فصل: الركن الثالث: المقر به:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.الباب الثالث: في النزاع:

وهو في ثلاثة مواضع:
الأول: في أصل الإذن وصفته وقدره.
والقول فيه قول الموكل. فلو قال: وكلتني، وقال: ما وكلتك؛ فالقول قوله.
ولو اشترى جارية بعشرين، فقال: ما أذنت إلا بعشرة؛ حلف الموكل وغرم الوكيل عشرين، أنكر البائع الوكالة أو اعترف بها.
ولو باع السلعة بعشرة، فقال ربها: ما أمرتك إلا باثني عشر؛ فالقول قول الأمر إن لم تفت، فإن فاتت فالقول قول المأمور ما لم يبع بما يستنكر.
ولو اشترى من يعتق على الموكل وهو عالم بذلك ولم يعينه له الموكل، فلا يعتق على الموكل. واختلف في عقته على الوكيل، فقال يحيى بن عمر: يلزم المأمور ويسترقه، ويباع عليه في الثمن.
وقال أبو إسحاق البرقي: يعتق العبد، ويضمن المأمور الثمن للآمر. فإن لم يكن له مال بيع العبد في ذلك أو بعضه، وعتق ما فضل منه، والولاء للآمر. وإن كان غير عالم صح البيع، وعتق على الموكل.
الموضع الثاني: في التصرف المأذون فيه.
فإذ قال: تصرفت كما أذنت بي من بيع أو غيره، فقال الموكل بعد: لم تتصرف، فالقول قول الوكيل لأنه أمين. ويلزم الآمر التصرف لأنه قد أقر بالوكالة.
وكذلك لو ادعى تلف رأس المال لكان القول قوله، لأنه ينبغي دفع الضمان عن نفسه.
وكذلك إذا ادعى رد المال، سواء كان بجعل أو بغير جعل.
ولو قال: قبضت الثمن وتلف في يد، فالقول قوله إن ثبت القبض ببينه، أو صدقه الموكل فيه؛ وإن لم يكن واحد منهما لم يبرأ الغريم من الدين، إلا أن يكون القابض ومكيلاً مفوضاً أو وصياً، فيبرأ باعترافه من غير بينة، بخلاف الوكيل المخصوص، وفي كلا الوجهين لا غرم على الوكيل.
الموضع الثالث: إذا وكله في قضاء الدين فليشهد؛ فإن قصر ضمن بترك الإشهاد.
وقيل: لا يضمن إذا كانت العادة ترك الإشهاد. وكذا قيم اليتيم لا يصدق في دعوى رد المال، قال الله تعالى: {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم}.
ومن يصدق في الرد إذا طولب بالرد فليس له التأخير بعذر الإشهاد إذا تحقق الوكالة أو باشره المستحق.
ولمن عليه الحق بشهادة أن لا يسلم إلى المستحق أو وكيله إلا بالإشهاد. وإن اعترف به، فإن كان في يده تركة فاعترف لإنسان بأنه وارث صاحبها لا وارث له سواه لزمه التسليم، ولم يجز له تكليفه شهادة على ألا وارث له سواه.
ولو اعترف أنه يستحق ألفاً عن جهة حوالة، ولكن خاف إنكار المحيل، فهو كخوف إنكار الوكيل.
ولو ادعى الوكيل قبض الثمن فجحده، فأقيمت عليه بينة بالقبض، فادعى تلفاً أو رداً قبل الجحد لم تسمع دعواه.
وقال محمد: الذي تبين لي أنه لو صرح بالإنكار، فقال: ما دفع إلي شيئاً؛ لغرم إذا قامت البينة أو أقر، وهو قول مالك وأصحابه فيمن عليه دين فدفعه أو وديعة ببينة أو بغير بينة فردها، وأشهد بينة بذلك فطولب فأنكر أن يكون كان له عليه دين أو قال: ما أودعتني شيئاً، ثم أقر أو قامت عليه بينة بأصل الحق فأخرج البراءة وفيها بينة عدول، فلا تنفعه شهادة البراءة، لأنه كذبهم بجحده الأصل.

.كتاب الإقرار:

وفيه أربعة أبواب:

.الباب الأول: في أركانه:

وهي أربعة:

.الركن الأول: المقر.

وهو ينقسم إلى مطلق ومحجور، فالمطلق ينفذ إقراره في كل ما يقر به على نفسه في ماله وبدنه. والمحجور ستة أشخاص:
أحدهم: الصبي، وإقراره مسلوب قطعاً مطلقاً. نعم لو ادعى أنه بلغ بالاحتلام في وقت إمكانه لصدق، إذ لا تمكن معرفته إلا من جهته.
الثاني: المجنون، وهو مسلوب القول مطلقاً.
الثالث: المبذر.
الرابع: المفلس، وقد تقدم ذكر هذين.
الخامس: العبد. وإقراره مقبول بما يوجب عليه عقوبة.
ولو أقر بسرقة مال ووجب عليه القطع، لم يؤثر إقراره في وجوب المال عليه، إلا أن يكون مأذوناً فعليه الغرم، لأن إقراره بوصول الأموال إليه جائز. ولو أقر بإتلاف مال وكذبه السيد، لم يتعلق برقبته بل يطالب به بعد العتق، ولو كان مأذوناً فأقر بدين معاملة تعلق بما في يده ولا يؤدي من كسبه. وذلك لو أقر به بعد الحجر، إلا أنه إن كان عليه دين قبل الحجر قدم على الدين المقر به بعد الحجر.
السادس: المريض، وهو محجور في الإقرار لمن يتهم عليه من أجنبي أو وارث؛ وغير محجور عليه في الإقرار لمن لا يتهم عليه منهما؛ فالتهمة في حق الأجنبي بكونه صديقاً ملاطفاً، والمقر يورث كلالة. وحكى القاضي أبو محمد في إقراره له روايتين: إحداهما: رده.
والأخرى: قبوله وإخراجه من الثلث.
والتهمة في الوارث بأن تكون قريباً، ومن معه بعيد، كالبنت مع ابن العم أو غيره من العصبة؛ فأما لو عكس فأقر لابن العم مع البنت لقبل لنفي التهمة، إذ لا يتهم أن يزيد في نصيبه ويتهم أن يزيد في نصيبها.
ولو أقر بأنه كان وهب من الوارث في الصحة، لم يقبل، وحمل على الوصية. ولو أقر بدين مستغرق ومات، فأقر وارثه عليه بدين مستغرق أيضاً لقدم إقرار الموروث لوقوع إقرار الوارث بعد الجحد. ولو أقر بعين ما في يده لشخص، ثم أقر بدين مستغرق سلم العين للأول، ولا شيء للثاني لأنه مات مفلساً.

