فصل: بَابُ الْهَدْيِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ الْهَدْيِ:

(الْهَدْيُ أَدْنَاهُ شَاةٌ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُئِلَ عَنْ الْهَدْيِ فَقَالَ: أَدْنَاهُ شَاةٌ» قَالَ: (وَهُوَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا جَعَلَ الشَّاةَ أَدْنَى فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَعْلَى وَهُوَ الْبَقَرُ وَالْجَزُورُ، وَلِأَنَّ الْهَدْيَ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ لِيُتَقَرَّبَ بِهِ فِيهِ وَالْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى (وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا جَازَ فِي الضَّحَايَا) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ تَعَلَّقَتْ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ كَالْأُضْحِيَّةِ فَيَتَخَصَّصَانِ بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ (وَالشَّاةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ مَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا، وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا إلَّا الْبَدَنَةُ) وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيمَا سَبَقَ.
الشرح:
بَابُ الْهَدْيِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سُئِلَ عَنْ الْهَدْيِ، فَقَالَ: أَدْنَاهُ شَاةٌ».
قُلْت: غَرِيبٌ وَلَمْ أَجِدْهُ إلَّا مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً، قَالَ: أَدْنَى مَا يُهْرَاقُ مِنْ الدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ شَاةٌ، مُخْتَصَرٌ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيِّ، قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْمُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا، وَسَأَلْته عَنْ الْهَدْيِ، فَقَالَ: فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ، أَوْ شَاةٌ، أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ، قَالَ: وَكَانَ نَاسٌ كَرِهُوهَا، فَنِمْت، فَرَأَيْت فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ إنْسَانًا يُنَادِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ، وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَتَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْته، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ، انْتَهَى.
ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قِصَّةَ الْهَدْيِ، وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ حَدِيثِ الْكِتَابِ.
(وَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُضْحِيَّةِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ وَحَسَا مِنْ الْمَرَقَةِ» (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا) لِمَا رَوَيْنَا، وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُرِفَ فِي الضَّحَايَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ، وَحَسَا مِنْ الْمَرَقَةِ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا يَعْنِي عَلِيًّا، وَالنَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وَرَوَى أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ، نَحَرَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَدَنَةً، ثُمَّ أَمَرَ عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا بَقِيَ مِنْهَا، وَقَالَ لَهُ: اقْسِمْ لَحْمَهَا وَجِلَالَهَا وَجُلُودَهَا بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا تُعْطِ جَزَّارًا مِنْهَا شَيْئًا، وَخُذْ لَنَا مِنْ كُلِّ بَعِيرٍ بِضْعَةً مِنْ لَحْمٍ، ثُمَّ اجْعَلْهَا فِي قِدْرٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى نَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا، وَنَحْسُوَ مِنْ مَرَقِهَا، فَفَعَلَ»، انْتَهَى.
وَهُوَ سَنَدٌ ضَعِيفٌ.
(وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا) لِأَنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا أُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَبَعَثَ الْهَدَايَا عَلَى يَدَيْ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ لَهُ لَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَرُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا».
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَبَعَثَ الْهَدَايَا عَلَى يَدَيْ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ لَهُ: لَا تَأْكُلْ أَنْتَ، وَلَا رُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا».
قُلْت: حَدِيثُ نَاجِيَةَ لَيْسَ فِيهِ قَوْلُهُ: «لَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا رُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا»، كَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مَعَهُ بِهَدْيٍ، قَالَ: إنْ عَطِبَ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اُصْبُغْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
ثُمَّ وَجَدْته فِي الْمَغَازِي لِلْوَاقِدِيِّ، ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ وَائِلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَحَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ آخَرُونَ.
فَقَالَ: وَكُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ، فَذَكَرَ الْقَضِيَّةَ، وَفِيهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَعْمَلَ عَلَى هَدْيِهِ نَاجِيَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيَّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ بِهَا، قَالَ: وَكَانَتْ سَبْعِينَ بَدَنَةً، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ، وَقَالَ نَاجِيَةُ الْأَسْلَمِيُّ: عَطِبَ مَعِي بَعِيرٌ مِنْ الْهَدْيِ، فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْوَاءِ، فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: انْحَرْهَا وَاصْبُغْ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا، وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك مِنْهَا شَيْئًا، وَخَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ»، مُخْتَصَرٌ.
