فصل: صدقة الخلطاء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.صدقة الخلطاء:

والنظر فيها في أربعة فصول:

.(الفصل) الأول: في حكم الخلطة وشرطها:

وحكم الخلطة: تنزيل المالين منزلة مال واحد بعد حصول النصاب في كل واحد منهما، أو في ملك مالكه.
فلو خلط أربعين بأربعين لغيره، ففي الكل شاة واحدة، ولو خلط عشرين بعشرين لغيره، فلا شيء فيها بمفردها.
ثم قد يفيد ذلك تقليلا كمن خلط أربعين بأربعين، فلا يلزمه إلا نصف شاة، وقد تفيد تثقيلا، كمن خلط مائة وشاة بمائة شاة، فيلزمه شاة ونصف.
وشروط الخلطة ثلاثة:
الأول: اتحاد المراعى والفحل والدلو والمراح والمبيت، أو أكثرها. وقيل: الراعي والمرعى، وقيل: اتخاذ اثنين منها، أي اثنين كانا، وهو وقل الشيخ أبي بكر، وعلل بأن اسم الخلطة يحصل بوصف واحد من هذه، إلا أنه قل ألا تختلط في صفة، وتجتمع في رعي أو سقي ونحوه، فعلمنا أنه لا بد من زيادة على وصف واحد، ولا دليل يوجب أكثر من ذلك. وحكى الشيخ أبو بكر عن بعض شيوخه: أنه راعى في الخلطة وجها واحدا، وهو الراعي، قال: وأنزله منزلة الإمام الذي يتغير به حكم الجماعة عن حكم الانفراد. قال عبد الحق: وهذا القول نحو قول ابن حبيب: إن أصل الخلطة الراعي، فإذا جمعها الراعي، اجتمعت في أكثر ذلك، وإن فرقها الراعي، فليست بمختلطة وإن جمعها المرعى.
الشرط الثاني: كون الخليط أهلا للزكاة.
وقال ابن الماجشون: تحصل الخلطة ويزكي زكاة الخليط، وإن كان خليطه عبدا أو ذميا.
الشرط الثالث: اتفاق الأحوال.
فإذا حال الحول على أحدهما دون الآخر، زكى زكاة المنفرد. قال أبو بكر: وعلى قول ابن الماجشون يزكي زكاة الخلطة، فيخرج ما ينوبه على حكمها، ويسقط عن خليطه ما ينوبه.
فرع:
ولا تشترط الخلطة في جميع الحول، بل يكفى اختلاطها في آخره.
واختلف في تقدير ذلك بمدة، وفي قدرها على القول بها، فقال القاضي أبو محمد: إذا لم يقصد الفرار زكاها الساعي على ما يجدها عليه من اجتماع أو افتراق، ويقبل قول أربابها؛ لأن الظاهر أنهم يفعلون ذلك للارتفاق بالفرقة والاجتماع، فيجب إلا يخالف ما ظهر ويصار إلى خلفه إلا بأمارة تقوي التهمة. وروى ابن القاسم في الكتاب: إذا كان ذلك قبل الحول بشهرين وأقل، فهم خلطاء، وذكر أنه لم يسأل عن أقل عن ذلك، ثم قال: وأنا أرى أنهم خلطاء في أقل من الشهرين ما لم يتقارب الحول، ويهربان فيه إلى أن يكونا خليطين فرارا من الزكاة، وما يرى أنه نهى عن مثله في حديث عمر بن الخطاب.
وقال ابن حبيب: أدنى ذلك الشهر، وما كان دون الشهر لم يجز لهما اجتماع ولا افتراق.
وقال محمد بن المواز: إن اجتمعا أو افترقا فيما دون الشهر فجائز ما لم يقرب جدا، ويكن الساعي قد أظلهما.
هذا كله إن كان ما وجدا عليه من اجتماع أو افتراق منقصا من الزكاة، فإن لم يكن منقصا، فلا يتهمان عليه، بل يزكي المال على ما يوجد عليه، ولا تأثير للخلطة في شيء من أموال الزكاة سوى النوع المتحد من الماشية.

.الفصل الثاني: في التراجع:

وإذا أخذ الساعي من المال ما يجب فيه، رجع المأخوذ منه بقيمة حصة شريكه، وهل تعتبر القيمة يوم الأخذ أو يوم الأربعاء؟ قولان لابن القاسم وأشهب، مأخذهما أنه كالمستهلك أو كالمتسلف.
وكذلك لو تأول الساعي، فأخذ بكون المجموع نصابا، وإن كان كل ملك ناقصا عنه لتراجعا أيضا، فلو كان أحد المالين نصابا والآخر دونه، فأخذ الساعي شاتين متأولا، فإن كان المال الناقص عن النصاب هو الموجب لأخذ الثانية بالتأويل، فإنها يتراجعان في الشاتين جميعا على قدر ماليهما. وقيل: الواحدة على رب النصاب، ويتراجعان في الأخرى على قدر المالين. وإن كان المال الناقص لم يضره في أخذها لم يكن على صاحبه شيء.
وما أخذه المصدق من المال مع علمه بأنه لا يجب ولم يتأول فيه فهو ممن أخذ من غنمه، لا يرجع على صاحبه منه بشيء.

.الفصل الثالث: في اجتماع المختلط والمنفرد في ملك واحد:

مثل أن تكون له ثمانون فيخلط أربعين منها بأربعين لغيره، والأربعون الأخرى ببلد آخر، فروى محمد: أنه يكون خليطا لصاحبه بما حضر وغاب، وليس عليهما إلا شاة على صاحب الأربعين ثلثها، قال القاضي أبو الوليد: هذا من مالك بناء على أن الأوقاص مزكاة، وعلى القول الآخر يكون على كل واحد منهما نصف شاة.. قال أصبغ: وكذلك لو كانت الثمانون ببلد واحد.
وقال عبد الملك: يكون على رب الأربعين نصف شاة، وعلى صاحب الثمانين ثلثا شاة.
قال محمد: قول مالك أحب إلينا، وعليه جل أصحابه، وقال سحنون بقول عبد الملك.
وقال: هو أحب إلي من قول ابن القاسم وأشهب. قال: وأما أشك أن يكون ابن وهب رواه عن مالك. وقيل: على صاحب الأربعين نصف شاة، وعلى صاحب الثمانين شاة كاملة. وحكاه الشيخ أبو الوليد عن عبد الملك وسحنون.
وسبب الخلاف: النظر إلى أثر الخلطة، ففي القول الأول اعتبره في جميع المال، وفي الثاني اعتبره في حق صاحب الثمانين في جملة ماله، واعتبر في حق صاحب الأربعين ما خالطه به صاحبه لا أكثر، وفي القول الثالث اعتبر القدر الذي وقعت الخلطة فيه من الجانبين إلا أكثر.
مثال آخر: لو خلط عشرة من الإبل بعشرة لغيره، وبقيت له عشرة أخرى بغير خليط، فعلى القول الأول يكون عليهما بنت مخاض، على صاحب العشرة ثلثها، وعلى صاحب العشرين ثلثاها. وعلى القول الثاني: على صاحب العشرة شاتان، وعلى صاحب العشرين ثلثا بنت مخاض. وعلى القول الثالث: على صاحب العشرة شاتان، وعلى صاحب العشرين أربع شياه.

