فصل: وصية الصديق لعمرو بن العاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح الشام (نسخة منقحة)



.وصية الصديق لعمرو بن العاص:

وتقدم عمرو بن العاص وسار قال أبو الدرداء كنت مع عمرو بن العاص في جيشه فسمعت أبا بكر يقول وهو يوصيه: اتق الله في سرك وعلانيتك واستحيه في خلواتك فإنه يراك في عملك وقد رأيت تقدمتي لك على من هو أقدم منك سابقة واقدم حرمة فكن من عمال الاخرة وأرد بعملك وجه الله وكن والدا لمن معك وارفق بهم في السير فإن فيهم أهل ضعف والله ناصر دينه ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وإذا سرت بجيشك فلا تسر في الطريق التي سار فيها يزيد وربيعة وشرحبيل بل اسلك طريق أيليا حتى تنتهي إلى ارض فلسطين وابعث عيونك يأتونك بأخبار أبي عبيدة فإن كان ظافرا بعدوه فكن أنت لقتال من في فلسطين وأن كان يريد عسكرا فأنفذ إليه جيشا في أثر جيش وقدم سهل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل والحرث بن هشام وسعيد ابن خالد وإياك أن تكون وانيا عما ندبتك إليه وإياك والوهن أن تقول جعلني ابن أبي قحافة في نحر العدو ولا قوة لي به وقد رأيت يا عمرو ونحن في مواطن كثيرة ونحن نلاقي ما نلاقي من جموع المشركين ونحن في قلة من عدونا ثم رأيت يوم حنين ما نصر الله عليهم واعلم يا عمرو أن معك المهاجرين والأنصار من أهل بدر فاكرمهم واعرف حقهم ولا تتطأول عليهم بسلطانك ولا تداخلك نجدة الشيطان فتقول إنما ولاني أبو بكر لاني خيرهم وإياك وخداع النفس وكن كأحدهم وشاورهم فيما تريد من أمرك والصلاة ثم الصلاة اذن بها إذا دخل وقتها ولا تصل صلاة إلا بأذان يسمعه أهل العسكر ثم ابرز وصل بمن رغب في الصلاة معك فذلك افضل له ومن صلاها وحده أجزأته صلاته واحذر من عدوك وأمر أصحابك بالحرس ولتكن أنت بعد ذلك مطلعا عليهم وأطل الجلوس بالليل على أصحابك وأقم بينهم وأجلس معهم ولا تكشف استار الناس واتق الله إذا لاقيت العدو وإذا وعظت أصحابك فأوجز واصلح نفسك تصلح لك رعيتك فالإمام ينفرد إلى الله تعالى فيما يعلمه وما يفعله في رعيته وإني قد وليتك على من قد مررت من العرب فاجعل كل قبيلة على حميتها وكن عليهم كالوالد الشفيق الرفيق وتعاهد عسكرك في سيرك وقدم قبلك طلائعك فيكونوا امامك وخلف على الناس من ترضاه وإذا رايت عدوك فاصبر ولا تتأخر فيكون ذلك منك فخرا والزم أصحابك قراءة القرآن وانههم عن ذكر الجاهلية وما كان منها فإن ذلك يورث العداوة بينهم وأعرض عن زهرة الدنيا حتى تلتقي بمن مضى من سلفك وكن من الإئمة الممدوحين في القرآن إذ يقول الله تعالى: {وجعلناهم آئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات واقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عبدين} قال فكان أبو بكر رضي الله عنه يوصي عمرو بن العاص وأبو عبيدة حاضر ثم قال سيروا على بركة الله تعالى وقاتلوا اعداء الله وأوصيكم بتقوى الله فإن الله ناصر من ينصره قال فسلم المسلمون.
عليه وودعوا وساروا في تسعة آلاف مع من ذكرنا يريدون أخذ فلسطين فلما كان بعدهم بيوم واحد عقد العقود والرايات إلى أبي عبيدة بن الجراح وأمره بأن يقصد بمن معه ارض الجابية وقال: يا أمين الأمة قد سمعت ما وصيت به عمرو بن العاص وودعه المسلمون فلما عاد أبو بكر والمسلمون دعا بخالد بن الوليد وعقد له راية وكانت له راية النبي صلى الله عليه وسلم وأمره على لخم وجذام وضم له جيش الزحف وكانوا شجعانا ما منهم إلا من شهد الوقائع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: يا أبا سليمان قد وليتك على هذا الجيش فاقصد به ارض العراق وفارس وارجوا الله أن ينصركم ثم إنه ودعه وسار خالد بمن معه يطلب العراق.
