فصل: أبواب فضائل القرآن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: قوت المغتذي على جامع الترمذي



.أبوابُ الأمثال:

787- [2859] «إِنَّ الله ضَرَبَ مَثلاً صِراطًا مستقِيمًا».
قال الطيبي: بدل من: «مثلاً» لا على إهدار المبدل، كقولك زيدٌ رأيت غلامه رجلاَّ صَالحًا، إذ لو أسقطت غلامه لم يتبيَّن.
788- [2861] «كأنهم الزُّطُّ».
قال في النِّهاية: هم جنس من السُّودان، والهُنُود.
789- [2863] «مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَة قِيدَ شِبْرٍ فَقد خلع رِبْقةَ الإسلامِ من عُنُقِهِ».
قال في النِّهاية: مفارقة الجماعة: ترك السُنَّةَ واتِّباع البِدعةَ، والرَّبقة في الأصل: عُرْوة في حَبْلِ، تُجْعل في عُنُقِ البهيمة أو يَدِهَا تُمسِكهَا، فاستَعَارَهَا للإسلام، يعني ما يشدُّ المسلم به نفسه من عُرى الإسلام: أي حدوده، وأحكامه وأوامره ونواهيه.
والقِيدَ القدر.
«وَمن ادَّعى دعوى الجَاهِلِيَّةِ» هو قولهم عند الأمر الحادِث الشديد، يا آل فلان.
«فإنَّه من جُثى جهنَّم» بالجيم والمثلثة جمع جُثوة، بالضم وهو الشيء المجموع.
790- [2866] «شَجرَ الأرْزِ».
بِسكون الراء، وفتحها، ثم زاي، قال في النِّهاية: خشب معروف، وقيل: هو الصنوبر.
791- [2868] «من دَرَنهِ» هُو الوَسخ.
792- [2869] «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ المَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلَهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ» قال التوربشتي: لا يحمل هذا الحديث على التردد في فضل الأول، على الآخر، فإنَّ القرن الأول هُم المفضلون على سائر القرون من غير مِرْيَة، ثم الَّذِين يلُونهم، ثم الذين يلونهم، وإنما أراد نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحقيقة.
وقال البيضاوي: نفي تعلق العلم بتفاوت طبقات الأمَّة في الخيرية، وأراد به نفي التفاوت لاختصاص كل طبقة منهم بخاصيَّة، وفضيلة توجب خيريتها، كما أنَّ كل نوبة من نوب المطر لها فائدة في النشو والنماء لا يمكن إنكارها، والحكم بعدم نفعها، فإنَّ الأولين آمنوا وشاهدوا من المعجزات، وتلقوا دعوةَ الرَّسُول بالإجابة والإيمان، والآخرين آمنُوا بالغيب لما تواتر عندهُم من الآيات، واتَّبعوا من قبلهم بإحسان، وكما أنَّ المتقدمين اجتهدوا في التأسيس والتمهيد، فالمتأخرون بذلُوا وسعهم في التلخيص، والتجريد، وصرفوا عمرهم في التقدير والتأكيد فكل مغفُور وسعيهم مشكورٌ، وأجرهم موفور.