.الفصل الرابع: في تعدد الخليط:

والحكم فيه قريب من الأول، فإذا خلط مع أكثر من واحد، وجب تعميم حكم الخلطة بين الجميع، فيتوزعون الواجب بينهم على نسبة أموالهم، وبه قال ابن القاسم وأشهب.
وقال محمد بن المواز: هو خليط لكل واد بجميع ماله، وليسوا خلطاء فيزكي كل واحد منهم بنسبة ما يخصه مع جملة ماشية خليطة. وقيل: هو خليط لكل واد بالذي معه دون ما خرج عنه،
فيزكي كل واحد منهم بنسبة ما يخصه مع ما خالطه به خاصة.
ثم اختلف القائلون بذلك في حكمه هو، فقيل: يزكي على ضم ماله بعضه إلى بعض.
وقيل: يفرد كل مال بالزكاة مع خليطه كأنهما لمالكين.
وسبب الخلاف: أنه اجتمع ها هنا أمران كالمتناقضين، أحدهما أن الخليط الأوسط يجب ضم بعض ملكه إلى بعض مع عدم الخلطة، والثاني أن الطرفين ليس بينهما خلطة، فلا يجب ضم ملكها بعضه إلى بعض.
فمن غلب حكم الوسط، ورأى أن كل واحد منهما يجب ضمه إليه، وهو يجب ضم ملكه بعضه إلى بعض، قال: يكو الجميع كالخلطاء.
ومن غلب حكم الطرفين المنفردين أفرد ملك الوسط، فجعله كمالين لمالكين، ولم يضم بعضه إلى بعض، وهذا هو القول الرابع.
ومن رأى الوسط قد جعل كل واحد من الطرفين خليطه، والخليط يجب أن يضاف جميع ما يملكه إلى ما خالط به، جاء منه القول الثاني.
ومن وجب عنده ضم الملك الواحد بعضه إلى بعض، وأفرد حكم الخليط بما خالط به، جاء من القول الثالث.
وبيان ذلك بالمثال: أن من خلط عشرة من الإبل بعشرة مع خليط، وعشرة أخرى بعشرة مع آخر، فعلى القول الأول يجب في الجميع بنت لبون، على الأوسط نصفها، وعلى كل واحد من الطرفين ربعها.
وعلى القول الثاني: يجب على الوسط أيضا نصف ابنة لبون، وعلى كل واحد من الطرفين ثلث بنت مخاض.
وعلى القول: يجب على الوسط ثلثا بنت مخاض، وعلى كل واحد من الطرفين شاتان.
وعلى القول الرابع: يجب في الجميع ثمان شياه، على الوسط أربع، وعلى كل واحد من الطرفين شاتان.
فرع:
حيث ثبت للساعي على أحد الخلطاء حصة من شاة أو غيرها من ماشية الزكاة، أخذ منه قيمة ذلك ذهبا أو ورقا. وقيل: إنه يأتي بها، فيكون شريكا معه فيها.
الشرط الثالث: الحول:
فلا زكاة في النعم حتى يحول عليها الحول، إلا السخال الحاصلة في أضعاف حول أمهاتها إذا تمت بها نصابا، أو كانت نصابا دونها، فإن الزكاة تجب فيها بتمام حول الأمهات، ولو ماتت الأمهات بقيت السخال لم تنقطع التبعية ووجب الزكاة فيها. لو ملك مائة وعشرين فنتجت في آخر الحول سخلة، وجبت عليه شاتان لحدوثها في أضعاف السنة.
الشرط الرابع: أن لا يزول الملك عن عين النصاب في الزكوات العينية:
وفيه اختلاف وتفصيل.
فإن أبدل العين القاصرة عن النصاب بذهب أو ورق، وليست للتجارة، انقطع الحول واستأنفه.
فإن كانت نصابا، ففي الاستئناف أو البناء روايتان، وعلى البناء جل الأصحاب، إلا أشهب فإنه ثبت على الرواية الأولى بالاستئناف، وهذا إذا باع النصاب بما فيه الزكاة، ولم يبع فرارا.
وأن أبدلها بماشية من غير جنسها كإبل بغنم، أو بالعكس فلا يبني على حول الأولى في إحدى الروايتين، واختارها ابن القاسم وأشهب، وهي المشهورة. ويبني في الرواية الأخرى إذا كانت نصابا نصابا، وهي اختيار ابن وهب وابن الماجشون. ولو كانت الثانية نصابا دون الأولى لاختلف في البناء تفريعا على القول به.
وأن كانت الماشية الثانية من جنس الأولى، وكانتا نصابا نصابا، بنى حولها على حول الأولى. وفي كتاب ابن سحنون عن مالك: لا يبنى.
فإن كانت الأولى قاصرة عن النصاب فقولان أيضا على القول بالبناء.
ولو تخلل بين الماشيتين عين، ولم تكن الأولى للتجارة استقبل بالثانية حولا في رواية ابن القاسم وأشهب. وروى مطرف وابن الماجشون أنها تبنى على حول الأولى.
هذا كله ما لم يكن فرارا من الزكاة، فيبنى على كل حال.
ولو استهلكت ماشيته، فأخذ بدلا عن القيمة الواجبة له ماشية، فهل يلتحق بصورة بدل الماشية بالماشية من غير تخلل عين أو بصورة تخلل العين؟ قولان، سببهما أن من خير بين شيئين فاختار أحدهما، هل يعد كأنه لم يأخذ إلا ما وجب له، فيكون هذا كالبدل، أو يعد كالمنتقل من شيء إلى شيء، فيكون هذا كالتارك للقيمة، والآخذ عنها ماشية؟ وفي هذا الأصل قولان للأصحاب.
الشرط الخامس: كمال الملك:
وأسباب الضعف ثلاثة:
الأول: امتناع التصرف، فإذا كان المال متهيئا في نفسه للتصرف، لكن تعذر على مالكه التصرف فيه بالتنمية وغيرها، فإن كان للمنع منه كالغصب، فإن كان في الناض زكاة لعام واحد. وقيل: يستقبل به حولا.
وكذلك إن كان لضياع وقد التقط، وقال المغيرة: بل يزكي اللقطة لكل عام.
وإن كان لعدم العلم بمكانه، بأن دفنه فضل عنه، فإنه يزكيه لكل عام لتفريطه. وقيل: لعام واحد كالدين. وقيل: إن دفنه في صحراء زكاه لما مضى من السنين لتعريضه له للتلف.
وإن دفنه في بيته، أو ما في معناه، لم يزكه لماضي لعدم تعريضه.
وقال ابن المواز عكس هذا، وعده في الصحراء كالتالف، وجعله في البيت مقصرا في طلبه.
وإن كان للغصب في الماشية فعادت إلى ربها بعد أعوام، فقال ابن القاسم في الكتاب: يزكيها لعام واحد، وقال أيضا: يزكيها للأعوام الماضية كلها، وقاله أشهب، قال لأنها لم تزل عن ملكه، وما أخذت السعاة منها أجزأ عنه، بخلاف العين تغصب.
وبنى أبو الحسن اللخمي هذا الخلاف على الخلاف في رد غلات المغصوب، ولو كان المغصوب شجرا، فالزكاة واجبة فيه على له الغلة من مالك أو غاصب.
ولو ردت الماشية بعيب، أو لفساد البيع، أو أخذها بائعها لفلس المشتري بعد أن أقامت بيد المشتري أعواما، ففي وجوب زكاتها على ملك المشتري أو البائع خلاف منشؤه التردد في رد المبيع في الصور الثلاث، هل هو نقض للبيع من أصله أو من حينه؟ وعليه أيضا ينبني الخلاف في استقبال البائع بها حولا، أو بناء حلولها على ما تقدم.
فأما ما اشتراه من الماشية، فحال عليه الحول قبل قبضه، فعليه زكاته.
السبب الثاني: تسلط الغير على ملكه، وهذا كالرقيق والملتقط والمديان.
فأما الرقيق فلا تجب الزكاة عليه في شيء من أمواله، ويستوي في ذلك يسير الرق وكثيره، وكماله وبقيته.
وأما الملك في السنة الثانية في اللقطة إذا نوى تملكها ولم يتصرف فيها، فقال مالك في كتاب محمد: تجب عليه الزكاة إذا تم حولها من يوم نوى.
وقال ابن القاسم في المجموعة: لا زكاة عليه إذا لم يحركها.
وأما:

.المديان:

فتسقط عنه زكاة العين الحولي من الناض، وقيم عروض التجارة إذا استغرقه الدين، أو لم يبق منه نصابا، إلا أن يكون غنيا بما يجعله في مقابلة دينه على وجوه يأتي تفصيلها وبيان الخلاف فيها.
وينحصر الكلام في تفصيل زكاة المديان في فصلين:

.الفصل الأول: في بيان الدين المسقط للزكاة:

ويسقط كل دين وجب في معاوضة، وتدل فيه نفقة الزوجة إذا حلت، وإن لم يفرض ذلك لها حاكم، وتلحق بها نفقة الولد إذا قضى بها واستقر الطلب، فتسقط الزكاة، ولا تسقط نفقة للأبوين إذا لم يقض بها، فإن قضى بها، فروى ابن القاسم وأشهب: أنها تسقط، وفي الكتاب عن ابن القاسم: لا تسقط.
وإن لم يقض بنفقة الولد، ففي إسقاطها للزكاة خلاف. وروي عن ابن القاسم: أنها لا تسقط، وهي رواية ابن حبيب عن مالك، وقال أشهب: إنها تسقط.
ومهور النساء تسقط على المشهور، وقال ابن حبيب: لا تسقط لأن العادة بقاؤها في الذمم المدد البعيدة، ويسقط دين المساكين الواجب لهم، وقيل: لا يسقط.

.الفصل الثاني: في بيان ما جعل في مقابلة الدين:

والمشهور أنه يجعل جميع الديون فيما يملكه من العروض التي تباع عليه فيما دون العين.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم استثناء الدين الواجب للمساكين من جملة ذلك، فرأى أن يجعله في العين. وروى ابن المواز عنه موافقة المشهور.
وقيل: بل يجعل الدين كله في العين لقدرة الغرماء على جعل ديونهم في العين.
وإذا فرعنا على المشهور، ففي اشتراط ملك العرض الذي يجعل فيه الدين من أول الحول خلاف.
روى محمد عن ابن القاسم: أنه لا يزكي حتى يكنون العرض عنده من أول الحول، وروى عيسى عنه أيضا: أنه لو أفاده عند الحول جعل دينه فيه وزكى.
وقال أشهب: يزكي سواء أفاد العرض عند الحول أو قبله بيسر. وإن أفاده بعد الحول زكى حينئذ، قال محمد وبه وأقول، وبه قال أصحاب ابن القاسم.
وفي معنى العرض الدين الذي له، والمال المعدني والحرث والماشية، على خلاف في هذين.
وكذلك الخلاف في العين الحولي الذي قد أخرج زكاته، والخدمة، ومرجع الرقبة وغير ذلك، ولنفصل جمعيها بفروع متتالية، فنقول:
من كان له مائتان لحولين كالحرم ورجب عليه مائة، فقال ابن القاسم: يزكي ما حل حوله منهما أولا، ويجعل دينه في الأخرى، ولا يزكي الثانية. قال الشيخ أبو محمد: يريد لا يزكي الثانية عند حولها، لأن دينه فيها، وفي كتاب ابن حبيب: يزكي كل مائة لحولها، ويجعل دينه في الأخرى.
وإذا كان له دين جعل ما عليه فيه وقيل: بل يجعله فيما بيده.
وإذا فرعنا على المشهور، فقال سحنون: يجعل عدد ما عليه في قيمة ما على من الدين إلى أجل.
وقال أشهب: فيمن بيده مائة دينار، وعليه دين مائة، وله دين على آخر مائة: إنه يجعل الدين الذي عليه في الدين الذي له، ويزكي المائة التي في يده، فجعل الدين الذي عليه في عدد الدين الذي له.
وقال ابن القاسم: إن كان دينه على غير ملي فيحسب قيمته.
وحكى الشيخ أبو الطاهر قولا بأنه يجعل ما عليه من الدين في قيمة دينه إن كان مؤجلا، أو على غير ملي، وفي عدده إن كان حالا وعلى ملي، ويجعل دينه فيما لا يسقط الدين زكاته من ماله كالمعدني، وكذلك الحرث، والماشية على المشهور. وقيل: لا يجعله في الحرث والماشية بل في العين.
وإن كان له مكاتب، فقال أصبغ: يجعل دينه في قيمته عبدا، احتياطا للزكاة لإمكان عودة عبدا، ورواه ابن حبيب عن أشهب.
وقال ابن القاسم: يجعل في قيمة كتابته، لأنها المملوكة له فقط.
وقال أشهب أيضا: في قيمته مكاتبا لا بقيمة ما عليه، إذ يمكنه بيعه كذلك.
ويجعل الدين في المدبر إذا كان بعد التدبير، وقال سحنون: لا يجعل في رقبة المدبر ولا في خدمته، ألا ترى لو أن شريكا في بعد أعتق نصيبه منه، وليس له سوى مدبر، لم يقوم عليه نصيب شريكه. ويطرد الخلاف في المعتق إلى أجل، وأولى بالمنع.
وإذا قلنا: يجعل في المدبر، فنقل ابن المواز عن جماعة من الأصحاب: أنه يجعل في قيمته، ونقل الشيخ أبو القاسم عن غير أبو القاسم: أنه يجعل في خدمته. واختاره القاضي أبو الوليد. ولو كان تدبيره بعد الدين لجعل في رقبته بغير خلاف.
وإذا قلنا: يجعل في المعتق إلى أجل، ففي قيمة خدمته، ويجعل المخدم دينه في مرجع رقبة العبد على المنصوص، ويجعل المخدم دينه في الخدمة.
قال في الكتاب: ولا يحسب دينه في قيمة عبده الآبق، إذ لا يجوز بيعه. قال ابن المواز: وقال أشهب: إن كان إباقه قريبا ترتجى رجعته، قوم على غرره، وجعله في دينه، وإن طال أمره فلا يحسب.
ولو وهب له ما عليه من الدين عند الحول، فروى ابن القاسم: أنه لا يزكيه حتى يحول عليه الحول بعد الهبة.
وقال أشهب: يزكيه حين وهب له، ولو لم يكن له مال غيره.
ولو وهبه لأجنبي، فقال أشهب: لا زكاة على الغريم، ولا على الواهب.
وقال محمد: يزكيه الواهب، لأن يد قابضه كيده، وقاله ابن القاسم. وكذلك في وجوبها على الواهب لغريمه خلاف أيضا، وعليه تخرج مسألة نصاب تزكية ثلاثة في حول واحد، وذلك بأن يكون لرجل خلاف أيضا، وعليه تخرج مسألة نصاب تزكية ثلاثة في حول واحد، وذلك بأن يكون لرجل دين، وعليه مثله لثالث، والمديانان مليان، ولكل واحد منهما عروض تفي بما عليه، فأحال الوسط منهم مطالبته على مديانه فقبضه بعد حلول الحول عليه، فالزكاة واجبة على الطرفين، ويختلف في الوسط.
السبب الثالث: عدم قرار الملك.
فلا زكاة في الغنيمة قبل القسم على المشهور، ومن أكرى دارا أربع سنين بمائة دينار نقدا، فمر به حول، فقيل: يزكي الجميع، وقيل: لا يزكي غير ما حل حوله من السنة الأولى.
وقيل: يزكي ما قابل السنة الأولى.
وأشار بعض المتأخرين إلى بناء هذا الاختلاف على الخلاف في استقرار ملك عوض المنافع، هل يكون من يوم قبضه، أو من يوم استيفاء العوض عنه؟ قال: وفي ذلك قولان.
الركن الثالث: في من تجب عليه.
ويعتبر في توجه وجوبها الحرية، واختلف في عد الإسلام شرطا معتبرا في الوجوب، وإن لم يختلف المذهب في عدة من شروط الأداء، فالقاضي أبو بكر ومن وافقه من المتأخرين لم يعتبروه، وعده القاضي أبو محمد من شروط الوجوب. وكذلك نص عليه الشيخ أبو الوليد، وأبو الحسن اللخمي وغيرهم.
فتجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، وتجب على المرأة ولا تجب على الرقيق، ولا على السيد فيما بيد رقيه، ولا على من فيه بقية رق، ولا على من يملك ذلك منه.
قال القاضي أبو بكر ومن وافقه: ولم نشترط فيه الإسلام، إذ الكفار مخاطبون بفروع الشريعة عندنا، لكن لا يؤخذ أهل الذمة بزكاة شيء من أموالهم، لأنا عاهدناهم على أنا لا نأخذهم بفروع الدين ما داموا على كفرهم، كما لا نأخذهم بالصلاة والصوم، هذا حكم الأموال المملوكة المطلقة.
فأما الأموال الموقوفة، فإن كانت نباتا، فالزكاة واجبة فيها على أصل ملك مالكها، ولا يراعى مقدار ما يصير لكل إنسان. وقيل: إن كان المتولي لتفريقها على الموقوف عليهم غيره، وكانوا ممن يستحقون أخذ الزكاة، فلا تجب الزكاة فيها.
ثم إذا قلنا بوجوبها فيها على المشهور، أو لأن الموقوف عليهم غير مستحقين لأخذ الزكاة، فهل يعتبر كمال النصاب في حصة كل واحد منهم إذا كانوا معينين، أو إنما يراعى في المجموع؟ قولان لمحمد وسحنون، سببهما: هل يملكون بالظهور أو بالوصول إليهم؟ قال الشيخ أبو عمران: قول خلاف لظاهر ما في المدونة وغيرها، فأما غير المعينين فيراعى في الجملة؛ إذ لا يملكون إلا بالوصول إليهم.
وإن كانت مواشي، فإن وقفت لتفرق أعيانها في سبيل الله، أو على المساكين، فمر الحول قبل تفرقتها، فلا زكاة فيها.
وقال محمد: قال ابن القاسم مرة: هي مثل الدنانير، ولا أعلم إلا أن مالكا قاله.
وقال أيضا بأن القاسم رواه عن مالك.
وقاله أشهب: إن كانت تفرق على مجهولين فلا زكاة فيها، وإن كانت تفرق على معينين، فالزكاة على من بلغت حصته ما فيه الزكاة.
قال محمد: هذا أحب إلينا.
وإن كان وقفها لتفرق أولادها، زكيت الأصول.
قال سحنون: إذا كان في جملة الثمرة خمسة أوسق، ففيها الزكاة، كان على معينين أو مجهولين. وكذلك في نسل الأنعام.
وقال ابن القاسم: إذا كانت على معينين، فلا زكاة على من ليس في حظه ما فيه الزكاة من ثمرة أو نسل. وإن كانت على مجهولين، ففي جملة الثمرة والأولاد الزكاة إن بلغ ذلك ما فيه الزكاة إذا تم لأولاد حول من وقت الولادة في الوجهين جميعا، وإلا فلا.
