فصل: كتاب الدعوى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **


  كتاب الدعوى

- حديث واحد‏:‏ قال عليه السلام‏:‏

- ‏"‏ألك بينة‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ فلك يمينه‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ أخرجه البخاري، ومسلم ‏[‏عند مسلم في ‏"‏الأيمان - باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار‏"‏ ص 80 - ج 1، قال في ‏"‏الدراية‏"‏ في حديث وائل بن حجر‏:‏ أخرجه مسلم، قلت‏:‏ وعند الدارقطني في ‏"‏الأقضية‏"‏ ص 514‏.‏‏]‏ في ‏"‏القضاء‏"‏ عن وائل بن حجر، قال‏:‏ جاء رجل من حضرموت، ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الحضرمي‏:‏ يا رسول اللّه إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي‏:‏ هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق، فقال عليه السلام للحضرمي‏:‏ ألك بينة‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ فلك يمينه، قال‏:‏ يا رسول اللّه الرجل فاجر، لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع عن شيء، فقال‏:‏ ليس لك منه إلا ذلك، فانطلق ليحلف، فقال عليه السلام، لما أدبر‏:‏ أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلمًا، ليلقين اللّه، وهو عنه معرض، انتهى‏.‏

- حديث آخر‏:‏ أخرجه الأئمة الستة في ‏"‏كتبهم‏"‏ ‏[‏حديث الأشعث لم يجيء في ‏"‏البخاري، إلا هكذا عقيب حديث ابن مسعود تصديقًا له، ومواضعه مواضعه، إلا في موضعين، أفرد فيهما حديث ابن مسعود‏:‏ أحدهما في ‏"‏كتاب الأحكام - باب الحكم في البئر، ص 1065 - ج 2، والثاني في ‏"‏كتاب الرد على الجهمية‏"‏ ص 1109 - ج 2، وعند مسلم في ‏"‏الأيمان - باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة‏"‏ ص 80 - ج 1‏]‏ عن الأشعث بن قيس، قال‏:‏ كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدمته إلى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال لي عليه السلام‏:‏ ألك بينة‏؟‏ قلت‏:‏ لا، فقال عليه السلام لليهودي‏:‏ احلف، قلت‏:‏ يا رسول اللّه إذًا يحلف ويذهب بمالي، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم‏}‏ [آل عمران: 77] إلى آخر الآية، انتهى‏.‏ وفي لفظ للبخاري في ‏"‏الرهن‏"‏ ‏[‏عند البخاري في ‏"‏الرهن - باب إذا اختلف الراهن والمرتهن، ونحوه، فالبينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه‏"‏ ص 342 - ج 1، وعند مسلم في ‏"‏الأيمان - باب وعيد من اقتطع حق مسلم‏"‏ ص 80 - ج 1‏]‏ ومسلم في ‏"‏الأيمان‏"‏ عن ابن مسعود، قال‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏من حلف على يمين صبر، يقتطع بها مال امرئ مسلم، هو فيها فاجر، لقي اللّه، وهو عليه غضبان‏"‏، قال‏:‏ فدخل الأشعث بن قيس، فقال‏:‏ ما يحدثكم أبو عبد الرحمن‏؟‏ قالوا‏:‏ كذا وكذا، قال صدق، فيّ نزلت، كان بيني وبين رجل أرض باليمن، فخاصمته إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ شاهداك، أو يمينه، قلت‏:‏ إذًا يحلف ولا يبالي، فقال عليه السلام‏:‏ من حلف على يمين يستحق بها مالًا هو فيها فاجر لقي اللّه وهو عليه غضبان، فأنزل اللّه تصديق ذلك ‏{‏إن الذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلًا‏}‏ [آل عمران: 77] إلى قوله‏:‏ ‏{‏ولهم عذاب أليم‏}‏ [آل عمران: 77]، انتهى‏.‏