وقال الطيبي: تمثيل الأمة بالمطر إنما يكون بالهدى والعِلم، كما أنَّ تمثيله صلوات الله عليه وسلاه بالغيث والهدى والعِلم فتختص هذه الأمة المشبَّهة بالمطر، بالعُلماء الكاملين منهم، والمكملين لغيرهم. فيستدعى هذا التفسير أن يراد بالخير النفع، فلا يلزم من هذا المساواة في الأفضلية، ولو ذهب إلى الخيريَّة، فالمراد وصف الأمة قاطبة سابقها ولاحقها، أولها وآخرهَا بالخيرية، وأنها ملتحمة بعضها مع بعض، مرصوصة كالبنيان، على حد قول الأنماريَّة: هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفَاها. وقول الشَّاعِر:
إنَّ الخيار من القبائل واحد ** وبنو حنيفة كلهُم أخيار

فالحاصل أنَّ الأمة بأسرها مرتبطة بعضها مع بعض في الخياريَّة، بحيث أَبْهَمَ أمرها، وارتفع التمييز بينها، وإن كان بعضها أفضل من بعض في نفس الأمر، وهو قريب من باب سوق المعلوم مساق غيره، وفي معناه قولُهُ:
تشابه يومًا بأسه ونواله ** فما نحن ندْري أي يوميه أفضل

أيوم نداه الغمر أم يوم بأسه ** وما منهُمَا إلاَّ أغر محجل

ومعلوم علمًا جليًّا أنَّ يوم نداه الغمر أفضل من يوم بأسه لكن الندى لما لم يكن يكمل إلاَّ بالبأس أشكل عليه الأمر فقال ما قال، وكذلك أمر المطر، والأمة. انتهى.
793- [2872] «إنَّما النَّاس كإبل مائة لا يجد الرَّجل فيها راحلة» قال الخطابي: معناه أنَّ النَّاس في أحكام الدِّين سواء لا فضل فيها لشريف على مشروف، ولا لرفيع منهم على وضيع كالإبل المائة لا يكون فيها راحلة.
وقال في النِّهاية: يعني أنَّ الرضي المنتخب من النَّاس في عِزَّة وجوده كالنجيب من الإبل القوي على الأحمال، والأسفار الذي لا يُوجد في كثير من الإبل.
قال الأزهري: الذي عندي فيه أنَّ الله تعالى ذم الدنيا وحذَّر العباد سوء مغبتها، وضرب لهم فيها الأمثال ليعتبروا ويحذروا.
وكان عليه الصلاة والسلام يحذرهم ما حذرهم الله، ويُزهدهم فيها، فرغِب النَّاس بعدَهُ وتنافسوا عليها، حتى كان الزُّهد في النَّادِر القليل منهم فقال: «تجدون النَّاس بعدِي كإبل مائة ليس فيها راحلة». أي أنَّ الكامل في الزُّهد في الدنيا، والرَّغبة في الآخره قليل كقلة الراحلة في الإبل، والرَّاحلة: هي البعير القوي على الأسفار، والأحمال، النجيب التمام الخلق الحسن المنظر، ويقع على الذكر والأنثى والهاء فيه للمبالغة. انتهى.

.أبواب فضائل القرآن:

794- [2875] «ما أنزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبُورِ، ولا في الفُرقان مِثْلُهَا».
قال ابن حبان: معناه أنه لا يعطى القارئ للتوراة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطى لقارئ الفاتحة لأنه تعالى فضَّل هذه الأمة على غيرها من الأمم وأعطاها على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها على قراءة كلامه.
795- [2877] «لاَ تَجعلُوا بُيُوتُكُم مقابرَ».
قال البيضاوي: أي كالمقابر خالية عن الذكر والطاعة، واجعلوا لها نصيبًا من القراءة والصلاة.
796- [2878] «لِكل شيء سنام» قال في النِّهاية: سنام كل شيء أعلاه.
«وفيها آيةٌ هي سيِّدَةٌ آي القُرآنِ هي آية الكُرسِي».
قال البيضاوي: إنما كانت أعظم آية لأنها مشتملة على أمهات المسائل الإلهية، فإنها دالة على أنه تعالى واحد في الإلهية، متَّصف بالحياة، قائم بنفسه، مقوم لغيره، منزه عن التحيز والحلول، مبرأ عن التغير والفتور، لا يناسب الأشباح، ولا يعتريه ما يعتري الأرواح، مالك الملك والملكوت، مبدع الأصُول، والفروع، ذو البطش الشديد الذي لا يشفع عنده إلاَّ من أذن له، العالم وحده بالأشياء كلها، جليِّها وخفيّها، كلِّيِّها وجزئيِّها، واسع الملك والقدرة، لا يؤوده شاق، ولا يشغله شأن، متعال عن أن يدركه وهمٌ، عظيم لا يحيط به فهم.