.الركن الثاني: المقر له:

وله شرطان:
أحدهما: أن يكون أهلاً للاستحقاق، فلو قال: لهذا الحجر علي ألف، بطل قوله.
وكذلك قوله: لهذا الحمار. ولو أقر لعبد لزمه له كالحر. ولو أقر لصبي لا يعقل أو لمجنون بشيء لزمه. ولو قال: اشتريت منه هذا العبد، أو استأجرته، أو وهبته مني، كان إقراراً بالعبد، وما نسبه إليه من الفعل باطل.
ولو قال: لحمل فلانة علي ألف من هبة أو صدقة أو وصية قبل إن وضعته لستة أشهر فأقل من يوم الإقرار، وإن وضعته لأكثر من ستة أشهر وزوجها مرسل عليها لم يلزمه ما ذكر من وصية وهبة وصدقة. وإن كان معزولاً عنها، فقد قيل: يجوز له الإقرار إذا وضعت لأربع سنين فدونها. ولو وضعت توأمين لكان المقر به بينهما نصفين، ولو كان أحدهما ميتاً لكان الكل للحي منهما؛ ولو ولدت ولداً ميتاً بطل الإقرار. ولو أطلق ولم يذكر الجهة لزمه أيضاً، ولو قيل له: ماذا؟ فقال: أقرضنيها، فهذا لا يمكن، ويعد منه ندماً ويلزمه الإقرار، ولو قال: أنا وصي أبيه عليه وترك مائة أو ألفاً فأكلتها، فالمائة دين عليه. فإن وضعت ذكراً وأنثى فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن كانت ذات الحمل زوجة فلها الثمن من ذلك؛ وإن ولدت ولداً ميتاً فالمال لعصبة الميت.
الشرط الثاني: ألا يكذبه المقر له، فإن كذبه لم يسلم إليه ويترك في يد المقر، فإن رجع المقر فله ذلك، ثم لا رجوع للمقر له بعد ذلك إلى أن يعود المقر إلى الإقرار، فيكون للمقر له حينئذ التصديق والأخذ.

.الركن الثالث: المقر به:

ولا يشترط أن يكون معلوماً، بل يصح الإقرار بالمجهول، ويشترط أن يكون المقر به في يد المقر حالة الإقرار أو قبله، فلو أقر في عبد بيد زيد أنه لعمرو لم يقبل إقراره على من هو بيده، لكن إن كان خرج من يد المقر قيل له: خلصه للمقر له، فإن تعذر عليه ذلك دفع له قيمته. وإن كان لم يدخل تحت يده لم يلزمه شيء. ولو كان إنما أقر بحرية عبد في يد غيره، ثم أقدم على شرائه بعد ذلك صح الشراء تعويلاً على قول صاحب اليد، ثم يعتق مؤاخذة له بما قدم من إقراره بحريته.
وقال ابن الماجشون: لا يعتق عليه.
وقال أشهب: إن تمادى على إقراره عتق عليه، وإلا فلا.
وقال المغيرة: يعتق عليه إن كان شهد بحريته، فردت شهادته لانفراده بها، ولا يعتق إن ردت لجرحته.
ثم حيث قلنا: يعتق، على أي هذه الأقاويل فلا يكون ولاؤه له، بل للذي زعم هذا أنه أعتقه.

.الركن الرابع: الصيغة:

فإذا قال: لفلان علي أو عندي ألف، فهو إقرار. وكذلك لو قال: أخذت منك، أو أعطيتني، فهو إقرار.
ولو قال المدعي: لي عليك ألف، فقال: زن، أو خذ، أو حتى يأتي وكيلي يزن لك، لم يكن إقرار إن حلف. قاله محمد بن عبد الحكم. قال: وكذلك لو قال: اجلس فانتقدها أو اتزنها فهو كقوله: انتقد واتزن، لأنه لم ينسب ذلك إلى أنه الذي يدفع إليه. قال: ولو قال: اتزنها مني أو ساهلني فيها لزمته، لأنه نسب ذلك إلى نفسه.
وقال في كتاب ابن سحنون: إذا قال له: اقضني العشرة التي لي عليك فقال له: اتزنها أو انتقدها، أو اقعد فاقبضها، فذلك إقرار. وكذلك قوله: اتزن أو انتقد.
ولو قال: اتزن أو اتزنها، ما أبعدك من ذلك! أو قال: من أي ضرب تأخذها؟ ما أبعدك من ذلك! فليس بإقرار.
ولو قال: لي عليك عشرة، فقال: بلى، أو أجل، أو نعم، أو صدقت، أو أنا مقر به أو لست منكراً له، فهو إقرار.
ولو قال: ليست ميسرة، أو أرسل رسولك يقبضها، أو أنظرني بها، فكله إقرار. ولو قال: أليس لي عليك ألف؟ فقال: بلى، لزمه. ولو قال: نعم، فكذلك أيضاً. ولو قال: اشتر مني هذا العبد، فقال: نعم، فهو إقرار بالعبد.

.الباب الثاني: في الأقارير المجملة:

وهي سبعة:
الأول: إذا قال: لفلان علي شيء، يقبل تفسيره بأقل مما يتمول، لأنه محتمل لكل ما ينطلق عليه شيء مما يتمول.
وفي كتاب ابن سحنون، فيم أقر أنه غصب فلاناً شيئاً ولم يبينه، ثم قال: هو كذا؛ وقال الطالب: هو كذا، أو لم يقل شيئاً؛ فالقول قول الغاصب فيما يذكر مع يمينه. وإن ادعى الطالب غير ذلك، فإن نكل الغاصب فالقول قول الطالب مع يمينه، فإن أبى المقر أن يسمي شيئاً أجبر على أن يبين ما أقربه، وإلا سجن حتى يذكر شيئاً ويحلف عليه.
ولو قال: له علي مائة درهم إلا شيئاً، لزمه أحد وتسعون. ولو قال: عشرة آلاف إلا شيئاً، لزمه تسعة آلاف ومائة. ولو قال: درهم إلا شيئاً، لزمه أربعة أخماس درهم.
قال عبد الملك: والمعتبر في جميع ما ذكرناه أن ما يحسن استعمال الاستثناء فيه يستعمل، وما بعده مشكوك فيه فلا يثبت.
وكذلك لو قال: له علي مائة وشيء، اقتصر على المائة، لأن الشيء الزائد لا يمكن رده إلى تقدير كرد الشيء المستثنى فبطل، إذ هو شك لا مخرج له.
ولو قال: له في هذه الدار حق، أو في هذا الحائط، أو في هذه الأرض؛ ثم فسر ذلك بجزء من ذلك قبل تفسيره، قليلاً كان أو أكثر شائعاًَ كان أو معيناً؛ ولو فسره بغير ذلك، كتفسيره بهذا الجذع أو هذا الباب المركب، أو هذا الثوب الذي في الدار، أو هذا الطعام، أو بسكنى هذا البيت، فقال سحنون مرة: يقبل تفسيره في جميع ذلك، ثم رجع، فقال: لا يقبل منه، وقد أثبت له حقاً في الأصل. وكذلك الخلاف في تفسيره بثمرة هذه النخلة من الحائط، أو بأنه وهبه زراعة الأرض سنة، فالقولان لسحنون في جميع ذلك.
فأما لو فسر في الحائط بنخلة بأرضها لقبل ذلك منه. ولو قال: إنما وهبتها له من غير أرض، فقولان.
وقال محمد بن عبد الحكم: إذا أقر له بحق في الدار وقال: أردت سكنة بيت منها اكتريته منه أو أسكنته إياه سنة، أو أكريته منه قبل قوله مع يمينه. قال: وكذلك لو قال: له حق في هذا الثوب، ثم قال: أجرته منه، أو أعرته ثمراً، صدق مع يمينه. قال: وأما لو قال: له حق من هذه الدار أو من هذا الثوب، لم يقبل منه حتى يقر بشيء من الرقبة.
قال: ولو قال: له في هذه الدار أو في هذه الدنانير، أو قال: في هذا الطعام؛ كان محمل ذلك من الرقبة قال: في، أو قال: من، وظاهر القصد في هذا عين الشيء.
الثاني: إذا قال: له علي مال، ولم يذكر مبلغه، فليس عن مالك فيه نص.
وقال الشيخ أبو بكر: يقبل منه ما فسر به، ولو قيراطاً أو حبة، ويحلف.
وقال ابن المواز: لا يقبل في أقل من نصاب الزكاة.
وقال القاضي أبو الحسن: عندي أنه يجيء على مذهب مالك أنه يلزمه ربع دينار، فإن كان من أهل الورق، فثلاثة دراهم. ويقبل تفسيره بالكلب وجلد الميتة والمستولدة.
ولو قال: علي مال عظيم، أو نفيس أو كثير، فقال الشيخ أبو بكر: هو بمنزلة مال على التجريد.
وقال غيره: تلزمه ثلاثة دراهم أو ربع دينار.
قال القاضي أبو الحسن: الذي يقوى في نفسي أن يلزمه مائتا درهم إن كان من أهل الدراهم، أو عشرون ديناراً إن كان من أهل الذهب.
وقاله سحنون وغيره في كتاب ابنه. وحمله القاضي أبو محمد على وجهين آخرين من التأويل:
أحدهما: ألف دينار، وهو قدر الدية. والآخر: ما زاد على النصاب. فإن قال: أكثر مما لفلان على فلان، فما شهد به الشهود على فلان قبل تفسيره بما زاد عليه.
الثالث: إذا قال: له علي كذا، فهو كالشيء، فلو قال: كذا درهماً، فقال محمد بن عبد الحكم: يلزمه عشرون درهماً.
وقال: فإن قال: كذا وكذا درهماً، لزمه أحد عشر درهماً، وإن قال: كذا وكذا درهماً، لزمه أحد وعشرين درهماً.
قال سحنون: ما أعرف هذا، فإن كان هذا أقل ما يكون في اللغة هذا اللفظ فهو كما قالوه. وكان يقول: القول قول المقر مع يمينه.
ولو قال: له علي كذا وكذا ديناراً ودرهماً، نظر إلى أقل ما يكون كذا وكذا من العدد، فيكون عليه نصفه دنانير ونصفه دراهم.
وفي القول الآخر القول قول المقر ويحلف.
ولو قال: له علي عشرة دراهم ونيف، لكان القول قوله في النيف، قل أو كثر؛ وله أن يجعله أقل من درهم، وإن شاء قال دانق فضة. وكذلك في نيف وخمسين.
حكى الشيخ أبو إسحاق عن بعض الأصحاب: أنه إذا أقر له بعشرين ونيف، أن النيف ثلثها، وكذلك بمائة ونيف، أو بدرهم ونيف، أنه يكون مقراً بمائة وثلثها وبدرهم وثلثه.
ثم اختار هو أن يكون القول في النيف قول المقر مع يمينه. ولو قال: له علي ألف ودرهم، ولم يسم الألف من أي جنس هي، فقال القاضي أبو الحسن: لا يكون الدرهم الزائد تفسيراً للألف، بل يكون الألف موكولاً إلى تفسيره فيقال له: سم أي جنس شئت، فإن قال: أردت ألف جوزة أو ألف بيضة، قبل منه وأحلف على ذلك، إن خالف المدعي وقال: هي كلها دراهم.
