فصل: بَابُ الْأَجْرِ مَتَى يُسْتَحَقُّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ فِي الصَّدَقَةِ:

قَالَ: (وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْقَبْضِ)، لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ (فَلَا تَجُوزُ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْهِبَةِ (وَلَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ)، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ وَكَذَلِكَ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ الثَّوَابَ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ لِفَقِيرٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ.
قَالَ: (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ يَتَصَدَّقُ بِجِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِلْكِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْجَمِيعِ) وَيُرْوَى أَنَّهُ وَالْأَوَّلَ سَوَاءٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ، وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَسَائِلِ الْقَضَاءِ (وَيُقَالُ لَهُ أَمْسِكْ مَا تُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِك وَعِيَالِك إلَى أَنْ تَكْتَسِبَ مَالًا فَإِذَا اكْتَسَبَ يَتَصَدَّقُ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.

.كِتَابُ الْإِجَارَاتِ:

(الْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ)، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي اللُّغَةِ بَيْعُ الْمَنَافِعِ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهُ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ، وَإِضَافَةُ التَّمْلِيكِ إلَى مَا سَيُوجَدُ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَاهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ وَقَدْ شَهِدَتْ بِصِحَّتِهَا الْآثَارُ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ».
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» وَتَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ، وَالدَّارُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ، ثُمَّ عَمَلُهُ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ تَمَلُّكًا وَاسْتِحْقَاقًا حَالَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ.
الشرح:
كِتَابُ الْإِجَارَاتِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي «سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي بَابِ أَجْرِ الْأُجَرَاءِ» عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ»، انْتَهَى.
وَهُوَ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إسْرَائِيلَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ هَذَا، وَهُوَ وَالِدُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ.
وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَالسَّعْدِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَالْفَلَّاسِ، وَلَيَّنَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَمَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثَهُ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْيَشْكُرِيُّ بِالْكُوفَةِ مِنْ كِتَابِهِ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بِلَالٍ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُهَيْلٍ بِهِ، وَقَالَ: غَرِيبٌ لَمْ يَكْتُبْهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. انْتَهَى.
وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَعَزَاهُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَرَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي كِتَابِ نَوَادِرِ الْأُصُولِ فِي الْأَصْلِ الثَّانِيَ عَشَرَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَزْدِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ رَيَّانَ الْكَلْبِيُّ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْهِلَالِيِّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، رَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ الْغَطَفَانِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ»، إلَى آخِرِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ الْبَغْدَادِيُّ بِمِصْرَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ رَيَّانَ الْكَلْبِيُّ ثَنَا شَرْقِيُّ بْنُ الْقَطَامِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: هَذَا حَدِيثٌ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ.
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَهُ طُرُقٌ، فَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْكُورِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْكُورِيُّ هَذَا ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا هُوَ وَالِدُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ الْمُؤَذِّنُ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْحَدِيثُ يُعْرَفُ بِابْنِ عَمَّارٍ هَذَا، وَلَيْسَ بِالْمَحْفُوظِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ رَيَّانَ الطَّائِيُّ عَنْ شَرْقِيٍّ الْقَطَامِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَشَرْقِيٌّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي، ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا، فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ».
قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْبُيُوعِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَوْ أَحَدِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَلْيُسَمِّ لَهُ أُجْرَتَهُ».
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: فَقُلْت لِلثَّوْرِيِّ يَوْمًا: أَسَمِعْت حَمَّادًا يُحَدِّثُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُسَمِّ لَهُ أُجْرَتَهُ»؟ قَالَ: نَعَمْ، وَحَدَّثَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ»، انْتَهَى.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُبَيِّنْ لَهُ أُجْرَتَهُ»، انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلَ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُ أَجْرَهُ»، انْتَهَى.
وَبِهَذَا اللَّفْظِ الْأَخِيرِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَأَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ، وَمِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، قَالَ: وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا سَعِيدٍ. انْتَهَى.
