فصل: أبواب صفة الجنَّة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: قوت المغتذي على جامع الترمذي



.أبواب صفة الجنَّة:

693- [2526] «لَو أنَّكم تَكُونُونَ إِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي عَلَى حَالِكُمْ ذلك لَزَارَتْكم الملائكة في بُيُوتِكُمْ»
هذا دليل على إمكان رؤية الملائكة كرامة للأولياء.
«وَلَوْ لَمْ تذْنِبوا لَجَاءَ اللهُ بخَلْقٍ جَدِيدٍ، كَيْ يُذْنِبُوا فَيَغْفِرَ لَهُمْ». قال ابن الخازن: مراده أنَّ الله قدر الذنوب ليظهر ذل العبودية من النادم، فيقابل بالعفو، فيظهر عز الرَّبوبية.
«وَمِلاطُهَا» بكسر الميم: هو الطين الذي يُجعَل بين سَاقي البناء يملط به الحائط، أي يخلط.
«وَحَصْبَاؤها» هي الحصى الصَّغار.
«يَنْعم لاَ يَيْأَسُ» لا يفتقر ولا يحتاج.
6694- [2528] «إنَّ في الجنَّة جنتين من فضَّة آنيتهما وما فيهما».
قال الكرماني: في: «آنيتهما» مبتدأ، و«من فضة» خبره، ويحتمل أن تكون آنيتهما فاعل: «فضة» كما قال ابن مالك في قولهم: مررتُ بوادٍ أثْلٍ كلُّهُ أنَّ كله فاعل على الأثل أي: جنتين مفضض آنيتهما.
«وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِم إِلاَّ رِدَاءُ الكِبْرَيَاءِ علَى وجهه في جنَّة عَدْنٍ».
قال النووي: أي والناظرون في جنة عدن، فهي ظرف للناظر.
695- [2530] «والفِردَوْسُ؛ أعلى الجنَّةِ، وَأَوْسَطُهَا» أي: خيرها.
«وَفَوْقَ ذلك عَرشُ الرَّحمَنِ».
قال ابن القيم في كتابه: نكت شتى وفوائد حسان: أنزه الموجودات وأظهرها وأنورها وأشرقها، وأعلاها ذاتًا وقدرًا وأوسعها عرش الرَّحمن جلَّ جلاله، وكلما كان أقرب إلى العرش كان أنور وأزهر وأشرف ما بعد عنه، ولهذا كانت جنة الفردوس أعلى الجنان وأشرفَهَا وأنورَهَا وأجَلَّهَا؛ لقربها من العَرش إذ هو سقفهَا، وكلما بعد عنه كان أظلم وأضيق.
ولهذا كان أسفلُ سافلين شرَّ الأمكنة وأضيقها وأبعدها من كل خير.
696- [2537] «مِنَ الأُلُوَّةِ»
قال في النِّهاية: هو العود الذي يتَبَخَّرُ به، وتفتح همزته وتضم وهي أصلية، وقيل زائدة.
697- [2538] «لو أنَّ ما يقِلُّ ظُفْرٌ» أي ما يرفعه، ويحمله بَدَا بلا همز؛ أي ظهر.
«لَتَزَخْرَفَتْ» أي: تزينت.
«مَا بَيْنَ خَوَافِقِ السَّمَوَاتِ» قال في النِّهاية: في الجهات التي يخرج منها الرِّياح الأربع.
698- [2541] «فِي ظِلِّ الفَنَنِ» بفتح الفاء ونونين؛ وهو غصن الشجرة.
699- [2548] «لَيُضْغَطُونَ عَلَيْهِ» أي: يزدحمون يقال: ضغطه، يضغطه، ضغطًا إذا عصره.
700- [2549] «إلاَّ حاضَرَهُ اللهُ مُحَاضَرَةً».
قال التوربشتي: الكلمتان بالحاء المُهملة والضاد المعجمة، والمراد من ذلك كشف الحجاب، والمقاولة مع العبد من غير حجاب ولا ترجمان.
«حَتَّى يَتَخيَّلَ علَيْهِ» أي: يظهر عليه لباس أحسن من لباس صاحبه.
701- [2550] «إِنَّ في الجنَّةِ لسُوقًا مَا فِيْهَا شِرَاءٌ وَلاَ بَيْعٌ، إِلاَّ الصُّورَ مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ، فإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَل فِيهَا».
قال الطيبي: قيل يحتمل معنيين أحدهما: أن يكون معناه عرض الصورة المستحسنة عليه، فإذا تمنى صورة من تلك الصور المعروضة عليه، صوَّره الله تعالى بشكل تلك الصورة بقدرته.
والثاني: أنَّ المراد من الصُورة الزينة التي يتزيَّن الشخص بها في تلك السوق، ويتلبس بها ويختار لنفسه من الحلي والحلل والتاج، يقال لفلان صورة حسنة، أي: شارَة حسنة وهيئات مليحة.
وعلى كلا المعنيين، التغيير في الصفة لا في الذات؛ والمراد بالسوق المجمع، والاستثناء منقطع.
وقال الحافظ ابن حجر في القول المسدد: هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: هذا حديث لا يصح، والمتَّهم به عبد الرَّحمن بن إسحاق، وهو أبو شيبة الواسطي.
قال أحمد: ليس بشيء، منكر الحديث.
وقال يحيى: متروك.
وقد أخرجه الترمذي من طريقه، وقال: غريب؛ وحسَّن له غيْرَهُ مع قوله: إنَّه تُكُلِّمَ فيه من قِبل حفظه.
وصحح لهُ الحاكم حديثًا غير هذا.
وأخرج له ابن خزيمة في الصِّيام من صحيحه آخر، لكن قال: في القلب من عبد الرَّحمن.
