فصل: بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الْإِجَارَةِ:

قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْخَيَّاطُ وَرَبُّ الثَّوْبِ، فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَهُ قَبَاءً وَقَالَ الْخَيَّاطُ: بَلْ قَمِيصًا أَوْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلصَّبَّاغِ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغْته أَصْفَرَ، وَقَالَ الصَّبَّاغُ: لَا بَلْ أَمَرْتنِي أَصْفَرَ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ)، لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِذْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ صِفَتَهُ لَكِنْ يَحْلِفُ، لِأَنَّهُ أَنْكَرَ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ.
قَالَ: (وَإِذَا حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ) وَمَعْنَاهُ مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَكَذَا يُخَيَّرُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ إذَا حَلَفَ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ يُضَمِّنُهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ.
(وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ: عَمِلْته لِي بِغَيْرِ أَجْرٍ وَقَالَ الصَّانِعُ: بِأَجْرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ إذْ هُوَ يُتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَيُنْكِرُ الضَّمَانَ وَالصَّانِعُ يَدَّعِيه وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ.
(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ حِرِّيفًا لَهُ) أَيْ خَلِيطًا لَهُ (فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلَّا فَلَا)، لِأَنَّ سَبْقَ مَا بَيْنَهُمَا يُعَيِّنُ جِهَةَ الطَّلَبِ بِأَجْرٍ جَرْيًا عَلَى مُعْتَادِهِمَا (وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنْ كَانَ الصَّانِعُ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأَجْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)، لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْحَانُوتَ لِأَجْلِهِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَجْرِ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْجَوَابُ عَنْ اسْتِحْسَانَيْهِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ لِلدَّفْعِ وَالْحَاجَةِ هَاهُنَا إلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ:

قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا يَضُرُّ بِالسُّكْنَى فَلَهُ الْفَسْخُ)، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنَافِعُ وَأَنَّهَا تُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانَ هَذَا عَيْبًا حَادِثًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيُوجِبُ الْخِيَارَ كَمَا فِي الْبَيْعِ، ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ إذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ فَعَلَ الْمُؤَجِّرُ مَا أَزَالَ بِهِ الْعَيْبَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِزَوَالِ سَبَبِهِ.
قَالَ: (وَإِذَا خَرِبَتْ الدَّارُ أَوْ انْقَطَعَ شِرْبُ الضَّيْعَةِ أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ الرَّحَى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ)، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَدْ فَاتَ وَهِيَ الْمَنَافِعُ الْمَخْصُوصَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَشَابَهُ فَوْتَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَوْتَ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ قَدْ فَاتَتْ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهَا فَأَشْبَهَ الْإِبَاقَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ الْآجِرَ لَوْ بَنَاهَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ وَلَا لِلْآجِرِ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ يَنْفَسِخُ لَكِنَّهُ يُفْسَخُ (وَلَوْ انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَى وَالْبَيْتِ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ لِغَيْرِ الطَّحْنِ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ)، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَقَدْ عَقَدَ الْإِجَارَةِ لِنَفْسِهِ انْفَسَخَتْ)، لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ تَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ الْمَمْلُوكَةُ بِهِ أَوْ الْأُجْرَةُ الْمَمْلُوكَةُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ مُسْتَحَقَّةً بِالْعَقْدِ، لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَارِثِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَإِنْ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَمْ تَنْفَسِخْ) مِثْلُ الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ لِانْعِدَامِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى.
قَالَ: (وَيَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ لِفَوَاتِ بَعْضِهِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُؤَاجِرِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ أَيْضًا عَلَى الْكَمَالِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْخِيَارَ وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَامَلَةٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَبْضَ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ فَجَازَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ، فَكَذَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَهَذَا، لِأَنَّ رَدَّ الْكُلِّ مُمْكِنٌ فِي الْبَيْعِ دُونَ الْإِجَارَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ دُونَهَا، وَلِهَذَا يُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْقَبْضِ إذَا سَلَّمَ الْمُؤَجِّرُ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ.
قَالَ: (وَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْأَعْذَارِ) عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا تُفْسَخُ إلَّا بِالْعَيْبِ، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ حَتَّى يَجُوزَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ.
وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ وَهِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا فَصَارَ الْعُذْرُ فِي الْإِجَارَةِ كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ، فَتُفْسَخُ بِهِ إذْ الْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا وَهُوَ عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِهِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْعُذْرِ عِنْدَنَا.
(وَهُوَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ حَدَّادًا لِيَقْلَعَ ضِرْسَهُ لِوَجَعٍ بِهِ فَسَكَنَ الْوَجَعُ أَوْ اسْتَأْجَرَ طَبَّاخًا لِيَطْبُخ لَهُ طَعَامَ الْوَلِيمَةِ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ)، لِأَنَّ فِي الْمُضِيِّ عَلَيْهِ إلْزَامُ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ.
(وَكَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا فِي السُّوقِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ فَذَهَبَ مَالُهُ وَكَذَا مَنْ أَجَّرَ دُكَّانًا أَوْ دَارًا، ثُمَّ أَفْلَسَ وَلَزِمَتْهُ دُيُونٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا إلَّا بِثَمَنِ مَا أَجَّرَ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ وَبَاعَهَا فِي الدُّيُونِ)، لِأَنَّ فِي الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ إلْزَامَ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ الْحَبْسُ، لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَصْدُقُ عَلَى عَدَمِ مَالٍ آخَرَ، ثُمَّ قَوْلُهُ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فِي النَّقْصِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ فِي عُذْرِ الدَّيْنِ وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُذْرٌ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِ تُنْتَقَضُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ عَلَى مَا مَرَّ فَيَنْفَرِدُ الْعَاقِدُ بِالْفَسْخِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إلْزَامِ الْقَاضِي، وَمِنْهُمْ مَنْ وُفِّقَ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا لَا يُحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ لِظُهُورِ الْعُذْرِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرٍ كَالدَّيْنِ يُحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ لِظُهُورِ الْعُذْرِ.
(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ مِنْ السَّفَرِ فَهُوَ عُذْرٌ)، لِأَنَّهُ لَوْ مَضَى عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ يَلْزَمُهُ ضَرَرٌ زَائِدٌ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَذْهَبُ لِلْحَجِّ فَذَهَبَ وَقْتُهُ أَوْ لِطَلَبِ غَرِيمِهِ فَحَضَرَ أَوْ لِلتِّجَارَةِ فَافْتَقَرَ (وَإِنْ بَدَا لِلْمُكَارِي فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعُذْرٍ)، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْعُدَ، وَيَبْعَثَ الدَّوَابَّ عَلَى يَدِ تِلْمِيذِهِ أَوْ أَجِيرِهِ (وَلَوْ مَرِضَ الْمُؤَاجِرُ فَقَعَدَ فَكَذَا الْجَوَابُ) عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ عُذْرٌ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ، فَيُدْفَعُ عَنْهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ دُونَ الِاخْتِيَارِ.
(وَمَنْ آجَرَ عَبْدَهُ ثُمَّ بَاعَهُ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ)، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّرَرُ بِالْمُضِيِّ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَفُوتُهُ الِاسْتِرْبَاحُ وَأَنَّهُ أَمْرٌ زَائِدٌ.
قَالَ: (وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْخَيَّاطُ غُلَامًا فَأَفْلَسَ وَتَرَكَ الْعَمَلَ فَهُوَ عُذْرٌ)، لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّرَرُ بِالْمُضِيِّ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ رَأْسُ مَالِهِ وَتَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ خَيَّاطٌ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ، أَمَّا الَّذِي يَخِيطُ بِأَجْرٍ فَرَأْسُ مَالِهِ الْخَيْطُ وَالْمِخْيَطُ وَالْمِقْرَاضُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِفْلَاسُ فِيهِ (وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَ الْخِيَاطَةِ وَأَنْ يَعْمَلَ فِي الصَّرْفِ فَهُوَ لَيْسَ بِعُذْرٍ)، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقْعِدَ الْغُلَامَ لِلْخِيَاطَةِ فِي نَاحِيَةٍ وَهُوَ يَعْمَلُ فِي الصَّرْفِ فِي نَاحِيَةٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا لِلْخِيَاطَةِ، فَأَرَادَ أَنْ يَتْرُكَهَا وَيَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ حَيْثُ جَعَلَهُ عُذْرًا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَمَلَيْنِ.
أَمَّا هَاهُنَا الْعَامِلُ شَخْصَانِ فَأَمْكَنَهُمَا.