قال حدثني ربيعة بن قيس قال كنت في الجيش الذي وجهه أبو بكر الصديق مع عمرو بن العاص إلى فلسطين وايليا وكان صاحب رايته سعيد بن خالد قال: وبعث أبو بكر مع كل جيش اميرا وهو يدعوا لهم بالنصر وأخذه القلق على المسلمين حتى عرف ذلك في وجهه فقال له عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما هذا الغم الذي نزل بك فقال اغتممت على جيوش المسلمين وارجوا الله أن ينصرهم على عدوهم فقال عثمان والله ما خرج جيش سررت به إلا هذا الجيش الذي سار إلى الشام وهذا الذي اوصى الله نبيه به وليس في قوله خلف وأنا سنظهر على الروم وفارس ولكن ما ندري متى يكون أفي هذا البعث أو غيره ولكنأحسن الظن بالله قال: وبات الصديق فرأى في منامه كأن عمرو بن العاص وجهه طرمة هو وأصحابه ثم قصد عمرو ارضا خضرة سهلة وفرجة فحمل على فرسه ثم أتبعه أصحابه فإذا هم في ارض واسعة فنزلوا واستراحوا قال: وانتبه أبو بكر من منامه فرحا بما رأى فقال عثمان يدل على فتح إلا إنه يوشك أن يلقى عمرو في قتال المشركين مشقة عظيمة ثم يخلص منها.
قال الواقدي: كانت الساقطة تنزل المدينة في الجاهلية والإسلام يقدمون بالبر والشعير والزيت والتين والقماش وما يكون في الشام فقدم بعض الساقطة إلى المدينة وابو بكر ينفذ الجيوش وسمعوا كلام أبي بكر لعمرو بن العاص وهو يقول: عليك بفلسطين وايليا قال فساروا بالخبر إلى الملك هرقل فلما سمع ذلك جمع أرباب دولته وبطارقته واعلمهم بالحديث الذي جرى وقال: يا بني الأصفر هذا الذي كنت حذرتكم منه قديما وأن أصحاب هذا النبي لا بد أن تملك ما تحت سريري هذا وقد قرب الوعد وأن خليفة محمد قد انفذ لكم الجيوش وكأنكم بهم وقد أتوكم وقصدوا نحوكم فحذروا أنفسكم وقاتلوا عن دينكم وعن حريمكم فإن تهاونتم ملكت العرب بلادكم وأموالكم قال: فبكى القوم فقال لهم: دعوا عنكم البكاء ثم قال له وزيره: أيها الملك قد اشتهينا أن تدعو بعض من قدم بهذا الخبر عليك فأمر هرقل بعض حجابه أن.
يأتي برجل من المتنصرة ممن قدم عليه بالأخبار برجل منهم فقال له الملك: كم عهدك قال منذ خمسة وعشرين يوما قال: فمن المتولي عليهم قال له رجل يقال له أبو بكر الصديق: وجه جيوشه إلى بلدك قال هل رأيت أبا بكر قال: نعم وانه أخذ مني شملة بأربعة دراهم وجعلها على كتفه وهو كواحد منهم وهو يمشي في ثوبين ويطوف بالاسواق ويدور على الناس يأخذ الحق من القوي للضعيف قال هرقل: صفه لي قال هو رجل آدم اللون خفيف العارضين فقال هرقل: وحق ديني هو صاحبأحمد الذي كنا نجد في كتبنا إنه يقوم بالأمر من بعده ونجد في كتبنا أيضا أن بعد هذا الرجل رجلا آخر طويلا كالاسد الوثاب يكون على يديه الدمدمة والجلاء قال فشهق المتنصر من قول هرقل وقال أن هذا الذي وصفته لي رأيته معه لا يفارقه قال هرقل: هذا الأمر والله قد صح وقد دعوت الروم إلى الرشد والصلاح فأبوا أن يطيعوني وأن ملكي سوف ينهدم ثم عقد صليبا من الجوهر وأعطاه قائد جيوشه روبيس وقال له: قد وليتك على الجيوش فسيروا لمنع العرب من فلسطين فإنها بلد خصب كثيرة الخير وهي عزنا وجاهنا وتاجنا فتسلم روبيس الصليب وسار من يومه إلى أجنادين واتبعه جيش الروم.