وله شاهد أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث جابر مرفوعًا: «إنَّ في الجنَة لَسُوقًا ما يُباعُ فِيها وَلاَ يُشْتَرَى إلاَّ الصُّور، فمن أحب صُورة من رجل وامرآة دخل فيها». وفي إسناده جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف. والمستغرب منه قوله: «دخل فيها» والذي يظهر لي أنَّ المراد به أنَّ صورته تتغيَّر، فتصير شبيهة بتلك الصورة، لا أنه دخل فيها حقيقة. أو المراد بالصورَة الشكل والهيئة والبزة. انتهى.
702- [2557] «أُتِيَ بالمَوْتِ ملَبَّبًا» يقال: لُبِّبَ الرَّجل، إذا جعلت في عنقه ثوبًا أو غيره وجررته به.
703- [2558] «إِذَا كَانَ يَوم القيامة أُتِي بِالمَوْتِ كَالكَبْشِ الأمْلح».
قال الشيخ عز الدِّين بن عبد السلام: فيه سؤال، وهو أنَّ الموت عرض والعرض كيف يكون كبشًا؟ وكيف يُذْبَحُ مع أنَّه لا يبقى زمانين؟
قال: والجواب: أنَّ الله خلق كبشًا وسماه باسم الموت، لا أنه نفس العرض، وخلق فرسًا وسماه الحياة، فلا ينظر أحدٌ هذا الكبش إلاَّ مات.
ولاَ يَأْتِي عزرائيل إلى أحدٍ إلاَّ به، فساعَة وقوع بصره عليه تزهق رُوحه.
وكذلك الفرس لا يَحِلُّ في شيء إلاَّ حَيِي، وهو الفرس الذي كان تحت جبريل يوم غرِق فرعون، وأخذ السامري من تراب حافره شيئًا فألقى به في العِجل الذهبي فَحَيِيَ.
ويلزم هذا القائل أن لا يدعو بالمغفرة والرَّحمة، لأنها لأصحاب الذنوب، وكل هذا ما عرف من عادة السلف والخلف. انتهى.
704- [2440] «إِنَّ مِنْ أُمَّتي من يشفع للفِئَام» هو بالهمز: الجماعة الكثيرة.

.أَبْوَابُ صِفَة جَهَنّمَ:

705- [2578] «وَفَخذُهُ مِثْلُ البَيْضَاءِ» قال في النِّهاية: قِيل هو اسمُ جَبَل.
706- [2581] «سَقَطَتْ فروَةُ وَجْهِهِ» قال في النِّهاية: أي جلدته، استعارها من الرأس للوجه.
707- [2582] «فَيَسْلَتُ مَا فِي جَوْفِهِ» أي يقطعه ويستأصِله.
708- [2583] «وَوَقَعَتْ فروَة رَأْسِهِ» قال في النِّهاية: الأصل المهملة.
710- [2596] «فَلَقَدْ رَأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضْحَكُ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ» بالذال المعجمة.
قال في النِّهاية: وهي- من الأسنان- الأنياب، أو التي تلي الأنياب، وآخر الأضراس أو أقصاها، والمراد الأول؛ لأنه ما كان لا يبلغ به الضحك حتى يبدُو آخر أضراسه، كيف وقد جاء في صِفة ضحكه التبسُّم؟ وإن أريد بها الأواخر، فالوجه فيه أن يراد مبالغته مثله في ضحكه، من غير أن يراد ظهور نواجذه في الضحك، وهو أقيس القولين؛ لاشتهار النواجذ بآخر الأسنان.
711- [2597] «حُممًا».
جِمع حُمة وهي الفحمة.
«فيَنبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الغُثَاءُ فِي حُمَالَةِ السَّيْلِ».
قال في النِّهاية: بضم الغين المعجمة ومثلثة، ومد؛ يريد ما احتمله السيل من البزُورات فإنها إذا استقرت على شط مجرى السيل تنبت في يوم وليلة، فشبه بها سُرعة عود أبدانهم وأجسادهم إليهم بعد إحراق النَّار لها.
712- [2601] «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، ولاَ مِثْلَ الجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا».
قال ابن الخازن: إسناد هذا الحديث واه، وهو لا يصح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو محفوظ من كلام عامر بن عبد قيس.
ومقصود الحديث التعجب من مؤمن بالدارين وهو لا يعمل بمقتضى علمه.
إنما نعرفه من حديث يحيى بن عبيد الله، ويحيى بن عبيد الله ضعيف عند أهل الحديث، تكلم فيه شعبة.
قلتُ: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من هذا الطريق، ثم أخرجه من طريق عبد الرَّحمن بن شَرِيْك عن أبيه عن محمَّد الأنصاري، والسُّدِّي عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا به، فهذه متابعة ليحيى، ثم قال البيهقي: وروي ذلك أيضًا عن عاصم عن زِر عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا وروي عنه موقوفًا. انتهى.
713- [2604] «إِنَّ أَهوَن أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رجُلٌ فِي أَخْمَص قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ» قيل: هو أبو طالب.
714- [2605] «كُلُّ ضعيفٍ، مُتَضَعِّفٍ» قال في النِّهاية: «يريد الذي يتضعَّفه النَّاس ويتجبرون عليه في الدُّنيا؛ للفقْر ورثاثة الحال».
«كُلُّ عُتُلٍّ» هو الشديد الجافي، والفظُّ الغليظُ من النَّاس.
«جَوَّاظٍ» هو الجموع المنوع، وقيل: الكثير اللحم المختال في مشيه، وقيل: القصير البطين.

.أبواب الإيمان:

715- [2610] «وَيتَقفَّرونَ العِلْمَ» قال في النِّهاية: جاء في رواية بتقديم الفاء على القاف والمشهور بالعكس؛ قال بعض المتأخرين هي عندي أصح الروايات، وأليقها بالمعنى، يعني أنهم يستخرجون غامضه ويفتحون مغلقه، وأصله من فَقَرْتُ البئر إذا حفرتها لاستخراج مَائها، فلما كانت القدرية بهذه الصِّفة من البحث والتَّتَبُّع لاستخراج المعاني الغامضة بدقائق التأويلات وصفهم بذلك، ومعنى الرواية المشهورة يطلبون العلم.
