فصل: النوع الأول: زكاة النعم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.كتاب الجنائز:

والنظر فيه يتعلق بآداب المحتضر، وبغسل الميت وتكفينه، وحمل جنازته، والصلاة عليه، ودفنه، والتعزية، والبكاء عليه، فيجري فيه على ترتيب ما يفعل من حين الاحتضار إلى إكمال المواراة.

.القول في آداب المحتضر:

وليوجه على جنبه الأيمن، وصدره إلى القبلة، كما يجعل في لحده، فإن تعذر ذلك فعلى ظهره، وأخمصاه إلى القبلة. وقيل: بل الأولى الصورة الثانية، وفي المجموعة من رواية ابن القاسم في التوجيه، قال: ما أعلمه من الأمر القديم.
قال ابن حبيب: ولا أحب لأهل الميت توجيهه حتى يغلب ويعاين ويوقن بالموت، ومن علامة ذلك إحداد نظره، وإشخاص بصره. قال ابن حبيب: وقد سئل عنه مالك، فقال: إنما أكره أن يفعل ذلك استنانا.
ويلقن المحتضر الشهادة، واختلف في تلاوة سورة يس أو غيرها عنده، فاستحب وكره خوف التحديد، وليكن هو في نفسه حسن الظن بالله تعالى.
ثم إذا مات تغمض عيناه، قل ابن حبيب: ومن السنة إغماض الميت حين يموت، ثم يشتغل بغسله.

.القول في الغسل:

.والنظر في كيفيته، وفي الغاسل:

أما:

.(النظر الأول) الكيفية:

فأقله إمرار الماء على جميع جسده وأعضائه مع الدلك، وأما الأكمل، فأن يحمل إلى موضع خال ويوضع على سرير، وينزع قميص الرجل، وتستر عورته، ويحضر ماء طهور بارد أو حار، ثم يبدأ بغسل يديه، ثم ينظفه من أذى إن كان عليه، ولا يفضي بيده إلى عورته إن احتاج ذلك إلا وعليها خرقة. قال في المختصر: إلا لأمر لا بد منه، وقال ابن حبيب: لا يباشر عورته، وإن احتاج إلى ذلك.
ويعصر بطنه عصرا خفيفا إن احتاج إلى ذلك، ثم يتعهد أسنانه ومنخريه بخرقة مبلولة، يم يوضأ على المشهور، ثم يضجع على جنبه الأيسر، فيغسل جنبه الأيمن، ثم يضجع على شقة الأيمن، فيغسل الشق الأيسر، وذلك غسلة واحدة، ثم يفعل ذلك ثلاثا، وفي تكرير الوضوء في كل دفعة خلاف، فإن حصل الإنقاء وغلا فخمس أو سبع.
ثم ينشف. قال محمد بن عبد الحكم: وينجس الثوب الذي ينشف به، وقال الشيخ أبو إسحاق: لا يصلي فيه حتى يغسل، وكذل كل ما أصابه من مائه.
وقال سحنون: لا ينجس الثوب، وهو اختيار القاضي أبو الحسن.
وسبب الخلاف: الاختلاف في نجاسة الميت وطهارته.
ويستعمل السدر في أضعاف الغسل، ولا يسقط الفرض به إذا قلنا: إن الغسل للعبادة، بل لا بد من غسله بالماء القراح يبدأ به، ثم يضاف السدر إلى الماء فيما بعد، فإن لم يكن، فغسول أو غيره مما ينقي كالحرض وهو الأشنان، وكالنطرون ونحوهما، ثم الكافور في الأخير إن وجد، فإن تعذر فغيره من الطيب، فإن خرجت منه نجاسة بعد الغسل، أزيلت النجاسة ولم يعد.

.النظر الثاني: في الغاسل:

