فصل: أبْوابُ الصَّلاَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: قوت المغتذي على جامع الترمذي



.أبْوابُ الصَّلاَةِ:

57- [149] «أمَّني جِبْرِيْلُ عِنْدَ البَيْتِ» في روَايَة الشافعي: «عند باب البيت». قال ابن العربي: (سمعت من يقول في المجالس- ولم أرَهُ في كتاب-: أن جبريل لم يكُن مُصَلِّيًا، وإنما أمَّه بقوله، أو أَتَى بصورَة الصَّلاة على معنى تعليم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا ضعيف يرده ظاهر قوله: «فصَلَّى»، وَهَذا يقتضي أنه صَلَّى مثلهُ، والذي عندي أن فرار هذا القائل من هذا القول إنما هو من تَعَلُّق أصحاب الشافعي على علمائنا في صحّة إمامَة المتنفل بهذا الحديث، قالوا: فإن جبريل كان متنفلاً مُعَلِّمًا، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفترض. فحاد عن ذلك بأن جبريل لم يكن مُصَلِّيًا، وأسْقط قوله: «أمَّني». وقوله: إن جبريل- إن كان مُصَليًا- كان متنفلاً، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفترضًا خلف متنفلٍ. دعوى، فمن أين عَلِم ما كان جبريل- عليه السلام- في الصلاة من تنفل أو افتراض؟ فإن قيل: لا تكليف على مَلَك في هذه الشريعة، وإنما هي على الجن والإنس، قلنا: ذلك لم يُعلم عقلاً، وإنما علم بالشرع، وجِبريل مأمُور بالإمَامَة بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يؤمر غيرُه من الملائكة بذلك، فكما خُصَّ بالإمَامَة، جاز أن يُخصَّ بالفريضة؛ وقد روينا في حديث مالك من قول جبريل- عليه السلام-: «بهذا أُمِرت» برفع التاء وبفتحها. فأما رفع التاء فثابت صحيح، وهو في أمر جبريل صريح، ولم يُعلَم صفة أمر الله تعالى لهُ، وَهل قال له: بلغ إلى محمَّد هيئة الصلاة قولاً، أو فعلاً، أو قولاً وفعلاً، أو كيف شئت. فلا يجيء هذا الإلزام).
وقال ابن التين: لما أمر الله تعالى جبريل بتعليم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الصلاة، كانت فرضًا عليه، لأنه أُمر بذلك، فكانت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، صلاة مفترض خلف مفترض.
«حين كان الفيء مثل الشراك» هو سير النَّعْل. قال ابن العربي: يعني: قِصَر الظل، وقال ابن قتيبة: يتوهم الناس أن الظل والفيء بمعنى، وليس كذلك، بل الظل يكون غدوة وعشية، ومن أول النهار إلى آخره، وأمَّا الفيء فلا يكون إلاَّ بعد الزوال، ولا يقال لما قبل الزَّوال: فَيْءٌ، وإنما قيل لما بعْد الزَّوال: الفيء، لأنه ظِلٌّ فاء من جانب إلى جانب: أي رجع، والفيءُ: الرجوع.
«حين وجبت الشمس»: أي: سقطت.
«حين بَرَق الفجر» بفتح الراء.
«هذا وقت الأنبياء من قبلك». قال ابن العربي: ظاهره يوهم أن هذه الصلوات- في هذه الأوقات- كانت مشروعة لمن قبلهم من الأنبياء، وليس كذلك، وإنما معناه: هذا وقتك المشروع لك؛ يعني الوقت الموسع المحدود بطرفين: الأول والآخر.
«ووقت الأنبياء قبلك»، يعني: مثله وقت الأنبياء قبلك، أي: صلاتهم كانت وَاسِعَة الوقت، وذات طرفين مثل هذا، وإلاَّ فلم يكن هذه الصلوات على هذا الميقات إلاَّ لهذه الأمَّة خاصّة، وإن كان غيرهم قد شاركهم في بعضها.
وقد روى أبو داود في حديث العشاء: أعتموا بهذه الصلاة، فإنكم قد فُضِّلتم بها على سائر الأمم.
وكذا قال ابن سيِّد الناس: يريد في التوسعة عليهم، في أن للوقت أولاً وآخرًا، لا أن الأوقات هي أوقاتهم بعينها.