«وَأنَّ الأمرَ أُنُفٌ» بضم الهمزة والنون؛ أي يستأنف استينافًا من غير أن يسبق به سابق قضاء وتقدير.
«أَنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَهَا».
قال البيضاوي في شرح المصابيح: تأنيث ربَّتها وإضافتها: إما لأجل أنه سبب عتقها، أو لأنه ولد ربها، أو مولاها بعد الأب، وذلك إشارة إلى قوة الإسلام؛ لأنَّ كثرة السبْي والتَسَرِّي دليل على استعلاء الدِّين، واستيلاء المسلمين، وهي من الأمَارَات؛ لأنَّ قوته وبلوغ أمرهِ غايته منذرٌ بالتراجع والانحباط المؤذن بأنَّ القيامة ستقوم.
«العَالَةَ» أي الفقراء جمع عَائِل.
«يَتَطَاوَلُون في البنْيَانِ».
قال الطَّيِّبي: أي: يتفاخرون على طول بيوتهم ورفعتها، من تطاوَل الرَّجل، إذا تكبَّر.
716- [2613] «وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ».
قال الطيِّبي: «من ناقصات» صفة لموصُوف محذوف، أي: ما رَأَيْتُ أحدًا، و«من» مزيدة استغراقية؛ لمجيئها بعد النفي.
والعقل غرِيزة في الإنسان يدرك بها المعنى، ويمنعه من القبائح، وهو نور الله في قلب المؤمن.
«أَغْلَبَ لذَوي الألْبَابِ» جمع لب، وهو العقل الخالص من الشوائب، سُمِّي بذلك لكونه خالِصَ ما فِي الإنسان من قُواه، كاللبابِ من الشيء، وقيل: هو ما زكَى من العقل، وكل لب عقل، وليس كل عقلٍ لُبًّا.
«مِنْكُنَّ» قال الطيبي: من فيه متعلِّقٌ بأغلب والمفضل عليه مفروض مُقدَّر، ويحتمل أن يكون من بيان: «ناقصَات» على سَبيل التجريد، كقولك: رأيتُ منك أسدًا جرد منهن ناقصَات.
717- [2614] «الإيمانُ بِضْعٌ وسَبْعُونَ بَابًا» قال البيضاوي في شرح المَصابِيح: يحتمل أنَّ المراد به التكثير دون التعدِيدِ، كما في قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} واستعمال لفظة السبعة والسبعين للتكثير.
ويحتمل أن يكون المراد تَعْدَادَ الخصال وحصرها، فيقال: إنَّ شعب الإيمان وإن كانت متعددة، إلاَّ أنَّ حاصلها يرجع إلى أصلِ واحدٍ، وهو تكميل النَّفس على وجه يُصلح معاشَه ويحسن معادَه، وذلك أن يعتقد الحق، ويستقيم في العمل، وإليه أشار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيثُ قال:- لِسفيان حين سأله في الإسلام قولاً جامعًا-: «قُلْ آمنتُ بِالله ثمَّ اسْتَقِم» وفنون اعتقاد الحق ستة عشر:
طلب العلم، ومعرفة الصَّانع، وتنزيهه عن النقائص وما يتداعى إليها، والإيمان بصفات الإكرام، مثل: الحياة، والعلم، والقدرة.
والإقرار بالوحدانية، والاعتراف بأنَّ ما عداهُ صِفَة لا يوجد ولا يعدم إلاَّ بقضائه وقدره، والإيمان بملائكته المطهرة عن الرجس، وتصديق رسُله المؤيدين بالآيات في دعوى النبوَّة، وحسن الاعتقاد فيهم، والعلم بحدوث العالم، واعتقاد فنائه على ما ورد به التنزيل.
والجزم بالنشأة الثانية، وإعادة الأرواح إلى الأجساد، والإقرار باليوم الآخر، أعني: بما فيه من الصراط والحساب، وموازنة الأعمال، وسائر ما تواتر عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والوثوق على وعد الجنة وثوابها.
واليقين بوعيد النَّار وعقابها.
وفن العلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: يتعلق بالمرء نفسه.
وهو ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: ما يتعلق بالباطن؛ وحاصِله تزكية النفس عن الرذائل، وأمهاتها عشرة: شره الطعام وشره الكلام وحب الجاه وحب المال، وحب الدنيا، والحقد، والحسد والرِياء والعجب.
وتحلية النفس بالكمالات؛ وأمهاتها ثلاث عشرة:
التوبة، والخوف، والرجاء، والزهد، والحياء، والشكر، والوفاء، والصبر، والإخلاص، والصدق، والمحبة، والتوكل، والرضى بالقضاء.
وثانيهما: يتعلق بالظَّاهر، ويسمى بالعبادات، وشعبها ثلاث عشرة:
طهارة البدن من الحدث والخبث، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والقيام بأمر الجنائز، وصيام رمضان، والاعتكاف، وقراءة القرآن، وحج البيت، والعمرة، وذبح الضحايا، والوفاء بالنذور، وتعظيم الأيمان، وأداء الكفارات.
وثانيها: ما يتعلق به وبخواصه وأهل منزله، وشعبها ثمان:
التعفف عن الزنا، والنكاح والقيام بحقوقه، والبر بالوالدين، وصلة الرحم، وطاعة السادة، والإحسان إلى المماليك، والعِتق.