ويجوز للرجال غسل الرجال، وللنساء غسل النساء، وعند اختلاف الجنس، فأما مع الصغر، فقال في المختصر: لا بأس أن تغسل المرأة الصبي ابن ست سنين أو سبع، ولا بأس أن يغسل الرجل الصبية الصغيرة إن احتيج إلى ذلك.
وقال ابن حبيب:
يغسل النساء الصبي ابن سبع سنين وما قاربها، ولا يغسل الرجل الصبية بنت سبع سنين ونحوها، إلا الصغيرة جدا، قاله مالك وأصحابه. وروى نحوه في المجموعة في الصبي.
وقال أشهب في الصبية: إذا كان يشتهي مثلها فلا يغسلها الرجال، وذلك يتقى منها قبل اتقائه من الصبي.
وقال ابن القاسم: لا يغسل التي لم تبلغ، قال عنه ابن مزين: وإن صغرت جدا، وفي سماع ابن وهب: إن مالكا أجاز للنساء غسل الصبي ابن سبع سنين.
وأما مع الكبير فيمنع في الأجنبية فلا يغسلها، ولا تغسله، بل ييممها إلى الكوعين، وتيممه إلى المرفقين، ويجوز في مباحة الوطء إلى حين الموت بعقد نكاح أو بملك يمين، فيغسلها وتغسله، وتستر عورة الميت منها. وأجاز ابن حبيب أن تكون عورته بادية، ويجوز أيضا في ذات المحرم، فيغسلها من فوق الثوب. قال ابن حبيب: ويصب الماء عليها من تحت الثوب ويجافيه لئلا يلتصق بجسدها، فيصف إذا ابتل عورتها، وتغسله هي أيضا من فوق الثوب في رواية موسى عن ابن القاسم.
وفي الكتاب: يغسلنه ويسترنه، قال أبو إسحاق التونسي: وظاهر هذا أنهن يجردنه للغسل، وروي: ييممها وتيممه أحب إلي، وإن غسلنه رجوت سعة.
وقال أشهب: أحب إلي في أمه وأخته أن ييممها، وكذلك المرأة في ابنها، ولو حضر كافر من جنس الميت، فقال مالك: يعلم الكافر من حضر من النساء، والكافرة من حضر من الرجال، ويتولون الغسل.
وقال أشهب في المجموعة: لا يلي ذلك كافر ولا كافرة، وإن وصف لهما، ولا يؤتمن على ذلك كافر.
وقال سحنون: يدعون الكافر يغسله، وكذلك الكافرة في المسلمة، ثم يحتاطون بالتيمم فيهما.
وفي النوادر: وليس للمسلم غسل زوجته النصرانية، ولا تغسله هي إلا بحضرة المسلمين.
فروع: في الزوجين:
ما تقدم من جواز الغسل بينهما هو حكم النكاح الصحيح اللازم، فأما إن كان فاسدا، فإن كان فساده يقتضي الفسخ إلى حين الموت، فلا غسل بينهما، وإن كان بخلاف ذلك، غسل كل واحد منها صاحبه، وإن أن العقد صحيحا، لكن فيه خيار، فإن كان لظهور عيب فلا يمنع الغسل، وكذلك إن كان لتزويج الأبعد مع وجود الأقعد، وإن كان لعقد غير الولي على ذات القدر مع وجود الولي، فلا غسل بينهما.
واختلف في الرجعية، ففي الكتاب: لا يغسلها، وروى عن ابن القاسم أنه يغسلها، وأنه يحدث بالموت من إباحة الرؤية لها ما لم يكن في حال الحياة لحق الموارثة التي بينه وبينها.
ولو تزوج أخت زوجته، فأجاز ابن القاسم في المجموعة أن يغسلها، ثم كرهه.
وقال أشهب: أحب إلي أن لا يفعل، وقاله ابن حبيب.
وللزوجة أن تغسل زوجها وإن وعضت ما في بطنها وانقضت عدتها. قال ابن الماجشون: إذا وضعت وهي على سريره، فيجوز لها أن تنكح زوجا غيره، ويجوز لها أن تغسله.
وإذا اجتمع جمع يصلحون للغسل، فالبداية بالأزواج، وعند العدم أو الامتناع ينتقل الحق إلى الأولياء على ترتيب الولاية، لكن المشروع أن يغسل الرجال الرجال، والنساء النساء، وتكون البنت وابنة الابن في حق المرأة كالابن وابنه في حق الرجل، ويجري ذلك على ترتيب الأولياء.
ويقضي بالغسل للزوج إذا طلبه، وفي كتاب محمد: إلحاق الزوجة به في ذلك، وقال سحنون: لا يقضي لها بغسله، فقيل: لأن للزوج تحصينها حية وميتة، وليس ذلك للزوجة.
وقيل: لأن الزوج يجوز له أن يرى زوجته، ولا يجوز لأوليائها رؤيتها، وأولياء الرجل يجوز لهم رؤية وليهم مجردا، فهم أولى منها.
وحكم الزوجين من الرقيق حكم الأحرار، إلا أن استيفاء الحق يقف على إذن السادة.
فروع: في بقايا أحكام الغسل.
ويفعل بالمحرم كما يفعل بالحلال في الغسل والطيب، وكذلك المعتدة هي كغيرها، فلا تصان عن الطيب، ولا يقلم للميت ظفر، ولا يحلق له شعر، ولا يغير في هيئته أصلا.
قال ابن حبيب: ولا يؤخر حمل الميت بغد غسله، فإن تأخر حمله كالغد، لم يعد غسله، قال: ولا بأس عند الوباء وكثرة الموت واشتداد غسل الموتى على الناس لكثرتهم، أن يكتفي في ذلك بالغسلة الواحدة من غير أن يوضأ، ويكتفى بصب الماء صبا.
قال: ولو نزل الأمر الفظيع، فكثر فيه الموتى الذين لا أهل لهم، ولا من يقوم بغسلهم، فلا بأس أن يقبروا بغير غسل إذا لم يوجد من يغسلهم، وأن يجمع منهم النفر في القبر الواحد؛ كذلك قال في أصبغ وغيره من أصحاب مالك.

.القول في التكفين:

والمستحب في لون الكفن البياض، ويجوز غيره، إلا المعصفر ففيه خلاف. قال في المختصر: لا يكفن فيه إلا أن يضطر إليه. وفي المجموعة من رواية علي: لا بأس بذلك للرجال والنساء.
وأما جنسه، فالقطن والكتان، وكل ملبوس جائز لباسه في حال الحياة.
واختلف في الحرير، فمنعه في الكتاب للرجال والنساء، وقال في المختصر: لا يكفن فيه إلا أن يضطر إليه، قال أبو الحسن اللخمي: وأجاز في سماع ابن وهب الحرير للرجال والنساء، وقال: لا أحب ذلك، فإن فعل فواسع. قال: ورأى أن المنع سقط بالموت لأنه حينئذ غير مخاطب، فأشبه لباس الصبيان في حال الحياة.
وقال ابن حبيب: يجوز ذلك للنساء، ويمنع للرجال، فأجراهم فيه على حكم الحياة. ونص في الكتاب على كراهية التكفين في الخز.
قال ابن القاسم: وكره الخز لمكان سداه الحرير.
وأما عدده، فأقله ثواب واحد ساتر لجميع الجسد، والثوب الثاني والثالث حق للميت في التركة. قال عيسى في شرح ابن مزين: يجبر الورثة والغرماء على ثلاثة أثواب من مال الميت، وتنفذ وصيته بإسقاطها لأنهما حقه. ووقع لسحنون أنه إذا أوصى بثوب، فزاد بعض الورثة ثانيا، فلا ضمان عليه إن كان في المال محمل له، وليس للورثة المضايقة فيهما ولا للغرماء المنع منهما وغن استغرق الدين ماله.
قال الشيخ أبو الطاهر: وهذا يشعر بأن الاقتصار على الثوب الواحد منهي عنه.
قال ابن سحنون عن أبيه في غريب لا يعرف له أهل، مات عن دينار أو دينارين، قال: لا بأس في مثل هذا اليسير أن يجعل كله في كفنه وحنوطه وقبره.
فرع:
لو كفن ثم سرق كفنه بعد دفنه، فقال أصبغ: لا يلزم ورثته تكفينه ثانية في بقية ماله، إلا أن يشاءوا، أو يحتسب في ذلك محتسب. قال ابن سحنون: فإن وجد الكفن الأول بعد أن دفن فهو ميراث.
وقال ابن القاسم: على ورثته أن يكفنوه من فيه بقية تركته، وإن كان عليه دين محيط، فالكفن الثاني أولى.
وقال سحنون: إن قسم ماله فليس ذلك على ورثته، فإن كان قد أوصى بثلثه، فلا يكفن من ثلث ولا غيره. قال عنه ابنه: إلا أن يكون ذلك بحدثان دفنه، ولم يقسم ماله بعد، فليكفن ثانية من رأس ماله.
ومن لا مال له يكفن من بيت المال، فإن لم يكن بيت مال، فكفنه على كافة المسلمين.
وهل يلزم تكفينه من كانت نفقته لازمة له قبل الانتقال إلى بيت المال أم لا؟ أما السيد فيلزمه، وفي كل واحد من الولد والوالد قولان: الإلزام لابن القاسم وابن الماجشون، ونفيه لأصبغ. واختلف في ذلك قول سحنون، فقال مرة: ذلك على الأب في ابنه الصغير وابنته البكر، وقال مرة: ليس ذلك عليه، وقال أيضا: استحسن ذلك في الولد، أما الأبوان فلا شيء عليه فيهما.
واختلف في الزوجة، فقال مالك في العتبية: إن كانت موسرة فمن مالها، وإن كانت معسرة فعلى الزوج.
وقال ابن القاسم وسحنون: لا شيء على الزوج بحال، وقال في الواضحة: يقضي على الزوج بتكفينها، وغن كانت موسرة.
والزيادة على الثلاثة إلى الخمسة مستحسنة للرجال والنساء، وهي في حقهن آكد.
والزيادة إلى السبعة غير مكروهة، وما زاد عليها سرف.
ولو أوصى بسرف في عدد الكفن أو جنسه، أو في الحنوط أو غيره، كان السداد في رأس المال، واختلفت الرواية في الزائد هل يسقط أو يلزم من الثلث؟
ثم إذا كفن في خمسة فعمامة وقميص ومئزر ولفافتان، واستحب أن يشد على المئزر بعصائب من حقويها إلى ركبتيها، وإن كفنت في ثلاثة، فكالرجل.
ثم يذر على كل لفافة حنوط، ويوضع الميت عليه، ويلصق بجميع منافذ البدن من المنخرين والأذنين والعينين وشبه ذلك قطنة عليها كافور، ثم يلف الكفن عليه، بعد أن يبخر بالعود أن تيسر، ويشد الكفن من عند رأسه ورجليه، وقيل: يخاط، ثم يحل ذلك عند الدفن، ثم تحمل الجنازة.
قال ابن القاسم: ولا يترك ستر المرأة بقبة في سفر أو حضر إذا أمكن.
والمشي أمام الجنازة أفضل، وفضل الراكب وراءها، وقيل بالتقديم للماشي والراكب.
وقيل: بالتأخر لهما، وهما شاذان، والإسراع بها أولى.
قال في الكتاب: ولا بأس أن تتبع المرأة جنازة ولدها ووالدها وزوجها وأخيها إذا كان ذلك مما ييعرف أنه يخرج مثلها على مثله، وإن كانت شابه، ويكره لها الخروج على غير هؤلاء ممن لا ينكر لها الخروج عليهم من قرابتها.
وقال ابن حبيب: يكره خروج النساء في الجنائز، وإن كن غير نوائح ولا بواكي، في جنائز أهل الخاصة من ذوي القرابة وغيرهم. وينبغي للإمام أن يمنعهن من ذلك، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطرد امرأة رآها في جنازة فطردت حتى لم يرها.
وقال لنساء رآهن في جنازة: «أتحملنه فيمن يحمله؟» قلن: لا، قال: «أفتدخلنه قبره فيمن يدخله؟» قلن: لا، قال: «أفتحثين عليه التراب فيمن يحثي عليه»؟ قلن: لا، قال: «فارجعن مأزورات غير مأجورات».
قال: وكان مسروق يحثي في وجوههن التراب ويطردهن، فإن رجعهن وإلا رجع.
وكان الحسن يطردهن، وإذا لم يرجعن لم يرجعن ويقول: ذلك ندع حقا لباطل.
وقال انخعي: كانوا إذا خرجوا بالجنائز غلقوا الأبواب على النساء، وقال ابن عمر: ليس للنساء في الجنائز نصيب.

.القول في الصلاة:

وهي فرض على الكفاية، وقال أصبغ: هي سنة، ومال إليه الشيخ أبو الحسن تنزيلا على المذهب.
ثم النظر في أربعة أطراف:

.(الطرف) الأول: فيمن يصلي عليه:

وهو كل ميت مسلم، ليس بشهيد.
والاحتراز بالميت عن عضو الآدمي، فإن لا يصلي عليه. قال ابن حبيب: إلا أن يعلم موت صاحبه، فيصلي عليه، وينوي به الجميع.
واختلف في الصلاة على نصف الجسد أو أقله، فأما لو وجد أكثره لصلي عليه. وذكر الشيخ أبو الطاهر في هذه الصورة نفي الخلاف في المذهب، إلا ما عند ابن حبيب أنه إذا كان الجسد مقطعا فلا يصلي عليه، وعلل بأن الصلاة لا تكون إلا بعد الغسل، وهذا لا يمكن غسله.
ولا يصلى على السقط الذي لم يستهل صارخا، ولا دلت أمارة على حياته، ولا يغسل، ولكن يواري بخرقة ويدفن. فإن دلت أمارة على حياته من صراخ أو ارتضاع أو دوام الحركة أياما، أو وجود الإحساس، وشبه ذلك، فهو كالكبير.
واحترزنا بالمسلم عن الكافر، فإنه لا يصلى عليه ذميا كان أو حربيا، لكن يوارى الذمي ويدفن وفاء بذمته إذا خشي عليه أن يضيع، ولم يوجد أحد من أهل دينه.
وكذلك لو كان له نسيب مسلم، فإنه يخلى بينه وبينهم، فإن لم يجد من يكفنه لفه في شيء وواراه، ولا يغسله، ولا يصلي عليه. قال ابن حبيب: إلا أن يكون ممن يلزمه أمره، مثل الأم النصرانية أو الأب أو الأخ النصرانيين، فلا بأس أن يحضره ويلي أمره وكفنه حتى يخرجه ويبوء به إلى أهل دينه، فإن كفي دفنه ولم يخش الضيعة عليه فلا يتبعه، وإن خشي ذلك فليتقدم أما من جنازته ليسبقهم إلى قبره، وإن لم يخش الضيعة، إلا أن أحب أن يصحب جنازته ويحضر دفنه، مثل أن تكون أمه فيجد لها، ويحب برها، فلا بأس أن يمشي أمام جنازتها معتزلا منها وممن يحملها من أهل دينها.
ولو اقتتل المسلمون والمشركون ولم يتميزوا، فحكى القاضي أبو الحسنه عن أبي التمام: أنه يصلى عليهم وينوي المسلمون.
أما الشهيد فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ويدفن بثيابه، ويستحب أن يترك عليه خفاه وقلنسوته. قال أشهب كلا يغسل وإن كان جنبا.
وقال سحنون: إن كان جنبا غسل.
قال ابن حبيب: ولا ينزع عن الشهيد شيء، إلا السلام ما كان من درع أو مغفر أو بيضة أو ساعد أو سيف هو متقلده أو منقطة أو مهاميز، أو ما كان من الحديد كله. فأما الثياب والعمامة والقباء والسراويل والمدرعة وشبهها، فلا ينزع عنه شيء من ذلك، وهو ما اجتمع عليه من علمت أهل العلم.
واختلفوا في القلنسوة والخف والفرو والجبة.
والشهيد: من مات بسبب القتال مع الكفار في وقت قيام القتال، فإن رفع من المعترك حيا ثم مات، فالمشهور من قول ابن القاسم أنه يغسل ويصلى عليه، إلا أن يكون لم يبق فيه إلا ما يكون من غمرة الموت، ولا يأكل، ولم يشرب.
وقال سحنون: إن كان على حال يقتل قاتله بغير قسامة، فهو في معنى الميت في المعترك، وإن كان لا يقتل قاتله إلا بقسامة غسل وصلي عليه.
قال ابن وهب وأشهب: وسواء كان المسلمون هم الذين غزوا الكفار، أو غزا الكفار المسلمين.
وقال ابن القاسم بتخصيص حكم الشهادة في تكر الغسل والصلاة بما إذا غزا المسلمون.
قال أشهب: إلا أن يدفعوا عن أنفسهم أو يقتلوهم نياما أو بعد الأسر، فيغسلون ويصلى عليهم.
وقال سحنون وأصبغ: ذلك سواء، لا يغسلون، ولا يصلى عليهم.
وهذه الحالة التي وقع الخلاف فيها هي كانت حال عمر رضي الله عنه.
وأما القتيل ظلما من مسلم أو باع، أو المبطون والغريق، وسائر من ذكر معهم، فيغسلون ويصلى عليهم.
وكذا القتيل بالحق قصاصا أو حدا، إذ ليس بشهيد، وتارك الصلاة يصلى عليه.
وقاطع الطريق المحارب إن قلن: إنه يقتل أولا، فيغسل ويصلى عليه، ثم يصلب، وإن رأى الإمام أن يصلبه حيا، فقال سحنون: ينزل فيغسل ويصلى عليه ويدفن، وقيل: يصف تلقاء خشبته ويصلى عليه.

.الطرف الثاني: فيمن يصلي:

والنظر في صفة الإمام، وموقفه:
أما الصفة، فالأولى بالصلاة وصي الميت إذا قصد بذلك الرغبة في الصلاح دون مراغمة الولي، ثم الوالي والي المصري، وصاحب الشرط إذا كانت الصلاة إليه، والقاضي إذا كان هو يلي الصلاة.
وقال ابن حبيب: الوالي، إن حضر، إذا كان الذي تؤدي إليه الطاعة، قال ابن حبيب: وليس ذلك لغيره ممن دونه من ولاته وقضاته وصاحب شرطته ولا غيرهم، وإن كانت الصلاة إليهم، قال: وقد كان ابن القاسم يقول: إن ذلك لكل من كانت الخطبة إليه، فسألت عن ذلك مطرفا وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ بن الفرج، فكلهم، قال: ليس للقاضي وإن كانت الصلاة إليه، ولا لصاحب الشرط الموكل بالصلاة، ولا لخليفته، ولا لخليفة الوالي الأكبر على الصلاة، ولا لأئمة المساجد، أهل خطبة كانوا أو غيرهم، من الصلاة على الجنائز قليل ولا كثير، وإنما جاءت السنة في الأمير المؤمن الذين تؤدي الطاعة إليه إذا شهد الجنازة أنه أولى بالصلاة عليها من الأولياء.
فإنه كان الميت قتله الإمام في حد، فلا يصلي هو عليه، ولكن يصلي عليه الناس دونه.
وقال محمد بن عبد الحكم: بل يصلي عليه الإمام.
ثم الأولياء العصبة على مراتبهم، الابن ثم ابنه، ثم الأب، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ للأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ للأب، ثم الجد، ثم العم ثم ابنه، ثم الأقرب فالأقرب.
فإن لم تكن عصبة، فمولى النعمة، فإن لم يكن فأحد صالحي المؤمنين، وإذا تعارض السن والفقه، فالفقيه أولى.
فأما الموقف، فليقم الإمام وراء الجنازة عند وسط الرجل، وعند منكب المرأة خشية من تذكر ما يفسد الصلاة. وقيل: يقف عند وسطها كالرجل، لأنه أستر لها عمن وراءه.
وإذا اجتمعت الجنائز، فيجوز أن تفرد كل واحدة بالصلاة، وأن يصلى على جميعها صلاة واحدة، ثم يتخير إن كانوا جنسا واحدا بين جعلهم صفا أفضلهم بين يديه، ويليه من الجانبين من يليه في الفضل، وبين أن يرتبهم كما يرتب مختلفي الأجناس، وهو أن يجعل أفضلهم بين يديه، ثم من يليه في الفضل يليه إلى القبلة، وفي الأجناس يقرب الرجل من الإمام، ثم يليه الصبي، ثم العيد، ثم الخنثى، ثم المرأة، ثم الصغيرة، ثم الأمة، ويجعل أفضل الرجال مما يلي الإمام، ويقدم الخصال الدينية التي ترغب في الصلاة عليه، إن استووا، قدم بالسن، فإن استووا قدم بالقرعة أو التراضي.
فرعان:
الأول: لو جيء بجنازة في أضعاف الصلاة على أخرى، لم تدخل في صلاة الأولى، بل تؤتنف الصلاة عليها بعد الفراغ من الأولى.
الثاني: لو ماتت النفساء ومنفوسها حمل معها في نعشها، فإن كان استهل جعل على يسارها مما يلي الإمام ليصلي عليهما، وإن كان لم يستهل وضع على يمينها أو ناحية من النعش، وتكون الأم إلى الإمام، وتخص بالصلاة والدعاء.
ولا بأس أن يدفن معها في قبرها في اللحد، أو في ناحية من القبر، واستهل أو لم يستهل، وإن شاءوا جعلوه في قبر على حدة.
قال ابن حبيبك وقد أخبرنا ابن الماجشون أن أم كلثوم بنت على امرأة عمر بن الخطاب مات هي وابنها زيد بن عمر في فور واحد، ولم يدر أيهما مات قبل، فكان فيهما ثلاث سنن لم يورث واحد منهما من صاحبه، وحملا جميعا معا، فلما وضعا للصلاة، جعل الغلام مما يلي الإمام، وقال حسين بن علي لعبد الله بن عمر: تقدم فصل عليهما، حين كان ابن عمر ولي الصلاة على أخيه، فكان أولى بذلك حين اجتمعا جميعا.