«والوقت فيما بين هَذين الوقتين». قال ابن سيد الناس: يريد هذين، وما بينهما. أما إرادته أن الوقتين اللذين أوقع فيهما الصلاة وقتٌ لها، فتبين بفعله. وأما الإعلام بأن ما بينهما أيضًا وقت، فبينه قوله عليه السَّلام.
قال محمد: أصح شيء في المواقت حديث جابر.
قال ابن القطان: حديث جابر يجب أن يكون مرسلاً؛ لأن جابرًا لم يذكر من حدَّثه بذلك، ولم يشاهد ذلك صبيحة الإسْراء، لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنه أنصَارِيٌّ، إنما صَحِب بالمدينة. قال: وابن عباس، وأبو هريرة اللذان رويَا أيضًا قِصّة إمَامَة جبريل، فليس يلزم في حديثهما من الإرسَال ما في رواية جابر؛ لأنهما قالا: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك وقصّهُ عليهما.
58- [153] «إن كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليصلي الصبح». قال ابن سيد الناس: على معنى التأكيد، و«إنْ» مخففة من الثقيلة المؤكدة، واللام لازمةٌ، بعدها؛ للفرق بينهما وبين التي بمعنى ما.
«فيمر النساء مُتلففات» بفاءين.
«بمروطهن». قال ابن العربي: المرط كساء، وأكثر ما يستعمل للنساء. وقال ابن فارس: هو ملحفة يؤتزر بها. وقال ابن قتيبة: متلفعَات؛ بعين مهملة بعد الفاء. قال ابن العربي: التلفع هو التلفف، إلاَّ أن فيه زيادة تغطية الرأس، فكل متلفع متلفف، وليس كل متلفف متلفعًا.
59- [154] «أسفروا بالفجر»،. قال ابن العربي: الإسفار الضوء مَأخوذ من سَفَر، أي تَبَيَّن فانكشف.
وقال ابن سيد الناس: الإسفار التبين والتيقن، والمراد به هنا: إذا انكشف واتضح؛ لئلا يظل المصَلي في شك من دخول الوقت.
قال في النهاية: قالوا: يحتمل أنهم حين أمروا بتغليس صلاة الفجر في أول وقتها، كانوا يصلونها عند الفجر الأول حرصًا ورغبة، فقال: «أسفروا بها» أي أخروها إلى أن يطلع الفجر الثاني وتتحققوه، ويُقوي ذلك أنه قال لبلال: «نَوِّر بالفجر قدر ما يبصر القوم مواقع نَبْلهم»، وقيل: إن الأمر بالإسفار خاص في الليالي المقمرة؛ لأن أول الصُّبح لا يتبين فيها، فأُمرُوا بالإسفار احتياطًا. انتهى.
60- [157] «إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة» قال ابن العربي: معنى: «أبردوا» أخِّروا إلى زمَن البرد، ولا ينتظر ذلك مع قوله: «عن»، فإن صُورته أخِّروا عن الصَّلاة، إلاَّ بإضمار تقديره: أخروا أنفسكم عن الصلاة.
وقد رواه مُسْلم: «فأبردوا بالصلاة» وهو انتظامه في الظاهر.
وقال ابن سيد الناس: أبردوا، أي: أخروها عن ذلك الوقت، وادخلُوا بها في ذلك وقت البرْد، وهو الزمَان الذي يتبين فيه انكسارُ شِدّة الحرّ، وتوجد فيه بردوة مَّا. يقال: أبرد الرَّجُل؛ أي صار في برْد النهار، و«عن» في قوله: «عن الصلاة»؛ بمعنى الباء، كما رُوي في بعض طرقه: «أبردوا بالصلاة»، و«عَن» تأتي بمعنى الباء، كما يقال: رميت عن القوس أي: به، وقيل: «عن» هنا زائدة، أي: أبردوا الصلاة، يقال: أبرد الرجل كذا، إذا فعله في برد النهار.
و«من فيح جهنم» هو انتشار حرّها، وشدة غليانها. قال ابن العربي: وأصله الواو. قال ابن سيد الناس: وقد روي به في حديث أبي سعيد: «من فوح جهنم». قال أحمد: لا أعلم أحدًا رواه بالواو إلا الأعمش.