 باب اليمين

- الحديث الأول‏:‏ قال عليه السلام‏:‏

- ‏"‏البينة على المدعي، واليمين على من أنكر‏"‏،

قلت‏:‏ أخرجه البيهقي في ‏"‏سننه‏"‏ عن ابن عباس، قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودمائهم، لكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر‏"‏، انتهى‏.‏ والحديث في ‏"‏الصحيحين‏"‏ ‏[‏عند مسلم في ‏"‏الأقضية‏"‏ ص 74 - ج 2، وعند البخاري في ‏"‏التفسير - باب قوله‏:‏ ‏{‏إن الذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلًا‏}‏‏ [آل عمران: 77] "‏ ص 653 - ج 2، وغيره‏]‏ بلفظ لكن اليمين على المدعى عليه، أخرجاه عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس، ومعناه تقدم في حديث الأشعث بن قيس‏:‏ شاهداك، أو يمينه، في ‏"‏الصحيحين‏"‏، وأخرجه هو، والدارقطني ‏[‏عند البيهقي في ‏"‏السنن - في أوائل كتاب الدعوى والبينات‏"‏ ص 252 - ج 10، وعند الدارقطني في ‏"‏الأقضية‏"‏ ص 517 عن مسلم بن خالد الزنجي‏.‏‏]‏ عن مسلم بن خالد الزنجي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏"‏البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، إلا في القسامة‏"‏، انتهى‏.‏ وأخرجه الدارقطني أيضًا عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏"‏البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، إلا في القسامة، انتهى‏.‏ قال في ‏"‏التنقيح‏"‏‏:‏ مسلم بن خالد تكلم فيه غير واحد من الأئمة، وقد اختلف عليه فيه، فقيل عنه هكذا، وقال بشر بن الحكم، وغيره‏:‏ عنه عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به، وقد رواه ابن عدي من الوجهين، وقال‏:‏ هذان الإسنادان يعرفان بمسلم بن خالد عن ابن جريج، وفي المتن زيادة قوله‏:‏ إلا في القسامة، انتهى‏.‏ وروى الواقدي في ‏"‏كتاب المغازي‏"‏ حدثني علي بن محمد بن عبيد اللّه عن منصور الجمحي عن أمه صفية بنت شيبة عن برة بنت أبي تجزئة، قالت‏:‏ أنا أنظر إلى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ حين خرج من البيت، فوقف على الباب، وأخذ بعضادتي الباب، ثم أشرف على الناس، وهم جلوس حول الكعبة، وقال‏:‏ الحمد للّه الذي صدق وعده، فذكر خطبة، وفيها‏:‏ والبينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، مختصر‏.‏ والمصنف استدل بهذا الحديث على الشافعي في قوله‏:‏ ترد اليمين على المدعي، قال‏:‏ لأنه قسم، والقسمة تنافي الشركة، ويبنى على هذا مسألة القضاء بشاهد ويمين، فقال به مالك، وأحمد، والشافعي، وحجتهم في ذلك حديث ابن عباس، أخرجه مسلم عن سيف بن سليمان أخبرني قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قضى بيمين وشاهد، انتهى‏.‏ وأخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ‏[‏عند مسلم في ‏"‏الأقضية‏"‏ ص 74 - ج 2، وعند أبي داود فيه ‏"‏باب القضاء باليمين والشاهد‏"‏ ص 152 - ج 2، بسنده المذكور، وعن زيد بن الحباب عن سيف بن سليمان المكي عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار به، وعند ابن ماجه في ‏"‏الشهادات - باب القضاء بالشاهد واليمين‏"‏ ص 173‏.‏‏]‏ وأخرجه أبو داود أيضًا عن عبد الرزاق أنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار بإسناده ومعناه، قال عمر‏:‏ وفي الحقوق، انتهى‏.‏ قال النسائي‏:‏ وقيس بن سعد ثقة، وسيف بن سليمان ثقة، وأخرجه الدارقطني، ثم البيهقي في سننيهما ‏[‏عند الدارقطني في ‏"‏الأقضية‏"‏ ص 516 - ج 2 عن محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس، الحديث، وقال الدارقطني‏:‏ خالفه عبد الرزاق، ولم يذكر طاوسًا، وكذلك قال سيف عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس، انتهى‏.‏ وعند البيهقي في ‏"‏االسنن - في الشهادات - باب القضاء باليمين مع الشاهد‏"‏ ص 167، وص 168 - ج 10‏]‏ ووثق البيهقي سيف بن سليمان نقلًا عن يحيى القطان ‏[‏وحكى البيهقي في ‏"‏السنن‏"‏ ص 168 - ج 10 عن البخاري، قال‏:‏ قال يحيى القطان‏:‏ كان سيف بن سليمان حيًا سنة خمسين، وكان عندنا ثقة، ممن يصدق ويحفظ، انتهى‏.‏‏]‏ وأسند عن الشافعي أنه قال‏:‏ حديث ابن عباس ثابت عن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، لا يرد أحد من أهل العلم مثله، لو لم يكن فيها غيره، مع أن غيره يشهده، قال الشافعي ‏[‏راجع ‏"‏السنن‏"‏ للبيهقي ص 175 - ج 10 في ‏"‏الشهادات‏"‏‏.