وكذلك لو قال: له علي ألف وكر حنطة، أو ألف وجوزة، أو ألف وبيضة أو ألف وعبد، أو ألف وثوب، لم يكن في جميع هذا العطف تفسيراً للمعطوف عليه.
وفي كتاب ابن سحنون: إذا قال مريض أو صحيح: لفلان علي عشرة ونصف درهم ولم يبين ما العشرة، فله عشرة دراهم ونصف. وكذلك قوله: مائة دينار فعليه مائة دينار ودينار، إذا ادعى ذلك الطالب مع يمينه.
وإذا قال: له علي عشرة آلاف ووصيف، فالقول قول المقر، فإن قال: أردت عشرة آلاف وصيف ووصيفاً، فهو كذلك، وإن قال: أردت عشرة آلاف درهم ووصيفاً، صدق؛ وإن ادعى الطالب غير ذلك من دنانير أو غيرها، كلف بالبينة، وإلا حلف له المقر.
وكذلك قوله: ألف وشاة؛ فإن قال: إنها ألف شاة أو ألف درهم أو أقفزة حنطة، فهو مصدق مع يمينه. وإن مات ولم يسأل صدق ورثته مع أيمانهم.
ولو قال: علي بضعة عشر، كان ثلاثة عشر، لأن البضع من الثلاثة إلى التسعة.
ولو قال في وصيته: لفلان علي جل المائة أو قرب المائة أو أكثر المائة أو نحو المائة، أو مائة إلا قليلاً، أو مائة إلا شيئاً، فقال سحنون: الذي عليه أكثر أصحابنا: أن يعطى من ثلثي المائة إلى أكثر، بقدر ما يرى الحاكم.
وقال بعضهم: تلزمه ثلثا المائة.
وقال آخرون منهم: يلزمه النصف وشيء، وذلك أحد وخمسون.
الرابع: لو قال: علي درهم لزمه درهم: عشرة منه تعادل سبعة مثاقيل، وهي درهم الإسلام.
فإن فسر إقراره بالناقص في الوزن متصلاً، قبل منه؛ وإن كان منفصلاً لم يقبل إلا إذا كان التعامل به غالباً. وكذلك التفسير بالدراهم المغشوشة. ولو فسر بالفلوس لم يقبل بحال. ولو قال: علي دراهم، لزمته ثلاثة دراهم.
وكذلك لو قال: دريهمات، لأن التصغير لا يؤثر في نقل المعنى عن أصله. ولو قال: دراهم كثيرة، فقيل: تلزمه أربعة، وقيل: تسعة، وقيل: تلزمه: مائتا دراهم. ولو قال: دراهم لا قليلة ولا كثيرة، للزمته أربعة. ولو قال: علي من واحد إلى عشرة، لزمته عشرة، قاله سحنون.
وقال أيضاً: تلزمه تسعة.
قال: ولو قال: ما بين درهم إلى عشرة، كان عليه تسعة.
وقال أيضاً: يلزمه عشرة.
وقال أيضاً ثمانية.
ولو قال: عشرة في عشرة، سئل المقر، فإن قال: أقرضني عشرة في عشرة أو في عشرين، أو باعني عشرة بعشرة، أو بعشرين، لزمته عشرة مع يمينه على ما زعم. وفي قول سحنون: أنه يؤخذ بمائة درهم من قبل الحساب. ولو قال: علي عشرة دراهم في عشرة دنانير، لزمته عشرة دراهم، إذ له مخرج بقوله: أعطانيها فيها.
الخامس: إذا قال: عندي له زيت في جرة، كان مقراً بالزيت والظرف. ولو قال: ثوباً في صندوق أو في ثوب أو في منديل، فقال محمد بن عبد الحكم: يكون مقراً بالثوب دون الوعاء.
وقال سحنون: يلزمه الوعاء أيضاً.
ولو قال: له عندي عسل في زق، كان مقراً بالعسل والزق، إذ لا يستغني عنه. ولو قال: له عندي خاتم، وجاء به وفيه فص، فقال: ما أردت الفص، لم يقبل إلا أن يكون كلامه نسقاً.
وكذلك لو أقر بجبة وقال: بطانتها لي، أو أقر بدار، وقال: بابها لي وشبه ذلك. ولو قال: وهذه الأمة لفلان، وولدها لي، كلاماً نسقاً، فهو كما قال. ولو قال: له في هذه الدار التي في يدي حق أو شرك، أو في هذا العبد، أجبر على البيان، وقبل تفسيره بما قل أو كثر، إلا أن يدعي المقر له أكثر، فيحلف المقر على نفي الزيادة على ما ذكره، فإن امتنع من الإقرار سجن أبداً، حتى يضطر بالسجن إلى الإقرار.
السادس: إذا قال: علي درهم درهم أو درهم بدرهم، لم يلزمه إلا درهم واحد، وللطالب أن يحلفه: ما أراد درهمين. ولو قال: درهم ودرهم، أو درهم ثم درهم، لزمته درهمان. ولو قال: درهم مع درهم، أو تحت درهم، أو فوق درهم، لزمه درهمان. ولو قال: درهم على درهم، فعليه درهمان، وقيل: درهم واحد، ولو قال: درهم قبل درهم أو بعد درهم، لزمه درهمان. ولو قال: علي درهم فدرهم، لزمه درهمان. ولو قال:
درهم بل درهمان، فدرهمان. ولو قال: درهم لا بل ديناران، فقال ابن سحنون: يلزمه ديناران، ويسقط الدرهم.
السابع: إذا قال يوم السبت: علي ألف، وقال ذلك يوم الأحد، لم يلزمه إلا ألف واحد، إلا أن يضيف إلى شيئين مختلفين.
ولو أشهد له في ذكر حق بمائة وفي آخر بمائة، لزمه مائتان، وقال ابن سحنون: إن قول مالك اختلف في هذا وآخر قوله: وبه أقول: أن يحلف المقر: ما ذلك إلا مال واحد، ولا يلزمه إلا مائة.
وقال محمد بن عبد الحكم مثل ذلك. قال محمد: ولو اختلف الإقرار، فأقر له في موطن بمائة، وأشهد وفي موطن بمائتين، لزمته ثلاثمائة، وقال ابن حبيب عن أصبغ: إن كان الإقرار بالأقل أولاً صدق المطلوب أن الأقل دخل في الأكثر، وإن كان الإقرار بالأكثر أولاً فهما مالان.