.عمرو بن العاص في فلسطين:

قال الواقدي: لقد بلغني أن عمرو بن العاص توجه إلى ايليا حتى وصل إلى ارض فلسطين هو ومن معه قال فلما نزل المسلمون بفلسطين جمع عمرو المسلمين المهاجرين والأنصار وشاورهم في امرهم فبينما هم في المشورة إذ أقبل عليهم عدي بن عامر وكان من خيار المسلمين وكان كثيرا ما يتوجه إلى بلاد الشام وداس ارضهم وعرف مساكنها ومسالكها فلما اشرف على المؤمنين داروا به واوقفوه بين يدي عمرو بن العاص فقال عمرو بن العاص ما الذي وراءك يا ابن عامر قال: ورائي المتنصرة وجنودهم مثل النمل فقال له عمرو: يا هذا لقد ملأت قلوب المسلمين رعبا وأنا نستعين بالله عليهم فقال له: فكم حزرت القوم فقال: أيها الأمير إني قد علوت على شرف من الجبال عال فرأيت من الصلبان والرماح والأعلام ما قد ملأ الأجم وهو اعظم جبل بأرض فلسطين وهم زيادة عن مائة ألف فارس وهذا ما عندي من الخبر قال فلما سمع عمرو ذلك قال:
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم أقبل على من حضر من كبار المسلمين وقال: أيها الناس أنا وإياكم في هذا الأمر بالسواء فاستعينوا بالله على الأعداء وقاتلوا عن دينكم وشرعكم فمن قتل كان شهيدا ومن عاش كان سعيدا فماذا أنتم قائلون قال فتكلم كل رجل بما حضر عنده من الرأي فقالت طائفة.
منهم: أيها الأمير ارجع بنا إلى البرية حتى نكون في بطن البيداء فانهم لا يقدرون على فراق القرى والحصون فإذا جاءهم الخبر اننا توسطنا البرية يتفرق جمعهم وبعد ذلك نعطف عليهم وهم على غفلة فنهزمهم أن شاء الله تعالى فقال سهل بن عمرو أن هذه مشورة رجل عاجز فقال رجل من المهاجرين لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهزم الجمع الكثير بالجمع القليل وقد وعدكم الله النصر وما وعد الصابرين إلا خيرا وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 123] قال سهل ابن عمرو أما أنا فلا رجعت عن قتال الكفرة ولا رددت سيفي عنهم فمن شاء فلينهض ومن شاء فليرجع ومن نكص على عقبيه فأنا وراءه بالمرصاد قال فلما سمع المسلمون إنه وافقه على ذلك عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالوا: أحسنت يا أبا الفاروق قال ثم أن عمرو بن العاص عقد راية واعطاها عبد الله بن عمر بن الخطاب وضم إليه ألف فارس فيهم رجال من الطائف ومن ثقيف وأمرهم بالمسير فسار عبد الله وجعل يجد السير بقية يومه إلى الصباح وإذا بغبرة القوم قد لاحت فقال عبد الله بن عمر هذه غبرة عسكر واظنها طليعة القوم ثم وقف ووقف امامه أصحابه فقال قوم من البادية اتركنا نرى ما هذه الغبرة فقال: لا تتفرقوا من بعضكم حتى نرى ما هي فوقف الناس وإذا بالغبرة قد قربت وانكشفت عن عشرة آلاف من الروم وقد بعث معهم روبيس بطريقا من أصحابه وكانوا قد ساروا يكشفون خبر المسلمين فلما نظرهم عبد الله بن عمر قال لأصحابه: لا تمهلوهم لانهم لا بد لهم منكم والله ينصركم عليهم واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف قال فأعلن القوم بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله فلما جهروا بها أجابهم الشجر والمدر والدواب والحجر وكان أول من حمل عكرمة بن أبي جهل وتبعه سهل بن عمرو والضحاك أيضا بالجملة وصاح في رجاله وحمل المهاجرون والأنصار معهم والتقى الجمعان وعمل السيف في الفريقين قال عبد الله بن عمر وبينما أنا في الوقعة إذ نظرت من القوم بطريقا عظيم الخلقة وهو كالحائر البليد وهو يركض يمينا وشمالا فقلت: إن يكن لهذا الجيش عين فهذا عين الجيش وصاحب الطلائع وهو مرغوب من الحرب فلما حملت عليه ومددت قناتي إليه نفر فرسه من الرمح فقربت منه واوهمته إني أريد الانهزام ثم عطفت عليه وطعنته فوالله لقد خيل لي إني ضربت بسيفي حجرا وسمعت طنين السيف حتى حسبت أن سيفي انفصل وإذا هو صريع ثم عطفت عليه واخذت لامته فلما رأى المشركون صاحبهم مجندلا داخلهم الفزع والهلع وصدمهم المسلمون في الضرب والقتال فلله در الضحاك والحرث بن هشام لقد قاتلا قتالا شديدا ما عليه من مزيد فما كان غير قليل حتى انهزم الكفار من بين ايديهم هاربين قال فرجع المسلمون واجتمع بعضهم على بعض وجمعوا الغنائم والأموال وقال بعضهم لبعض ما فعل الله بعبد الله بن.