‏‏]‏‏:‏ واليمين مع الشاهد لا يخالف من ظاهر القرآن شيئًا، لأنا نحكم بشاهدين، وبشاهد، وامرأتين، ولا يمين، فإذا كان شاهد حكمنا بشاهد ويمين، وليس هذا بخلاف ظاهر القرآن، لأنه لم يحرم أن يجوز أقل مما نص عليه في كتابه، و رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أعلم بمعنى ما أراد اللّه، وقد أمرنا اللّه تعالى أن نأخذ ما أتانا، وننتهي عما نهانا، انتهى‏.‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ هذا حديث صحيح، لا مطعن لأحد في إسناده، ولا خلاف بين أهل العلم في صحته، وقد روى - القضاء باليمين، والشاهد - عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة، وعمر، وابن عمر، وعلي، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد اللّه، وسعد بن عبادة، وعبد اللّه بن عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعمارة بن حزم، وسُرّق، بأسانيد حسان، والجواب عن حديث ابن عباس من وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه معلول بالانقطاع، قال الترمذي في ‏"‏علله الكبير‏"‏‏:‏ وسألت محمدًا عن هذا الحديث فقال‏:‏ إن عمرو بن دينار لم يسمعه من ابن عباس، انتهى‏.‏ قلت‏:‏ ويدل على ذلك ما أخرجه الدارقطني ‏[‏ص 516 - ج 2‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏]‏ عن عبد اللّه بن محمد بن أبي ربيعة ثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره، قال الدارقطني‏:‏ وخالفه عبد الرزاق، فلم يذكر طاوسًا، ومنهم من زاد جابر بن زيد ‏[‏قوله‏:‏ ومنهم من زاد‏:‏ جابر بن زيد، الخ، ليس في ‏"‏الدارقطني‏"‏ بل هو في ‏"‏السنن‏"‏ للبيهقي في ‏"‏الشهادات‏"‏ ص 168 - ج 10‏.‏‏]‏ ورواية الثقات لا تعلل برواية الضعفاء، انتهى‏.‏ وقال الطحاوي ‏[‏قال الطحاوي في ‏"‏شرح الآثار - في باب القضاء باليمين مع الشاهد‏"‏ ص 281 - ج 2‏:‏ وأما حديث ابن عباس، فمنكر، لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء، فكيف يحتجون به في مثل هذا، انتهى‏]‏‏:‏ لا أعلم قيس بن سعد يحدث عن عمرو بن دينار بشيء - يعني فيصير فيه انقطاعان - قال ابن القطان في ‏"‏كتابه‏"‏‏:‏ وهذا الحديث - وإن كان مسلم قد أخرجه في ‏"‏صحيحه‏"‏ عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس - فهو يرمى بالانقطاع في موضعين، قال الترمذي‏:‏ قال البخاري‏:‏ عمرو بن دينار لم يسمع من ابن عباس هذا الحديث، وقال الطحاوي‏:‏ قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء، وقد أخرج الدارقطني في ‏"‏سننه‏"‏ ما يوافق قول البخاري عن عبد اللّه بن محمد بن ربيعة ثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس، قال‏:‏ قضى عليه السلام باليمين مع الشاهد الواحد، ولكن هذه الرواية لا تصح من جهة عبد اللّه بن محمد بن ربيعة، وهو القدامي، يروي عن مالك، وهو متروك، قاله الدارقطني، انتهى كلامه، وقال البيهقي في ‏"‏المعرفة‏"‏‏:‏ قال الطحاوي‏:‏ لا أعلم قيس بن سعد يحدث عن عمرو بن دينار بشيء، وهذا مدخول، فإن قيسًا ثقة، أخرج له الشيخان في ‏"‏صحيحيهما‏"‏، وقال ابن المديني‏:‏ هو أثبت، وإذا كان الراوي ثقة وروى حديثًا عن شيخ يحتمله سنه، ولقيه، وكان غير معروف بالتدليس، وجب قبوله، وقد روى قيس ابن سعد عمن هو أكبر سنًا، وأقدم موتًا من عمرو بن دينار، كعطاء بن أبي رباح، ومجاهد بن جبر، وقد روى عن عمرو بن دينار من كان في قرن قيس، وأقدم لقيا منه، كأيوب السختياني، فإنه رأى أنس بن مالك، وروى عن سعيد بن جبير، ثم روى عن عمرو بن دينار، فكيف ينكر رواية قيس بن سعد عن عمرو بن دينار‏؟‏‏!‏ غير أنه روى ما يخالف مذهبه، ولم يجد له مطعنًا سوى ذلك، وقد روى جرير بن حازم - وهو ثقة - عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلًا وقصته ناقة، وهو محرم، فذكر الحديث، فقد علمنا قيسًا روى عن عمرو بن دينار غير حديث‏:‏ اليمين مع الشاهد، ثم قد تابع قيسًا على روايته هذه محمد بن مسلم الطائفي، ثم ساقه من طريق أبي داود بسنده ‏[‏عند أبي داود في ‏"‏القضاء - باب القضاء باليمين والشاهد‏"‏ ص 152 - ج 2‏]‏ عن محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس بلفظ حديث قيس، ثم قال‏:‏ وقد روي من وجه آخر، ثم ساق من طريق الشافعي ‏[‏وعند البيهقي في ‏"‏السنن‏"‏ أيضًا في ‏"‏الشهادات‏"‏ ص 168 - ج 10‏]‏ ثنا إبراهيم بن محمد الأسلمي عن ربيعة بن عثمان عن معاذ بن عبد الرحمن عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد، انتهى‏.‏