.الباب الثالث: في تعقب الإقرار بما يرفعه:

وله صور:
الأولى: إذا قال: علي ألف من ثمن خمر أو خنزير أو ميتة أو حر، لم يلزمه شيء، إلا أن يقول الطالب: بل هي من ثمن بر أو شبهه فيلزمه مع يمين الطالب. فأما لو قال: اشتريت منك خمراً بألف، فإنه لا يلزمه شيء.
ولو قال: علي ألف من ثمن عبد، ثم قال: لم أقبض العبد، فقال ابن القاسم وسحنون وغيرهما: يلزمه الثمن ولا يصدق في عدم القبض.
وقيل: القول قوله، وعلى البائع البينة أنه سلم العبد إليه. وكذلك إن قال: اشتريت منه فلان سلعة بمائة درهم ولم أقبضها منه، فالقول قوله.
ولو أقر على نفسه بمال من ثمن حرير مثلاً، ثم أقام بينة أنه ربا وإنما أقر أنه من ثمن حرير، لزمه المال بإقراره أنه من ثمن حرير، إلا أن يقيم بينة على إقرار الطالب أنه ربا.
وقال ابن سحنون: تقبل منه البينة أن ذلك ربا، ويرد إلى رأس ماله، وبالأول قال سحنون.
ولو قال: علي ألف لا يلزم، أو زوراً أو باطلاً، لزمه إن صدقه غريمه في الملك، وكذبه في قوله: زوراً أو باطلاً؛ وإن صدقه فيهما لم يلزمه شيء. ولو قال: علي ألف قضيته، لزمه الألف، ولا يقبل قوله في القضاء.
ولو ادعى القضاء قبل الإقرار وأقام البينة، لم تسمع دعواه ولا بينته إذ كذبهما بإقراره وإقراره أولى بالقبول من دعواه، إلا أن يقول بعد الإقرار بها: قضيتها إياه، ولم يقبل قبل الإقرار؛ فتقبل دعواه وتسمع بينته. ولو قال: ألف إن شاء الله؛ لزمته الألف، ولم ينفعه الاستثناء.
ولو قال: له علي ألف درهم فيما أظن، فهو إقرار يلزمه. وكذلك: فيما ظننت أو فيما حسبت، أو فيما أحسب، أو فيما رأيت، أو فيما أرى.
وقال محمد بن المواز وابن عبد الحكم: إذا قال: فيما أعلم، أو قال: في علمي، أو فيما يحضرني فهو شك، ولا يلزمه؛ واحتج محمد بالشهادة. ولو قال: ألف مؤجل؛ لزمه الألف على التأجيل، إذا كان الأجل غير مستنكر.
وحكى الشيخ أبو إسحاق قولاً بأن المقر له يحلف ويكون الألف حالاً.
ولو ذكر الآجل بعد الإقرار لم يقبل. ولو قال: علي ألف مؤجل من جهة القرض، قبل إلا أن يدعي الطالب أنها حالة فالقول قوله مع يمينه.
ومن كتاب ابن سحنون: ومن قال: لفلان علي مائة درهم إن حلف، أو إذا حلف، أو متى حلف، أو حين يحلف أو مع يمينه، أو في يمينه، أو بعد يمينه؛ فحلف فلان على ذلك ونكل المقر، وقال: ما ظننت أنه يحلف، فلا يؤخذ بذلك المقر في إجماعنا.
وقال محمد بن عبد الحكم: إذا قال: لفلان علي مائة إن حلف فيها، أو إن ادعاها، أو مهما حلف بالعتق، أو الطلاق، أو الصدقة، أو قال: إن حلف مطلقاً؛ فلا شيء على المقر بهذا وإن حلف الطالب.
وكذلك إن قال: استحل ذلك، وإن كان يعلم أنها له، أو قال: إن أعارني رداءه، أو دابته، فأعاره، أو قال: إن شهد بها علي فلان، فشهد بها عليه فلا شيء على المقر في هذا كله.
وأما إن قال: إن حكم بها فلان لرجل سماه، فتحاكما إليه فحكم بها عليه فيلزمه ذلك.
الصورة الثانية: إذا قال: له علي مائة درهم وديعة؛ لا تكون إلا وديعة. وإن قال: ديناً كانت ديناً. ولو قال: له قبلي، أو قال: له علي مائة درهم ديناً وديعة لزمته ديناً. ولو قال: له قبلي مائة درهم وديعة ديناً لزمته ديناً، إذ لعله تسلفها أو استهلكها.
الثالثة: إذا قال لرجل: لك هذه الشاة، أو هذه الناقة، فإن الشاة للمقر له، ويحلف المقر ما الناقة له، فلو حلف ما له فيهما جميعاً شيء وادعى الطالب كلتيهما لم يقبل قوله في الناقة، ولا قول المقر في الشاة بل يأخذها المقر له، وتبقى الناقة في يد المقر.
الرابعة: إذا أقر أنه غصب هذا العبد من فلان، ثم قال: لا، بل من فلان: ففي كتاب ابن سحنون: إنه يقضى بالعبد للأول بعد يمينه، ويقضى للآخر بقيمته يوم الغصب في إجماعهم.
الخامسة: قال ابن القاسم: من قال لرجل في ثوبين في يده: إن لك أحدهما ولا أدري أيهما هو، فإنه يقال للمقر: أحلف أنك لا تدري أن أجودهما للمقر له؛ فإن حلف قيل للمقر له: احلف أنك لا تعلم أيهما لك؛ فإن حلف كانا شريكين في الثوبين جميعاً؛ فإن نكل المقر من حلف المقر له وكانا شريكين في الثوبين، وكذلك لو نكلا جميعاً لكانا شريكين، إلا أن يقول المقر: لا أعرفه، ويقول المقر له: أنا أعرفه، فيؤمر بتعيينه، فإن عين أدناهما أخذه بغير يمين وإن عين أجودهما أخذه بعد أن يحلف.
ولو قال المقر: أدناهما هو ثوبه؛ حلف، ولم يكن للمقر له غيره. ولو قال لرجل: لك علي عشرة دراهم، أو على فلان؛ فليس بإقراره، ويحلف.
قال الشيخ أبو محمد: وعلى أصل سحنون إن ذلك يلزمه دون فلان.
السادسة: إذا استثنى عن الإقرار ما لا يستغرق صح، كقوله: علي عشرة إلا تسعة، يلزمه واحد.
وقال عبد الملك: لا يصح. وعلى المشهور: ولو قال: علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية، لزمه تسعة لأن الاستثناء من النفي إثبات، كما أنه من الإثبات نفي.
وكذلك لو قال: علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحد، لزمه خمسة.
السابعة: الاستثناء من غير الجنس صحيح، كقوله: علي ألف درهم إلا ثوباً أو عبداً، أو دابة. وقيل: استثناؤه باطل، ويلزمه ما أقر به كاملاً.
وإذا فرعنا على المشهور، فيقال له: اذكر قيمة الثوب أو العبد الذي استثنيت، ثم يكون مقراً بما فضل من الألف عن قدر قيمته، فإن ذكر أن القيمة تستغرق الألف بطل استثناؤه ولزمه الألف.
الثامنة: الاستثناء عن العين صحيح، كقوله: هذه الدار لفلان إلا ذام البيت، والخاتم إلا الفص، وهؤلاء العبيد إلا واحداً، ثم له التعيين. وكذلك لو قال: هذه الدار لفلان وبناؤها لي؛ فهو كما قال إذا اتسق الكلام.
وكذلك: هذه الأرض لفلان ونخلها لي، نسقاً.
وكذلك: هذه الدار إلا بناءها لفلان، أو قال: هذا البستان إلا نخلة فإنها لي، فإنه يصدق في جميع ذلك.
وكذلك قال محمد بن عبد الحكم عن أشهب في قوله: غصبت هذه الدار لفلان وبناؤها لي، أو قال: بيت منها لي، أو قال في الجنة: بطانتها لي إذا اتسق الكلام؛ مثل قوله: هذا الخاتم لفلان وفصه لي.

.الباب الرابع: في الإقرار بالنسب.