797- [2880] «سَهْوَة» قال في النِّهاية: هي بيتٌ صغيرٌ منحدرٌ في الأرض قليلاً، شبيه بالمُخدَع والخزانة.
وقيل: هي كالصُّفَّة تكون بين يدي البيت، وقيل: شبيه بالرَّفِّ أو الطاق يُوضع فيه الشيء.
«فَكَانَتْ تجيءُ الغُولُ».
قال في النِّهاية: هي أحد الغيلان، وهي جنس من الجن، والشياطين.
«قال: صَدَقَتْ وهي كذوبٌ».
قال الطيبي: تتميم في غاية الحسن، فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قال: صدقَتْ، وأثبت لها الصدق، وأوهم المدح، استدرك بصيغة تفيد المبالغة، أي صدقت في هذا القول مع أنَّ عادتها الكذب البالغ في بابه، وفي المثل: إنَّ الكذوب قد يصدق.
798- [2881] «من قرأ الآيتين من آخرِ سُورَةِ البَقَرةِ».
قال المظهري: هما {آمن الرَّسُول} إلى آخر السُورة.
قال: ومعنى: «كفتاهُ» دفعتا عن قارئها شر الجن والإنس.
799- [2882] «إنَّ الله كَتَبَْ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرضِ بأَلْفَي عَام، أنزل مِنه آيتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَة البقَرةِ».
قال الطيبي: فإن قيل كيف الجمع بين هذا وبين حديث عبد الله بن عمرو: «وقدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة».
فالوجه فيه أن نقول: اختلاف الزمانين في إثبات الأمرين لا يقتضي التناقض بينهما، لأنَّ من الجائز أن لا يكون مظهر الكوائن في اللوح دفعة واحدة، بل يثبته الله شيئًا فشيئًا فيكون أمر المقادير على ما ذكر، وأمر النوع الذي أنزل منه آيتين على ما ذكرنا، وفائدة التوقيت تعريفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيانا فعل الآيتين، فإن سبق الشيء بالذكر على سائر أجناسه وأنواعه يدل على فضيلة مختصَّة به.
800- [2883] «يَأتِي القُرآن، وأهله الذينَ يعملُون بهِ في الدُّنيا تقدُمُه سُورَةُ البَقَرَةِ، وآلُ عِمرَانَ».
قال الطيبي: الضمير في: «تقدمه» راجع إلى القرآن، قيل: يقدم ثواب القرآن ثوابهما، وقيل يصور صورَة بحيث يجيء يوم القيامة يراه النَّاس، كما يجعل الله لأعمال العباد خيرها وشرها، صورة، ووزنا يوضع في المِيزان، فليقبل المؤمن هذا وأمثاله، ويعتقده بإيمانه فإنه ليس للعقل إلى مثل هذا سبيل، وفي تقدم هاتين السورتين دليل على أنهما أعظم من غيرهما، لأنهما أطول، والأحكام فيهما أكثر.
«كأنهما غيايتان» بفتح الغين المعجمة، وتخفيف المثناتين التحتيتين.
قال في النِّهاية: الغياية: كل شيء أظلَّ الإنسان فوق رأسه كالسَّحابة وغيرهَا.
«بَيْنَهُمَا شَرْقٌ» بفتح الراء وإسكانها، وهو الأشهر في الرواية، واللغة، قال النووي: قال في النِّهاية: الشَّرق هنا: الضَّوءُ، وهو الشَّمس والشقُّ أيضًا.
وفي الفائق: هو من قولهم: شاة شرقاء؛ أي بينهما فرجة وفصل، لتميزها بالتسمية.
«أو كأنهما غمامتان سوداوان».
قال التوربشتي: وصفهما بالسواد لاتساقهما، وارتكام البعض منهما على بعض وذلك أجدى ما يكُون من الظلال.