الجواب الثاني ‏[‏وأجاب الطحاوي بجواب آخر في شرح الآثار - باب القضاء باليمين مع الشاهد‏"‏ ص 282 - ج 2، وقد يجوز أن يكون أريد به يمين المدعي مع شاهده الواحد، لأن شاهده الواحد كان ممن يحكم بشهادته وحده، وهو خزيمة ابن ثابت، فإن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد كان عدل شهادته بشهادة رجلين، انتهى‏]‏‏:‏ أن الحديث على تقدير صحته، لا يفيد العموم، قال الإمام فخر الدين‏:‏ قول الصحابي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كذا، وقضى بكذا، لا يفيد العموم، لأن الحجة في المحكي لا في الحكاية، والمحكي قد يكون خاصًا، وأيضًا فالقضاء له معان، أقربها في هذا الموضع ‏"‏فصل الخصومات‏"‏ وهذا مما يتعين فيه الخصوص، إذ لا يتأتى فيه الحكم بكل شاهد من النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، بل إنما يقضي بشاهد خاص، وعلى هذا يكون الراوي قد اعتمد على قرينة الحال الدالة على أن المراد بالشاهد واليمين حقيقة الجنس، لا استغراق الجنس، ويكون معناه أنه عليه السلام قضى بجنس الشاهد، وجنس اليمين‏.‏ وقد يعترض على هذا بما وقع في الترمذي، وسنن الدارقطني، ثم البيهقي ‏[‏عند الترمذي في ‏"‏الأحكام - باب ما جاء في اليمين مع الشاهد‏"‏ ص 172 - ج 1 من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، وعند البيهقي في ‏"‏السنن - باب القضاء باليمين مع الشاهد‏"‏ ص 167 - ج 10 من حديث ابن عباس، وعند الدارقطني في ‏"‏الأقضية‏"‏ ص 515 - ج 2 من حديث جابر مرفوعًا، ومن حديث علي بن أبي طالب مرفوعًا، ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا، كما سيأتي في التخريج، ومن حديث طاوس عن ابن عباس مرفوعًا في‏:‏ ص 516‏]‏ أنه عليه السلام قضى باليمين مع الشاهد الواحد، وأخرج الدارقطني، ثم البيهقي ‏[‏عند البيهقي في ‏"‏الأقضية‏"‏ ص 170 - ج 10، وعند الدارقطني‏:‏ ص 515 - ج 2‏.‏‏]‏ عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة شاهد واحد، ويمين صاحب الحق، وأخرج الدارقطني ‏[‏عند الدارقطني في ‏"‏الأقضية‏"‏ ص 515 - ج 2‏.‏‏]‏ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد اللّه بن عمرو، قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏قضى اللّه ورسوله في الحق بشاهدين، فإن جاء بشاهدين أخذ حقه، وإن جاء بشاهد واحد حلف مع شاهده‏"‏‏.‏

