْلَةَ وَشَيْطَانٍ وَالْحَكَمِ وَغُرَابٍ وَحُبَابٍ وَشِهَابٍ، فَسَمّاهُ هِشَامًا، وَسَمّى حَرْبًا سِلْمًا، وَسَمّى الْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ وَأَرْضًا عَفْرَةً سَمّاهَا خَضِرَةً، وَشِعْبُ الضّلَالَةِ سَمّاهُ شِعْبَ الْهُدَى، وَبَنُو الزّنْيَةِ سَمّاهُمْ بَنِي الرّشْدَةِ، وَسَمّى بَنِي مُغْوِيَةَ بَنِي رِشْدَةَ.

.فَصْلٌ فِي فِقْهِ هَذَا الْبَاب:

اخْتِيَارُ الْأَسْمَاءِ الْحَسَنَةِ لِأَنّ الْأَسْمَاءَ قَوَالِبُ لِلْمَعَانِي:
لَمّا كَانَتْ الْأَسْمَاءُ قَوَالِبَ لِلْمَعَانِي، وَدَالّةً عَلَيْهَا، اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا ارْتِبَاطٌ وَتَنَاسُبٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَعْنَى مَعَهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيّ الْمَحْضِ الّذِي لَا تَعَلّقَ لَهُ بِهَا، فَإِنّ حِكْمَةَ الْحَكِيمِ تَأْبَى ذَلِكَ وَالْوَاقِعُ يَشْهَدُ بِخِلَافِهِ بَلْ لِلْأَسْمَاءِ تَأْثِيرٌ فِي الْمُسَمّيَاتِ وَلِلْمُسَمّيَاتِ تَأَثّرٌ عَنْ أَسْمَائِهَا فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَالْخِفّةِ وَالثّقَلِ وَاللّطَافَةِ وَالْكَثَافَةِ كَمَا قِيلَ:
وَقَلّمَا أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ ذَا لَقَب ** إلّا وَمَعْنَاهُ إنْ فَكّرْتَ فِي لَقَبِهِ

وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَحِبّ الِاسْمَ الْحَسَنِ وَأَمَرَ إذَا أَبْرَدُوا إلَيْهِ بَرِيدًا أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الِاسْمِ حَسَنَ الْوَجْهِ وَكَانَ يَأْخُذُ الْمَعَانِيَ مِنْ أَسْمَائِهَا فِي الْمَنَامِ وَالْيَقَظَةِ كَمَا رَأَى أَنّهُ وَأَصْحَابَهُ فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ فَأُتُوا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابَ فَأَوّلَهُ بِأَنّ لَهُمْ الرّفْعَةَ فِي الدّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَأَنّ الدّينَ الّذِي قَدْ اخْتَارَهُ اللّهُ لَهُمْ قَدْ أُرْطِبَ وَطَابَ وَتَأَوّلَ سُهُولَةَ أَمْرِهِمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ مَجِيءِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو إلَيْهِ وَنَدَبَ جَمَاعَةً إلَى حَلْبِ شَاةٍ فَقَامَ رَجُلٌ يَحْلُبُهَا، فَقَالَ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ مُرّةُ فَقَالَ اجْلِسْ فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ أَظُنّهُ حَرْبٌ فَقَالَ اجْلِسْ فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ يَعِيشُ فَقَالَ اُحْلُبْهَا وَكَانَ يَكْرَهُ الْأَمْكِنَةَ الْمُنْكَرَةَ الْأَسْمَاءِ وَيَكْرَهُ الْعُبُورَ فِيهَا، كَمَا مَرّ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَسَأَلَ عَنْ اسْمَيْهِمَا فَقَالُوا: فَاضِحٌ وَمُخْزٍ، فَعَدَلَ عَنْهُمَا، وَلَمْ يَجُزْ بَيْنَهُمَا. وَلَمّا كَانَ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ وَالْمُسَمّيَاتِ مِنْ الِارْتِبَاطِ وَالتّنَاسُبِ وَالْقَرَابَةِ مَا بَيْنَ قَوَالِبِ الْأَشْيَاءِ وَحَقَائِقِهَا، وَمَا بَيْنَ الْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَامِ عَبَرَ الْعَقْلُ مِنْ كُلّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ كَمَا كَانَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُ يَرَى الشّخْصَ فَيَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اسْمُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ فَلَا يَكَادُ يُخْطِئُ وَضِدّ هَذَا الْعَبُورِ مِنْ الِاسْمِ إلَى مُسَمّاهُ كَمَا سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ رَجُلًا عَنْ اسْمِهِ فَقَالَ جَمْرَةُ فَقَالَ وَاسْمُ أَبِيك؟ قَالَ شِهَابٌ، قَالَ مِمّنْ؟ قَالَ مِنْ الْحُرَقَةِ، قَالَ فَمَنْزِلُك؟ قَالَ بِحَرّةِ النّارِ قَالَ فَأَيْنَ مَسْكَنُكَ؟ قَالَ بِذَاتِ لَظَى: قَالَ اذْهَبْ فَقَدْ احْتَرَقَ مَسْكَنُك، فَذَهَبَ فَوَجَدَ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فَعَبَرَ عُمَرُ مِنْ الْأَلْفَاظِ إلَى أَرْوَاحِهَا وَمَعَانِيهَا، كَمَا عَبَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ اسْمِ سُهَيْلٍ إلَى سُهُولَةِ أَمْرِهِمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَقَدْ أَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّتَهُ بِتَحْسِينِ أَسْمَائِهِمْ وَأَخْبَرَ أَنّهُمْ يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهَا، وَفِي هَذَا- وَاللّهُ أَعْلَمُ- تَنْبِيهٌ عَلَى تَحْسِينِ الْأَفْعَالِ الْمُنَاسِبَةِ لِتَحْسِينِ الْأَسْمَاءِ لِتَكُونَ الدّعْوَةُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ بِالِاسْمِ الْحَسَنِ وَالْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ لَهُ. وَتَأَمّلْ كَيْفَ اُشْتُقّ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ وَصْفِهِ اسْمَانِ مُطَابِقَانِ لِمَعْنَاهُ وَهُمَا أَحْمَدُ وَمُحَمّدٌ فَهُوَ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنْ الصّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ مُحَمّدٌ وَلِشَرَفِهَا وَفَضْلِهَا عَلَى صِفَاتِ غَيْرِهِ أَحْمَدُ فَارْتَبَطَ الِاسْمُ بِالْمُسَمّى ارْتِبَاطَ الرّوحِ بِالْجَسَدِ وَكَذَلِك تَكْنِيَتُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ بِأَبِي جَهْلٍ كُنْيَةٌ مُطَابِقَةٌ لِوَصْفِهِ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ أَحَقّ الْخَلْقِ بِهَذِهِ الْكُنْيَةِ، وَكَذَلِك تَكْنِيَةُ اللّهِ عَزّ وَجَلّ لِعَبْدِ الْعُزّى بِأَبِي لَهَبٍ لَمّا كَانَ مَصِيرُهُ إلَى نَارٍ ذَاتِ لَهَبٍ كَانَتْ هَذِهِ الْكُنْيَةُ أَلْيَقَ بِهِ وَأَوْفَقَ وَهُوَ بِهَا أَحَقّ وَأَخْلَقُ. وَلَمّا قَدِمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، وَاسْمُهَا يَثْرِبُ لَا تُعْرَفُ بِغَيْرِ هَذَا الِاسْمِ غَيّرَهُ بِطَيْبَةَ لَمّا زَالَ عَنْهَا مَا فِي لَفْظِ يَثْرِبَ مِنْ التّثْرِيبِ بِمَا فِي مَعْنَى طَيْبَةَ مِنْ الطّيبِ اسْتَحَقّتْ هَذَا الِاسْمَ وَازْدَادَتْ بِهِ طِيبًا آخَرَ فَأَثّرَ طِيبُهَا فِي اسْتِحْقَاقِ الِاسْمِ وَزَادَهَا طِيبًا إلَى طِيبِهَا. وَلَمّا كَانَ الِاسْمُ الْحَسَنُ يَقْتَضِي مُسَمّاهُ وَيَسْتَدْعِيهِ مِنْ قُرْبٍ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِبَعْضِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ وَتَوْحِيدِهِ يَا بَنِي عَبْدِ اللّهِ إنّ اللّهَ قَدْ حَسّنَ اسْمَكُمْ وَاسْمَ أَبِيكُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ دَعَاهُمْ إلَى عُبُودِيّةِ اللّهِ بِحُسْنِ اسْمِ أَبِيهِمْ الْمُقْتَضِي لِلدّعْوَةِ وَتَأَمّلْ أَسْمَاءَ السّتّةِ الْمُتَبَارِزِينَ يَوْمَ بَدْرٍ كَيْفَ اقْتَضَى الْقَدَرُ مُطَابَقَةَ أَسْمَائِهِمْ لِأَحْوَالِهِمْ يَوْمَئِذٍ فَكَانَ الْكُفّارُ شَيْبَةَ وَعُتْبَةَ وَالْوَلِيدَ ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ مِنْ الضّعْفِ فَالْوَلِيدُ لَهُ بِدَايَةُ الضّعْفِ وَشَيْبَةُ لَهُ نِهَايَةُ الضّعْفِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللّهُ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوّةً ثُمّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الرّومُ: 54] وَعُتْبَةُ مِنْ الْعَتَبِ فَدَلّتْ أَسَمَاؤُهُمْ عَلَى عَتَبٍ يَحِلّ بِهِمْ وَضَعْفٍ يَنَالُهُمْ وَكَانَ أَقْرَانُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلِيّ، وَعُبَيْدَةُ وَالْحَارِثُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ تُنَاسِبُ أَوْصَافَهُمْ وَهِيَ الْعُلُوّ، وَالْعُبُودِيّةُ وَالسّعْيُ الّذِي هُوَ الْحَرْثُ فَعَلَوْا عَلَيْهِمْ بِعُبُودِيّتِهِمْ وَسَعْيِهِمْ فِي حَرْثِ الْآخِرَةِ. وَلَمّا كَانَ الِاسْمَ مُقْتَضِيًا لِمُسَمّاهُ وَمُؤَثّرًا فِيهِ كَانَ أَحَبّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللّهِ مَا اقْتَضَى أَحَبّ الْأَوْصَافِ إلَيْهِ كَعَبْدِ اللّهِ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ وَكَانَ إضَافَةُ الْعُبُودِيّةِ إلَى اسْمِ اللّهِ وَاسْمِ الرّحْمَنِ أَحَبّ إلَيْهِ مِنْ إضَافَتِهَا إلَى غَيْرِهِمَا، كَالْقَاهِرِ وَالْقَادِرِ فَعَبْدُ الرّحْمَنِ أَحَبّ إلَيْهِ مِنْ عَبْدِ الْقَادِرِ وَعَبْدُ اللّهِ أَحَبّ إلَيْهِ مِنْ عَبْدِ رَبّهِ وَهَذَا لِأَنّ التّعَلّقَ الّذِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللّهِ إنّمَا هُوَ الْعُبُودِيّةُ الْمَحْضَةُ وَالتّعَلّقُ الّذِي بَيْنَ اللّهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ بِالرّحْمَةِ الْمَحْضَةِ فَبِرَحْمَتِهِ كَانَ وُجُودُهُ وَكَمَالُ وُجُودِهِ وَالْغَايَةُ الّتِي أَوْجَدَهُ لِأَجْلِهَا أَنْ يَتَأَلّهَ لَهُ وَحْدَهُ مَحَبّةً وَخَوْفًا، وَرَجَاءً وَإِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا، فَيَكُونُ عَبْدًا لِلّهِ وَقَدْ عَبَدَهُ لِمَا فِي اسْمِ اللّهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلَهِيّةِ الّتِي يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ وَلَمّا غَلَبَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ وَكَانَتْ الرّحْمَةُ أَحَبّ إلَيْهِ مِنْ الْغَضَبِ كَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ أَحَبّ إلَيْهِ مِنْ عَبْدِ الْقَاهِرِ.
فَصْلٌ:
وَلَمّا كَانَ كُلّ عَبْدٍ مُتَحَرّكًا بِالْإِرَادَةِ وَالْهَمّ مَبْدَأُ الْإِرَادَةِ وَيَتَرَتّبُ عَلَى إرَادَتِهِ حَرَكْتُهُ وَكَسْبُهُ كَانَ أَصْدَقَ الْأَسْمَاءِ اسْمُ هَمّامٍ وَاسْمُ حَارِثٍ إذْ لَا يَنْفَكّ مُسَمّاهُمَا حَقِيقَةِ مَعْنَاهُمَا، وَلَمّا كَانَ الْمُلْكُ الْحَقّ لِلّهِ وَحْدَهُ وَلَا مَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ سِوَاهُ كَانَ أَخْنَعَ اسْمٍ وَأَوْضَعَهُ عِنْدَ اللّهِ وَأَغْضَبَهُ لَهُ اسْمُ شاهان شاه أَيْ مَلِكُ الْمُلُوكِ وَسُلْطَانُ السّلَاطِينِ فَإِنّ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ اللّهِ فَتَسْمِيَةُ غَيْرِهِ بِهَذَا مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ وَاللّهُ لَا يُحِبّ الْبَاطِلَ. وَقَدْ أَلْحَقَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا قَاضِي الْقُضَاةِ وَقَالَ لَيْسَ قَاضِي الْقُضَاةِ إلّا مَنْ يَقْضِي الْحَقّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ الّذِي إذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. وَيَلِي هَذَا الِاسْمَ فِي الْكَرَاهَةِ وَالْقُبْحِ وَالْكَذِبِ سَيّدُ النّاسِ وَسَيّدُ الْكُلّ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلّا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَاصّةً كَمَا قَالَ أَنَا سَيّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ قَطّ أَنْ يَقُولَ عَنْ غَيْرِهِ إنّهُ سَيّدُ النّاسِ وَسَيّدُ الْكُلّ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ إنّهُ سَيّدُ وَلَدِ آدَمَ.
فَصْلٌ:
وَلَمّا كَانَ مُسَمّى الْحَرْبِ وَالْمُرّةِ أَكْرَهَ شَيْءٍ لِلنّفُوسِ وَأَقْبَحَهَا عِنْدَهَا، كَانَ أَقْبَحُ الْأَسْمَاءِ حَرْبًا وَمُرّةَ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا حَنْظَلَةُ وَحَزْنٌ وَمَا أَشَبَهُهُمَا، وَمَا أَجْدَرَ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ بِتَأْثِيرِهَا فِي مُسَمّيَاتِهَا، كَمَا أَثّرَ اسْمُ حَزْنٍ الْحُزُونَةَ فِي سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ.
فَصْلٌ:
وَلَمّا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ سَادَاتِ بَنِي آدَمَ وَأَخْلَاقُهُمْ أَشْرَفُ الْأَخْلَاقِ وَأَعْمَالُهُمْ أَصَحّ الْأَعْمَالِ كَانَتْ أَسَمَاؤُهُمْ أَشْرَفَ الْأَسْمَاءِ فَنَدَبَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّتَهُ إلَى التّسَمّي بِأَسْمَائِهِمْ كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنّسَائِيّ عَنْهُ تَسَمّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاء وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ إلّا أَنّ الِاسْمَ يُذْكَرُ بِمُسَمّاهُ وَيَقْتَضِي التّعَلّقَ بِمَعْنَاهُ لَكَفَى بِهِ مَصْلَحَةً مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَذِكْرِهَا، وَأَنْ لَا تُنْسَى، وَأَنْ تُذَكّرَ أَسَمَاؤُهُمْ بِأَوْصَافِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ.