801- [2885] «تِلْكَ السَّكينةُ» في الغريبين: هي السكون، والطمأنيه، وقيل: هي الرَّحمة، وقيل: الوقار، وما يسكن به الإنسان قال التوربشتي: إظهار هذه الأمثال على العباد من باب التأييد الإلهي يؤيِّدُ بها المؤمن فيزداد يقينًا، ويطمئن قلبه بالإيمان إذا كوشف بها.
802- [2887] «إنَّ لِكُلِّ شيءً قَلْبًا وقلبُ القُرآنِ يَس» قال أبو عبيد: أي: لبه، وقلب كل شيء لبّه وخالصه.
قال التوربشتي: وذلك لاحتوائها مع قصر نظمها على الآيات الساطعة والبراهين القاطعة والعلوم المكنونة، والمعاني الدقيقة، والمواعيد الرغيبة، والزواجر البالغة، والإشارات الباهرة، والشواهد البليغة وغير ذلك.
وقال حجة الإسلام الغزالي: إنما كانت قلب القرآن لأنَّ الإيمان صحته الاعتراف بالحشر، والنشر، وهذا المعنى مقرر فيها بأبلغ وجه.
803- [2888] «مَنْ قَرأ حم الدُّخَانَ».
804- [2893] «مَنْ قَرأ إذا زلزلَتِ عُدِلَتْ لَهُ بِنِصْفِ القُرْآنِ».
قال التوربشتي والبيضاوي: يحتمل أن يقال: المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ، والمعاد، وإذا زلزلت مقصُورة على ذكر المعاد مستقلة ببيان أحواله فتعادل نصفه، وجاء في الحديث الآخر: «إنها ربع القرآن» وتقريره أن يقال: القرآن يشتمل على تقرير التوحيد، والنبوات وبيان أحكام المعاش، وأحكام المعاد، وهذه السُورة مشتمل على القسم الأخير من الأربع: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} محتوية على القسم الأول منها؛ لأنَّ البراءة من الشرك إثبات للتوحيد فتكون كل واحدة منها كأنها رُبع القرآن.
قال الطيبي: فإن قلت: هلا حملُوا المعادلة على التسوية في الثواب على المقدار المنصُوص عليه؟
قلتُ: منعهم من ذلك لزوم فضل: {إذا زلزلت} على سُورة الإخلاص.
والقول الجامع فيه، ما ذكره التوربشتي من قوله: نحن وإن سلكنا هذا المسلك بمبلغ علمنا، نعتقد، ونعترف أنَّ بيان ذلك على الحقيقة إنما يلتقى من قبل الرَّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه هو الذي ينتهي إليه في معرفة حقائق الأشياء والكشف عن خفيَّات العُلُومِ، فأما القول الذي نحن بصدده، ونحومُ حوله على مقدار فهمنا، وإن سلم من الخلل، والزلل لا يتعدَّى عن ضرب من الاحتمال.
805- [2898] «مُحي عنْهُ ذُنُوب خَمْسِيْنَ سَنَةً إِلاَّ أنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دين».
قال الطيبي: جعل الدِّين من جنس الذنوب تهويلاً له ثم استثنى منها.
806- [2904] «الَّذِي يَقْرَأُ القُرآن، وهو ماهرٌ بِهِ» هو الحاذق بالقِرَاءَةِ.
«والذي يقْرَأُهُ، وهو عليه شاقٌ له أجران».
قال ابن الجوزي في جامع المسانيد: ربما توهم السامع من ذكر الأجرين أنهما يزيدان على أجر الماهر، وليسَ كذلك؛ لأنَّ المضاعفة للماهر لا تحصى، فإنَّ الحسنة قد تضاعف إلى سبعمائة وأكثر، والأجر شيء مقدَّر فالحسنة لها ثواب معلومٌ ففاعلها يعطى ذلك الثواب مضاعفًا إلى عشر مرَّات ولهذا المقصر منه أجران.
807- [2905] «مَنْ قَرَأ القرآن واستظهره» قال في النِّهاية: أي حفظه، تقول قرأت القرآن عن ظهر قلبي، أي قرأته من حفظي.
808- [2906] «وهو الفضلْ».