- بقية أحاديث الخصوم‏:‏ فحديث أبي هريرة، أخرجه أبو داود في ‏"‏القضاء‏"‏ ‏[‏في ‏"‏باب القضاء باليمين والشاهد‏"‏ ص 152 - ج 2 عن الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن بلال عن ربيعة، الخ‏.‏ وعند الترمذي في ‏"‏الأحكام - باب ما جاء في اليمين مع الشاهد‏"‏ ص 172 - ج 1، وعند ابن ماجه في ‏"‏الأحكام - باب القضاء بالشاهد واليمين‏"‏ ص 173 - ج 2‏.‏‏]‏ والترمذي، وابن ماجه في ‏"‏الأحكام‏"‏ عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد، انتهى‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن غريب، وأخرجه أبو داود أيضًا عن سليمان بن بلال عن ربيعة بإسناده نحوه، وزاد فيه‏:‏ قال سليمان‏:‏ فلقيت سهيلًا فسألته عن هذا الحديث، فقال‏:‏ ما أعرفه، فقلت‏:‏ إن ربيعة أخبرني به عنك، فقال‏:‏ إن كان ربيعة أخبرك به عني، فحدث به عن ربيعة عني، قال‏:‏ وكان سهيل أصابته علة أذهبت بعض عقله، ونسي بعض حديثه، فكان سهيل بعد يحدث به عن ربيعة عنه عن أبيه، انتهى‏.‏

- وحديث جابر‏:‏ فأخرجه الترمذي، وابن ماجه ‏[‏عند الترمذي في ‏"‏الأحكام - باب ما جاء في اليمين مع الشاهد‏"‏ ص 172 - ج 1، وعند ابن ماجه في ‏"‏الشهادات‏"‏ ص 173 - ج 1‏]‏ عن عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد، انتهى‏.‏ ثم أخرجه الترمذي عن إسماعيل بن جعفر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد، قال‏:‏ وقضى به عليّ فيكم، قال الترمذي‏:‏ وهذا أصح، وهكذا روى سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، ورواه عبد العزيز بن أبي سلمة، ويحيى بن سليم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى‏.‏