من هو من أهل الإقرار، إذا قال لعبده: هذا ابني؛ التحق به ما لم يكذبه الحس بأن يكون أكبر سناً منه، أو الشرع بأن يكون مشهور النسب، أو العرف بأن يستيقن الناس أنه ليس بولده، كما إذا كان الغلام سندياً والرجل فارسياً، قال مالك: فلا يلحق به. قال سحنون: ولا يكون حراً.
فلو استلحق مجهول النسب لحق به عند ابن القاسم.
وقال سحنون: لا يلحق إذا لم يتقدم له نكاح ولا ملك يمين على أمة يجوز أن يكون منها. ثم حيث يلحق به، فلا ينظر إلى إنكار الولد صغيراً كان أو كبيراً.
فروع: الأول: لو قال في أولاد أمته: أحدهم ولد لي وهم ثلاثة ولم تعرف عينه، فالصغير منهم حر وحده.
وقال المغيرة: يعتق الأصغر، وثلثا الأوسط، وثلث الأكبر، إذ الصغير حر على كل تقدير، والأوسط حر في وجهين رقيق في وجه، والأكبر حر على تقدير واحد عبد على تقديرين: وقال ابن عبد الحكم: يعتق جميعهم بالشك.
ولو أعتق الصغير وادعت عليه أمهم الأوسط والكبير فأنكرهما، فالقول قوله، فلو اعترف بالأوسط خاصة لزمه هو والأصغر إن ادعته الأم منه، إلا أن يدعي الاستبراء فيه، وإن اعترف بالكبير خاصة لزمه الجميع إن ادعت الأم الآخرين، إلا أن يدعي استبراء فيهما أو في أحدهما فالقول قوله، ولا يلحق به. ثم من لم يلحق به منهما كان ولد أم ولد.
الفرع الثاني:
لو ولدت زوجة رجل غلاماً وأمته غلاماً وماتا، فقال الرجل: أحدهما ابني ولا أعرفه؛ دعي لهما القافة، فمن ألحقوه به لحق به ويلحق الآخر بالآخر.
الفرع الثالث:
لو نزل ضيف على رجل، وله أم ولد حامل، فولدت هي وولدت امرأة الضيف في ليلة صبيين، فلم تعرف كل واحدة منهما ولدها، أو تداعتا أحدهما ونفتا الآخر، فإن القافة تدعى لهما.
وقال سحنون فيمن ولدت امرأته جارية وأمته جارية، وأشكل عليهم ولد الحرة من ولد الأمة، ومات الرجل ولم يدع عصبة تستدل بها القافة على ولد الميت، ليس في هذا قافة، ولا تكون المواريث بالشك.
وفي كتاب أحمد بن ميسر، في امرأة طرحت بنتها، ثم عادت لأخذها فوجدتها وأخرى معها، ولم تعرف بنتها منهما: فقال ابن القاسم: لا يلحق بزوجها واحدة منهما، وبه قال ابن المواز.
وقال سحنون: يدعى لهما القافة.
وقال عبد الملك وسحنون: لا تلحق القافة الولد إلا بأب حي، فأما إن مات الأب فلا قول للقافة في ذلك، إذ لا يعتمد على شبه غير الأب.
الفرع الرابع:
إذا أقر عند موته بأن فلانة جاريته ولدت منه، وأن ابنتها فلانة ابنته، وللأمة ابنتان أخريان، ثم مات ونسيت البينة والورثة اسمها، وأقر بذلك الورثة، فهن كلهن أحرار، ولهن الميراث، ميراث واحدة من البنات، يقسم بينهن، ولا يلحقه نسب واحدة منهن. فإن لم يقر الورثة بذلك، ونسيت البينة اسمها، فلا تعتق واحدة منهن.
الفرع الخامس: إذا استلحق ولداً ثم أنكره، ثم مات الولد عن مال، فلا يأخذه المستلحق.
قال ابن القاسم: ويوقف ذلك المال، فإن مات هذا المستلحق صار هذا لورثته، وقضي به دينه، وإن قام غرماؤه عليه وهو حي أخذوا ذلك المال في ديونهم.
هذا حكم الإقرار بالولد. ومتى تعداه الإقرار، مثل أن يكون بولد الولد أو بإخوة أو بعمومه أو غيره، فهو إقرار على الغير بالنسب، فلا يقبل ولا يثبت له بذلك نسب؛ ثم إن كان له وارث معروف لا يرث هذا منه شيئاً، وإن لم يكن له وارث معروف ولا موال غير هذا الذي أقر له، فإنه يرثه بذلك الإقرار، سواء كان ذلك في الصحة أو في المرض، إلا أن يأتي وارث معروف بالبينة، فيكون أحق بالميراث. قال سحنون ورواه عن المغيرة: إنه لا يرثه، وإن لم يكن له وارث معروف، لأن المسلمين يرثونه بذلك كالوارث المعروف، وهذا هو سبب الخلاف، وهو أن بيت المال كالورث المعروف المعين أم لا؟
وهذا هو سبب الخلاف أيضاً في تنفيذ وصية من لا وارث له إلا بيت المال بجميع ماله.
وإذا شهدت بينة، أكثر من واحد، بالعتق، ثبت الولاء، وإن شهد به شاهد واحد، ففي كتاب محمد: لا يثبت بذلك الولاء، ولكن يستأنى بالمال، فإن لم يأت من يستحقه حلف هذا ودفع إليه، وقد قضى بذلك ببلدنا.
وقال أشهب: لا شيء له حتى يثبت ذلك الولاء بشاهدين.
ولو شهد شاهدان أنهما لم يزالا يسمعان فلاناً يذكر أن فلاناً ابن عمه أو مولاه، فقال ابن القاسم: هو شاهد واحد، فإن لم يكن للمال طالب غيره أخذه مع يمينه بعد الثاني، وإن كان له طالب غيره أثبت من هذا، كان أولى بالميراث. ولا يثبت للأول ها هنا نسب.
وروى أشهب أنه يثبت بذلك الولاء، ولكن لا يعجل، فلعل أحداً يأتي بأولى من ذلك.
وأما الوارث يقر بوارث آخر معه يشاركه فإن ذلك على ما ذكرناه يثبت له الإرث ولا يثبت له النسب.
فلو أقر ولد الميت بولد آخر لم يثبت نسبه وإن لم يكن له وارث سواه، لكن يقسم المال بينهما على السوية إن كانا من جنس واحد، وعلى التفاضل إن كانا من جنسين.
فإذا كانا ابنين فأقر أحدهما بثالث، فإن وافقه الثاني اقتسموا المال بينهم أثلاثاً، وإن لم يصدقه الآخر أعطاه المقر مما بيده ما زادته القسمة على الإنكار عن القسمة على الإقرار. وإن كان المقر عدلاً أخذ باقي نصيبه من المنكر بعد يمين المقر له.
ولو شهدا جميعاً بالنسب وكانا عدلين، ثبت نسبه وورث معهما.
ولو ترك ولداً واحداً فقال لأحد شخصين: هذا أخي، لا بل هذا الآخر: فللأول نصف ما ورث عن أبيه، واختلف فيما يأخذه الثاني منه، فقيل: له نصف ما بقي في يده.
وقيل: له جميعه، لأنه أتلف عليه مورثه.
ولو ترك أماً وأخاًَ، فأقرت بأخ آخر، فإنها تخرج نصف ما في يديها، وهو السدس، فيأخذه الأخ المقر له وحده. قال محمد: وهو قوله في موطئه، وعليه الجماعة من أصحابه.
وقال أيضاً في رواية أخرى: يقتسمه هو وأخوه.

.كتاب الوديعة:

.وحقيقتها:

استنابة حفظ المال. وهي عقد أمانة، وهو جائز من الجهتين.
ولا يشترط في المودع والمودع إلا ما يشترط في الوكيل والموكل. ومن أودع عند صبي شيئاً بإذن أهله أو بغير إذنهم فأتلفه الصبي أو ضيعه لم يضمن، لأنه مسلط عليه، كما لو أقرضه أو باعه. وكذلك السفيه.
وأما العبد فلا يتعلق الضمان برقبته إذا أودع فأتلف، لكن يتعلق بذمته، إلا أن يسقطه السيد عنه، ما لم يكن مأذوناً فلا يكون له إسقاطه.
وقال بعض أصحابنا: إن استهلكها فهي جناية في رقبته كسائر الجنايات.
وقال أشهب في غير المأذون: إن كان مثله يستودع فهي في ذمته رق أو عتق، وإن كان مثله وغداً لا يستودع فلا شيء عليه في رقه، رد ذلك السيد عنه أو لم يرد، حتى يلي نفسه بالعتق. قال الشيخ أبو محمد: يريد فيتبع. قال: وأنكرها سحنون. ثم للوديعة عاقبتان: ضمان عند التلف، ورد عند البقاء. أما الضمان فلا يجب إلا عند التقصير.