.الطرف الثالث: في كيفية الصلاة.

وأقلها أربعة أركان: النية، والتكبيرات الأربع، والسلام، والدعاء للميت.
وزاد أشهب قراءة الفاتحة عقب التكبيرة الأولى.
ولو زاد تكبيرة خامسة لم تبطل الصلاة، ثم قيل: ينتظر حتى يسلم، فيسلم المأمون معه، وقيل: يسلمون ولا ينتظرونه؛ لأن هذه التكبيرة صارت شعارا لأهل التشيع، فيجب أن تحمى الذرائع في موافقتهم.
ولا ترفع الأيدي في غير الأولى، وروى ابن وهب أنه قال: يعجبني أن ترفع اليدان في التكبيرات الأربع، واختاره ابن حبيب، ثم قال: وكان مطرف وابن الماجشون وأصبغ يرون أن ترفع الأيدي في أول تكبيرة من غير كراهة للرفع فيها كلها، قال: وكان ابن القاسم لا يرفع يديه في شيء منها، لا في الأولى، ولا في غيرها، قال: ولا يعجبني ذلك.
فأما الأكمل: فإن يحمد الله تعالى، ثم يصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يدعو للمؤمنين سبحانه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك، كان يشهد أن لا إلا أنت، وأن محمد عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنهن اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده.
وهذا هو الذي خرجه في موطئه عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة.
ولا يجهر بالدعاء ليلا كان أو نهارا، وفي الدعاء بعد الرابعة قبل السلام خلاف.
فرع:
إذا أدرك المسبوق الإمام في تكبيرة دخل معه بلا خلاف، وفي دخوله معه في غير حالة التكبير روايتان، إحداهما: أنه لا يكبر، بل يقف حتى يكبر الإمام، رواها ابن القاسم وابن الماجشون: وقال بها، وأخذ بها أصبغ. والرواية الأخرى أنه يكبر، ويدخل معه، رواها مطرف وأشهب، وقالا بها، واختارها ابن حبيب.
ثم إذا سلم الإمام تدارك ما فاته معه على نحو ما فعل الإمام إن تركت له الجنازة، وإن رفعت أتى بما فاته من التكبير نسقا متتابعا.

.الطرف الرابع: في شرائط الصلاة.

وهي كسائر الصلوات فيها.
ولا يصلى عليها بالتيمم إلا في الموضع الذي تجوز فيه الصلاة بالتيمم، وقال ابن وهب:
إذا خشي فواتها إن اشتغل بالتماس تيمم وصلى عليها.
وقال ابن حبيب: الأمر فيه واسع إن شاء الله، وما علمت أحدا ممن مضى كرهه إلا مالك.
ولا تشترط الجماعة فيها.
ويشترط حضور الجنازة، فلا يصلى على غائب، وقال ابن حبيب: يصلى على من أكلته السباع أو غرق.
ويشترط أيضا ظهور الميت، فلا يصلى على المدفون في المشهور. وروي أنه يصلى على القبر، هذا في حق من صلى عليه.
فأما من دفن بغير صلاة، أو بصلاة ناقصة، ففي المبسوط عن مالك: لا ينبش، ولا يصلي على قبره، ولكن يدعون له، وقاله سحنون.
وقال ابن وهب ويحيى بن يحيى: لا يخرج أو قرب، ويصلي على قبره.
وقال سحنون أيضا: يخرج للصلاة عليه ما لم يخف في إخراجه ضرر أو طول تغير.
وقال ابن وهب: لا يخرج وإن لم يخش تغيره، وروي عن ابن القاسم في العتبية. وقيل: يخرج إلا أن يطول.
فروع: لو صلى على الميت ونعشه منكوس، رأسه مكان رجليه، لم تعد الصلاة عليه.
ولو ذكر إمام الجنازة أنه جنب، فحكمه حكم إمام المكتوبة، إن ذكر قبل الفراغ استخلف، وإن ذكر بعده فلا تعاد، وإن لم ترفع الجنازة، ولو ذكر صلاة نسيها مضى في صلاته، ولم يعد. قاله ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ وابن حبيب.