قال البيضاوي: أي: الفاضل بين الحق والباطل، وصف بالمصدر مبالغة كرجل عدل.
«ليس بالهزلِ» أي جدٌّ كله ليس فيه ما يخلو عن إتقان، وتحقيق.
«قصمهُ اللهُ» أي كسره وأماته.
«ومن ابتغى الهُدَى في غيره أضلَّه اللهُ».
قال الطيبي: يحتمل الخبر، والدعاء.
«وهو حبل الله المتين».
قال الطيبي: أي الموصلة التي يوثق عليها فيتمسك بها من أراد الترقي والعروج إلى معراج القدس، وجوار الحق.
«وهو الذكر» أي: المذكور.
«الحكيم» أي المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، أو المشتمل على الحقائق.
«والحكيمُ» بمعنى ذو الحكمة.
«لا تزيغُ به الأهوَاءُ» أي: لا تميل عن الحق باتباعه، أو ما دامت تتبعه.
«ولا تلتبس به الألسنة» أي لا تختلط به غيره بحيث يشتبه الأمر ويلتبس الحق بالباطل فإنه تعالى تكفل بحفظه، وقيل: معناه لا يتعسَّر على ألسنة أهل اللغات المختلفة بل يتيسَّر ويتسهَّل عليهم تلاوته.
«ولا يشبَعُ منه العُلمَاء» أي لا يحيط علمهم بكنهه فيقفوا عن طلبه وقوف من شبع عن مطعُوم فإنَّ النَّاظر فيه لا ينتهي إلى حد إلاَّ وهو بعد طالب لحقائقه باحث عن دقائقه.
«ولا يخلقُ على كثْرَةِ الرَّدِّ» لا يزول رونقه ولذة قراءته، واستماعه عن كثرة تردادِهِ على ألسنة التالين وتكراره على أذان المستمعين على خلاف ما عليه كلام المخلوقين.
«لم تنته الجِنُّ» أي لم يتوقفوا ولم يمكثوا.
«من قال به صدَقَ».
قال الطيبي: فيه وجهان أحدهما: أنَّ قال متضمن معنى أخبر، والآخر أنه مثل قولهِ: «سُبحَانَ من لبس العِزَّ، وقال به»، أي أحبَّه واختصَّه لنفسه، كما يقال: فلان يقول بفلان؛ أي بمحبته واخصتاصه، فعلى هذا معنى صدق العمل بمقتضاه، والتحرِّي لرضى الله، فحينئذٍ ينطبق عليه قوله.
«ومن عمل به أُجر» وقوله: «ومن دُعي إليه هُدِي» روي مجهولاً، ولابد فيه من ضمير راجع إلى: «من» فيصير الهادي مهتديًا. ومعناه: من دعا النَّاس إلى القرآن وفق للهداية، ولو روي معروفًا كان المعنى من دعا النَّاس إلى القرآن هداهم إلى صراط مستقيم.
809- [2910] «لا أقول ألم حرفٌ، ولكنْ أَلِفٌ حرف ولامٌ حرفٌ وميم حرفٌ».
قال الطيبي: يعني مسمَّى ميم- وهو مَهْ- حرف، لما تقرر أنَّ لفظة ميم اسم لهذا المسمَّى، فحمل الحرف في هذا الحديث على المذكورات مجازًا؛ لأنَّ المراد منه في مثل: {ضرب} في: {ضرب الله مثلاً} كل واحدٍ من ضَهْ، ورَهْ، وَبَهْ.
فعلى هذا إن أريد بـ: {ألم} مفتتح سُورة الفيل يكون عدد الحسنات ثلاثين، وإن أريد به مفتتح سُورة البقرة، وشبهها يبلغ العدد تسعين.