.(أسباب التقصير):

وللتقصير سبعة أسباب.
الأول: أن يودع عند غيره لغير عذر، فإن فعل ذلك ثم استردها لم يضمن بعد ذلك، كرده لما تسلف منها. وله أن يودع عند العجز عند الرد إلى المالك، لخوف عورة منزله أو لسفره إذا أودعها في الحضر، إذ لو سافر بها مع القدرة على إيداعها عند أمين لضمن. فإن سافر بها عند العجز عن ذلك كما لو كان في قرية مثلاً لم يضمن.
وكذلك لو أودع الأرض ما استودع، وكان ذلك جهده، فهو حرز لا يضمن ما ضاع منه.
وكذلك رفعه الوديعة عند زوجته أو خادمه التي عادته أن يرفع عندها متاعه، أو أجبره في عياله، لا يضمن به لأنه شأن الناس.
وقال أشهب: إن أودع إلى عبده أو أمته ضمن. وكذلك أجبره في عياله.
ومن أودع في السفر، فأودع ضمن، بخلاف الحاضر يسافر. ومن مات وعنده وديعة لم يوص بها ولم توجد في تركته أخذت من ماله.
الثاني: نقل الوديعة، فإن نقلها من بلد إلى بلد ضمن. قال مالك في امرأة ماتت بالإسكندرية فكتب وصيها إلى ورثتها وهم ببلد آخر، فلم يأته منهم خبر، فخرج بتركتها إليهم فهلكت في الطريق فهو ضامن.
قال أشهب وعبد الملك: وأما إن استودع جراراً فيها أدام، أو قوارير فيها دهن، فنقلها من موضع في بيته إلى موضع، فتكسرت في ذلك فلا يضمن.
ولو سقط عليها من يده شيء فانكسرت، أو رمى في بيته وهو يرد إصابة غيرها، فأصابها فانكسرت، ضمن لأنها جناية لم تتعمد. قال أشهب في كتابه: ولو سقطت من يده فانكسرت لم يضمن.
الثالث: خلط الوديعة بما لا تتميز عنه مما هو غير مماثل لها، كخلط القمح بالشعير وشبهه. فأما خلطها بجنسها المماثل لها جودة ورداءة، كحنطة بمثلها، أو ذهب بمثلها، أو بما تتميز عنه ولا تختلط به، كذهب بورق، فلا يضمن ذلك.
الرابع: الانتفاع. فإذا لبس الثوب أو ركب الدابة فهلكت في حال الانتفاع ضمن. وكذلك إن سلف الدنانير والدراهم أو غيرهما مما يكال أو يوزن، فهلك في حال تصرفه فيه. ولو رد مثلها مكانها ثم هلك المثل، فقال يحيى بن عمر: اختلف قول مالك في الذي ينفق من وديعة عنده شيئاً، ثم يرده، فقال: لا شيء عليه. وأخذ بهذا ابن القاسم وابن عبد الحكم وأشهب وأصبغ.
وقال أيضاً: إن ردها بإشهاد برئ، وإلا لم يبرأ. وبهذا أخذ ابن وهب.
وقال أيضاً: لا يبرأ وإن أشهد، لأنه دين ثبت في ذمته. وهذا قول أهل المدينة من أصحابه، وروايتهم عنه، ورواه المصريون ولم يقولوا به.
وقال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: إن كانت مربوطة أو مختومة لم يبرأ إلا بردها إلى ربها. وإن تسلف بعضها ضمن جميعها، لأنه متعد في حلها. وكذلك إن أخذ الدراهم ليصرفها في حاجته ضمن.
ولو استودعها منثورة فتسلف منها ثم تلقت، لم يضمن غير ما تسلف. وهو مصدق في رد ما تسلف منها، ولو تلفت بعد أن ردها لم يضمن شيئاً. وفي كتاب الشيخ أبي إسحاق: من أودع وديعة، وقيل له: تسلف منها إن شئت، فتسلف منها وقال: رددتها؛ فهذا لا يبرئه رده إياها إلا إلى ربها، لأن هذا مقترض لم يؤد ما اقترض.
وأما ما لا مثل له من الثياب والحيوان وسائر العروض فلو تسلفه ثم رد مثله وفي صفته لم يبرأ، مذهباً واحداً. واختلف في تسلف الوديعة فمذهب الكتاب: الكراهة. وروى أشهب: إن كان له مال فيه وفاء وأشهد على ذلك، فأرجو أن لا بأس به. هذا حكم تسلفها إذا كانت دنانير أو دراهم، وهو ملي.
فأما إن كانت عروضاً فلا يجوز بوجه وأما إن كانت مما يكال أو يوزن، ولا يكثر الاختلاف فيه، كالطعام ونحوه، فهل يلحق بالنقود أو بالعروض التي تختلف آحادها؟ قولان.
ولو كان معدماً لم يكن له أن يتسلفها بوجه.
الخامس: المخالفة في كيفية الحفظ. فلو سلم إليه صندوقاً، وشرط عليه ألا يقفل عليه قفلاً ففعل، ضمن للشهرة. ولو قال له: أقفل قفلاً واحداً، فقفل قفلين لم يضمن إلا أن يكون في حالة أغرى عليه اللص فيضمن. ولو شرط أن يجعل الوديعة في جرة فخار فجعلها في نحاس ضمن لأنه شهرها. وقيل: لأنه خالف إلى ما يقصد لسرقته. ولو شرط عليه أن يجعلها في نحاس، فجعلها في فخار لم يضمن. ولو سلم إليه دراهم وقال له: اربطها في كمك، فأخذها في يده، فأخذها غاصب في يده لم يضمن، لأن اليد أحرزها هنا، إلا أن يكون أراد إخفاءها عن عين الغاصب، فرآها لما تركا فيضمن، ولو جعلها في جيب قميصه فضاعت، فقال الشيخ أبي إسحاق: يضمن؛ وقيل: لا يضمن والأول أحوط.
السادس: التضييع والإتلاف. وذلك بأن يلقيها في مضيعة، أو يدل عليها سارقاً، أو يسعى بها إلى من يصادرها فيضمن. ولو ضيعها بالنسيان، بأن تركها في موضع إيداعها ضمنها.
ومن أودع بقراً أو أتناً أو نوقاً، فأنزى عليهن، فمتن من الولادة، أو كانت أمة فزوجها، فحملت فماتت من الولادة فهو ضامن، وكذلك لو عطبت تحت الفحل.
وقال أشهب: لا يضمن لأنه فعل صلاح، وكذلك لا يضمن الجواري. وأنكر يحيى بن عمر قول أشهب في الجواري. قال ابن القاسم: ويضمن ما نقص التزويج الأمة إن سلمت.
السابع: الجحود. وهو مع غير المالك غير مضمن، ومع المالك بعد المطالبة والتمكن من الرد مضمن. ومهما جحد فالقول قوله. فإن أقيمت عليه البينة، فادعى الرد من قبل، فإن كانت صيغة جحوده إنكار أصل الوديعة لم يقبل قوله بغير بينة، وفي قبوله مع البينة خلاف؛ المشهور نفيه لتناقض كلامه. وإن كانت صيغة جحوده: لا يلزمني تسليم شيء إليك، قبل قوله في الرد والتلف، إذ لا تناقض بين كلاميه.