.القول في الدفن:

ولا بد من حفرة تحرس الميت عن السباع، وتكتم رائحته.
قال ابن حبيب: يستحب أن لا يعمق القبر جدا، وأن يكون عمقه على قدر عظم الذراع فقط، قال: وقد بلغني عن عمر بن عبد العزيز لما حضرته الوفاة قال: احفروا لي ولا تعمقوا؛ فإن خير الأرض أعلاها، وشرها أسلفها.
وفي المبسوط عن مالك: لم يبلغني في عمق حفرة الميت شيء موقوف عليه، وأحب ذلك إلى أن تكون مقتصدة، لا عميقة جدا، ولا قريبة من أعلى الأرض جدا.
واللحد أفضل من الشق مع القدرة عليه، وليكن في جهة القبلة.
قال ابن حبيب: ولا بأس أن يدخل الميت قبره من ناحية القبلة، أو من ناحية الشرق، قال: ومن ناحية القبلة أحب إلي، لأنه أمكن وأهنأ وأيسر على من تولاه. وفي المبسوط: لا بأس أن يدخل الميت في قبره من نحو رأس القبر أو رجليه أو وسطه.
ويضع الميت في قبره الرجال، فإن كانت امرأة، فيتولى ذلك زوجها من أسلفها، ومحارمها من أعلاها، فإن لم يكن فصالح المؤمنين، إلا أن يوجد من القواعد من لهن قوة على ذلك، ولا مضرة عليهن فيه، ولا كشف عورة، فهن أولى به من الأجانب. وليستر عليها بثوب حتى توارى في لحدها، وليس لعدد من يلي ذلك حد من شفع أو وتر.
ثم يضجع الميت على جنبه الأيمن في اللحد مستقبل القبلة، وتمد يده اليمنى مع جسده، وتحل العقد من عند رأسه ورجليه، ويعدل رأسه بالتراب لئلا يتصوب، وكذلك رجلاه بحيث لا ينكب ولا يستلقي، ويرفق به في ذلك كله كأنه حي.
واستحب أشهب أن يقال عند وضعه في اللحد: باسم الله وعلى ملة رسول الله، اللهم تقبله بأحسن قبول، قال: وإن دعا له بغير ذلك فحسن وإن ترك ذلك فواسع.
ثم تنضد اللبن على فتح اللحد، وتسد الفرج بما يمنع التراب، قال ابن حبيب: أفضل ما سد به اللبن، ثم اللوح، ثم القراميد، ثم الآجر، ثم الحجارة، ثم القصب، كل ذلك أفضل من سن التراب. وسن التراب أفضل من التابوت، قال: يحثي كل من دنا حثيات، وروى سحنون أن ذلك غير مستحب، ثم يهال التراب عليه.
ولا يرفع القبر إلا بقدر شبر، ولا يجصص، ولا يطين، ولا بأس بالحصى، ووضع الحجر على رأس القبر. قال أشهب: ويسنم القبر أحب إلي، وإن رفع فلا بأس.
وقال محمد بن مسلمة: لا بأس، قال: وقبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما مسنمة.
وقال الشيخ أبو القاسم: تسطح ولا تسنم، ويرفع من الأرض قليلا بقدر ما يعرف به.
والأفضل لمشيع الجنازة أن يمكث إلى مواراة الميت، وأن لا ينصرف بعد ذلك إلا بإذن أهله ما لم يطل ذلك عليه ويتضرر به، فينصرف نم يغر إذنهم.
فروع:
لا يدفن في قبر واحد ميتان إلا لحاجة، ثم يرتبون إلى اللحد بالفضيلة كترتيبهم إلى الإمام في الصلاة.
والقبر محترم، فلا ينبغي أن يمشى عليه إذا كان مسنما والطريق دونه، فأما إذا عفا فواسع.
ولا تنبش عظام الموتى عند حفر القبور، ولا تزاح عن موضعها، ومن وافق قبرا عند حفره فليذره وليرد عليه ترابه، ولا يزاد من قبر على قبر، وليتوق كسر شيء من عظامه، ولا ينبش القبر إلا إذا كان هو أو شيء من الكفن مغصوبا وشح فيه ربه، أو نسي معه مال في القبر، ولو دفن بغير غسل أخرج إن كان قريبا، وقيل: لا يخرج.
قال ابن حبيبك ولو وضع الميت على شقة الأيسر، أو ألحدوه على غير قبلة، أو ألحدوه منكسا، رجلاه موضع رأسه، فإن عثر عليه بحدثان دفنه، وقبل أن يخاف التغيير عليه حول، وإن لم يعلم ذلك حتى طال أمره وخفيف عله التغيير ترك، قال: وقاله ابن القاسم وأصبغ.
ولا يبقر عن جنين الميتة وإن اضطرب، وقال سحنون: إن طمع بالحياة بقر عليه، قال: وكذلك على دنانير في بطن الميت، قال ابن حبيب: لا يبقر على شيء من ذلك. قال القاضي أبو محمد: يجب أن يكون على اختلاف حالين: لا على اختلاف المذهبين، فيكون قوله: لا يبقر وإن اضطرب إذا لم يطمع له بحياة، ويكون قول سحنون مفسرا له، قال: ويمكن حمله على ظاهره، إلا أن الأول أظهر. وروى ابن نافع في المبسوط: أن النساء إن استطعن أن يعالجنه فيخرجنه من مخرجه فعلن، ولم يبلغن أن أحدا شق بطن امرأة على هذا الحال ليخرج الولد، وقال محمد بن عبد الحكم: رأيت بمصر رجلا مبقورا على رمكة مبقورة.
ومن مات في البحر غسل وكفن وصلي عليه، وانتظر به البر إن طمع في إدراكه في ذلك اليوم وشبهه ليدفنوه به، وإن كان البر بعيدا، أو خافوا عليه التغير رمى في البحر مستقبل القبلة، محرفا على شقه الأيمن. قال ابن حبيب: ولتشد عليه أكفانه، قال ابن القاسم وأصبغ: ولا يثقلوا رجله بشيء ليغرق كما يفعل من لا يعرف، وقال سحنون: يثقل بشيء إن قدروا، واحتج من لم ير التثقيل بأنه ربما ألقاه البحر إلى الساحل فيدفنه المسلمون، وفلي تثقيله قطع لما يرجى له من الدفن.
قال الإمام أبو عبد الله: وأما نقل الميت من بلد إلى بلد، فظاهر مذهبنا جوازه.
وقال مالك: لا بأس أن يحمل الميت إلى المصر فيدفن فيه إذا كان مكانا قريبا.
وقال ابن حبيب: ولا بأس أن يحمل من البادية إلى الحاضرة، ومن موضع إلى موضع آخر يدفن فيه، وقد مات سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بالعقيق فحملا إلى المدينة.