810- [2911] «مَا أذنَ اللهُ لِعَبْدٍ»
قال الطيبي: هو من أذِنَتْ للشيء أذَنًا، إذا أصغيت إليه، وهو هنا عبارة عن الإقبال من الله بالرأفة والرَّحمة على العبد. وذلك أنَّ العبد إذا كان في الصَّلاةِ وقد فرغ من الشواغل متوجهًا إلى مولاه مناجيًا له بقلبه ولسانه، فإنه تعالى أيضًا مقبل عليه بلطفه وإحسانه إقبالاً لا يقبله في غيره من العبادات، فكنَّى عنه بالإذن.
«وإنَّ البرَّ ليُذَرُّ على رأس العَبْدِ» بالذال المعجمة، أي: ينثر، ويفرق، وقيل بالمهملة، أي يصبّ.
«وما تقرَّب العِبَادُ إلى الله بمِثلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ»
قال ابن فورك: الخروج على وجهين:
أحدهما خروج الجسم من الجسم، وذلك بمفارقة مكانه، واستبداله مكانًا آخر، وذلك محال على الله تعالى.
والثاني: ظهور الشيء من الشيء، كقوله خرج لنا من كلامك نفع وخير، أي: ظهر لنا من كلامك، وهذا هو المراد، فالمعنى: ما أنزل الله تعالى على نبيِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأفهم عباده قال: وقد قال قائلون: أنَّ الهاء في قوله: «خرج منه» عائد إلى العبد، وخروجه منه وجوده على لسانه محفوظًا في صدره مكتوبًا بيده.
وقال الأشرفي: «خرج منه» أي من كتابه المبين- وهو اللوح المحفوظ-.
811- [2914] «يُقال لصاحِبِ القرآنِ» قال التوربشتي: الصحبة للشيء، الملازمة له، ويكون بالبدن، وهو الأصل والأكثر، ويكون بالعناية والهمة، وصاحب القرآن هو الملازم له بالهمة والعناية، ويكون ذلك تارةً بالحفظ والتلاوة، وتارةً بالتدبر له والعمل به، فإن ذهبنا إلى الأول، فالمراد من الدرجات بعضها دون بعض، والمنزلة التي في الحديث هي ما يناله العبد من الكرامة على حسب منزلته في الحفظِ والتلاوة لا غير، وذلك لما عرفنا من أصل الدِّين: أنَّ العامل بكتاب الله المتدبر له أفضل من الحافظ والتالي له إذا لم ينل شأوه في العمل والتدبر. وإن ذهبنا إلى الثاني- وهو أحق الوجهين وأتمهما- فالمراد من الدرجات التي يستحقها بالآيات سائرها، وحينئذٍ تُقَدَّر التلاوة في القيامة على مقدار العمل، فلا يستطيع أحد أن يتلو آية إلاَّ وقد أقام ما يجب عليه فيها، واستكمال ذلك إنما يكونُ للنَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم للأمة بعده على مراتبهم ومنازلهم في الدِّين، كل منهم يقرؤه على مقدار مُلازمته إياه تدبرًا، وعملاً.
812- [2916] «عُرِضتْ عليَّ أخور أُمتِي حتَّى القذَاة يخْرِجهَا الرَّجلُ من المسجدِ».
قال التوربشتي: القذاة ما يقع في العين من تراب، أو تبن، أو وسخ ولابد هنا من تقدير مضاف؛ أي أجور أعمال أمتي، وأجر القذاة، أو أجر إخراج القذاة وتحتمل الجر و«حتى» بمعنى إلى، فحينئذٍ التقدير: إلى أجر إخراج القذاة، «فيخرجها من المسجد» جملة مستأنفة للبيان، والرَّفع عطفًا على أجور، والتقدير ما مرَّ. و«حتى» يحتمل أن تكون هي الدَّاخلة على الجملة فحيئذٍ التقدير: حتى أجر القذاة يخرجها على الابتداء والخبر. انتهى.
وقال الشيخ ولي الدِّين العراقي: قوله: «حتَّى القذاة» بالرفع عطفًا على قوله أجور أمتي، ويجوز فيه الجر بتقدير: «حتى أجر القذاة» ثم حذفَ المضاف وأبقى المضاف إليه على إعرابه، ويجوز فيه النَّصب بتقدير: حتَّى رأيت القذاة. انتهى.