وَرَوَى فِي آخِرِ الْكِتَابِ: حَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: «كُنْت عَلَى هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت مَا عَطِبَ مِنْهَا كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: انْحَرْهُ، وَأَلْقِ قَلَائِدَهُ فِي دَمِهِ، لَا تَأْكُلْ أَنْتَ»، إلَى آخِرِهِ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى: مِنْهَا حَدِيثُ ذُؤَيْبٍ أَبِي قَبِيصَةَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذُؤَيْبًا الْخُزَاعِيَّ أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ بِالْبُدْنِ مَعَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: إنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيت عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ فِي بَابِ الصَّحَابَةِ فِي تَرْجَمَةِ ذُؤَيْبٍ وَقَالَ: سَمِعْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: قَتَادَةُ لَمْ يُدْرِكْ سِنَانَ بْنَ سَلَمَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ مُعَنْعَنٌ فِي مُسْلِمٍ، وَابْنِ مَاجَهْ، إلَّا أَنَّ مُسْلِمًا ذَكَرَ لَهُ شَوَاهِدَ، وَلَمْ يُسَمِّهِ فِيهَا ذُؤَيْبًا، بَلْ قَالَ: رَجُلًا وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا، وَبَعَثَ مَعَهُ بِثَمَانِي عَشْرَةَ بَدَنَةً، فَقَالَ: أَرَأَيْت إنْ أُزْحِفَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْهَا، قَالَ: تَنْحَرُهَا، ثُمَّ تَصْبُغُ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْهَا عَلَى صَفْحَتِهَا، وَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِك، أَوْ قَالَ: مِنْ أَهْلِك وَرُفْقَتِك»، انْتَهَى.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «وَبَعَثَ مَعَهُ بِسِتَّ عَشْرَةَ بَدَنَةً»، وَهُوَ لَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قَضِيَّتَيْنِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: عِوَضَ رَجُلًا، فُلَانًا الْأَسْلَمِيَّ، وَلَمْ أَجِدْ فِي الْحَدِيثَيْنِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِمَا أَنَّ هَذَا كَانَ فِي الْإِحْصَارِ، وَلَا أَنَّ الْبَعْثَ كَانَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْ شَارِحِي مُسْلِمٍ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعِي بِهَدْيٍ، وَقَالَ: إذَا عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اضْرِبْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ اضْرِبْ صَفْحَتَهُ، وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا أَهْلُ رُفْقَتِك، وَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ»، انْتَهَى.
وَزَادَ فِيهِ الطَّبَرَانِيُّ: «بِهَدْيِ تَطَوُّعٍ»، وَفِي لَفْظِ أَحْمَدَ قَالَ: «سَأَلْت النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ الْهَدْيِ يَعْطَبُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ: انْحَرْهُ»، إلَى آخِرِهِ.
(وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ (وَفِي الْأَصْلِ يَجُوزُ ذَبْحُ التَّطَوُّعِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي التَّطَوُّعَاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا هَدَايَا، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِتَبْلِيغِهَا إلَى الْحَرَمِ (فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ جَازَ ذَبْحُهَا فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَفِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَفْضَلُ)، لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي إرَاقَةِ الدَّمِ فِيهَا أَظْهَرُ أَمَّا دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: «فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» وَقَضَاءُ التَّفَثِ يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ، وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْأُضْحِيَّةِ.
(وَيَجُوزُ ذَبْحُ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَجُوزُ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ اعْتِبَارًا بِدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ دَمٌ جُبِرَ عِنْدَهُ.
وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ فَلَا تَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ، لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ كَانَ التَّعْجِيلُ بِهَا أَوْلَى لِارْتِفَاعِ النُّقْصَانِ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ قَالَ (وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدَايَا إلَّا فِي الْحَرَمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} فَصَارَ أَصْلًا فِي كُلِّ دَمٍ هُوَ كَفَّارَةٌ، وَلِأَنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى مَكَان وَمَكَانُهُ الْحَرَمُ.
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ»، انْتَهَى.
بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَمِثْلُهُ لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ، إلَّا أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَلِاخْتِلَافِ لَفْظِهِمَا فَرَّقَهُمَا ابْنُ عَسَاكِرَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ تَرْجَمَةِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ فِي أَطْرَافِهِ فَجَعَلَهُمَا حَدِيثَيْنِ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَالصَّوَابُ مَا فَعَلَهُ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي أَطْرَافِهِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ الْمُنْذِرِيُّ قَلَّدَ ابْنَ عَسَاكِرَ، فَلَمْ يَعْزُهُ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ لِابْنِ مَاجَهْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مُتَابَعَةً، فِيمَا أَرَى، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ، انْتَهَى.
فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ أَخْرَجَهُ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَحَرْتُ هَاهُنَا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ».
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الصَّوْمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ، وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ، وَكُلُّ جَمْعٍ مَوْقِفٌ»، انْتَهَى.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: أَبُو زُرْعَةَ لَمْ يَلْقَ أَبَا هُرَيْرَةَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: لَا نَعْلَمُهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، وَهَدْيُهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ: هَذَا الْمَنْحَرُ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ، فَنَحَرَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ»، انْتَهَى.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِمْ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الصَّدَقَةَ قُرْبَةٌ مَعْقُولَةٌ وَالصَّدَقَةُ عَلَى كُلِّ فَقِيرٍ قُرْبَةٌ.
قَالَ: (وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِالْهَدَايَا) لِأَنَّ الْهَدْيَ يُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ إلَى مَكَان لِيَتَقَرَّبَ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ فِيهِ لَا عَنْ التَّعْرِيفِ فَلَا يَجِبُ (فَإِنْ عُرِّفَ بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ فَحَسَنٌ) لِأَنَّهُ يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ، فَعَسَى أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُمْسِكُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُعَرَّفَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى التَّشْهِيرِ بِخِلَافِ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَسَبَبُهَا الْجِنَايَةُ فَيَلِيقُ بِهَا السَّتْرُ.
قَالَ: (وَالْأَفْضَلُ فِي الْبُدْنِ النَّحْرُ وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ} قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ الْجَزُورُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} وَالذِّبْحُ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَحَرَ الْإِبِلَ وَذَبَحَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ» ثُمَّ إنْ شَاءَ نَحَرَ الْإِبِلَ فِي الْهَدَايَا قِيَامًا أَوْ أَضْجَعَهَا، وَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ فَهُوَ حَسَنٌ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْحَرَهَا قِيَامًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَحَرَ الْهَدَايَا قِيَامًا وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَنْحَرُونَهَا قِيَامًا مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى» (وَلَا يُذْبَحُ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ قِيَامًا) لِأَنَّ فِي حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ الْمَذْبَحَ أَبْيَنُ فَيَكُونُ الذَّبْحُ أَيْسَرُ وَالذَّبْحُ هُوَ السُّنَّةُ فِيهِمَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: صَحَّ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَحَرَ الْإِبِلَ، وَذَبَحَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ»، الْحَدِيثَ، وَذَبَحَ الْبَقَرَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ: «قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْت: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ»، مُخْتَصَرٌ.
وَذَبَحَ الْغَنَمَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْته وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ»، انْتَهَى.
وَيُنْظَرُ أَحَادِيثُ الْحَجِّ وَالْأَضَاحِيِّ وَالذَّبَائِحِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَحَرَ الْهَدَايَا قِيَامًا، وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَنْحَرُونَهَا قِيَامًا مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى».
قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَنَحْنُ مَعَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ بَدَنَاتٍ قِيَامًا»، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَمُسْلِمٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُنْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِمِنًى، فَمَرَّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ، وَهِيَ بَارِكَةٌ، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انْتَهَى.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي حَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: «كُنْت عَلَى هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا بَلَغْنَا مَنْزِلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى أَرْسَلَ إلَيَّ: أَنْ سُقْ الْهَدْيَ إلَى النَّحْرِ، قَالَ: فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْحَرُ الْهَدْيَ بِيَدِهِ، وَأَنَا أُقَدِّمُهَا إلَيْهِ، تَمْشِي عَلَى ثَلَاثٍ قَوَائِمَ، وَهِيَ مَعْقُولَةُ وَاحِدَةٍ»، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى، قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا»، انْتَهَى.
وَجَهِلَ مَنْ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ هُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فَالْحَدِيثُ مِنْ مُسْنَدِ جَابِرٍ، كَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ، وَكُتُبِ الْأَحْكَامِ وَغَيْرُهُمْ، لَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ.
بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد الْقَائِلِ: وَأَخْبَرَنِي، هُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فَيَكُونُ ابْنُ جُرَيْجٍ رَوَاهُ عَنْ تَابِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَسْنَدَهُ، وَهُوَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَالْآخَرُ: أَرْسَلَهُ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مُرْسَلًا عَنْ ابْنِ سَابِطٍ فَقَطْ، مَفْصُولًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَاعْتَرَضَ هَذَا الْجَاهِلُ أَيْضًا عَلَى صَاحِبِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: وَلَوْ اسْتَدَلَّ عَلَى عَقْلِ يَدِهَا الْيُسْرَى بِفِعْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهَذَا اعْتِرَاضٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ، فَيَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْحَرَهَا قَائِمًا، لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَحَرَ الْهَدَايَا قِيَامًا، وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَنْحَرُونَهَا قِيَامًا، مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى»، انْتَهَى.
فَعَقْلُ الْيَدِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَهَا بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَنَحَرَ نَيِّفًا وَسِتِّينَ بِنَفْسِهِ وَوَلَّى الْبَاقِيَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» وَلِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَالتَّوَلِّي فِي الْقُرُبَاتِ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْخُشُوعِ إلَّا أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَهْتَدِي لِذَلِكَ وَلَا يُحْسِنُهُ فَجَوَّزْنَا تَوْلِيَتَهُ غَيْرَهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَنَحَرَ نَيِّفًا وَسِتِّينَ بِنَفْسِهِ، وَوَلَّى الْبَاقِيَ عَلِيًّا».
قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ»، الْحَدِيثَ.
وَتَقَدَّمَ فِيهِ أَيْضًا: «وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ بِبُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ جِمَاعُ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً».
وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَنَحَرَ مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، ثُمَّ أَمَرَ عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا بَقِيَ مِنْهَا»، مُخْتَصَرٌ.
وَهُوَ مُسْنَدٌ ضَعِيفٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ قَرِيبًا، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَهْدَى مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا، فَقَسَمْتهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي بِجِلَالِهَا فَقَسَمْتهَا، ثُمَّ جُلُودِهَا فَقَسَمْتهَا».
قَالَ: (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا) «لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا وَبِخُطُمِهَا وَلَا تُعْطِ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا».
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَلِيٍّ: تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا، وَلَا تُعْطِ أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا».
قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ: «وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا»، وَفِي لَفْظٍ: «إنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا، لُحُومَهَا وَجِلَالَهَا وَجُلُودَهَا فِي الْمَسَاكِينِ، وَلَا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا مِنْهَا شَيْئًا»، انْتَهَى.
وَلَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا وَقَالَ فِيهِ: «أَهْدَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَمْتهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي بِجِلَالِهَا فَقَسَمْتهَا، ثُمَّ بِجُلُودِهَا فَقَسَمْتهَا»، انْتَهَى.
قَالَ السَّرَقُسْطِيُّ فِي غَرِيبِهِ: جِزَارَتُهَا بِضَمِّ الْجِيمِ، وَكَسْرِهَا فَبِالْكَسْرِ الْمَصْدَرُ، وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعُنُقِ، سُمِّيَ بِهِ، لِأَنَّ الْجَزَّارِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَهَا فِي أَجْرِهِمْ. انْتَهَى.
(وَمَنْ سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهَا رَكِبَهَا وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَرْكَبْهَا) لِأَنَّهُ جَعَلَهَا خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهَا أَوْ مَنَافِعِهَا إلَى نَفْسِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ مَحَلَّهُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَك» وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مُحْتَاجًا وَلَوْ رَكِبَهَا فَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ.
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَك».
قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالْبُخَارِيُّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «فَلَقَدْ رَأَيْته رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبَاقُونَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: ارْكَبْهَا، فَقَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَك، فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ»، انْتَهَى.
وَصَاحِبُ الْكِتَابِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ رُكُوبِ الْهَدْيِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ، قَالَ: وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مُحْتَاجًا.
قُلْت: قَدْ وَرَدَ اشْتِرَاطُ الْحَاجَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَخْرَجَهُ عَنْ مَعْقِلٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، سَأَلْت جَابِرًا عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ، فَقَالَ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا».
وَأَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ، فَقَالَ: «سَمِعْت النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْتَ إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا»، انْتَهَى.
(وَإِنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ لَمْ يَحْلُبْهَا) لِأَنَّ اللَّبَنَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهَا فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ (وَيَنْضَحُ ضَرْعَهَا بِالْمَاءِ الْبَارِدِ حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ) وَلَكِنَّ هَذَا إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْهُ يَحْلُبْهَا وَيَتَصَدَّقْ بِلَبَنِهَا كَيْ لَا يَضُرَّ ذَلِكَ بِهَا وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ، لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ (وَمَنْ سَاقَ هَدْيًا فَعَطِبَ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَعَلَّقَتْ بِهَذَا الْمَحَلِّ وَقَدْ فَاتَ (وَإِنْ كَانَ عَنْ وَاجِبٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ (وَإِنْ أَصَابَهُ عَيْبٌ كَبِيرٌ يُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ) لِأَنَّ الْمَعِيبَ بِمِثْلِهِ لَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ فَلَا بُدَّ مِنْ غَيْرِهِ (وَصَنَعَ بِالْمَعِيبِ مَا شَاءَ) لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِ (وَإِذَا عَطِبَتْ الْبَدَنَةُ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا نَحَرَهَا وَصَبَغَ نَعْلَهَا بِدَمِهَا وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَةَ سَنَامِهَا، وَلَا يَأْكُلُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهَا) بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُرَادُ بِالنَّعْلِ قِلَادَتُهَا، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ وَهَذَا، لِأَنَّ الْإِذْنَ بِتَنَاوُلِهِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ بُلُوغِهِ مَحَلَّهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا إلَّا أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَهُ جَزَرًا لِلسِّبَاعِ، وَفِيهِ نَوْعُ تَقَرُّبٍ وَالتَّقَرُّبُ هُوَ الْمَقْصُودُ.
(فَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً أَقَامَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا وَصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِمَا عَيَّنَهُ وَهُوَ مِلْكُهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ (وَيُقَلِّدُ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ، وَفِي التَّقْلِيدِ إظْهَارُهُ وَتَشْهِيرُهُ فَيَلِيقُ بِهِ (وَلَا يُقَلِّدُ دَمَ الْإِحْصَارِ وَلَا دَمَ الْجِنَايَاتِ) لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ وَالسَّتْرُ أَلْيَقُ بِهَا وَدَمُ الْإِحْصَارِ جَابِرٌ فَيَلْحَقُ بِجِنْسِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْهَدْيَ وَمُرَادُهُ الْبَدَنَةُ، لِأَنَّهُ لَا يُقَلِّدُ الشَّاةَ عَادَةً وَلَا يُسَنُّ تَقْلِيدُهُ عِنْدَنَا لِعَدَمِ فَائِدَةِ التَّقْلِيدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِذَا عَطِبَتْ الْبَدَنَةُ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا نَحَرَهَا، وَصَبَغَ نَعْلَهَا بِدَمِهَا، وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَةَ سَنَامِهَا، وَلَمْ يَأْكُلْ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ، بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيَّ.
قُلْت: تَقَدَّمَ حَدِيثُ نَاجِيَةَ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ، وَلَيْسَ فِيهِ قَوْلُهُ: «وَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ أَنْتَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ رَفِيقِك»، ثُمَّ وَجَدْنَاهُ فِي الْمَغَازِي لِلْوَاقِدِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثِ ذُؤَيْبٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِعًى بِهَدْيِ تَطَوُّعٍ، وَقَالَ: إذَا عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اضْرِبْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهُ، وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا أَهْلُ رُفْقَتِكَ، وَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: تَطَوُّعٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَشَّابِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَدَنَةِ التَّطَوُّعِ: إذَا عَطِبَتْ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَرَمَ فَانْحَرْهَا، وَاغْمِسْ يَدَك فِي دَمِهَا، وَاضْرِبْ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا، فَإِنْ أَكَلْت مِنْهَا عَظَّمْتهَا»، انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ بِسُلَيْمٍ هَذَا، وَأَسْنَدَ عَنْ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَعِينٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: هُوَ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ مَعَهُ الْهَدْيُ تَطَوُّعًا فَيَعْطَبُ، قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ، قَالَ: وَيَنْحَرُهَا، ثُمَّ يُلَطِّخُ نَعْلَهَا بِدَمِهَا، ثُمَّ يَضْرِبُ بِهِ جَنْبَيْهَا، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْحَافِظُ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي فَوَائِدِهِ حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْحَلَبِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُعَافَى بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً طَوْعًا، فَعَطِبَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلٌ، وَإِنْ كَانَ نَذْرًا فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ»، انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ مِنْ جِهَةِ تَمَّامٍ، وَسَكَتَ عَنْهُ.
مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ:
(أَهْلُ عَرَفَةَ إذَا وَقَفُوا فِي يَوْمٍ وَشَهِدَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ أَجْزَأَهُمْ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِيَهُمْ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَهَذَا، لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ فَلَا يَقَعُ عِبَادَةٌ دُونَهُمَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ وَعَلَى أَمْرٍ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَفْيُ حَجِّهِمْ وَالْحَجُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ فَلَا تُقْبَلُ، وَلِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى عَامًّا لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَزُولَ الِاشْتِبَاهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الْمُؤَخَّرِ لَهُ نَظِيرٌ وَلَا كَذَلِكَ جَوَازُ الْمُقَدَّمِ.
قَالُوا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ لَا يَسْمَعَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَيَقُولَ قَدْ تَمَّ حَجُّ النَّاسِ فَانْصَرَفُوا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا إيقَاعُ الْفِتْنَةِ وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ فِي بَقِيَّةِ اللَّيْلِ مَعَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ لَمْ يَعْمَلْ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ.
قَالَ: (وَمَنْ رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةَ وَلَمْ يَرْمِ الْأُولَى فَإِنْ رَمَى الْأُولَى ثُمَّ الْبَاقِيَتَيْنِ فَحَسَنٌ) لِأَنَّهُ رَاعَى التَّرْتِيبَ الْمَسْنُونَ (وَلَوْ رَمَى الْأُولَى وَحْدَهَا أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ تَدَارَكَ الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ التَّرْتِيبَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُجْزِئُهُ مَا لَمْ يَعُدَّ الْكُلَّ، لِأَنَّهُ شُرِعَ مُرَتَّبًا فَصَارَ كَمَا إذَا سَعَى قَبْلَ الطَّوَافِ أَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَ الصَّفَا.
وَلَنَا أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ الْجَوَازُ بِتَقْدِيمِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ بِخِلَافِ السَّعْيِ، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ، لِأَنَّهُ دُونَهُ وَالْمَرْوَةُ عُرِفَتْ مُنْتَهَى السَّعْيِ بِالنَّصِّ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْبُدَاءَةُ.
قَالَ: (وَمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ وَهُوَ الْأَصْلُ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُرْبَةَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَتَلْزَمُهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَمَا إذَا نَذَرَ الصَّوْمَ مُتَتَابِعًا، وَأَفْعَالُ الْحَجِّ تَنْتَهِي بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَمْشِي إلَى أَنْ يَطُوفَهُ ثُمَّ قِيلَ يَبْتَدِئُ الْمَشْيَ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ وَقِيلَ مِنْ بَيْتِهِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ وَلَوْ رَكِبَ أَرَاقَ دَمًا، لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِيهِ قَالُوا إنَّمَا يَرْكَبُ إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَشَقَّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ وَإِذَا قَرُبَتْ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَعْتَادُ الْمَشْيَ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْكَبَ (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً مُحْرِمَةً قَدْ أَذِنَ لَهَا مَوْلَاهَا فِي ذَلِكَ، فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهَا وَيُجَامِعَهَا).
وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ سَبَقَ مِلْكَهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مَنْكُوحَةً.
وَلَنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ، وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّلَهَا، فَكَذَا الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ النِّكَاحِ، لِأَنَّهُ مَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَهُ إذَا بَاشَرَتْ بِإِذْنِهِ فَكَذَا لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهَا بِالْعَيْبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ يَتَمَكَّنُ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ غِشْيَانِهَا (وَ) ذُكِرَ (فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ يُجَامِعَهَا) وَالْأَوَّلُ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَلِّلُهَا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ بِقَصِّ شَعْرٍ أَوْ بِقَلْمِ ظُفْرٍ ثُمَّ يُجَامِعُ، وَالثَّانِي: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَلِّلُهَا بِالْمُجَامَعَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْدِيمِ مَسٍّ يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهَا بِغَيْرِ الْمُجَامَعَةِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.