.فصل عِلّةُ النّهْيِ عَنْ التّسْمِيَةِ بِيَسَارٍ وَأَفْلَحَ وَنَجِيحٍ وَرَبَاحٍ:

وَأَمّا النّهْيُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْغُلَامِ بِـ: يَسَارٍ وَأَفْلَحَ وَنَجِيحٍ وَرَبَاحٍ فَهَذَا لِمَعْنًى آخَرَ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنّك تَقُولُ أَثَمّتَ هُوَ؟ فَيُقَال: لَا- وَاللّهُ أَعْلَمُ- هَلْ هَذِهِ الزّيَادَةُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أَوْ مُدْرَجَةٌ مِنْ قَوْلِ الصّحَابِيّ وَبِكُلّ حَالٍ فَإِنّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَمّا كَانَتْ قَدْ تُوجِبُ تَطَيّرًا تَكْرَهُهُ النّفُوسُ وَيَصُدّهَا عَمّا هِيَ بِصَدَدِهِ كَمَا إذَا قُلْت لِرَجُلٍ أَعِنْدَك يَسَارٌ أَوْ رَبَاحٌ أَوْ أَفْلَحُ؟ قَالَ لَا، تَطَيّرْت أَنْتَ وَهُوَ مِنْ ذَلِك، وَقَدْ تَقَعُ الطّيَرَةُ لَا سِيّمَا عَلَى الْمُتَطَيّرِينَ فَقَلّ مَنْ تَطَيّرَ إلّا وَوَقَعَتْ بَهْ طِيَرَتُهُ وَأَصَابَهُ طَائِرُهُ كَمَا قِيلَ تَعَلّمْ أَنّهُ لَا طَيْرَ إلّا عَلَى مُتَطَيّرٍ فَهُوَ الثّبُورُ.
بِأُمّتِهِ الرّحِيمِ بِهِمْ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ أَسِبَابٍ تُوجِبُ لَهُمْ سَمَاعَ الْمَكْرُوهِ أَوْ وُقُوعَهُ وَأَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا إلَى أَسْمَاءٍ تُحَصّلُ الْمَقْصُودَ مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةٍ هَذَا أَوْلَى، مَعَ مَا يَنْضَافُ إلَى ذَلِك مِنْ تَعْلِيقِ ضِدّ الِاسْمِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَمّى يَسَارًا مَنْ هُوَ مِنْ أَعْسَرِ النّاسِ وَنَجِيحًا مَنْ لَا نَجَاحَ عِنْدَهُ وَرَبَاحًا مَنْ هُوَ مِنْ الْخَاسِرِينَ فَيَكُونُ قَدْ وَقَعَ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ وَعَلَى اللّهِ وَأَمْرٌ آخَرُ أَيْضًا وَهُوَ أَنْ يُطَالَبَ الْمُسَمّى بِمُقْتَضَى اسْمِهِ فَلَا يُوجَدُ عِنْدَهُ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ سَبَبًا لِذَمّهِ وَسَبّهِ كَمَا قِيلَ:
سَمّوْكَ مِنْ جَهْلِهِمْ سَدِيدًا ** وَاَللّهِ مَا فِيكَ مِنْ سَدَادِ