«وعُرِضَتْ عَليَّ أمَّتي فلم أَرَ ذَنْبًا أعظم من سُورةٍ من القرآن، أو آيةٍ أوتيها رجلٌ ثمَّ نسِيَهَا».
قال التوربشتي: هذا مقتبس من قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)} وإنما قال أوتيها ولم يقل حفظها لينبِّه به على أنها كانت نعمة عظيمة أولاها الله إيَّاها ليقوم بها، ويشكر مولاها، فلما نسيها كأنه كفر تلك النعمة، فبالنظر إلى هذا المعنى كان أعظم جرمًا، فلما عدَّ إخراج القذاة التي لا يؤبه لها من الأجور تعظيمًا لبيت الله تعالى عدَّ أيضًا النسيان من أعظم الجرم تعظيمًا لكلام الله تعالى، كأنَّ فاعل ذلك عدَّ الحقير عظيمًا بالنسبة إلى العظيم، فأزاله عنه، وصاحب هذا عدَّ العظيم حقيرًا، فأزاله عن قلبه.
وقال الشيخ ولي الدِّين العراقي في شرح سنن أبي داود: استدلَّ بهذا الحديث على أنَّ نِسيان القرآن من الكبائر، وقد صرَّح بذلك صاحب العُدَّة من أصحابنا وتوقف فيه الرافعي، وهذا الكلام المحكي عن صاحب العدَّة ظاهره أنه في نسيان جميع القرآن، ويحتمل أنه أراد به أي جزء من القرآن، وهذا الحديث يدل عليه كقوله: «من نسي سورة من القرآن أو آية» وهذا يحتمل أنه شك من الراوي في اللَّفظ الذي قاله النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحتمل أن يكون تنويعًا من النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنَّ الوعيد يترتب على كل منهما.
قال: وهذا الحديث- إن صحَّ- يقتضي أنَّ هذا أكبر الكبائر ولا قائل به، وقد يحمل نسيانها على رفضها ونبذها، كما في قوله تعالى: {أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} وهذا يقتضي الكفر وهو أكبر الكبائر ولا قائل به، وقد يحمل على الذنوب المتعلقة بالنسيان وقد يحمل على الذنوب التي اطَّلع عليها في ذلك الوقت. فإن قلت: كيف يكون النسيان ذنبًا وهو مرفوع عن هذه الأمة؟ قلتُ: المعدود ذنبًا هو التفريط في محفوظه من القرآن بترك تعاهده ودرسه، فإنه سبب ظاهر للنسيان. انتهى كلام الشيخ ولي الدِّين.
وأقول: يحتمل أنَّ المراد بالذنوب التي عرضت الصغائر فيكون نسيان ما أوتيه الإنسان من القرآن أعظم الصَّغائر والمراد الذنوب التي خصَّت بها هذه الأمة بدليل قوله: «ذُنوب أمَّتي» فإنَّ الأمم السابقة ما كُلِّفُوا حفظ كتبهم، بل ولا تيسَّر لهم ذلك، فلا يدخل الذنُوب التي اشتركت فيها الأمم كالقتل والزنا والسَّرقة وسائر الكبائر، ويكون نسيان القرآن أعظم الذنوب لم تحرَّم إلاَّ في هذه الشريعة كالتصوير، ولبس الحرير، وكشف العورة، والله أعلم.
وقال الدارقطني في العلل: هذا الحديث غير ثابت؛ لأنَّ ابن جريج لم يسمع من المطلب شيئًا ويقال: كان يدلسه عن أبي سبَرة أو غيره من الضعفاء.
813- [2917] «من قرأ القرآن فليسأل الله به».
قال الطيبي: يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه كلَّما قرأ آية رحمة يسأل من الله، وآية عذاب يتعوَّذ منها إلى غير ذلك.
والثاني: أنه يدعو بعد الفراغ من القراءة بالأدعية المأثورة.