وَسَنَدُ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْمُزَارَعَةِ مَوْقُوفًا عَلَى الْخُدْرِيِّ: «إذَا اسْتَأْجَرْت أَجِيرًا فَأَعْلِمْهُ أَجْرَهُ»، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مَوْقُوفًا عَلَى الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، قَالَا: مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ. انْتَهَى.
ذَكَرَهُ فِي الْبُيُوعِ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: سَأَلْت أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى أَنْ يُسْتَأْجَرَ حَتَّى يَعْلَمَ أَجْرَهُ»، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْقُوفًا، فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، فَإِنَّ الثَّوْرِيَّ أَحْفَظُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ شَهِدَتْ بِصِحَّتِهَا الْآثَارُ يَعْنِي الْإِجَارَةَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَفِيهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ: مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» انْتَهَى.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ اللَّدِيغِ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ»، انْتَهَى.
وَسَيَأْتِي قَرِيبًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الْغَنَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْت أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ الدِّيلِ، هَادِيًا خِرِّيتًا، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَدَفَعَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: «جَلَبْت أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرَ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاوَمَنَا سَرَاوِيلَ، وَعِنْدَهُ وَزَّانٌ يَزِنُ بِالْأَجْرِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِنْ وَأَرْجِحْ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَنَشٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَصَابَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَاصَةٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَخَرَجَ يَلْتَمِسُ عَمَلًا يُصِيبُ فِيهِ شَيْئًا لِيُغِيثَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى بُسْتَانًا لِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ، فَاسْتَقَى لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ دَلْوًا، كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ فِي التَّنْقِيحِ بِحَنَشٍ، قَالَ: وَاسْمُهُ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَدْ ضَعَّفُوهُ إلَّا الْحَاكِمَ، فَإِنَّهُ وَثَّقَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جُعْت مَرَّةً بِالْمَدِينَةِ جُوعًا شَدِيدًا فَخَرَجْت أَطْلُبُ الْعَمَلَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ تُرِيدُ الْمَاءَ، فَقَاطَعْتهَا كُلَّ ذَنُوبٍ بِتَمْرَةٍ، فَمَدَدْت سِتَّةَ عَشَرَ ذَنُوبًا حَتَّى قَحِلَتْ يَدَايَ، ثُمَّ أَتَيْتهَا فَقُلْت بِكَفِّي هَكَذَا بَيْنَ يَدَيْهَا فَعَدَّتْ لِي سِتَّ عَشْرَةَ تَمْرَةً، فَأَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته، فَأَكَلَ مَعِي مِنْهَا»، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: فِيهِ انْقِطَاعٌ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُجَاهِدٌ عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ: وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُجَاهِدٌ أَدْرَكَ عَلِيًّا، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً وَلَا سَمَاعًا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
(وَلَا تَصِحُّ حَتَّى تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَفِي بَدَلِهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فِي الْبَيْعِ.
(وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ)، لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَمَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا يَصْلُحُ أُجْرَةً أَيْضًا كَالْأَعْيَانِ فَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَنْفِي صَلَاحِيَةَ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَالِيٌّ.
(وَالْمَنَافِعُ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ لِلسُّكْنَى وَالْأَرَضِينَ لِلزِّرَاعَةِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيِّ مُدَّةٍ كَانَتْ)، لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَ قَدْرُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا مَعْلُومًا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لَا تَتَفَاوَتُ، وَقَوْلُهُ أَيُّ مُدَّةٍ كَانَتْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً، وَلِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا هِيَ إلَّا أَنَّ فِي الْأَوْقَافِ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ الطَّوِيلَةُ كَيْ لَا يَدَّعِيَ الْمُسْتَأْجِرُ مِلْكَهَا، وَهِيَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
قَالَ: (وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِنَفْسِهِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى صَبْغِ ثَوْبِهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مَعْلُومًا أَوْ يَرْكَبَهَا مَسَافَةً سَمَّاهَا)، لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الثَّوْبَ وَلَوْنَ الصَّبْغِ وَقَدْرَهُ وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ وَالْقَدْرَ الْمَحْمُولَ وَجِنْسَهُ وَالْمَسَافَةَ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ الْعَقْدُ، وَرُبَّمَا يُقَالُ الْإِجَارَةُ قَدْ تَكُونُ عَقْدًا عَلَى الْعَمَلِ كَاسْتِئْجَارِ الْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا وَذَلِكَ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَقَدْ تَكُونُ عَقْدًا عَلَى الْمَنْفَعَةِ كَمَا فِي أَجِيرِ الْوَاحِدِ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْوَقْتِ.
قَالَ: (وَتَارَةً تَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً بِالتَّعْيِينِ وَالْإِشَارَةِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَنْقُلَ لَهُ هَذَا الطَّعَامَ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ)، لِأَنَّهُ إذَا أَرَاهُ مَا يَنْقُلُهُ وَالْمَوْضِعَ الَّذِي يَحْمِلُ إلَيْهِ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ الْعَقْدُ.

.بَابُ الْأَجْرِ مَتَى يُسْتَحَقُّ:

قَالَ: (الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتُسْتَحَقُّ بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَعْدُومَةَ صَارَتْ مَوْجُودَةً حُكْمًا ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْبَدَلِ.
وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْعَقْدُ مُعَاوَضَةٌ وَمِنْ قَضِيَّتِهَا الْمُسَاوَاةُ، فَمِنْ ضَرُورَةِ التَّرَاخِي فِي جَانِبِ الْمَنْفَعَةِ التَّرَاخِي فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ، وَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْأَجْرِ لِتَحَقُّقِ التَّسْوِيَةِ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ التَّعْجِيلَ أَوْ عَجَّلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ تُثْبِتُ حَقًّا لَهُ وَقَدْ أَبْطَلَهُ.
(وَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا)، لِأَنَّ تَسْلِيمَ عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ لَا يُتَصَوَّرُ فَأَقَمْنَا تَسْلِيمَ الْمَحَلِّ مَقَامَهُ إذْ التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ يَثْبُتُ بِهِ.
قَالَ: (فَإِنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ يَدِهِ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ)، لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَحَلِّ إنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَإِذَا فَاتَ التَّمَكُّنُ فَاتَ التَّسْلِيمُ وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فَسَقَطَ الْأَجْرُ (وَإِنْ وُجِدَ الْغَصْبُ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ سَقَطَ الْأَجْرُ بِقَدْرِهِ) إذْ الِانْفِسَاخُ فِي بَعْضِهَا.
قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَلِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ يَوْمٍ)، لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً (إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْعَقْدِ)، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ (وَكَذَلِكَ إجَارَةُ الْأَرَاضِيِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا إلَى مَكَّةَ فَلِلْجَمَّالِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ)، لِأَنَّ سَيْرَ كُلِّ مَرْحَلَةٍ مَقْصُودٌ.
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْتِهَاءِ السَّفَرِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ فِي الْمُدَّةِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْزَائِهَا كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ سَاعَةً فَسَاعَةً لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ إلَّا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ تُفْضِي إلَى أَنْ لَا يَتَفَرَّغَ لِغَيْرِهِ فَيَتَضَرَّرَ بِهِ فَقَدَّرْنَا بِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ: (وَلَيْسَ لِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْأُجْرَةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْعَمَلِ)، لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِهِ، وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ لِمَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ لَازِمٌ.
قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ قَفِيزًا مِنْ دَقِيقٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ حَتَّى يُخْرِجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ)، لِأَنَّ تَمَامَ الْعَمَلِ بِالْإِخْرَاجِ فَلَوْ احْتَرَقَ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَلَا أَجْرَ لَهُ لِلْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ (فَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ)، لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَضْعِ فِي بَيْتِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ.
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ، لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بَعْدَ حَقِيقَةِ التَّسْلِيمِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ.
قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ طَبَّاخًا لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامًا لِلْوَلِيمَةِ فَالْغَرْفُ عَلَيْهِ) اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ.
قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَضْرِبَ لَهُ لَبِنًا اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ إذَا أَقَامَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَا: لَا يَسْتَحِقُّهَا حَتَّى يُشْرِجَهَا)، لِأَنَّ التَّشْرِيجَ مِنْ تَمَامِ عَمَلِهِ إذْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْفَسَادِ قَبْلَهُ فَصَارَ كَإِخْرَاجِ الْخُبْزِ مِنْ التَّنُّورِ وَلِأَنَّ الْأَجِيرَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ عُرْفًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِيمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ وَالتَّشْرِيجُ عَمَلٌ زَائِدٌ كَالنَّقْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ قَبْلَ التَّشْرِيجِ بِالنَّقْلِ إلَى مَوْضِعِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ، لِأَنَّهُ طِينٌ مُنْتَشِرٌ، وَبِخِلَافِ الْخُبْزِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ.
قَالَ: (وَكُلُّ صَانِعٍ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَجْرَ)، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصْفٌ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ، فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ، وَلَوْ حَبَسَهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْحَبْسِ، فَبَقِيَ أَمَانَةً كَمَا كَانَ عِنْدَهُ، وَلَا أَجْرَ لَهُ لِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْعَيْنُ كَانَتْ مَضْمُونَةً قَبْلَ الْحَبْسِ فَكَذَا بَعْدَهُ لَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مَعْمُولًا وَلَهُ الْأَجْرُ وَسَيُبَيَّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ: (وَكُلُّ صَانِعٍ لَيْسَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ لِلْأَجْرِ كَالْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ)، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ وَهُوَ غَيْرُ قَائِمٍ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ فَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْحَبْسِ وَغَسْلُ الثَّوْبِ نَظِيرُ الْحَمْلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْآبِقِ حَيْثُ يَكُونُ لِلرَّادِّ حَقُّ حَبْسِهِ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعْلِ، وَلَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَقَدْ أَحْيَاهُ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ عَنْهُ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فِي الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّسْلِيمُ بِاتِّصَالِ الْمَبِيعِ بِمِلْكِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ.
وَلَنَا أَنَّ الِاتِّصَالَ بِالْمَحَلِّ ضَرُورَةُ إقَامَةِ تَسْلِيمِ الْعَمَلِ فَلَمْ يَكُنْ هُوَ رَاضِيًا بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَسْلِيمٌ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ كَمَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ.
قَالَ: (وَإِذَا شَرَطَ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ)، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ فَيَسْتَحِقُّ عَيْنَهُ كَالْمَنْفَعَةِ فِي مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ (وَإِنْ أَطْلَقَ لَهُ الْعَمَلَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُهُ)، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَمَلٌ فِي ذِمَّتِهِ وَيُمْكِنُ إيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ بِمَنْزِلَةِ إيفَاءِ الدَّيْنِ.