أَنْتَ الّذِي كَوْنُهُ فَسَادًا ** فِي عَالَمِ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ

فَتَوَصّلَ الشّاعِرُ بِهَذَا الِاسْمِ إلَى ذَمّ الْمُسَمّى بِهِ. وَلِي مِنْ أَبْيَاتِ:
وَسَمّيْتُهُ صَالِحًا فَاغْتَدَى ** بِضِدّ اسْمِهِ فِي الْوَرَى سَائِرًا

وَظَنّ بِأَنّ اسْمَهُ سَاتِر ** لِأَوْصَافِهِ فَغَدَا شَاهِرًا

وَهَذَا كَمَا أَنّ مِنْ الْمَدْحِ مَا يَكُون ذَمّا وَمُوجِبًا لِسُقُوطِ مَرْتَبَةِ الْمَمْدُوحِ عِنْدَ النّاسِ فَإِنّهُ يُمْدَحُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَتُطَالِبُهُ النّفُوسُ بِمَا مُدِحَ بِهِ وَتَظُنّهُ عِنْدَهُ فَلَا تَجِدُهُ كَذَلِكَ فَتَنْقَلِبُ ذَمّا، وَلَوْ تُرِكَ بِغَيْرِ مَدْحٍ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ هَذِهِ الْمَفْسَدَةُ وَيُشْبِهُ حَالُهُ حَالَ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةً سَيّئَةً ثُمّ عُزِلَ عَنْهَا، فَإِنّهُ تَنْقُصُ مَرْتَبَتُهُ عَمّا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَيَنْقُصُ فِي نَفُوسِ النّاسِ عَمّا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهَا، وَفِي هَذَا قَالَ الْقَائِلُ:
إذَا مَا وَصَفْت امْرَءًا لِامْرِئٍ ** فَلَا تَغْلُ فِي وَصْفِهِ وَاقْصِدْ

فَإِنّكَ إنْ تَغْلُ تَغْلُ الظّنُو ** نُ فِيهِ إلَى الْأَمَدِ الْأَبْعَد

فَيَنْقُصُ مِنْ حَيْثُ عَظّمْتَه ** لِفَضْلِ الْمَغِيبِ عَنْ الْمَشْهَدِ

وَأَمْرٌ آخَرُ وَهُوَ ظَنّ الْمُسَمّى وَاعْتِقَادُهُ فِي نَفْسِهِ أَنّهُ كَذَلِكَ فَيَقَعُ فِي تَزْكِيَةِ نَهَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَجْلِهِ أَنْ تُسَمّى بَرّةُ وَقَالَ لَا تُزَكّوا أَنْفُسَكُمْ اللّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرّ مِنْكُمْ وَعَلَى هَذَا فَتُكْرَهُ التّسْمِيَةُ بِـ: التّقِيّ وَالْمُتّقِي، وَالْمُطِيعِ وَالطّائِعِ وَالرّاضِي، وَالْمُحْسِنِ وَالْمُخْلِصِ وَالْمُنِيبِ وَالرّشِيدِ وَالسّدِيدِ. وَأَمّا تَسْمِيَةُ الْكُفّارِ بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ التّمْكِينُ مِنْهُ وَلَا دُعَاؤُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَلَا الْإِخْبَارُ عَنْهُمْ بِهَا، وَاللّهُ عَزّ وَجَلّ يَغْضَبُ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ بِذَلِك.