وثالثها: ما يعم النَّاس وينوط به إصلاح العباد، وشعبها سبع عشرة:
القيام بإمارة المسلمين، واتباع الجماعة، ومطاوعة أولي الأمر، ْومعاونتهم على البر، وإحياء معالم الدِّين ونشرها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ الدِّين بالزجر عن الكفر، ومجاهدة الكفار، والمرابطة في سبيل الله، وحفظ النَّفس بالكف عن الجِنايات، وإقامة حقوقها من القِصَاصِ والديات، وحفظ أموال النَّاس بطلب الحلال، وأداء الحقوق، والتجافي عن المظالم، وحفظ الأنساب، وأعراض النَّاس بإقامة حدود الزنا والقذف، وصيانة العقل بالمنع عن تناول المسكرات، والمجنِّنات بالتهديد، والتأديب عليه، ودفع الضرر عن المسلمين، ومن هذا القبيل، إماطة الأذى عن الطريق.
وقال الراغب: هذا حديث من تأمَّله وعرف حقيقته علم أنَّ الإيمان بالواجب هو اثنان وسبعون درجة لا يصح أكثر منها ولا أقل، ولا يوجد من الإيمان ما هو خارج عنها بوجه.
«فأدناها». قال الطيبي: أي: أقربها منزلة، وأدونها مقدارًا من الدنو، بمعنى القريب، يقال: فلان دانى القدر، وقريب المنزلة، كما يعبر بالبعدي عن ذلك فيقال: فلان بعيد الهمة، وبعيد المنزلة بمعنى العالي، وكذلك استعمله في مقالة الأعلى قال: والفاء فيه جزاء شرط محذوف، كأنه قيل: إذا كان الإيمان ذا شُعَبٍ يلزم التعدُّد وحصُولُ الفاضل والمفضول، بخلاف إذا كان أمرًا واحدًا.
«إِمَاطَةُ الأذى عن الطَّريق» يقال: أماط الشيء عن الشيء إذا أزاله عنه وأذهبه، والأذى هنا اسم ما يُؤذي النَّاس نحو الشوك، والحجر.
718- [2615] «الحياءُ من الإِيْمَانِ» هو تغيير وانكسار يعتري المؤمن من خوف ما يلام به، قيل: هو مأخوذ من الحياة، فكأنَّ الحَيِيَّ صارَ لِمَا يَعتريه منكسر القُوى، ولذلك قيل: مات حياءً، وَجَمَدَ في مكانه خَجَلاً.
719- [2616] «أَخْبِرنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلْنِي الجنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ».
قال التوربشتي: الجزم فيهما على جواب الأمر غير مستقيم رواية ومعنى.
قال الطيبي: أما الرواية فغير معلومة، وأما المعنى فاستقامته بما ذكره البيضاوي، قال: وإن صحَّ الجزم فيه، كان جزاءُ الشرط محذوفًا تقديره: أخبرني بعملٍ إن عملته يدخلني الجنَّة، والجملة الشرطيَّة بأسرها صفة يعمل، أو جوابًا للأمر، وتقديره: أنَّ إخبار الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا كان وسيلة إلى عمله، وعمله ذريعة إلى دخول الجنة، كان الإخبار سببًا بوجهٍ ما لإدخال العمل إيَّاه الجنة.
«قالَ لَقد سَأَلْتَنِي عنْ عَظِيمٍ، وإنهُ ليَسِيْرٌ علَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ».
قال المظهري: أي: سألتني عن شيء عظيم مُشكلٍ متعسِّرِ الجواب، ولكنه سهلٌ على من يسَّره الله؛ لأنَّ معرفة العمل الذي يدخل الرجل الجنَّة من علم الغيب، وعلم الغيب لا يعلمه أحد إلاَّ الله تعالى، ومن علمه الله.
قال الطيبي: ذهب إلى أن: «عظيم» صفة موصوف محذوف، أي: عن سُؤال عظيم، والأظهر أن يقال: إنَّ الموصوف: «أمر» ويعني به العَمل؛ لأنَّ قوله: «تعْبُد الله» إلى آخره، استئناف وقع بيانًا لذلك الأمر العظيم، قال: وعلية يبنى كلام البيضاوي، حيث قال: «وإنه ليَسير» إشارة إلى أنَّ أفعال العباد واقعة بأسباب ومرجحَات يفيض عليهم من عنده.
وذلك إن كان نحوَ طاعة، يسمَّى توفيقًا ولطفًا، وإن كان نحو مَعصيةٍ يسمى خُذْلاَنًا وطبعًا ثم قال: «ألاَ أدُلُّكَ عَلى أبوابِ الخيرِ»، الصَّومُ جُنَّةٌ، والصَّدقة تُطْفئُ الخَطِيئةَ كما يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وصلاَةُ الرَّجُل فِي جوفِ اللَّيلِ ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} قال المظهري: التعريف في: «الخير» للجنس، جعل هذه الأشياء أبواب الخير؛ لأنَّ الصوم شديد على النفس، وكذا إخراج المال في الصدقة، وكذا الصلاة في جوف اللَّيل، فمن اعتادها تسهَّل عليه كل خير، وتأتَّى منه كل خير؛ لأنَّ المشقة في دخول الدار تكون بفتح الباب المغلق.
ويحتمل أن يكون التعريف للعهد الخارجي التقديري؛ وهو ما يُعلم من قوله: «تعبد الله ولا تشرك به شيئًا...» إلى آخره، المعْنِيُّ بهِ: الإسلام والإيمان الذي هُو سَبَبٌ لدخول الجنَّة، والمباعدة من النَّار ظاهرًا.
أو المعنيُّ بِأبواب الخير: النوافل، دلَّ عليه قوله: «وَصَلاَةُ الرَّجلِ فِي جَوْفِ اللَّيلِ» لئلاَّ يلزم التكّرار، وسميت النوافل أبواب للفرائض؛ لأنها مقدمات ومكمِّلات لها، فمن فاتته السنن حُرم الفرائض.
قال العلماء: من ترك الأدب عوقب بحرمان النوافل، ومن ترك النوافل عوقب بحرمان السنن، ومن ترك السنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن ترك الفرائض يوشِك أن يعاقب بحرمان المعرفة.
وقال الطيبي: قوله: «الصدقة تطفئ الخطيئة» أصله تُذهب كقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}.