814- [2918] «مَا آمَن بِالقُرآنِ مَنِ اسْتَحلَّ مَحَرمَهُ».
قال الطيبي: من استحل ما حرَّم الله تعالى في القرآن فقد كفر مطلقًا، فخصَّ ذكر القرآن لعظمته وجلالته.
815- [2919] «الجَاهِرُ بِالقُرآنِ كَالجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ والمُسِرُّ بالقُرآنِ، كَالمسِرِّ بالصَّدَقَةِ».
قال الطيبي: شبَّه القرآن جهرًا وسرًّا بالصَّدقَةِ جهرًا وسرًّا ووجه الشبه ما ذكره الشيخ محيي الدِّين النووي حيث قال: جاءت آثار بفضيلة رفع الصَّوت بالقرآن وآثار بفضيلة الإسرار.
قال العلماء: والجمع بينهما أن الإسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخفْ فالجهر أفضل بشرط أن لا يؤذي غيره من مُصلِّ، أو نائم أو غيرهما.
816- [2921] «كَانَ يَقرأ المُسبِّحاتِ».
قال الطيِّبي: هي كل سُورة افتتحت بسُبحان، وسبَّح، ويسبح.
«يقول: إنَّ فيهنَّ آيةً خيرٌ من ألفِ آيةٍ».
قال الحافظ عماد الدِّين بن كثير: هي مبهمة.
وقال الطيبي: هي مبهمة كإخفاء ليلة القدر في رمضان، وساعة الإجابة في يوم الجمعة.
817- [2922] «مَن قال حينَ يصبح ثلاثَ مرَّاتٍ أعُوذ باللهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ».
في تفسير ابن مردويه رواية ولذلك لم يشرح حديث من قال حين يصبح إلى آخره.
818- [2923] «فإذا هي تَنْعتُ» أي تصف.
قال الطيبي: ويحتمل وجهين:
أحدهما: أن يقول كانت قراءته كيت وكيت.
والثاني: أن تقرأ مرتلة مبيِّنة كقراءة النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
819- [2924] «سعةً» لعله بفتح السين.
حدثثا محمَّد بن الحسين بن أبي يزيد الهمداني عن عمرو بن قيس عن عطيَّة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يقول الرَّبُ عزَّ وجلَّ: من شغله القرآنُ عن ذِكْرِي ومسألتِي أعطيتهُ أفض ما أعطي السَّائلين...» الحديث.
هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات، من حديث عمر بن الخطاب.
وقال الحافظ ابن حجر في أماليه على الأذكار إنَّه حديث حسن، وأنَّ ابن الجوزي لم يصب، وقد بسطت الكلام على ذلك في التعقبات على الموضوعات وقال الشيخ عز الدِّين ابن عبد السلام في أماليه: هذا الحديث يدل على تقديم الذكر على الدعاء، وقوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}.
هذه الآيات تدل على الأمر بالدعاء.
قال ووجه الجمع بين الظواهر: أنَّ الأوقات على ثلاثة أقسام:
وقت دلَّ الدليل الشرعي على أنَّ الدعاء فيه أفضل كوقت السجود، فيقدم الدعاء، ويكون راجحًا، ووقت دلَّ الدليل على أنَّ الذكر أفضل كوقت الركوع لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمَّا الركوع فعظموا فيه الرَّب، وأما السُّجود فأكثروا فيه من الدعاء فيقدم الذكر، ووقت لم يدل فيه دليل على أحدهما فيقدم الذكر لقوله: «من شغلهُ ذكري عن مسألتي» وفي تاريخ ابن عساكر عن سفيان بن عيينة أنه قال لأصحاب الحديث: بم تشبهون حديث النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما شغل عبدي ذكري عن مسألتي إلاَّ أعطيته أفضل ما أعطي السَّائلين» فقالوا له: تقول من يرحمك الله قال: بقول الشَّاعر:
وفتى خلا من ماله ** ومن المرؤة غير خال

أعطاك قبل سُؤاله ** وكفاك مكروه السؤال