(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ غُلَامًا لِيَخْدُمَهُ فِي الْمِصْرِ ثُمَّ سَافَرَ فَهُوَ عُذْرٌ)، لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ إلْزَامِ ضَرَرٍ زَائِدٍ، لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ أَشَقُّ وَفِي الْمَنْعِ مِنْ السَّفَرِ ضَرَرٌ وَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ عُذْرًا (وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْحَضَرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ عَقَارًا ثُمَّ سَافَرَ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ إذْ الْمُسْتَأْجِرُ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ غَيْبَتِهِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ السَّفَرَ فَهُوَ عُذْرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ السَّفَرِ أَوْ إلْزَامِ الْأَجْرِ بِدُونِ السُّكْنَى وَذَلِكَ ضَرَرٌ.
مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ:
قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا أَوْ اسْتَعَارَهَا فَأَحْرَقَ الْحَصَائِدَ فَاحْتَرَقَ شَيْءٌ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ)، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسْبِيبِ فَأَشْبَهَ حَافِرَ الْبِئْرِ فِي دَارِ نَفْسِهِ، وَقِيَامُ هَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ هَادِئَةً ثُمَّ تَغَيَّرَتْ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُضْطَرِبَةً يَضْمَنُ، لِأَنَّ مُوقِدَ النَّارِ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهِ.
قَالَ: (وَإِذَا أَقْعَدَ الْخَيَّاطُ أَوْ الصَّبَّاغُ فِي حَانُوتِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ)، لِأَنَّ هَذِهِ شِرْكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يَقْبَلُ، وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ، فَيَنْتَظِمُ بِذَلِكَ الْمَصْلَحَةُ، فَلَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ فِيمَا يَحْصُلُ.
قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ جَازَ وَلَهُ الْمَحْمَلُ الْمُعْتَادُ) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْجَهَالَةِ، وَقَدْ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرَّاكِبُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَالْمَحْمَلُ تَابِعٌ وَمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ يَرْتَفِعُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُتَعَارَفِ فَلَا يُفْضِي ذَلِكَ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَكَذَا إذَا لَمْ يَرَ الْوِطَاءَ وَالدُّثُرَ.
قَالَ: (وَإِنْ شَاهَدَ الْجَمَّالُ الْحِمْلَ فَهُوَ أَجْوَدُ)، لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْجَهَالَةِ وَأَقْرَبُ إلَى تَحَقُّقِ الرِّضَا.
قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا مِنْ الزَّادِ فَأَكَلَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ)، لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ حِمْلًا مُسَمًّى فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ (وَكَذَا غَيْرُ الزَّادِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) وَرَدُّ الزَّادِ مُعْتَادٌ عِنْدَ الْبَعْضِ كَرَدِّ الْمَاءِ فَلَا مَانِعَ مِنْ الْعَمَلِ بِالْإِطْلَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.كِتَابُ الْمُكَاتَبِ:

قَالَ: (وَإِذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى مَالٍ شَرَطَهُ عَلَيْهِ وَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ صَارَ مُكَاتَبًا) أَمَّا الْجَوَازُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} وَهَذَا لَيْسَ أَمْرَ إيجَابٍ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرُ نَدْبٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إلْغَاءُ الشَّرْطِ إذْ هُوَ مُبَاحٌ بِدُونِهِ أَمَّا النَّدْبِيَّةُ فَمُعَلَّقَةٌ بِهِ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا قِيلَ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ لَوْ فَعَلَهُ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ قَبُولِ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ مَالٌ يَلْزَمُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءِ كُلِّ الْبَدَلِ «لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ»، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ».
وَفِيهِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَا اخْتَرْنَاهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُعْتَقُ بِأَدَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْمَوْلَى إذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ، لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ التَّصْرِيحِ بِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَا يَجِبُ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ.
الشرح:
كِتَابُ الْمُكَاتَبِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ، فَأَدَّاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَهُوَ عَبْدٌ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ: أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْعِتْقِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْبُيُوعِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ، فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ أَوَاقٍ، فَهُوَ عَبْدٌ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ، فَأَدَّاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَهُوَ عَبْدٌ»، انْتَهَى.
بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد وَلَفْظُ التِّرْمِذِيُّ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ، فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ أَوَاقٍ، أَوْ قَالَ: عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ رَقِيقٌ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ «أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ، فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ أَوَاقٍ، ثُمَّ عَجَزَ، فَهُوَ رَقِيقٌ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، كِلَاهُمَا بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَسْمَعُ مِنْك أَحَادِيثَ أَفَتَأْذَنُ لَنَا أَنْ نَكْتُبَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا كَتَبَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ: لَا يَجُوزُ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ جَمِيعًا، وَلَا بَيْعُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَمَنْ كَانَ مُكَاتَبًا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَضَاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَهُوَ عَبْدٌ، أَوْ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ، فَقَضَاهَا إلَّا أُوقِيَّةً، فَهُوَ عَبْدٌ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَهُوَ عِنْدِي خَطَأٌ، انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ النَّسَائِيّ، ثُمَّ قَالَ: وَعَطَاءٌ هَذَا هُوَ الْخُرَاسَانِيُّ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو شَيْئًا، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ لِعَطَاءٍ سَمَاعًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّسَائِيَّ، وَابْنَ حِبَّانَ لَمْ يَنْسُبَاهُ أَعْنِي عَطَاءً وَذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ فِي تَرْجَمَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، لَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِهِ لِعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو شَيْئًا، وَكَأَنَّهُ وَهَمَ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّهُ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَهُوَ جَاءَ مَنْسُوبًا فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْعَتَاقِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ»، انْتَهَى.
وَفِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، لَكِنَّهُ عَنْ شَيْخٍ شَامِيٍّ ثِقَةٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، أَوْ أُوقِيَّةٌ»، انْتَهَى.
وَضُعِّفَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ فِيهِ: إنَّهُ مَتْرُوكٌ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَلَعَلَّ الْبَلَاءَ فِيهِ مِنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ شَرِيكٍ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ، فَإِنَّهُ شَرٌّ مِنْ سُلَيْمَانَ، انْتَهَى.
وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَوْقُوفًا: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةَ، لَمْ يَرْوِهِ مَرْفُوعًا أَصْلًا.
قَوْلُهُ: وَفِيهِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ يَعْنِي فِي الْمُكَاتَبِ يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَأَنَّ زَيْدًا قَالَ: لَا يُعْتَقُ وَلَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ.
قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ زَيْدٍ، فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، قَالَ فِي الْمُكَاتَبِ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ بِهِ سَوَاءٌ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. انْتَهَى.
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هُوَ عَبْدٌ إنْ عَاشَ، وَإِنْ مَاتَ، وَإِنْ جُنَّ، مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. انْتَهَى.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ، إلَّا الشَّطْرَ فَلَا رِقَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِخِلَافِ هَذَا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْقَاسِمُ لَا يَثْبُتُ سَمَاعُهُ مِنْ ابْنِ سَمُرَةَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: إذَا أَدَّى قَدْرَ ثَمَنِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِمُكَاتَبٍ لَهَا، يُكَنَّى أَبَا مَرْيَمَ: اُدْخُلْ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْك إلَّا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: اسْتَأْذَنْت عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا؟ قُلْت: سُلَيْمَانَ، قَالَتْ: كَمْ بَقِيَ عَلَيْك مِنْ مُكَاتَبَتِك؟ قُلْت عَشْرَةُ أَوَاقٍ، قَالَتْ: اُدْخُلْ، فَإِنَّك عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْك دِرْهَمٌ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُثْمَانَ، قَالَ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا، قَالَ فِي الْمُكَاتَبِ يَعْجِزُ، قَالَ: يُعْتَقُ بِالْحِسَابِ.
وَقَالَ زَيْدٌ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إذَا أَدَّى الثُّلُثَ، فَهُوَ غَرِيمٌ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ كَانُوا يَقُولُونَ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، فَخَاصَمَهُمْ زَيْدٌ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَدْخُلُ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحُدِّثْت أَنَّ عُثْمَانَ قَضَى بِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ خَمْسُ أَوَاقٍ، أَوْ خَمْسُ ذَوْدٍ، أَوْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، فَهُوَ غَرِيمٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَحْتَجِبْنَ عَنْ الْمُكَاتَبِ، مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ مِثْقَالٌ، أَوْ دِينَارٌ، انْتَهَى.
قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَالَ حَالًّا وَيَجُوزُ مُؤَجَّلًا وَمُنَجَّمًا).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَجُوزُ حَالًّا وَلَا بُدَّ مِنْ نَجْمَيْنِ، لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ فِي زَمَانٍ قَلِيلٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ قِبَلَهُ لِلرِّقِّ بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِهِ، لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْمِلْكِ، فَكَانَ احْتِمَالُ الْقُدْرَةِ ثَابِتًا وَقَدْ دَلَّ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَيَثْبُتُ بِهِ، وَلَنَا ظَاهِرُ مَا تَلَوْنَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّنْجِيمِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالْبَدَلُ مَعْقُودٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِنَا، لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْكِتَابَةِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَيُمْهِلُهُ الْمَوْلَى ظَاهِرًا بِخِلَافِ السَّلَمِ، لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَفِي الْحَالِّ كُلَّمَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ.
قَالَ: (وَتَجُوزُ كِتَابَةُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ) لِتَحَقُّقِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إذْ الْعَاقِلُ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَالتَّصَرُّفِ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ، وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُخَالِفُنَا فِيهِ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةِ إذْنِ الصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يَعْتِقُ وَيَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَ.
قَالَ: (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهَا إلَيَّ نُجُومًا أَوْ النَّجْمُ كَذَا وَآخِرُهُ كَذَا فَإِذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ عَجَزَتْ فَأَنْتَ رَقِيقٌ فَإِنَّ هَذِهِ مُكَاتَبَةٌ)، لِأَنَّهُ أَتَى بِتَفْسِيرِ الْكِتَابَةِ، وَلَوْ قَالَ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةٌ، فَأَنْتَ حُرٌّ فَهَذِهِ مُكَاتَبَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ، لِأَنَّ التَّنْجِيمَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ، وَفِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَكُونُ مُكَاتَبَةً اعْتِبَارًا بِالتَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ مَرَّةً.
قَالَ: (وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ) أَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ يَدِهِ فَتَحْقِيقُ مَعْنَى الْكِتَابَةِ، وَهُوَ الضَّمُّ فَيَضُمُّ مَالِكِيَّةَ يَدِهِ إلَى مَالِكِيَّةِ نَفْسِهِ أَوْ لِتَحْقِيقِ مَقْصُودِ الْكِتَابَةِ، وَهُوَ أَدَاءُ الْبَدَلِ فَيَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْخُرُوجَ إلَى السَّفَرِ وَإِنْ نَهَاهُ الْمَوْلَى، وَأَمَّا عَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ فَلِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَيَنْعَدِمُ ذَلِكَ بِتَنَجُّزِ الْعِتْقِ وَيَتَحَقَّقُ بِتَأَخُّرِهِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ نَوْعُ مَالِكِيَّةٍ وَيَثْبُتُ لَهُ فِي الذِّمَّةِ حَقٌّ مِنْ وَجْهٍ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ)، لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِرَقَبَتِهِ (وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ)، لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَهُ إلَّا مُقَابِلًا بِحُصُولِ الْعِتْقِ بِهِ وَقَدْ حَصَلَ دُونَهُ.
قَالَ: (وَإِذَا وَطِئَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَتَهُ لَزِمَهُ الْعُقْرُ)، لِأَنَّهَا صَارَتْ أَخَصَّ بِأَجْزَائِهَا تَوَسُّلًا إلَى الْمَقْصُودِ بِالْكِتَابَةِ وَهُوَ الْوُصُولُ إلَى الْبَدَلِ مِنْ جَانِبِهِ وَإِلَى الْحُرِّيَّةِ مِنْ جَانِبِهَا بِنَاءً عَلَيْهِ وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ مُلْحَقَةٌ بِالْأَجْزَاءِ وَالْأَعْيَانِ (وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلَدِهَا لَزِمَتْهُ الْجِنَايَةُ) لِمَا بَيَّنَّا (وَإِنْ أَتْلَفَ مَالًا لَهَا غَرِمَ)، لِأَنَّ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ أَكْسَابِهَا وَنَفْسِهَا إذْ لَوْ لَمْ يَجْعَلْ كَذَلِكَ لَأَتْلَفَهُ الْمَوْلَى فَيَمْتَنِعُ حُصُولُ الْغَرَضِ الْمُبْتَغَى بِالْعَقْدِ.
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.