ثم في الدرجة الثانية: «تمحو» الخطيئة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأتبع السيئة الحسنةَ تَمْحُهَا» أي السيئة المثبتة في صحيفة الكرام الكاتبين، وإنما قُدرت الصحيفة لقرينة: «تمحو».
ثم في الدرجة الثالثة: «تطفئ الخطيئة» لمقام الحكاية عن المباعدة عن النَّار، فلما وضَعَ الخطيئة موضع النَّار على الاستعارة المكنية، أثبت لها- على سبيل الاستعارة التخييلية- ما يلائم النَّار من الإطفاء، لتكون قرينة مانعة لها من إرادة الحقيقة من الخطيئة.
وقال البيضاوي: قوله: «وصلاة الرَّجلِ» مبتدأ، خبره محذوف، أي: كذلك؛ أي: تطفئ الخطيئة، أو هي من أبواب الخير، قال: والأول أظهر، لاستشهاده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالآية، وهي متضمنة للصلاة والإنفاق.
قال الطيبي: ويعضده تقييد القرينتين السابقتين- أعني: الصوم، والصدقة- بفائدتين زائدتين: وهي الجنة وإطفاء الخطيئة؛ لأنَّ الظاهر أن يقال: أبواب الخير: الصوم، والصدقة لا غير، وصلاة الرَّجل في جوف الليل، فلما قُيِّدتا بهِمَا يجب أن يقيَّد هذا بما يناسبها.
والأظهر أن يقدر: الخيرُ شعارُ الصَّالحين، ويفيد فائدة مطلوبة زائدة على القرينتين، وهي أنهما كما أفادتا المباعدة عن النَّار، فتفيد بهذه الإدخال في الجنَّة، ويتمُّ الاستشهاد بالآية؛ لأنَّ قرَّة العين كناية عن السرور والفوز التَّام وهي مباعدة النَّار ودخول الجنة، كما قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} انتهى.
قلتُ: وعندي أن يُعرب الصوم خبرَ مبتدإٍ محذوف أي: هي الصوم، أو مبتدأ خبرُهُ محذوف، أي: منها الصوم، والصدقة، وصلاة الرَّجل كلاهما عُطِفَ عليه.
وقوله: «جُنَّةٌ» خبر مبتدأ مُقدَّر، أي: هو.
وكذا قوله: «تُطْفِئُ الخطيئةَ» خبر مقدر، أي: هي: «وَذِرْوَةِ سنَامِهِ» بكسر الذَّال المعجمة: أي: أعلى الشيء، والسنام بفتح السين: ْما ارتفع من ظهر الجمل.
«رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامِ» قال التوربشتي: أراد بالأمر هنا: أمرَ الدِّين، وبالإسلام كلمتي الشهادة، يعني ما لم يُقِرَّ العبدُ بهما لم يكن له من الدِّين شيءٌ أصلاً، وإذا أقرَّ بهما حصل له أصل الدِّين، إلاَّ أنه ليسَ له قوَّة وكمال، كالبيت الذي ليس له عمود، فإذا صلَّى وداوم على الصلاة قوِي دينُه، ولكنه لم يكن له رِفْعَةٌ وكمال، فإذا جاهد حصَلَ لدينه الرِّفعةُ.
وقال الحليمي: يعني هذا والله أعلم: أنَّ الإسلام هو الذي لا يَصح شيء من الأعمال إلاَّ به، وإذا فات لم يبق معهُ عمل، فهو كالرأس الذي لا يسلم شيء من الأعضاء إلاَّ ببقائه، فإذا فارق الجُملة لم يُنْتَفع بعده بشيء من الأعضاء.
وأما الصلاة فإنها عمود الأمر، والأمر هو الدِّين؛ لأنَّ الإسلام لا ينفع ولا يثبت من غير الصلاة، ولا يُغْني قبولها عن فعلها، لأنَّ الإسلام وحده لا يحقن الدَّم حتى يكون معه إقامة الصلاة، وأما قوله: «ذِرْوَةِ سِنَامِهِ الجِهَادُ» فقيل: معناه لا شيء من معالِم الإسلام أشهر ولا أظهر منه، فهو كذِرْوَةِ السَّنام التي لا شيء في البعير أعلا منه، وعليه يقع بصر النَّاظر من بُعد.
«بِمَلاَكِ ذلِكَ» قال التوربشتي: مِلاك الأمر قوامه، وما يتم به.
وقال البيضاوي: أصله ومبناه، وأصله ما يملك به كالنظام.
وقال المظهري: مَا به إحكام الشيء، وتقويته، من: مَلَكَ العجين: إذا أحسن عجنه، وبالغ فيه، وأهل اللغة يكسرون الميم ويفتحونَهَا، والرواية بكسر الميم.
«فأخذ بِلسَانه» قال الطيبي: الباء زائدة، والضمير راجع إلى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«كُف عليك هذا» قال البيضاوي: أي: كف عليك لسانك، فلا تتكلم بما لا يعنيك، أو لا تتكلم بما يهجس في نفسك من الوسْواس فإنك غير مؤاخذ به ما لم يظهر.
«ثَكِلَتكَ أُمُّكَ» قال الطيبي: أي: فقدتك، والثُّكْلُ: موت الولد، وفقد الحبيب. وهذا وأمثالُهُ أشياء مُزالة عن أصلها إلى معنى التعجب وتعظيم الأمر.
وقال المظهري: هذا دُعاء عليه، ولا يراد وقوعه، بل تأديب وتنبيه من الغفلة.
«وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ» مضارع كبَّهُ، بمعنى: صرعه على وجهه، وهذا من النوادر، فإنَّ ثلاثيَّهُ مُتَعدٍّ، ورُبَاعِيَّه لاَزِم.
«علَى وُجُوهِهمْ، أو منَاخِرِهِم» شك من الراوي.
«إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتهم» جمع حصيدة، فعيلة بمعنى مفعُولة، مِنْ حصَد: إذا قطع الزرع، وهذا إضافة اسم المفعُول إلى فاعله، أي: محصودات الألسنة، شبَّه ما تكلم به اللِّسان بالزرع المحصود بالمِنْجَل، فكما أنَّ المِنْجَلَ يقطع ولا يُمَيِّز بين الرطب واليابس، والجيد والرديء، فكذلك لسان بعض النَّاس يتكلم بكل نوع من الكلام القبيح والحسن، ثم حذف المشبَّه وأقام به مقامهُ على سبيل الاستعارة المصرَّحة، وجعَلَ الإضافة قرينة لها والاستثناء مفرغ؛ لأنَّ في الاستفهام معنى النفي، والتقدير: لا يَكُبُّ النَّاس في النَّارِ شيءٌ من الأشياء إلاَّ حصائد ألسنتهم من الكلام القبيح، ذكر ذلك كله الطيبيُّ.
قال في النِّهاية: وروي، إلاَّ حصا ألسنتهم وهو جمع حصاةِ اللِّسان، وهي: ذَرَابَتَهُ.
720- [2617] «إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ المَسْجِدَ» قال التوربشتي: هو بمعنى التعهد: وهو التحفظ بالشيء، وتجديد العهد به، وقال روى يتعاهد ويعتاد، والاعتياد، معاودته إلى المسجد مرَّة بعد أخرى لإقامة الصلاة، وكلاهما حسن.
وقال الطيبي: يتعاهد: أشمل معنى وأجمع لما يُناطُ به أمرُ المسجد، من العمارة واعتياد الصلاة وغيرهما، ألا ترى كيف استشهد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} قال في الكشاف: العمارة تتناول رمَّ ما يتهدَّم منها، وقمَّها وتنظيفها، وتنويرها بالمصابيح وتعظيمها، واعتيادها للعبادة والذكر.
وقوله: «فاشْهدُوا لهُ بالإيمان» أي: اقطعوا له به، فإنَّ الشهادة قول صدر عن مُواطَأَةِ القلْبِ اللِّسانَ على سبيل القطع.
721- [2620] «بَيْنَ العَبْدِ وَبَيْنَ الكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ».
قال الطيبي: ترك الصلاة: مبتدأ، والظرف خبره، ومتعلَّقُه محذوف، قدم ليفيد به الاختصاص، ويؤيده الحديث الثابت، وظاهر الحديث نظم قوله تعالي: {بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ}، وقوله: {بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ} فإذا ذهب إلى هذا المعنى يوجب خلاف المقصُود، ولذلك قيل فيه وجوه:
أحدها: أنَّ ترك الصلاة معبر عن فعل ضده؛ لأنَّ فعل الصلاة هو الحاجز بين الإيمان والكفر، فإذا ارتفع رفع المانع قال التوربشتي.
الثاني: قال البيضاوي: يحتمل أن يُؤوَّلَ ترك الصلاة بالحد الواقع بينهما، فمن تركها دخل الحد وحام حول الكفر ودنا منه.
الثالث: قال أيضًا: متعلق الظرف محذوف تقديره ترك الصلاة وُصلةٌ بين العبد والكفر، والمعنى: يوصله إليه.
قال الطيبي: وأقوى الوجوه الثاني، ثم هو من باب التغليظ، أي: المؤمن لا يتركها.
قال: ويمكن أن يقال: إنَّ الكلام منصوب على غير مقتضى الظاهر؛ لأنَّ الظاهر أن يقال؛ بين الإيمان والكفر ترك الصلاة، أو بين المؤمن والكافر تركها، فوضع موضع المؤمن العبد. وموضع الكافر الكفر، فجعله نفسَ الكفر مبالغة.
722- [2621] «العَهدُ الذي بيْنَنَا وَبَيْنَهمْ الصَّلاَة».
قال البيضاوي: الضمير الغائب للمنافقين، شبه الموجِب بإبقائهم وحقن دماءئهم بالعهد المقتضي لإبقاء المعاهد والكف عنه، والمعنى: أنَّ العمدة في إجراء أحكام الإسلام عليهم تشبههم بالمسلمين في حضور صلاتهم وجماعتهم، فإذا تركوا ذلك كانوا هم وسائر الكفار سواء.
723- [2622] «لا يَرَوْن».
قال الطيبي: من الرأي. «شيئًا» مفعول له. «من الأعمال» نعته، وكذا الجملة، وهي: ترْكُهُ كُفْرٌ.
«غيْرَ الصَّلاَةِ» استثناء والمستثنى منه الضمير الراجع إلى: «شيئًا».
ويجوز أن يكون: «غَيرَ» صفةً أخرى لِـ: «شيئًا».
المعنى ما كانوا معتقدين ترك شيء من الأعمال موجِب للكفر إلاَّ الصلاة.
724- [2623] «ذَاقَ طَعْمَ الإيمانِ»
قال الراغب: الذوق: وجود الطعم في الفم، وأصلُهُ فيما يَقِلُّ تناوله، فإذا كثُر يقال له: الأكل.
واستعمل في التنزيل بمعنى الإصابة، إما في الرَّحمة، وإما في العذاب.
وقال الطيبي: مجاز قوله: «ذاق طعم الإيمان»، كمجاز قوله: «وجدَ حلاوة الإيمان».
وكذلك موقعه كموقعه، لأنَّ من أحب أحدًا يتحرَّى مراضيه، ويُوثر رضاه على رضى نفسه.
725- [2624] «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ طَعْمَ الإِيْمَانِ».
قال الطيبي: ثلاث مبتدأ، والجملة الشرطية خبره، وجاز ذلك؛ لأنَّ التقدير: خصال ثلاث.
ويجوز أن تكون الجملة الشرطيَّة صفة لثلاث، ويكون الخبر: «مَنْ كَانَ اللهُ، ورَسُولُهُ أحَبَّ إليه».