العاقبة الثانية في الوديعة، رد العين عند بقائها، وهي واجبة مهما طلب المالك وانتفى العذر. قال أصبغ: قال ابن القاسم فيمن طلب وديعة فاعتذر له المودع بشغل فلم يقبل عذره وتشاحا، فحلف لا يعطيه الليلة، فلما كان في غد قال: قد ذهبت؛ فإن قال: ذهبت قبل أن تلقاني، ضمن، لأنه أقر بها؛ وإن قال: لا أدري متى ذهبت، حلف ولا ضمان عليه.
قال أصبغ: ويحلف: ما علم بذلك حين منعه. قال ابن القاسم: وإن قال: ذهبت بعدما حلفت وفارقتك، ضمنها لأنه منعه إياها، إلا أن يكون كان على أمر لا يستطيع فيه أن يرجع، أو يكون عليه فيه ضرر فلا يضمن.
قال أصبغ: لا يضمن، كان في أمر حفزه عليه فيه ضرر أو لم يكن فيه ضرر، إذا لم يكن الأمر يمكنه بما لا طول عليه فيه عند بابه أو في يده، وما ليس فيه بحث ولا فتح ولا غلق ولا استخراج ولا أمر ينتظر فيه رجوع، فإن جاء مثل هذا فهو ضامن بمنعه، وإلا لم يضمن؛ وقد يعوق الناس عائق، وقد يثقل عليه في وقت يرد الناس مثل هذا من شغل وكسل وما يعذرون به فليحلف ويبرأ.
وقال محمد بن عبد الكريم: إذا طلبه في وديعته فقال: أنا مشغول إلى غد ترجع فرجع إليه، فقال: تلفت قبل مجيئك الأول، أو بعده، فلا ضمان عليه. ولو قال له: لا أدفعها إليك إلا بالسلطان، وترافعا إليه، فضاعت بين سؤاله إياه وبين إتيانه السلطان، فلا ضمان عليه، لأن له في ذلك عذراً، يقول: خفت شغبه وأذاه.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم، في رب الوديعة يطلبها، فيأبى المودع أن يدفعها حتى يأتي السلطان فيقضي عليه بالدفع، فهلكت الوديعة قبل القضية وبعد الطلب: أنه إن كان دفع إليه بغير بينة فهو ضامن.
قال ابن القاسم: من طلبت منه وديعة فقال: ضاعت منذ سنين إلا أني كنت أرجو أن أجدها وأطلبها؛ ولم يكن يذكر هذا وصاحبها حاضر، قال: هو مصدق ولا ضمان عليه إلا أن تكون قد طلبت منه، فأقر أنها عنده ثم قال: قد ضاعت قبل ذلك فيضمن؛ وكذلك القراض.
وقال أصبغ: بل هو ضامن إذا لم يعرف منه طلب لها ولا ذكر لصاحبها ولا لغيره ولا سماع وحضور ربها آكد، وكل سواء، إذا طال ذلك، ولم يكن له ذكر.
وقال محمد بن عبد الحكم: أصحابنا يقولون: إن سمع ذلك منه قبل ذلك الوقت الذي سئلها فيه قبل منه، وإن لم يسمع ذلك منه إلا ذلك الوقت لم يقبل منه. قال محمد: وأنا أرى أن يحلف، ولا شيء عليه.
فروع أربعة: أحدها: إذا طولب المودع بالرد فادعى التلف، فالقول قوله مع يمينه، وكذلك إن ادعى الرد، إلا أن يكون تسلمها ببينة فلا يقبل دعواه الرد إلا ببينة.
وقيل عن ابن القاسم: إن القول قول المودع في الرد وإن قبضها ببينة يبرأ.
وقال أصبغ في العتبية في الوديعة يطلبها ربها، فيقول المودع: لا أدري أضاعت مني أو رددتها إليك، فلا ضمان عليه، لأنه ذكر أمرين وهو مصدق فيهما، إلا أن يأخذها ببينة فلا يبرأ حتى يقيم بينة أنه ردها إليه، وإلا ضمن.
وقال عبد الله بن عبد الحكم: لو قال المودع لربها: إن كنت دفعت لي شيئاً فقد ضاع، وقد قبض الوديعة ببينة، فليس عليه إلا يمينه.
وقال أبو الحسن اللخمي: إن كان الإشهاد للتوثيق فلا تقبل دعواه الرد إلا ببينة، وإن كان خوف الموت، أو باستدعاء المودع خوفاً أن يقال: هي سلف، كان القول قوله في الرد بغير بينة؛ فأما دعواه الرد على غير من ائتمنه كدعوى الرد على وارث المالك أو وكيله، فلا يقبل إلا ببينة، وكذلك دعوى وارث المودع على المالك يفتقر إلى البينة أيضاً، وسواء كان القبض في جميع هذه الصور الثلاث ببينة أو بغير بينة.
الفرع الثاني:
إذا ادعى رجلان وديعة عنده فقال: هي لأحدكما وقد نسبت عينه، فقيل: يتحالفان، فإن حلفا قسمت بينهما، وإن نكل أحدهما انفرد بها الحالف ولا ضمان عليه. وقيل: يضمن لكل واحد منهما ما ادعاه لنسيانه. قال الشيخ أبو إسحاق: الاختيار إغرامه، وبالآخر يقول أشهب. وقد قاله ابن القاسم مرة أخرى.
الفرع الثالث:
إذا طلب المودع عند الرد أجراً على حفظ الوديعة لم يكن له، إلا أن تكون مما يشغل منزله فيطلب أجرة الموضع الذي كانت فيه فذلك له. وإن احتاجت إلى غلق أو قفل، فذلك على ربها.
الفرع الرابع:
إذا أودع وديعة لشخص فخانه وجحده، ثم استودعه مثلها، فهل يحل له أن يجحده فيها أم لا؟. قال الشيخ أبو الوليد: في المسألة خمسة أقوال:
الأول: المنع. وإشارته به إلى رواية ابن القاسم في الكتاب: لا يفعل.
والثاني: الكراهة، وإشارته به إلى رواية أشهب: لا آمره بذلك، ولا آمره إلا بطاعة الله، وإن أردت أن تفعله فأنت أعلم.
والثالث: الإباحة، وإشارته به إلى قول ابن عبد الحكم، إذ قال له: أن يأخذه إن كان عليه دين.
والرابع: الاستحباب، وإشارته به إلى ما حكاه عن ابن الماجشون من قوله: أرى له استعمال الحيلة بكل ما يقدر عليه حتى يأخذ حقه.
والخامس: أن هذا كله إذا لم يكن عليه دين، فإن كان لم يكن له أن يأخذ إلا قدر ما يجب له في المحاصة.
قال الشيخ أبو الوليد: والأظهر إباحة الأخذ، واستدل لذلك بحديث هند بنت عتبة.
تم بعون الله الجزء الثاني من كتاب عقد الجواهر الثمينة.
يليه الجزء الثالث.
وأوله كتاب العرايا.
تم بحمد الله.