61- [158] «حتى رَأينَا فَيْءَ التُّلُولِ». قال ابن العربي: هي الروابي المرتفعة، والكدى الثابتة في الأرض، واحدها تل.
قال ابن سيد الناس: وظلها لا يظهر إلاَّ بعد تمكن الفيء، واستطالته جدًّا، بخلاف الأشياء المنتصبة التي يظهر ظلها سريعًا في أسفلها؛ لاعتدال أعلاها، وأسفلها.
62- [159] «في حجرتها» أي: دارها.
«لم يظهر الفَيْءُ». قال ابن سيد الناس: أي لم يعدُ السَّطْحَ، وقيل: لم يَزُلْ عنها، والظهور يستعمل فيهما.
63- [160] «إذا كان بين قرني الشيطان». قيل: هو على حقيقته وظاهِره. والمراد: أنه يحاذيها بقَرْنَيْه عند غروبها، وكذا عند طلوعها؛ لأن الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها؛ ليكون الساجدُون لها في صُورَة الساجدين له. وقيل: هو على المجاز، والمراد بقرنيه: عُلُوُّه وارتفاعه، وسُلطانه وغلبة أعوانه، وسجود مُطيعيه من الكفار للشمس.
«فنقر أربعًا» كناية عن سُرعَة الحركات كنقر الطائر.
64- [164] «وتوارت بالحجاب» أي: استترت.
65- [172] «الوقت الأول من الصلاة رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله» قال ابن العربي: روي عن أبي بكر الصديق أنه قال فيه: رضوان الله أحب إلينا من عفوه.
قال عُلماؤنا: لأن رضوانه للمحسنين، وعفوه عن المقصرين. وللدارقطني من حديث أبي محذورة زيادة: «ووسط الوقت رحمة الله».
65 م- 171 «الصلاة إذا أتت». قال ابن العربي وابن سيد الناس: كذا رُويناه بتائين، كل واحدة منهما معجمة باثنتين من فوقها، ورُوي: «آنت» بنون ومد، بمعنى حانت، وحضرت.
66- [175] «الذي تفوته صلاة العَصْر! فكأنما وُتر أهله ومالَه».
قال ابن العربي: معناه: سلب عنه، فبقي وترًا، أي: فردًا. قال: رُويَ: «أهْلهُ» بنصب اللام، ورفعه، فإن رُفِعَت فعلى البدَل من ضمير وتر، وإن نُصِبَت فعلى المفعول به.
زاد ابن سيد الناس: ويحتمل- في الرفع- أن يكون ضمِّن: «وُتر» معنى نُزِع، فيكون: «أهْلهُ» هو المفعول الذي لم يسمّ فاعله، و«ماله» معطوف عليه، قال: وهذا فيمن فاتته بغير عذر حتى تغيب الشمس.
وقال الداودي: معناه: أنه يجب عليه من الأسف والاسترجاع مثل الذي يجب على مَنْ وُتِر أهْلَه ومَالَه.
قلت: ودخلت الفاء في الخبر وهو: «فكأنما» لتضمُّن المبتدإ- وهو الموصول- معنى الشرْط.
67- [176] «يا أبا ذَرٍّ! أُمَرَاءُ يَكُونُونَ من بَعْدِي يُمِيتُون الصَّلَاةَ».
قال ابن سيد الناس: إماتتها: إخراجها عَنْ وَقتها، حتى يكون كالميت الذي لا روح له، قال: وقوله: «فصل الصلاة لوقتها»: يعني: المختارَ، بدليل قوله: «فإن صليت لوقتها كانت لك نافلة» أي: زيادة في العمل والثواب، وإلاَّ كنت قد أحْرزت صلاتك، أي: فعَلتها في وقتها، وعلى ما يجب أداؤهَا.
حديث أبي ذر حديث حسن، بل هو صحيح، أخرجه مسلم في صحيحه.
68- [179] «قال عبد الله: إن المشركين شغلوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن أربع صلوات يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء الله».
قال ابن العربي: الصحيح ما يأتي بعد هذا، أن الصلاة- التي شُغل عنها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابُه يوم الخندق- صلاةٌ واحدةٌ، وهي: العَصْرُ.