وعلى التقديرين لابد من تقدير مضاف قبل: «من كان»؛ لأنه على الأول: إما بدل من: «ثلاث» أو بيان، وعلى الثاني: خبر، ولابد من إضمار مضاف قبل كان لاستقامة المعنى، تقديره قبل من محبَّة: «من كان الله».
«مِمَّا سِواهُمَا».
قال البيضاوي: فإن قيل: لما ثنى الضمير هنا ورد على الخطيب: «ومن عصاهم فقد غوى» وأمره بالإفراد؟ فالجواب: أنه ثنى هنا إيماءً إلى أنَّ المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين، لا كل واحدة، فإنها وحدها لاغية، وأمر بالإفراد هنا كإشعار بأنَّ كل واحد من العصيانيين مستقل باستلزام الغواية، فإنَّ قوله: «ومن عصى الله ورسُوله» من حيث أنَّ العطف في تقدير التكرير، والأصل فيه استقلال كلٍّ من المعطوف والمعطوف عليه في قوة قولنا: ومن عصى الله فقد غوى، ومن عصى الرسول فقد غوى.
قال الطيبي: هذا كلام حسن متين، ويؤيده قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} لم يُعِدْ: {أَطِيعُوا} في أولى الأمر، كما أعاده في: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ليؤذن بأنه لاستقلال لهم في الطاعة استقلال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
726- [2627] «المُسْلِم مَنْ سَلِمَ المُسْلِمونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».
قال الراغب: كل اسم نوع فإنه يستعمل على وجهين:
أحدهما: دلالته على المسمى وفصلا بينه وبين غيره.
والثاني: لوجود المعنى المختص به، وذلك هو الذي يمدح به، وذلك أنَّ كل ما أوجده الله في هذا العالم جعله صالحًا لفعل خاص، ولا يصلح لذلك العمل سواه، كالفرس للعَدْوِ الشديد، والبعير لقطع الفلاة البعيدة، والإنسان ليعلم ويعمل.
وكل شيء لم يوجد كاملاً لِمَا خُلِقَ له، لم يسْتَحِق اسمه مُطلقًا، بل قد يُنْفَى عنه، كقولهم: فلان ليس بإنسان، أي: لا يوجد فيه المعنى الذي خُلِقَ لأجله من العِلم والعَمل، فعلى هذا إذا وجدت مسلمًا يؤذي المسلمين بلسانه ويده، وقلت له: لستَ بِمُسلِمٍ، عَنَيْتَ أنَّك لستَ بِكامل فيما تحليت به من حلية الإسلام.
«وَالمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ علَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ».
زاد الحاكم والبيهقي من حدِيث فُضالة بن عبيد: «والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله ورسوله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب».
قال الطيبي: في ترتب: «من سَلم» على: «المسلم» و«من آمنه» على: «المؤمن» رعاية للمطابقة لغة.
727- [2629] «إِنَّ الإسلام بَدأ غريبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بدأَ».
قال النووي: بدأ بالهمز، من الابتداء، كذا ضبطناه.
728- [2630] «إِنَّ الدِّينَ لَيأرِزُ إِلَى الحِجَازِ» أي يضم إليه ويجتمع بعضه إلى بعض فيه.
«وَلَيعْقِلَنَّ الدِّينُ من الحِجَازِ مَعْقلَ الأرْوِيَّةِ من رَأسِ الجَبَلِ»
قال في النِّهاية: أي ليتحصن ويعتصم ويلتجئ كما يلتجئ الوعل إلى رأس الجبَل.
«والأروية» بضم الهمزة، وسكون الراء وكسر الواو، وتشديد المثناة التحتية؛ الأنثى من الوعول.
وقال الطيبي: معقل؛ مصدر، بمعنى العقل، ويجوز أن يكون اسم مكان.
729- [2631] «آيَةُ المُنَافقِ» أي: علامتهُ ثلاث، زاد في رواية الصحيحين، «وإن صلَّى، وصام، وزعم أنه مسلم».
730- [2632] «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا».
قال البيضاوي: يحتمل أن يكون مختصًّا بأبناء زمانه؛ فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علِمَ بنُورِ الوحي بواطن أحواله، وميَّز بين من آمن به صدقًا ومن أذعن له نفاقًا، وأراد تعريف أصحابه بأحوالهم ليكونوا على حذر منهم، ولم يصرح بأسمائهم؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علِمَ أنَّ منهم سيتوب، فلم يفضحهم بين النَّاس؛ ولأنَّ عدم التعيين أوقع في النصيحة، وأجلب للدعوة إلى الإيمان، وأبعد عن النفور والمخاصمة.
ويحتمل أن يكون عامًا لينزجر الكل عن هذه الخصال على آكد وجه؛ إيذانًا بأنها طلائع النفاق الذي هو أسمح القبائح.
ويحتمل أن يكون المراد بالمنافق العرفي، وهو من يخالف سِرُّه علنه مطلقًا، ويشهد له قوله: «ومن كانتْ فيه خَصْلَة مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ منَ النفاقِ حتَّى يَدَعها».
وكذا قوله: «كَانَ منافقًا خالصًا»؛ لأنَّ الخصال التي بها المخالفة بين السر والعلن لا تزيد على هذا، فإذا نقصت منها خصلة نقص الكمال. انتهى.
731- [2639] «سِجِلاً» بالكسر والتشديد، الكتاب الكبير.
«بِطاقةٌ» قال في النِّهاية: هي رقعة صغيرة يثبت فيها مقدار ما يجعل فيه إن كان عينًا فوزنه أو عدده، وإن كان متاعًا فثمنه.
قيل: سميت بذلك لأنها تشد بطاقة من الثوب، فتكون الباء حينئذٍ زائدة، وهي كلمة كثيرة الاستعمال بمصْر، ويُروى بالنون، وهو غريب.