وإن وقفت الأنعام لتكون غلتها من لبن وصوف، تفرق على معينين، أو غير معينين، فالزكاة في الأمهات والأولاد جميعا، وحولهما واحد، لأن ذلك كله موقوف.
قال أبو محمد عبد الحق: وأعرف في المال الموقوف لإصلاح المساجد، والغلات المحبسة في مثل هذا اختلافا بين المتأخرين في زكاة ذلك، قال: والصواب عندي في ذلك، أن لا زكاة في شيء موقوف على من لا عبادة عليه من مسجد ونحوه، والله أعلم.
وإن كانت عينا، فإن كانت وقفت لتفرق، فلا زكاة فيها، لأنها خرجت من يد من كانت له، ولم يقبضها من صارت إليه، ولا تنمية فيها، وإن وقفت لتسلف من احتاج إليها زكيت بعد الحول.
خاتمة:
اختلف في محل اشتراط مجيء الساعي، والمشهور اشتراطه في الوجوب، والشاذ أنه شرط في الأداء لا في الوجوب.
وأما التمكن من الأداء، فقال الأستاذ أبو بكر في تفسيره، هو مطالبة الساعي دون قدرة رب الماشية على إيصالها إليه.
الطرف الثاني للزكاة: طرف الأداء.
وله ثلاثة أحوال: الأداء في الوقت، وقبله تعجيلا، وبعده تأخيرا، فهذه ثلاثة أقسام.
الأول: الأداء في الوقت.
وهو واجب على الفور، تؤدي إلى الإمام إذا كان عدلا، وكان يصرفها في وجوهها.
وقيل: لأربابها أن يتلوا تفرقة الناض، وهو المال الباطن مستحقيه، وإن كان الإمام عدلا.
وتجب نية الزكاة، فينوي الزكاة المفروضة، وينوي ولي الصبي والمجنون. قال القاضي أبو الحسن: ورأيت بعض أصحابنا ذهب إلى أنها لا تفتقر إلى نية، قال: وأظنه إنما هب إلى ذلك لما رآها تجزئ يأخذ الإمام قهرا.
ثم قال القاضي أبو الحسن: ولا يحتاج الإمام إلى نية، لأن الفعل منه يقوم مقام النية، لأنه يأخذ ما وجب أخذه من المأخوذ منه وإن أن كارها، فإنه يعلم أن أخذها واجب عليه.
وينبغي للساعي أن يعلم من السنة بشهر لأخذ الزكاة، ويستحب أن يكون في الصيف حين تطلع الثريا مع الفجر. ولا يجب على الإمام ولا على نائبه أن يدعو لصاحب الصدقة إذا أخذها منه، ولكن يندب إلى ذلك.
القسم الثاني: في التعجيل.
ولا يجزئ في المدة الكثيرة لغلبة شائبة العبادة على الزكاة، وإن اشتملت على قصد سد الخلة، وفي إجزائه في اليسيرة خلاف. روى أشهب أنه لا يجزئ، وقيل: يجزئ.
ثم اختلف القائلون بالإجزاء في تقدير اليسيرة، فقال ابن المواز والقاضي أبو الفرج: مثل اليوم واليومين، قال محمد: على تكره، وحكى ابن حبيب عمن لقي من أصحاب مالك: الخمسة إلى العشرة، وقيل: نصف الشهر. وروى عيسى عن ابن القاسم تحديدها بالشهر ونحوه على تكره منه لذلك.
فرعان:
الأول: قال القاضي أبو بكر: هذا الخلاف مقصور على زكاة الحيوان والعين وأما زكاة الزرع فلا يجوز تقديمها فيه لأنه لم يملك بعد.
الفرع الثاني:
لو عجل الزكاة بل الحول بالمدة الجائزة على الخلاف فيها، ثم هلك النصاب قبل تمام الحول، أخذها إن كانت قائمة بعينها، وعلم أو تبين أنها زكاة معجلة وقت الدفع، وإن لم يتبين ذلك لم يقبل قوله.
وأما لو دفع الزكاة معجلة، ثم ذبح شاة من الأربعين، فجاء الحول ولم ينجبر النصاب، ولم يكن له الرجوع، لأنه يتهم أن يكون ذبح ندما ليرع فيما عجل.
القسم الثالث: في تأخير الزكاة.
وهو سبب للضمان والعصيان عند التمكن، فإن تلف النصاب بعد الحول وقبل التمكن نفلا زكاة عليه على المشهور. وقيل: تجب عليه زكاة ما بقي، وإن كان دون النصاب.
فلو ملك خمسا من الإبل، فتلف قبل التمكن أحدها، سقطت الزكاة عن الكل، كما لو تلف قبل الحول؛ لأن الإمكان شرط في الوجوب، وعلى الشاذ لا يسقط عنه إلا خمس شاة، لأن الإمكان عنده شرط في الأداء لا في الوجوب.
ولو اشترى بالنصاب بعد الحول سلعة، ثم باعها بعد حول آخر، فربح فيها، فإنه يؤدي عن النصاب للعام الأول، ثم يؤدي عن المجموع للعام الثاني إن كان له عرض يجعله في مقابلة قدر زكاة النصاب الأول، وإن لم يكن له عرض زكى ما بقي بعده على المعروف من المذهب.
قال الشيخ أبو الطاهر: ويتخرج على القول بأن دين المساكين في الزكاة لا يسقطها أن يزكي عن الجميع. قال ابن عبد الحكم في هذه المسألة: يستقبل بالربح حولا.
قال الشيخ أبو الطاهر: ومنها أخذ القول بأن الربح كالفائدة.
وإمكان الأداء يفوت بغيبة المال وبغية المستحق، وهو المسكين أو السلطان فيما يتولى قبضه على أحد القولين.
فإن قيل: هل تتعلق الزكاة بالعين؟ قلنا: فيه خلاف، قيل: تتعلق؛ إذ هي مواساة. وقيل: بل تتعلق، وهم كالشركاء، وعليه تخرج زكاة ما بقي وإن أن دون النصاب للشركة فيه كالشركة في التالف.
وإذا ملك عدة من الماشية، فتكرر الحول قبل أخراج الزكاة، ثم قدم الساعي فوجدها زائدة، فلتأخره سببان.
السبب الأول: تأخر الساعي عنه.
فيزكي ما وجد بيده عن ماضي السنين، على أن الجميع على ما بيده الآن من غير اعتبار بما كان بيده في السنين الماضية، ويبدأ بالسنة الأولى، ثم ما يليها، ما لم ينقص جزء الزكاة عدتها في بعض السنين، فينقص الواجب أو يسقط.
وقال أشهب: بل يخرج عن كل سنة زكاة ما كان يده فيها. ومن الأصحاب من نزل بالقول الأول على ما إذا لم يدع أن ماشيته كانت في ماضي السنين دون ذلك. قال غيره: وهو بعيد عن مقتضى لفظ الكتاب.
واستدل في الكتاب للمشهور بأن السعاة تخلفوا في الفتنة ست سنين، ثم بعثوا، فأخذوا من الناس عما تقدم على ما في أيديهم، ولم يسألوهم عما كان في أيديهم قبل ذلك مما مات في أيديهم، ولا مما أفادوا، قال: وهو الشأن. ورأى أنه كان كالمتفق عليه من السلف.
قال بعض الأصحاب: ولأنهم جعلوا الأعوام كالعام الواحد، وعدلوا بين أرباب الأموال والمساكين، فأخذوا بالزيادة ما لم يضمنوا النقص، مثال ذلك: أن تتخلف الساعة عمن يملك ألفا من الغنم مثلا عشرة أعوام، ثم تأتي وليس في يده إلا أربعون، فلا يؤخذ منه إلا شاة واحدة، فإن كان بالعكس، فكانت أولا أربعين، ثم كملت في العام الآخر، فالقولان كما تقدم. المشهور أنه يؤخذ منه زكاة الألف عن الأعوام المتقدمة. والشاذ أنه إنما تؤخذ منه شاة واحدة عن كل عام من الأعوام المتقدمة، وعن العام الآخر تسع شياه. قال الشيخ أبو الطاهر: وهذا هو القياس، وقد تقدم بيان مستند المشهور.
هذا إذا تخلفت عنه السعاة وعنده نصاب، فإن كان عنده دونه، ثم أتت السعاة وقد كمل نصابه وزاد بالولادة أو بالبدل، فإنه يزكي للأعوام التي كانت فيها نصابا دون سائر الأعوام، وهو مصدق في ذلك، وبه قال ابن القاسم، وقال أشهب: يزكي لجميع الأعمام؛ إذ العبرة بالعام الآخر، كما في الكثرة والقلة.
ولو كمل النصاب فائدة لم يزك إلا من يوم كماله.
السبب الثاني لتأخر الإخراج: هربه عن السعادة.
فيزكي لكل عام على ما كانت عليه، زادت عن عدة العام الحاضر، أو نقصت عنه.
وقال أشهب: إذا زادت في هربه، فهو كمن تخلفت عنه الساعة، ولا يكون أحسن حالا منه،. قال: وهو في نقصانها ضمن بهربه في كل عام لزكاة ما كانت عليه. قال سحنون: إذا هرب بأربعين عامين، فعليه شاتان، لأنه ضامن، فلا ينقص ما في ذمته.
فأما لو قدم الساعي، فوجدها ناقصة، وكان عدم الإخراج لغيبته، فلا ضمان على المالك، ويزكي لماضي السنين على ما بيده الآن ما لم ينقصها جزء الزكاة.

.النوع الثاني: زكاة المعشرات.

والنظر في الموجب، والواجب، ووقت الوجوب، وكيفية الإخراج.
الطرف الأول: الموجب والنظر في جنسه وقدره.
أما جنسه فكل مقتات متخذ للعيش غالبا، أنبتته أرض مملوكة أو مستأجرة، خراجية أو غير خراجية، إذا كان مالكه حرا مسلما، على ما تقدم من الخلاف في اشتراط الإسلام في الوجوب.
فتجب الزكاة في الحنطة والشعير والسلت والعلس، وهو الإشقالية، والذرة والدخن، والأرز، والقطاني وهي: الحمص واللوبيا، والعدس والفول المدمس والجلبان والبسيلة والجلجلان وحب الفجل. واختلف في الكرسنة، هل تعد من القطاني أم لا؟ فروى أشهب أنها منها.
وقال ابن حبيب: بل هي صنف على حدة، وتجب في التمر والزبيب.
وفي وجوبها في التين خلاف نزله القاضي أبو الوليد على النظر إلى المقتات في زمن نزول الأحكام وبلد أهلها، أو النظر إلى كل قطر وعادته.
وتجب في كل ما فيه زيت كما ذكرنا في الزيتون والجلجلان، وتجب أيضا في الترمس في رواية ابن وهب.
وأما حب الفجل الأحمر وزريعة الكتان والقرطم وهو ذريعة العصفر، ففي المذهب في كل واحد منها ثلاثة أقوال: الوجوب، والإسقاط، والتفرقة بين أن يكثر زيتها، فتجب فيها الزكاة، أو يقل فتسقط، وهي رواية ابن وهب.
وقال ابن القاسم: لا زكاة في بزر الكتان، ولا زيته، إذ ليس بعيش.
وقاله المغيرة وسحنون: وتجب فيما لا يتزبب من العنب، وما لا يخرج زيتا من الزيتون، وما لا يتمر من النخل. وقيل: لا تجب في شيء من ذلك.
وأما قدر الموجب، فهو قدر خمسة أوسق، والوسق ستون صاعا، والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بالبغدادي.
وقد قدر المتأخرون الوسق قفيزا وربعا بالقروي، فيكون النصاب ستة أقفزة وربع قفيزة بالقروي.
وقال الشيخ أبو إسحاق: يكون الوسق أردبين بالقفيز الفسطاطي، وتكون الخمسة الأوسق عشرة أرادب، وقاله ابن القاسم في المجموعة.
ثم تعتبر هذه الأوسق تمرا وزبيبا، لا رطبا وعنبا، وما لا يتمر يوسق على تقدير التتمير على المشهور، ولا يكمل نصاب جنس بجنس آخر.
ويعرف افتراق الجنسين بالتباين في المنفعة، ويكمل النصاب بأنواع الجنس الواحد المشترك فيها، فلا يضاف الزبيب إلى التين، ولا يضافان إلى الزيتون، ولا جميعها إلى التمر، ولا الزيتون إلى الجلجلان، ولا جميع ذلك إلى ذريعة الكتان إن قلنا: إن فيها الزكاة، وتضاف الحنطة إلى الشعير، ويضاف السلت إليهما، والزبيب والتمر والزيتون تضاف أنوع كل جنس منها بعضها إلى بعض.
واختلف في إضافة العلس وهو الإشقالية إلى الحنطة، وما يضاف إليها، أو كونه منفردا بنفسه.
واختلف أيضا في الأرز والذرة والدخن، هل يضاف بعضها إلى بعض أم لا؟
والنص ها هنا على أن القطاني صنف واحد، يضم بعضه إلى بعض. وأما في حم الربا فعلى روايتين، واختلف متأخرو الأصحاب في جريانها في حكم الزكاة أو تخصيصها بملحها.
قال القاضي أبو الوليد: وهذا الظاهر من الموطأ. قال: والأظهر عندي أن يكون كل صنف منها صنفا منفردا لا يضاف إلى غيره من الزكاة والبيوع، ولا يكمل ملك رجل بملك غيره، ولا يضم حمل نخلة إلى ملها الثاني.
وما اتفق في الزرع والنبات والحصاد من الجنس الواحد أضيف بعضه إلى بعض، وكمل منه النصاب.
وما كان له بطنان أو بطون، فقيل: يعتبر بالفصول، فيضاف ما نبت منه في زمن واحد بعضه إلى بعض، كالصيفي والربيعي والخريفي، لاجتماعه في السقي والمنفعة. وقيل: ينظر إلى ما اتفق في زمن النبات، كالاتفاق في الحول والملك في الفوائد، فيضاف منه ما زرع ونبت قبل حصاد ما قبله إليه.
وإذا فرعنا على هذا القول الثاني، فكان الزرع في ثلاثة أزمان، فإن زرع الثالث قبل حصاد الأول ضم الكلم بعضه إلى بعض، وإن زرعه بعد حصاه وقبل حصاد الثاني وجبت الزكاة إن كانت إضافة كل واحد من الطرفين منفردا إلى الوسط تكمل النصاب، ولم تجب إن كان لا يجتمع من مجموعهما معه نصاب. وفي الوجوب إذا كمل النصاب من اجتماع الوسط مع الطرفين جميعا، ولم يكمل بضم أحدهما منفردا إلى الوسط، خلاف. وقد أجراه الشيخ أبو الطاهر على الخلاف في مسألة خليطي شخص واحد، هل يعدان خليطين أم لا؟.
الطرف الثاني: في الواجب.
وهو العشر فيما سقت السماء، ونصف العشر فيما سقي بنضح أو دالية، وما شرب سيحا أو بعروقه، فهو كما سقت السماء. ولو كان يشرب بالسيح لكن رب الأصول لا يملك ماء، وإنما يكتريه له، فهو كالسماء على المشهور. ورأى أبو الحسن اللخمي أنه كالنضح.
ولو اجتمع السقيان على تساو وجب أداء ثلاثة أرباع العشر، وقيل: ينظر إلى ما حيي به الزرع، فيعلق الحكم عليه. وإن كان أحدهما أكثر واعتبر في المشهور.
وقال القاضي أبو محمد: يتخرج فيها قول آخر: أنه يوزع عليهما. قال: وقال ابن القاسم: يعتبر ما حيي به الزرع، ويجب أن يخرج العشر من جنس المعشر ونوعه.
ثم إن كان حبا أخذ من عينه صنفا واحدا كان أو أصنافا.
وأما التمر، فإن كان صنفا واحدا من وسط التمر أخذ منه، وإن كان من أعلاه أو أدناه كالبرني أو الجعرور وما أشبههما، فمذهب الكتاب أنه يأخذ من أيهما كان، ولا يكلف المالك الوسط في الأدنى، ولا يقبل منه في الأعلى، بخلاف الغنم.
وقال عبد الملك: إذا كان رديا كله لم يؤخذ منه، وكلف صاحبه أن يخرج من غيره، واعتبره بالماشية إذا كانت سخالا كلها. وكذلك أن كان جيدا كله قبل منه الوسط. وروى مثله ابن نافع.
فإن اختلف النوع على صنفين، أخذ من كل واحد بقسطه، ولا ينظر إلى الأكثر.
وقال عيسى بن دينار: إن كان فيها أكثر، أخذ منه، فإن كانت ثلاثة أصناف، فروى ابن القاسم أنه يأخذ من الوسط منها. وروى أشهب أنه يأخذ من كل واحد بقسطه.
الطرف الثالث: في وقت الوجوب.
وهو الطيب من الثمار، واليبس في الحب، فينعقد بذلك سبب وجوب إخراج التمر والحب عند الجفاف والتنقية.
فإذا أزهى النخل، وطاب الكرم، وأفرك الزرع أو استغنى عن الماء، واسود الزيتونة أو قارب الاسوداد وجبت الزكاة.
وقال المغيرة: تجب بالخرص، ورأى المصدق كالساعي في الماشية.
وقال محمد بن مسلمة: وقت انعقد سبب الوجوب الجداد، فلا يحصل قبله.
وفائدة الخلاف تظهر إذا مات المالك أو باع أو أخرج الزكاة، فعلى المشهور إذا مات بعد الطيب زكيت على ملكه، وإن كان جميعها خمسة أوسق.
وقال المغيرة: بل إذا خرص عليه قبل موته، فذلك ثابت على ورثته يخرجون ذلك، ثم يرثون ما بعده، وإن مات قبل الخرص، فإنما يخرص على ورثته، فمن صار له خمسة أوسق زكى.
وكذلك لو باع بعد الطيب وقبل الخرص أو بعدهما وقبل الجداد لجرى الخلاف في وجوب الزكاة على البائع أو المشتري على ما قدمناه.
وقال محمد بن مسلمة: إنما قدم الخرص توسعة على أرباب الثمار، ولو قدم رجل زكاته عبد الخرص وقبل الجداد لم تجزئه لأنه أخرجها قبل وجوبها.
ويدخل الخرص في التمر والعنب بعد بدو صلاحهما وطيبهما، ولا يدخل في الزيتون، وقيل: في الفرق وجهان:
أحدهما: ظهور النبات في التمر والعنب، وتمييزهما عن الأوراق.
والثاني: وهو المشهور: وجود حاجة أهلهما إلى أكلهما من حين يبتدئ الطيب فيهما، وما كان على ساق فهو بمنزلة الزيتون.
ولو احتيج فيما قلنا: إنه لا يخرص إلى الأكل منه قبل كماله، ففي خرصه قولان، سببهما الاختلاف المتقدم في الفرق بين ما يخرص وما لا يخرص.
فرع:
وصفة الخرص أن يقدر ما على نخلة نخلة رطبا، ويقدر ما ينقص لو تتمر، ثم يعتد بما يتبقى بعد النقص، ويضيف بعض ذلك إلى بعض، حتى يكمل الحائط، وكذلك في العنب، وسواء في ذلك ما يتمر أو يتزبب، وما لا يبلغ إلى ذلك.
وقال ابن الماجشون: يخرص ما لا يتمر ولا يتزبب على حاله، حكاه أبو الحسن اللخمي عنه.
ويكفي في الخرص الواحد كالحاكم، بخلاف حكمي الصيد، لأنهما كالمقومين. ولو خرص جماعة فاختلفوا، أخذ بقول أعلمهم، فإن استووا، أخذ من قول كل واحد منهم جزء سمي لعددهم، كثلث إن كانوا ثلاثة، أو ربع إن كانوا أربع، وشبه ذلك.
ولا يترك الخارص شيئا. وروى بعض المدنيين، أنه يخفف في الخرص، ويترك العرايا والصلات، ونحوهما. وأجرى أبو الحسن اللخمي الخلاف في ذلك على الاختلاف في وقت انعقاد سبب الوجوب.
ومهما تلف بجائحة فلا ضمان على المالك لفوات الإمكان، فإن أن بإتلافه ضمن قدر الزكاة.
ثم إذا ضمناه نفذ تصرفه في الجميع، فلو باع الجميع غرم مكيلة الزكاة، وقيل: تؤخذ من ثمنه.
فلو فلس البائع والثمرة بيده المشتري، أخذ منه حق المساكين، ويرجع هو على البائع بما يخص ذلك من الثمن. وقيل: لا يؤخذ من المشتري شيء.
ومنشأ الخلاف: هل المساكين كالشركاء، فيرجعون إلى عين شيئهم أم لا؟.
وإذا تبين خطأ الخارص، ورجع إلى ما تبين إذا كان غير عارف، وإن كان عارفا أخذ بقوله، ولم ينظر إلى ما حصل عند الجداد.
وقال ابن نافع: بل يرجع إلى ما تبين. وقيل: يلزمه إخراج الزيادة، ولا يصدق في النقص.
فرع:
قد بينا أن مشروعية الخرص في النخل والكرم على المشهور لحاجة أهلهما إلى أكلهما حال رطوبتهما، فإذا خرص ذلك خلى بينه وبين أهله، فإن شاؤوا أكلوا أو باعوا، وضمنوا حصة الفقراء من حين الخرص، ولا يطرح لهم ما يخرجونه من الأجر؛ إذ يلزمهم تخليص حصة الفقراء، وإن شاؤوا تركوه، ولم يضمنه، ثم تؤخذ الزكاة مما وجد، وافق قول الخارص أو خالفه، فإن نقص عن مقدار النصاب فلا زكاة فيه.
الطرف الرابع: في كيفية الإخراج.
ويؤخذ عن الحب الذي لا يعصر منه، وكذلك التمر والزبيب.
فأما ما لا يتمر من الرطب، ولا يتزبب من العنب، ولا يجف من التين، فقال في الكتاب: يؤخذ من ثمنه، وإن بيع بأقل مما تجب فيه الزكاة بشيء كثير إذا كان خرصه خمسة أوسق، وإن نقص عنها لم يجب فيه شيء وإن بيع بأكثر مما تجب فيه الزكاة بأضعاف.
وقيل يخرج من كامله، ويجزي من ثمنه، وقيل: لا يخرج من ثمنه مع القدرة على الكامل، وقال ابن المواز: لا يخرج إلا ثمنا، وأما الزيتون، فمن زيته.
واختلف فيما يعصر من الحب، فقيل: من دهنه كالزيتون، وقيل: كالذي لا يعصر، وقيل: بإجزاء الأمرين.