عمر قال قائل منهم الله خبير بحسن زهده وعبادته وقال اخرون لقد أصبنا بابن عمر فما كان يساوي هذا الفتح شعرة من رأسه.
قال عبد الله بن عمر وأنا مع ذلك أسمع كلامهم خلف الراية فاعلنت بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير وهززت الراية فلما نظر المسلمون الراية سارعوا إلى وقالوا: أين كنت فقلت: اشتغلت بقتال صاحبهم فقالوا: أفلح والله وجهك فهذا والله فتح قد رزقنا الله إياه ببركتك قال عبد الله: بوجوهكم ثم حازوا الأموال والغنائم والخيل وستمائة أسير وقتل من المسلمين سبعة نفر فواروهم وصلى عليهم ابن عمر وانعطف الجيش إلى عمرو بن العاص وحدثوه بما جرى ففرح وحمد الله تعالى ثم دعا بالأسرى واستنطق منهم بالعربية فما كان فيهم غير ثلاثة نفر من أنباط الشام فسألهم عن خبرهم وخبر أصحابهم فقالوا: يا معشر العرب أن هذا روبيس قد أقبل في مائة ألف فارس وقد امره الملك أن لا يدعأحدا من العرب يصل ايليا وانه بعث بهذا البطريق طليعة وقد قتل وكأنكم به فقال عمرو أن الله يقتله كما قتل صاحبكم ثم عرض عليهم الإسلام فماأحد منهم أسلم فقال عمرو للمسلمين كأنكم بصاحبهم وقد أتى يأخذ ثأرهم وهؤلاء تركهم علينا بلاء ثم أمر بضرب اعناقهم وصاح بالمسلمين استعدوا فاني أظن أن القوم سائرون فإن أتوا إلينا فهم في شدة وقوة وسنلقي منهم تعبا في القتال وأن سرنا إليهم نرجو من الله النصر والظفر بهم كما ظفرنا بغيرهم وما عودنا الله إلا خيرا قال أبو الدرداء بتنا مكاننا فلما جاء الله بالصباح رحلنا فما بعدنا غير قليل حتى اشرقت علينا عشرة صلبان تحت كل صليب عشرة آلاف فارس فلما أشرف الجيش على الجيش أقبل عمرو ورتب أصحابه وجعل في الميمنة الضحاك وفي الميسرة سعيدا وأقام على الساقة أبا الدرداء وثبت عمرو في القلب ومعه أهل مكة وأمر الناس يقرأون القرآن وقال لهم: اصبروا على قضاء الله وارغبوا في ثواب الله وجنته ثم إنه جعل يصفهم ويعبيهم تعبية الحرب ونظر روبيس بطريق الروم إلى عسكر المسلمين وقد صفهم عمر بن العاص لا يخرج سنان عن سنان ولا عنان عن عنان ولا ركان عن ركاب وهم كأنهم بنيان مرصوص وهم يقرأون القرآن والنور يلمع من نواصي خيولهم فشم منهم رائحة النصر وتبين من نفسه الجزع وعلم أن كل من معه كذلك فوقف ينظر ما يكون من المسلمين وانكسرت حميته قال: وكان أول من برز من جيش المسلمين سعيد ابن خالد رضي الله عنه وهو اخو عمرو بن العاص من امه فلما برز نادى برفيع صوته: ابرزوا يا أهل الشرك ثم حمل على الميمنة فالجأها إلى المسيرة وحمل على الميسرة فالجأها إلى الميمنة وقتل رجالا وجندل أبطالا ثم اقتحم فيهم فشوشهم وزعزع جيشهم قال فاجتمعوا عليه فقتلوه رحمة الله عليه قال فحزن المسلمون على قتله حزنا عظيما واكثرهم عمرو بن العاص وقال: واسعيداه لقد اشترى نفسه من الله عز.