«فِيها أَشْهدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ الله وأنَّ محمَّدًا عبده ورَسُولهُ» قال القرطبي في التذكرة: ليست هذه شهادة التوحيد؛ لأنَّ من شأن الميزان أن يوضع في كفته بشيء وفي الأخرى ضده، فتوضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة، فهذا غير مستحيل؛ لأنَّ العبد قد يأتي بهما جميعًا، ويستحيل أن يأتي بالكفر والإيمان جميعًا عبد واحد حتى يوضع الإيمان في كفة والكفر في كفة؛ فلذلك استحال أن توضع شهادة التوحيد في الميزان، وأما بعد ما آمن العبد فالنطق منه بلا إله إلاَّ الله حسنة توضع في الميزان مع سائر الحسنات. قاله الترمذي الحكيم، في نوادر الأصول.
وقال غيره: إنَّ النطق منه بها زيادة ذكر على حسنٍ منهُ، ويكون طاعة مقبُولة، قالها على خلْوَة وخُفيةٍ من المخلوقين.
فيكون له عند الله تعالى يردها إليه في ذلك اليوم، فيعْظُم قدرها ويَجِلُّ مَوْضِعُهَا، وترجح بخطاياه وإن كثرت، وبذنوبه وإن عظمت، ولله الفضل على عباده، ويتفضل بما شاء على من شاء.
قال القرطبي: ويدل على هذا قوله في الحديث: فيقول: «بلى إنَّ لك عندَنَا حَسَنَةً» ولم يقُلْ إنَّ لك عندنا إيمانًا، وقد سُئِل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لا إله إلاَّ الله أمن الحسنات هي؟ قال: هي أعظم الحسنات.
ويجوز أن تكون هذه الكلمة هي آخر كلامه في الدنيا، كما في حديث: «من كان آخر كلامه لا إله إلاَّ الله وجبت له الجنة».
وقيل: يجوز حمل هذه الشهادة على الشهادة التي هي الإيمان، ويكون في كل مؤمن، وكل مؤمن ترجح حسناته، ويوزن إيمانه كما توزن حسناته، وإيمانه يرجح بسيئاته كما في هذا الحديث، ويدخل النَّار بعد ذلك فيطهره من ذنوبه، ويدخله الجنَّة بعد ذلك، وهذا مذهب قوم يقولون: إنَّ كل مؤمن يعطى كتابه بيمينه، وكل مؤمن يثقل ميزانه ويتأولون قول الله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي الناجون من الخُلود، وقوله: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}. أي: يومًا مَّا، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من كان آخر كلامه لا إله إلاَّ الله دخل الجنة» أي أنه صائر إليها لا محالة أصابه قبل ذلك ما أصابه.
قال القرطبي: وهذا تأويل فيه نظر يحتاج إلى دليل من خارج يَنُصُّ عليه.
والذي يدل عليه الآيُ والأخبار: أنَّ من ثقلت موازينه فقد نجا وسلم وبالجنة أيقن، وعلم أنه لا يدخل النَّار بعد ذلك والله أعلم.
732- [2641] «لَيَأتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيْلَ».
قال القرطبي: الإتيان: مجيء بسهُولة، وعُدِي بعلى لمعنى الغلبة المؤدية إلى الهلاك، والمراد بالأمة: من تجمعهم دائرة الدعوة مِن أهل القبلة؛ لأنه أضافهم إلى نفسه، وأكثر ما ورد في الحديث على هذا الأسلوب، فإنَّ المراد منه أهل القبلة، ولو ذهب إلى أنَّ المراد أُمَّةُ الدعوة فله وَجه، وحينئذِ يتناول أصناف أهل الكفر.
«حَذوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ». قال في النِّهاية: أي: يعملون مثل أعمالهم، كما يقطع إحدى النعلين على قدر الأخرى، والحذو: التقدير والقطع.
وقال المظهري: الحذو: جعل الشيء مثل شيء آخر، وهو منصوب على المصدر، أي أفعال بعض أمتي في القبح مثل: أفعال بني إسرائيل.
«حَتَّى إن كان منهم» مكسُورةٌ شرطية.
«مَن أتى أمَّه علانيةً» قال الطيبي: لعل المراد زوجة الأب، والتقييد بالعلانية لبيان وقاحته وصفاقة وجهه.
«لكان في أمَّتِي من يَصْنَع ذلك» اللام فيه جواب: «إن» على تأويل لو كأنَّ لَوْ تأتي بمعنى إن.
733- [2642] «إِنَّ الله تعالى خلق خَلْقهُ في ظُلمَةٍ فَأَلْقَى علَيْهِمْ نُوره، فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذلكَ النُّورِ اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطأةُ ضَلَّ».
قال الطيبي: أي: خلق الثقلين- من الجنِّ والإنس- كائنين في ظلمة النفس الأمَّارة بالسوء، المجبولة بالشَّهوات المردية والأهواء المضلة، والنور الملقى عليهم ما نصب من الشواهد والحجج، وما أنزل عليهم من الآيات والنذر، فمن شاهد آياته هو الذي أصابه ذلك النور، فيخلص من تلك الظلمة واهتدى، ومن لم يشاهد آياته بقي في ظلمات الطبيعة متحيرًا.
ويمكن أن يحمل قوله: «خلقَ خلْقَهُ» على خلق الذرِّ المستخرج من صلب آدم عليه الصلاة والسلام، فعبر بالنُّور عن الألطاف التي هي تباشير صبح الهداية، وإشراف لمعان برق العناية.
ثم أشار بقوله: «أصاب وأخطأ» إلى ظهور أثر تلك العناية في الإنزال من هداية بعضٍ وضلال بعض.
«فلذلكَ» يعني: من أجل عدم تغير ما جرى تقديره من الإيمان والطاعة، والكفر والمعصية.
734- [2643] «أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ على العِبادِ» هو بمعنى الواجب واللازم، فتدري ما حقهم على الله.
قال النووي: هي على جهة المقابلة والمشاكلة لحقه عليهم.