.النوع الثالث: زكاة النقدين:

والنظر في قدر الموجب وجنسه.
أما القدر:
فنصاب الورق مائتا درهم، ونصاب الذهب عشرون مثقالا، وفيهما ربع العشر، وما زاد فبحسابه، ولا وقص فيهما.
وأن نقص عن النصاب نقصانا بينا لم تجب الزكاة، وتفسير البين باتفاق الموازين عله في قول، وبأنه لا يجوز به بجواز الوازنة في آخر. وبالتفسير الثاني فسره في المختصر. وقيل: بنفي وجوبها مع النقص، وإن كان غير بين، وحكى رواية.
ويعتبر النصاب في جميع الحول إلا في نماء المال، فالاعتبار بحول أصله وإن كمل النصاب به في آخر الحول.
ويكمل نصاب أحد النقدين بالآخر، وجيد الصنف برديئه، بالوزن في الجميع، لا بالقيمة كما ظنه بعض الناس.
فحكى عن مالك أنه إن كان نقد البلد قراضة ومعه مائة وخمسون تروج بمائتين مكسرة وجبت الزكاة، وليس هذا بقول لمالك، ولا نقله أحد من أصحابه عنه، بل صرح المتأخرون منهم بنفيه، وقالوا: إنما رأوا في الموطأ أنها إذا نقصت وكانت تجوز بجواز الوازنة وجبت الزكاة، فظنوا النقص في المقدار، والجواز في الصفة، لأنها بارتفاع ثمنها تلقح بالوازنة.
قالوا: وهذا الذي ظنوه باطل قطعا، وليس هو مراد أهل المذهب، وإنما مرادهم أنها ناقصة نقصانا لا يتشاح في مثله في العادة.
ثم يخرج من كل من الذهب والورق بقدره. ونص في المختصر على جواز الإخراج من أيهما كان عنهما.
وقال ابن كنانة: يخرج الورق عنهما دون الذهب، وقال سحنون: إخراج الفضة عن الذهب أجوز من إخراج الذهب عن الفضة.
ثم في الاحتساب به على الصرف الأول أو الحاضر أو الأكثر منهما خلاف، والأول اختيار الشيخ أبي بكر، والثاني قول ابن المواز، وهو رأي ابن القاسم وابن نافع، والثالث قول ابن حبيب.
ولا زكاة في الدراهم المغشوشة، ما لم يكن قدر نقرتها نصابا، كان الغش قليلا أو كثيرا. قال القاضي أبو محمد: إلا أن يكون مما لا حكم له، كما يقول أهل الصنعة: إنه لا يأتي الضرب إلا به، كالدانق في العشرة وما أشبهه.
النظر الثاني: في جنسه.
ولا زكاة في شيء من نفائس الأموال سوى النقدين، وهو منوط بكونهما متهيأين للنماء، فلو اتخذ منهما حلي، فجوهرهما يقتضي وجوب الزكاة، وصورتهما تقتضي إسقاطها، إذ صار بالصياغة كالعروض.
لكن غلب مالك في الحلي المتخذ على قصد استعمال مباح حكم الصورة، فأسقط الزكاة عنه بشرطين، وهما: الصياغة المباحة، ونية اللبس المباح، فلو كان على قصد استعمال محظور، كما لو قصد الرجل بالسوار أو الخلخال أن يلبسه، أو قصدت المرأة ذلك في السيف، لم تسقط الزكاة؛ لأن المحظور شرعا كالمعدوم حسا، بل لا تسقط إذا قصد أن يكنزهما حليا؛ لأن الاستعمال المحتاج إليه لم يقصده.
ولو قصد إجازتهما ففي سقوط الزكاة بذلك روايتان، ينظر فيهما بقاء العين، وهو يلحقه بالمقتني، أو النماء، وهو يلحق بما اتخذ للتجارة. وخصص ابن حبيب سقوط الزكاة بأن يصدر الكراء عمن أبيح له الانتفاع بما أكرى دون غيره. فقال: لو اتخذ الرجل حلي النساء للكراء، لم تسقط عنه الزكاة.
ولو اشترى الرجل حلي النساء ليلبسه امرأة له أو ابنة غيرها، لا زكاة فيه، إذا كان اللبس ناجزا، وإن أعده لامرأة إن تزوجها، أو لأمة يشتريها، أو لولد يستحدثه، فلا تجب الزكاة فيه عند أشهب وأصبغ.
وقال ابن القاسم وابن عبد الحكم والمدنيون من الأصحاب: يزكيه، قال ابن حبيب: وبه قول لأنه ليس من لباسه، ولا صار إلى ما أمل منه.
وفي كون القصد الطارئ بعد الصياغة في هذه الأمور كالمقارن خلاف، ولو اتخذته عدة للدهر، لا ليبلسنه، ففيه الزكاة.
ولو انكسر الحلي، واحتاج إلى إصلاح، فحبس له لم يجز في الحول، لأنه حلي بعد. ولو تهشم واحتاج إلى السبك وابتدأ العمل، فحال عليه الحول في أضعاف ذلك، ففيه الزكاة عند بعض الأصحاب، تشبيها له بالتبر.
فرع:
حيث أوجبنا في الحلي الزكاة، وكان منظوما بشيء من الجواهر، فإن كان مما يمكن نزعه من غير فساد، زكى ما فيه من الذهب أو الفضة زكاة العين وما فيه من الأحجار زكاة العروض، وإن يمكن نزعه إلا بفساد، فهل يغلب حكم الجواهر التي فيه، فيزكى زكاة العروض، أو يراعى الأكثر، فيعطى الحكم له، أو يعطى لكل نوع حكمه، فيتحرى ما فيه من العين فيزكى، وما فيه من الحجارة يجري على حكم العروض؟ ثلاثة أقوال.
فإن قيل: ما الانتفاع المحرم في عين الذهب والفضة؟ قلنا: أما الذهب فأصله على التحريم في حق الرجال، وعلى التحليل في حق النساء، أعني فيما يستعملنه الناس، أو ما في معنى اللباس، ما يتخذنه لشعورهن وأزرار جيوبهن، وأقفال ثيابهن، ونحو ذلك مما يجري مجرى لباسهن.
ويستثنى للرجل منه اتخاذ أنف إن جدع أنفه، وربط أسنانه به إن احتاج إليه، وتحلية المصحف، وفي تحلية السيف به خلاف.
وأما الفضة، فحلال للنساء أيضا في اللباس وما في معناه كالذهب، ولا يحل للرجال إلا التختم بها، أو تحلية المصحف، وتحلية السيف خاصة من آلات الحرب، قاله ابن القاسم، ورواه. وقيل بالجواز في جميع آلات الحرب: السرج واللجام وغيره، وقال ابن حبيب: لا بأس باتخاذ المنطقة المفضضة والأسلحة كلها، ومنع ذلك في السرج واللجام والمهاميز والسكاكين، وما يتقى به ويتخذ للتحرز.
فرع:
قال أبو الحسن اللخمي: ويختلف في زكاة حلي الصبيان، فقال ابن شعبان:
فيه للزكاة، قال: والظاهر من قول مالك لا زكاة فيه لأنه قال: لا بأس أن يحرموا وعليهم الأسورة، قال: وإذا جاز لهم لباسه لم تكن فيه زكاة.
أما في غير الحلي وما في معناه كالأواني، فقد حرم الشرع اتخاذها من الذهب والفضة على الرجال والنساء، وكذلك المكاحل والمرايا المحلاة وأقفال الصناديق والأسرة والمذاب والمقدمات وشبه ذلك، لا يجوز اتخاذ شيء من ذلك من ذهب أو فضة، ولا تحليته بشيء منهما، لا للرجال ولا للنساء.
قال الشيخ أبو إسحاق: وما جعل في ثياب الرجال أو في الجدر من تنبيت الورق، فإن كان يمكن أن يخرج عنه منه ماله قدر يفضل على أجرة عامله زكى إن كان فيه نصاب، أو كمل به النصاب، ذهبا كان أو ورقا.
وتحلية غير المصحف من الكتب لا تجوز أصلا، وكذلك تحلية الدواة والمقلمة.
أما تحلية الكعبة والمساجد بالقناديل وعلائقها، والصفائح على الأبواب والجدر وما أشبه ذلك بالذهب والورق، فقال الشيخ أبو إسحاق: يزكيه الإمام لكل عام، كالمحبس الموقوف من الأنعام، وكالموقوف رمن المال العين للقرض على سائر الأيام. وقد تقدم اختيار عبد الحق لخلاف هذا القول.