وجل ثم قال: يافتيان من يحمل معي هذه الحملة حتى ننظر ما يكون من امرها وأنظر حال سعيد قال فاسرع بالإجابة ذو الكلاع الحميري وعكرمة بن أبي جهل والضحاك والحرث بن هشام ومعاذ بن جبل وابو الدرداء وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم اجمعين قال عبد الله وكنا سبعين رجلا وحملنا حتى دنونا من القوم وهم لا يفكرون من حملتنا لانهم جبال من حديد.
قال الواقدي: رحمة الله عليه فلما رأى المسلمون ثبات الروم صاح بعضنا لبعض ابعجوا دوابهم فما هلاكهم غير ذلك قال فبعجنا دوابهم بالاسنة فتنكسوا فبعد انتكاسهم تفرق بعضهم عن بعض وحملوا علينا وحملنا عليهم وكنا فيهم كالشامة البيضاء في جلد البعير الأسود وكان شعارنا يوم فلسطين لا إله إلا الله محمد رسول الله يا رب انصر امة محمد صلى الله عليه وسلم قال أبو الدرداء: فلقد شغلني الحرب عن مناشدة الاشعار ولقد كان أحدنا لا يدري أهو يضرب أخاه أو عدوه من كثرة القتام قال فثبت المسلمون مع قتلهم وفوضوا امرهم إلى الله عز وجل وما كان أحد من المسلمين يضرب إلا وظهره ناطق بالدعاء يقول: اللهم انصرنا على من يتخذ معك شريكا قال عبد الله بن عمر بن الخطاب فلم يزل الحرب بيننا إلى وقت الزوال وهبت الرياح والناس في القتام إذ نظرت إلى السماء وقد انفرج فيها فرج وخرجت منها خيول شهب تحمل رايات خضرا أسنتها تلمع ومناد ينادي بالنصر ابشروا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد أتاكم الله بالنصر قال فلما كان غير قليل إذ نظرت إلى الروم منهزمين والمسلمون في أعقابهم لأن خيل العرب أسبق من خيل الروم قال ابن عمر فقتلنا في هذه الواقعة قريبا من خمسة عشر ألف فارس واكثر ولم نزل في آثارهم إلى الليل وعمرو بن العاص قد فرح بالنصر وقلبه متعلق بالمسلمين لاسراعهم وراء العدو وقال عمرو بن غياث فنظرت إلى عمرو بن العاص والراية في يده وقد أوفى القناة على عاتقه وهو يعركها بيده ويقول: من يرد الناس علي رد الله عليه ضالته إذ نظرت العرب قد عطفت راجعة كعطفة الأم على ولدها فاستقبلهم عمرو وهو يقول: هنيئا لهذه الوجوه التي تعبت في رضا الله تعالى أما كان لكم كفاية في أن خولكم الله حتى اتبعتم العدو فقالوا: ما أردنا الغنيمة بل القتال والجهاد قال: ولما رجع المسلمون لم يكن لهم همة إلا افتقاد بعضهم بعضا ففقد من المسلمين مائة وثلاثون رجلا ختم الله لهم بالسعادة منهم سيف بن عبادة ونوفل بن دارم والأهب بن شداد والباقي من اليمن ووادي المدينة قال فاغتم عمرو لفقدهم ثم راجع نفسه وقال قد نزل بهم خير وانت يا عمرو تأبى ذلك ثم ندب الناس إلى الصلاة كما أمره أبو بكر الصديق رضي الله عنه فصلى ما فاته كل صلاة بأذان واقامة قال ابن عمر ما صلى خلفه إلا قليل بل صلى الناس في رحالهم من تبعهم ولم يجمعوا من الغنائم إلا القليل وبات الناس فلما أصبح عمرو أذن وصلى بهم وأمر الناس بجمع الغنائم وأن يخرجوا.
2
إخوانهم المؤمنين من الروم فجعلوا يلتقطونهم قال فاخرجوا مائة وثلاثين رجلا ووجدوا سعيد بن خالد فلما نظر عمرو إلى ما نزل به بكى وقال رحمك الله فقد نصحت لدين الله وأديت النصيحة ثم جعله في جملة المسلمين وصلى عليهم وأمر بدفنهم وذلك قبل أن يخمس شيئا من الغنائم ثم بعد ذلك جمعها إليه وكتب إلى أبي عبيدة كتابا يقول فيه.