- وحديث سعد بن عبادة‏:‏ رواه الترمذي ‏[‏عند الترمذي في ‏"‏الأحكام‏"‏ ص 172 - ج 1، وعند الدارقطني في ‏"‏الأقضية‏"‏ ص 516‏.‏‏]‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، قال‏:‏ أخبرني ابن سعد بن عبادة، قال‏:‏ وجدنا في - كتاب سعد - أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد، انتهى‏.‏ ورواه الطبراني في ‏"‏معجمه‏"‏‏.‏

- وحديث سُرّق‏:‏ رواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏[‏عند ابن ماجه في ‏"‏الشهادات‏"‏ ص 173‏.‏‏]‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن جويرية بن أسماء عن عبد اللّه بن يزيد مولى المنبعث عن رجل من أهل مصر عن سُرّق أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة رجل، ويمين الطالب، انتهى‏.‏

- وحديث علي، الذي أشار إليه الترمذي‏:‏ أخرجه الدارقطني في ‏"‏سننه‏"‏ ‏[‏عند الدارقطني في ‏"‏الأقضية‏"‏ ص 515‏.‏‏]‏ عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي اللّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة شاهد واحد، ويمين صاحب الحق، وقضى به علي رضي اللّه عنه بالعراق، انتهى‏.‏ وهذا إسناد منقطع، فإن محمد بن علي بن الحسين لم يدرك جد أبيه علي بن أبي طالب، وقد أطال الدارقطني الكلام على هذا الحديث في ‏"‏كتاب العلل‏"‏، قال‏:‏ وكان جعفر بن محمد ربما أرسل هذا الحديث، وربما وصله عن جابر، لأن جماعة من الثقات حفظوه عن أبيه عن جابر، والقول قولهم، لأنهم زادوا، وهم ثقات، وزيادة الثقة مقبولة، انتهى‏.‏ وأخرجه الدارقطني ‏[‏عند الدارقطني في ‏"‏الأقضية‏"‏ ص 516‏]‏ ثم البيهقي عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، كانوا يقضون بشهادة الشاهد الواحد، ويمين المدعي ‏[‏قلت‏:‏ وأخرج الدارقطني عن عبد اللّه بن عامر قال‏:‏ حضرت أبا بكر، وعمر، وعثمان رضي اللّه عنهم يقضون باليمين مع الشاهد، انتهى‏.‏ وفي الباب سوى ما ذكر عن بلال بن الحارث، وأبي سعيد الخدري، عند الهيثمي في ‏"‏مجمع الزوائد‏"‏ ص 202 - ج 4، وعن أبي بن كعب، وأبي بكر، وعثمان، كما في ‏"‏الجوهر النقي‏"‏ وقال صاحب ‏"‏الجوهر‏"‏ مجيبًا عن حديث‏:‏ القضاء باليمين، والشاهد الواحد‏"‏ ص 174 - ج 10، قال صاحب ‏"‏الاستذكار‏"‏‏:‏ روى هشيم أنا المغيرة عن الشعبي، قال‏:‏ أهل المدينة يقولون بشهادة الشاهد، ويمين الطالب، ونحن لا نقول به، وفي ‏"‏مصنف ابن أبي شيبة‏"‏ ثنا سويد بن عمرو ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن إبراهيم، والشعبي في الرجل يكون له الشاهد مع يمينه، قالا‏:‏ لا يجوز إلا شهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، قال عامر‏:‏ إن أهل المدينة يقبلون شهادة الشاهد مع يمين الطالب، وهذا السند رجاله على شرط مسلم، وقال ابن أبي شيبة‏:‏ حدثنا حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب عن الزهري، قال‏:‏ هي بدعة، وأول من قضى بها معاوية، وهذا السند على شرط مسلم، وفي ‏"‏مصنف‏"‏ عبد الرزاق ثنا معمر سألت الزهري عن اليمين مع الشاهد، فقال‏:‏ هذا شيء أحدثه الناس، لا بد من شاهدين، وفي ‏"‏الاستذكار‏"‏ وهو الأشهر عن الزهري، وقد روي عن عطاء أنه لا يقول بالشاهد، واليمين‏.‏ قال صاحب ‏"‏التمهيد‏:‏ وقال أبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، والأوزاعي‏:‏ لا يقضي باليمين مع الشاهد، وهو قول عطاء، والحكم، وطائفة، وزاد في ‏"‏الاستذكار‏"‏‏:‏ النخعي، وفي ‏"‏المحلى‏"‏ لابن حزم‏:‏ أول من قضى به عبد الملك بن مروان، وأشار إلى إنكاره الحكم، وابن عيينة، وروي عن عمر بن عبد العزيز الرجوع إلى ترك القضاء به، لأنه وجد أهل الشام على خلافه، ومنع منه ابن شبرمة، انتهى كلامه، وفي ‏"‏التمهيد‏"‏ تركه يحيى بن يحيى بالأندلس، وزعم أنه لم ير الليث بن سعد يفتي به، ولا يذهب إليه، وقوله عليه السلام في ‏"‏الصحيحين‏"‏‏:‏ اليمين على المدعى عليه، وفي رواية‏:‏ البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، يرده، وكذا قوله عليه السلام في ‏"‏الصحيحين‏"‏‏:‏ شاهداك أو يمينه، مع ظاهر القرآن، الخ‏]‏‏.‏

- قوله‏:‏ لأن الصحابة رضي اللّه عنهم أجمعوا على القضاء بالنكول، قلت‏:‏ يوجد هذا في بعض نسخ ‏"‏الهداية‏"‏، وروى ابن أبي شيبة في ‏"‏مصنفه - في الأقضية‏"‏ حدثنا عباد بن العوام عن يحيى بن سعيد عن سالم أن ابن عمر باع غلامًا له بثمانمائة درهم، فوجد به المشتري عيبًا، فخاصمه إلى عثمان، فقال له عثمان‏:‏ بعته بالبراءة‏؟‏ فأبى أن يحلف، فرده عثمان عليه، انتهى‏.‏ حدثنا حفص عن ابن جريج عن ابن مليكة عن ابن عباس أنه أمره أن يستحلف امرأة، فأبت أن تحلف، فألزمها، حدثنا شريك عن مغيرة عن الحارث، قال‏:‏ نكل رجل عند شريح عن اليمين، فقضى شريح عليه، فقال الرجل‏:‏ أنا أحلف، فقال شريح‏:‏ قد مضى قضائي، انتهى‏.‏ حدثنا جرير عن مغيرة، وابن شبرمة، قالا‏:‏ اشترى عبد اللّه غلامًا لامرئ، فلما ذهب إلى منزله حم الغلام، فخاصمه إلى الشعبي، فقال لعبد اللّه‏:‏ بينتك أنه دلس عليك عيبًا‏؟‏ فقال‏:‏ ليس لي بينة، فقال للرجل‏:‏ احلف أنك لم تبعه، فأبى، فقال الرجل‏:‏ اردد اليمين على عبد اللّه، فقضى الشعبي باليمين عليه فقال‏:‏ إما أن تحلف، وإلا جاز عليك الغلام، انتهى‏.‏ وأخرج الطحاوي في ‏"‏مشكل الآثار‏"‏ ‏[‏راجع ‏"‏المعتصر - باب في اقتطاع الحق باليمين‏"‏ ص 236‏]‏ عن عبد اللّه بن عون من أهل فلسطين، قال‏:‏ أمرت امرأة وليدة لها أن تضطجع عند زوجها، فحسب أنها جارية، فوقع عليها، وهو لا يشعر، فقال عثمان‏:‏ أحلفوه أنه ما شعر، فإن أبى أن يحلف فارجموه، وإن حلف فاجلدوه مائة جلدة، واجلدوا امرأته مائة جلدة، واجلدوا الوليدة الحد، قال الطحاوي‏:‏ لا نعلم له مخالفًا من الصحابة، ولا منكرًا عليه - يعني في حكم بالنكول - وأنه كالإقرار‏.‏

-