وقال ابن سيد الناس: اختلفت الروايات في الصلاة المنسيّة يوم الخندق، ففي حديث جابر الآتي، أنها العصر، وهو في الصحيحين، وفي الموطأ أنها الظهر والعصر، وفي هذا الحديث أنها أربع صلوات. فمن الناس من اعتمد على ما في الصحيحين: كابن العربي، ومنهم من جمع بين الأحاديث في ذلك، بأن الخندق كانت وقعته أيَّامًا، وكان ذلك كله في أوقات مختلفة في تلك الأيام، وهذا أولى من الأول؛ لحديث أبي سعيد في ذلك، وإسناده صحيح جليل، ثم أنه منسوخ بصلاة الخوف. انتهى.
69- [180] «بُطْحَانَ» بضم أوله وسكون ثانيه: وادٍ بالمدينة، وذكر أبو عبيد البكريُّ وغيره: أنه بفتح أوله وكسْر ثانيه، وأنشد:
عنان بطحَان ** من منى فالمحصب

70- [185] «بين كل أذانين صلاة»
قال ابن سيد الناس: المراد: الأذان وَالإقَامَة، فهو من باب التغليب، كالعُمرين والقمرين- طلبًا للخفة- إذ المذكر أَخَفُّ من المؤنث.
حدَّثنا أبو سلمة يحيى بن خلف البصري ثنا المعْتَمِرُ بن سليمان عن أبيه عن حَنشٍ عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
71- [188] «من جمع بين الصَّلاتين من غيرِ عُذْرٍ فَقَد أتى بابًا من أبواب الكبائر». هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وأعله بحنش، وقال: كذبه أحمد، وقد أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: حنش ثقة سَكن الكوفة، وأخرجه أيضًا البيهقي في سُننه، وله شاهد موقوف على عمر بن الخطاب أخرجه البيهقي، وآخر عن أبي مُوسَى الأُشعَري، أخرجه ابن أبي شيبة في مُصنفه.
72- [189] «لما أصْبحنا أتيت رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرَته بالرؤيا فقال: إن هذه الرؤيا حق» قال ابن العربي: رؤيَا الأنبياء وحي، ومرآهَا حق من جملة شرائع الدين، ورؤيا غيرهم في الدين ليسَت بشيء، ألاَّ أن هذه الرؤيا من غير الأنبياء استقرت في الدين لوجوه: أحدهَا أنه يحتمل أنه قيل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنفذهَا وَحْيًا فأنفذهَا، إذ كانت مما يتشوّف إليها، ويميل إلى العمل بها، فأُمر بها حتى يُقَرَّ عليها أو يُنهى عنها، على القول بجواز الاجتهاد له، وعلى أن يبين أن هذه المسألة من مسائل القياس، ولأنه رأى نظمًا لا يستطيعه الشيطان، ولا يدخل في جملة الوسَاوس والخواطر المرسلة. ورُوِي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى الأذان ليلة أسري به وسَمعه، ولم يؤذن له فيه عند فرض الصلاة حتى بلغ الميقات، وفي قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعُمرْ: «فذلك أثبت» دليلٌ على ترجيح أحد الاحتمالين الثاني والثالث على الأول، لأنه كان الإقرار عليه أولاً بوحي. انتهى.
قال ابن سيد الناس: وذكر أبو داود في مراسيله: أن عمر لما رأى الأذان في المنام أتى ليخبر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد جاء الوحي بذلك- فما راعه إلاَّ بلال يُؤَذِّنُ، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَبَقَكَ بذلك الوَحْيُ». قال: وهذا يعضد التأول الأول.
«فإنه أندى»: أي: أحسن صوتًا، وقال ابن حجر: أي أقعَد بالمد وَالإطالة.
حديث عبد الله بن زيد، حديث حسن صحيح. قال ابن سيد الناس: عبد الله بن زيد اثنان من الأنصار من بني مازن: أحدهما ابن عبد ربّه صاحب حديث الأذان، والآخر ابنُ عاصم له أحاديث في الوضوء، وصلاة الاستسقاء وغير ذلك، وقد نُسب بعض المتقدمين إلى الوهم حيث جعل حديث الأذان لابن عاصم.