.القول في التعزية، والبكاء على الميت:

والتعزية سنة، وهي الحمل على الصبر بوعد الأجر، والدعاء للميت والمصاب.
وذكر ابن حبيب ألفاظا في التعزية عن جماعة من السلف، ثم قال: والقول في ذلك واسع، إنما هو على قدر منطق الرجل، وما يحضره في ذلك من القول، قال: وقد استحسنت أن أقول: عظم الله أجرك على مصيبتك، وأحسن عزاءك عنها، وعقباك منها، وغفر لميتك ورحمه، وجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج منه.
ويستحب تهيئة طعام لأهل الميت ما لم يكن اجتماعهن للنياحة وشبهها.
والبكاء جائز من غير نياحة وندب، ومن غير جزع وضرب خد وشق ثوب، فذلك حرام.
ولا يعذب الميت بنياحة أهله عليه، إلا إذا أوصى، {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.

.باب تارك الصلاة:

ومن ترك الصلاة واحدة، وامتنع من فعلها حتى لا يبقى من الوقت الضروري إلا ركعة واحدة أخذ بفعلها حينئذ، فإن فعلها وإلا قتل.
وحكى ابن خويز منداد قولين آخرين، أحدهما: أنه يأخذ بفعلها إذا خاف فوات الوقت الاختياري، وهو بعيد جدا، ثم يقتل حدا لا كفرا.
قال القاضي أبو بكر: قال متأخروا علمائنا: لا يقتل ضربة بالسيف، ولكنه ينخس بالحديد حتى تفيض نفسه، أو يقوم بالحق الذي عليه من فعلها، ثم قال: وبهذا أقول، ويصلي عليه، ويدفن في مقابر المسلمين كما يدفن سائرهم، ولا يطمس قبره.
ورأى ابن حبيب أنه يقتل كفرا، وإن كان مقرا بالوجوب إذا تركت تهاونا، وقال: لا أصلي، قال: فأما إن قال: أصلي ولم يفعل، فلا يقتل أصلا.
فأما لو تركها جاحدا لوجوبها لكان كافرا، وحكم في بحك المرتد، والله أعلم.
تم كتاب الجنائز والحمد لله، وبه تم كتاب الصلاة.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.

.كتاب الزكاة:

وهي بالإضافة إلى متعلقاتها ستة أنواع:
زكاة النعم، والنقدين، والتجارة، والمعشرات، والمعادن، والفطر.

.النوع الأول: زكاة النعم:

والنظر في وجوبها وأدائها:
أما الوجوب فله ثلاثة أركان:
الأول: قدر الواجب:
وسيأتي بيانه.
الثاني: ما تجب فيه:
وهو المال، وله خمسة شروط:
أن يكون نعما، نصابا، حال عليها الحول، لم يزل ملكه عنها في أضعافه، على خلاف وتفصيل في هذا الشرط، وأن يكون الملك كاملا غير ضعيف.
الشرط الأول: أن يكون نعما، فلا زكاة إلا في الإبل والبقر والغنم، ولا تجب في غيرها من الخيل والبغال والحمير والرقيق وغير ذلك، ولا في المتولد من الظباء والغنم.
وفرق القاضي أبو الحسن بين أن تكون الأمهات من الغنم فتجب، أو من غيرها فلا تجب. وحكى الشيخ أبو الطاهر قولا بوجوب الزكاة مطلقا، وحكى الأستاذ أبو بكر اتفاق الأئمة الثلاثة على إسقاط الزكاة من المتولد من فحول الغنم وإناث الظباء.
الشرط الثاني: أن تكون النعم نصابا.
أما الإبل ففي أربع وعشرين فما دونها الغنم، ففي كل خمس شاة.
فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم تكن في ماله، فالبن لبون ذكر.
فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون.
فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين، ففيها حقة.
فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين، ففيها جذعة.
فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين، ففيها بنتا لبون.
فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة، ففيها حقتان.
فما زاد ففي كل أربعين لبنت لبون، وفي كل خمسين حقة.
وكل ذلك لفظ أبي بكر رضي الله عنه في كتاب الصدقة.
ويتغير الفرض بزيادة عشر، وفي تغيره بزيادة دونها روايتان، وبعدم التغير قال أشهب.
وإذا فرعنا على الرواية الأخرى بوجود التغير، ففي كيفيته خلاف. قال ابن القاسم: يتغير إلى ثلاث بنات لبون، وقال مالك: يتغير إلى التخيير بينها وبين الحقين، كان في الإبل أحد السنين أو لم يكن. وروي في المجموعة: لا يتخير إلا إذا اجتمعا في المال.
وبنت مخاض: هي التي دخلت في السنة الثانية إلى استكمالها، وولد اللبون: هو الذي قد دخل في السنة الثالثة. والحقة: هي التي قد دخلت في الرابعة. والجذعة: هي التي دخلت في الخامسة.
وأما البقر، ففي ثلاثين منها تبيع جذع أو جذعة. قال القاضي أبو محمد: وهو الذي دخل في السنة الثانية.
وقال ابن حبيب: هو ابن ستين.
وقال ابن نافع في المجموعة: هو ما أو في سنتين، ودخل في الثالثة.
وفي أربعين مسنة لا تؤخذ إلا أنثى، وهي التي لها ثلاث سنين، قيل: ما أكملتها. وقيل: ما دخلت في الرابعة.
وقال القاضي أبو محمد: سنها أربع سنين.
ثم في ستين تبيعان.
ثم يستقر الحساب، ففي كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة إلى مائة وعشرين، فيكون حكمها حكم المائتين من الإبل، وسيأتي.
وأما الغنم ففي أربعين شاة شاة، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفي مائتين وشاة ثلاث شياه، وفي أربع مائة أربع شياه، وما بينهما أو قاص، ثم استقر الحساب، ففي كل مائة شاة.
واختلف في صفة الشاة الواجبة في الغنم والإبل، فقال ابن القاسم وأشهب: يجزي الجذع والثني من المعز والضأن ذكرا كان أو أنثى.
وقال القاضي أبو الحسن: لا يجزي إلا الأنثى، لكن تجزي جذعة كانت أو ثنية من المعز أو من الضأن.
وقال ابن حبيب: حكمها حكم الضحية، لا يجزي فيها إلا الجذع من الضأن ذكرا كان أو أنثى، والثني من المعز، إلا أن يكون تيسا. قال الشيخ أبو محمد: وليس بقول مالك وأصحابه فيما علمناه.
فرع:
واختلف في سن الجذع، فقال أشهب وبان نافع وعلي بن زياد وابن حبيب: هو ما له سنة.
وقال ابن وهب: هو ابن عشرة أشهر. وقيل: ابن ثمانية أشهر. وروي عن سحنون عن علي: أنه ابن ستة أشهر. والتحاكم في ذلك إلى أهل اللغة، والأول أشهر عندهم.
وأما الثني فما دخل في السنة الثانية.
ثم يتصدى النظر في زكاة الإبل في خمسة مواضع.
الأول: في إخراج الشاة عن الإبل.
والعبرة في تعيين الضأن أو المعز بحال غنم البلد، وقال في كتاب ابن سحنون: يعتبر بحال المالك إذا كان مخالفا غنم البلد.
ولو أخرج بعيرا عن خمسة أبعرة بدلا من الشاة الواجبة فيها، فأطلق القاضيان أبو الوليد وأبو بكر القول بأنه لا تجزيه.
وقال أبو الطيب عبد المنعم القروي: من أصحابنا من أباه، وليس بشيء لأنه مواساة من جنس المال فأكثر مما وجب عليه.
النظر الثاني: في العدول إلى ابن لبون.
فمن وجب عليه بنت مخاض، فلم تكن في ماله أخذ ابن لبون، فإن لم يكونا في ماله كلف ابنة مخاض.
فإن أراد رب المال أن يدفع ابن لبون ذكرا إذا لم توجد في المال بنت مخاض ولا ابن لبون ذكر، فقال ابن القاسم في الكتاب: ذلك إلى الساعي إن أراد أخذه، وإلا لزمه بنت مخاض. ليس له أن يمتنع من ذلك.
ولو كان في ماله ابنة معيبة لا تجزئ، فهي كالمعدومة.
ولا يؤخذ الحق بدلا عن بنت لبون عند فقدها، كما يؤخذ ابن لبون بدلا عن بنت مخاض.
النظر الثالث: إذا ملك مائتين من الإبل، فإن كان في ماله أحد السنين أخذ منه الموجود، وإن وجدا أو فقدا تخير الساعي. قال محمد: يتخير الساعي إذا وجد السنين، إلا أن تكون أربع الحقاق فيها قوام رب الإبل ومصلحته فيضر به. وقد قال ابن وهب: الساعي بالخيار ما لم يضر برب الإبل، وقيل: يخير رب المال مطلقا، وذكر عن ابن القاسم: أنها إن خلت من السنين إن ما أتاه به ربها منها فليقبله.
قال أصبغ: وليس هذا بشيء، والساعي مخير.
النظر الرابع: في الجبران.
فإن أعطى سنا أعلى، وأخذ عوضا، أو أعطى سنا أدنى وعوضا، فقال أصبغ بعدم الجواز والإجزاء، إلا إذا رد ما أخذ مع الأعلى وأبقاه، فيجزيه. قال الشيخ أبو الطاهر: وهذا مع فوات المأخوذ، وأما إن كان قائما فليسترده على هذا القول، ويخرج القدر الواجب. وروي في مختصر ما ليس في المختصر إثباتهما، وقال ابن القاسم وأشهب في المجموعة بنفي الجواز وإثبات الإجزاء.
فرع:
حيث قلنا بالإجزاء، فلا يراعى في ذلك بدل معين في جنس أو مقدار، بل المقصود حفظ حق المساكين.
النظر الخامس: في صفة المخرج من حيث النقصان والكمال.
النقصان أربعة.
الأول: المرض أو العيب.
فإن كان المال كله مرضى أو ذات عوار، فلا يأخذ منها. وقيل: يأخذ.
الثاني: الذكورة.
فلو كان ماله ذكورا، لم يؤخذ منه إلا الأنثى، ويستثنى من ذلك ابن اللبون في الإبل بدلا، كما تقدم، والتبيع في البقر، وما ذكر في الغنم على الخلاف.
الثالث: الصغر.
فلو كان في المال صغار وكبار، لم يؤخذ من الصغار. ولو كان الكل صغارا، لم يؤخذ منها أيضا على المشهور.
وقال محمد بن عبد الحكم في جميع هذه الأصناف التي تقدم ذكرها، وفي السخال: لولا خلاف أصحابنا لكان بينا أن يؤخذ منها واحد من أوساطها، ولا يكون عليه ثنية ولا جذعة، واعتذر عن قول عمر رضي الله عنه بأنه خرج على الغالب.
الرابع: رداءة النوع.
فإن كان الكل معزا أخذ منها، وإن اجتمع الضأن والمعز، فإن كان الواجب شاة واحدة، فإن استوى النوعان تخير الساعي بينهما، وإن اختلفا أخذها من الأكثر.
وإن كان الواجب أكثر من شاة، وجبت شاة في الأكثر، ثم نظر فيما بقي منه مع جملة الأقل، فإن كان أكثر من الأقل، والأقل مقصر عن النصاب، مثل أن تكون له مائة وعشرون ضائنة وثلاثون معزة، أخذت الشاة الأخرى من الأكثر أيضا، وإن كان الأقل أكثر من الباقي، وكان نصابا، مثل أن يكون له تسعون ضائنة وسبعون معزة، أخذت الأخرى منه، وإن كان الباقي أقل من أو قل، والأقل مقصر عن النصاب، مثل أن يكون له أربعون من الجواميس، وعشرون من البقر، فعليه تبيع من الجواميس، وتبيع من البقر؛ لأن ما يجب فيه التبيع الثاني البقر فيه أكثر من الجواميس. وإن كان الباقي أكثر من الأقل، وفي الأقل نصاب، مثل أن تكون له مائة وعشرون من الضأن، وأربعون من المعز، أخذت من الأقل عند ابن القاسم.
وقال سحنون: تؤخذ من الباقي.
فرع:
كل ما قلناه فيه: لا يأخذ المصدق لنقصه، فله أخذه إذا رآه نظرا للمساكين. وحكى القاضي أبو الوليد عن القاضي أبي الحسن: إن ذات العيب لا تجزئ، وإن كانت قيمتها أكثر من قيمة السليمة. قال: ومذهب مالك أنها تجزئ إذا كانت أفضل للمساكين من السليمة، هذا بيان النصاب، ولا زكاة فيما دونه، ولو تم بالخلطة نصابا.
ولنذكر: