الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ***
هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَيُقَالُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ فَالتِّلَاوَةُ سَبَبٌ بِلَا خِلَافٍ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا صَلَّى فَقَدْ انْقَادَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَفِي التِّلَاوَةِ إذَا سَجَدَ فَقَدْ انْقَادَ أَيْضًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَفِي إضَافَةِ السُّجُودِ إلَى التِّلَاوَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَتَبَهَا أَوْ تَهَجَّاهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (سُجُودُ التِّلَاوَةِ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً إلَى آخِرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ بِالْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً سَبْعَةٌ مِنْهَا فَرِيضَةٌ وَثَلَاثٌ مِنْهَا وَاجِبٌ وَأَرْبَعٌ مِنْهَا سُنَّةٌ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ فَرْضٌ؛ وَالرَّعْدِ فَرْضٌ؛ وَالنَّحْلِ فَرْضٌ؛ وَبَنِي إسْرَائِيلَ فَرْضٌ؛ وَمَرْيَمَ فَرْضٌ؛ وَالْأُولَى فِي الْحَجِّ فَرْضٌ؛ وَالْفُرْقَانِ وَاجِبَةٌ؛ وَالنَّمْلِ سُنَّةٌ وَالَمْ تَنْزِيلُ وَاجِبَةٌ وَ (ص) فَرْضٌ وَ حم السَّجْدَةِ وَاجِبَةٌ؛ وَالنَّجْمِ سُنَّةٌ؛ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ سُنَّةٌ؛ وَاقْرَأْ سُنَّةٌ فَمَوْضِعُ السُّجُودِ مِنْ (ص) وَحُسْنَ مَآبٍ؛ وَفِي حم السَّجْدَةِ (لَا يَسْأَمُونَ). وَهَلْ تَجِبُ السَّجْدَةُ بِشَرْطِ قِرَاءَةِ جَمِيعِ الْآيَةِ أَمْ بَعْضِهَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ حَرْفَ السَّجْدَةِ وَقَبْلَهُ كَلِمَةٌ وَبَعْدَهُ كَلِمَةٌ وَجَبَ السُّجُودُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ لَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ كُلَّهَا إلَّا الْحَرْفَ الَّذِي فِي آخِرِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ وَالْمُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِآيَةِ السَّجْدَةِ إذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مُتَهَيِّئِينَ لِلصَّلَاةِ وَإِلَّا فَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ وَإِنْ تَلَا بِالْفَارِسِيِّ لَزِمَ السَّامِعَ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا فَهِمَ وَرُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَإِنْ قَرَأَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَجَبَ عَلَى السَّامِعِ فَهِمَ أَوْ لَمْ يَفْهَمْ إجْمَاعًا، وَفِي الْحَجِّ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ سَجْدَةٌ عِنْدَنَا وَهِيَ الْأُولَى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَجْدَتَانِ وَسَجْدَةُ ص عِنْدَنَا تِلَاوَةٌ وَعِنْدَهُ سَجْدَةُ شُكْرٍ فَلَا يَسْجُدُهَا عِنْدَهُ إذَا تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْحَجِّ فَلَيْسَتْ عِنْدَنَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِالرُّكُوعِ وَذَلِكَ أَمْرٌ بِالصَّلَاةِ دُونَ السَّجْدَةِ. (قَوْلُهُ: وَالسُّجُودُ وَاجِبٌ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ) يَعْنِي عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا وَيَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ سُنَّةٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى التَّالِي وَالسَّامِعِ) سَوَاءٌ قَصَدَ سَمَاعَ الْقُرْآنِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ كَانَ التَّالِي طَاهِرًا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ سَكْرَانًا فَذَلِكَ كُلُّهُ يُوجِبُ عَلَى السَّامِعِ السُّجُودَ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ وَلَوْ سَمِعَهَا مِنْ نَائِمٍ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا سَمِعَهَا مِنْ مَجْنُونٍ يَجِبُ، وَكَذَا مِنْ النَّائِمِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ أَيْضًا وَهَلْ يَجِبُ عَلَى النَّائِمِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَلَوْ كَانَ السَّامِعُ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ تَلَوْا أَوْ سَمِعُوا، وَلَوْ تَلَاهَا وَهُوَ أَصَمُّ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَلَاهَا ثُمَّ سَمِعَهَا مِنْ آخَرَ أَوْ سَمِعَهَا ثُمَّ تَلَاهَا وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَجْلِسُ وَإِنْ سَمِعَهَا مِنْ الصَّدَى لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَلَا الْإِمَامُ آيَةَ سَجْدَةٍ سَجَدَهَا وَسَجَدَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ) سَوَاءٌ سَمِعَهَا مِنْهُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ أَوْ الْمُخَافَتَةِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَأَهَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ فَإِنْ سَمِعَهَا رَجُلٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ ثُمَّ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ بَعْدَ سُجُودِ الْإِمَامِ لَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سُجُودٌ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَنَظِيرُهُ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْوِتْرِ فِي الرُّكُوعِ فِي رَمَضَانَ يَصِيرُ مُدْرِكًا لِلْقُنُوتِ حَتَّى لَا يَأْتِيَ بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ، وَلَوْ سَمِعَهَا مِنْ الْإِمَامِ أَجْنَبِيٌّ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهُ السُّجُودُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ لَهُ السَّمَاعُ وَهُوَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ السُّجُودُ كَذَا فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَلَا الْمَأْمُومُ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمَامَ وَلَا الْمُؤْتَمَّ السُّجُودُ) يَعْنِي لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ وَلَا مَانِعَ بِخِلَافِ حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ أَوْ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ التَّالِيَ كَالْإِمَامِ لِلسَّامِعِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا خِلَافِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ وَذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَسْجُدَ التَّالِي أَوَّلًا فَيُتَابِعَهُ الْإِمَامُ فَيَنْقَلِبَ التَّابِعُ مَتْبُوعًا وَالْمَتْبُوعُ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ الْإِمَامُ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ أَيْضًا وَمَعْنَى قَوْلِنَا أَوْ التِّلَاوَةِ أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَسْجُدَ الْإِمَامُ أَوَّلًا فَيُتَابِعَهُ التَّالِي وَهَذَا خِلَافُ مَوْضُوعِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّ التَّالِيَ إمَامُ السَّامِعِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ سُجُودُ التَّالِي قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {لِلتَّالِي كُنْت إمَامَنَا لَوْ سَجَدْت لَسَجَدْنَا} قَالَهُ لِرَجُلٍ تَلَا عِنْدَهُ آيَةَ سَجْدَةٍ فَلَمْ يَسْجُدْ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِنَفَاذِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ} وَذَلِكَ دَلِيلُ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَالْوِلَايَةُ دَلِيلُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَالْمَحْجُورُ لَا حُكْمَ لِتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمِعَهَا مِنْ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَحْجُورَيْنِ بَلْ مَنْهِيَّيْنِ وَالتَّصَرُّفَاتُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا يُعْتَدُّ بِهَا وَيُعْتَبَرُ حُكْمُهَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَمِعُوا وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ آيَةَ سَجْدَةٍ مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَسْجُدُوهَا فِي الصَّلَاةِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ فَيَكُونُ إدْخَالُهَا فِيهَا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَهِيَ وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالْمَنْهِيِّ. (قَوْلُهُ: وَسَجَدُوهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ) لِصِحَّةِ التِّلَاوَةِ مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَجَدُوهَا فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُجْزِهِمْ) لِنُقْصَانِهَا يَعْنِي أَنَّهَا نَاقِصَةٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ؛ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ وَغَيْرُ الصَّلَاتِيَّةِ لَا يُؤَدَّى فِي الصَّلَاةِ فَيُمْكِنُ النُّقْصَانُ بِأَدَائِهَا فِي الصَّلَاةِ وَمَا وَجَبَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةَ)؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ. وَفِي النَّوَادِرِ تُفْسِدُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهَا سَجَدَهَا فِي الصَّلَاةِ وَأَجْزَأَتْهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَلَوْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ سَجْدَةٍ فَسَمِعَهَا رَجُلٌ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَدَخَلَ مَعَهُ بَعْدَمَا سَجَدَهَا الْإِمَامُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُدْرِكًا لَهَا بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي آخِرِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ الَّتِي تَلَا فِيهَا السَّجْدَةَ أَمَّا إذَا أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَصِرْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَا مَا تَعَلَّقَ بِهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالسَّجْدَةِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ تَصِيرُ صَلَاتِيَّةً فَلَا تَلْزَمُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا وَسَجَدَ أَجْزَأَتْهُ السَّجْدَةُ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ) لِأَنَّ الثَّانِيَةَ أَقْوَى لِكَوْنِهَا صَلَاتِيَّةً فَاسْتَتْبَعَتْ الْأُولَى وَكَوْنُهَا سَابِقًا لَا يُنَافِي التَّبَعِيَّةَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ الْأُولَى لِلظُّهْرِ. وَفِي النَّوَادِرِ يَسْجُدُ أُخْرَى بَعْدَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ لِلْأُولَى قُوَّةَ السَّبْقِ فَاسْتَوَيَا قُلْنَا لِلثَّانِيَةِ قُوَّةُ اتِّصَالِ السَّجْدَةِ بِالتِّلَاوَةِ فَتَرَجَّحَتْ عَلَى الْأُولَى فَاسْتَتْبَعَتْهَا وَهَذَا إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ أَمَّا إذَا تَبَدَّلَ لَمْ يُجْزِهِ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَفِي النَّوَادِرِ وَلَا يَسْقُطُ مَا وَجَبَ خَارِجَ الصَّلَاةِ بَلْ يَسْجُدُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالْأَكْلِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْأُولَى تَبَعًا؛ لِأَنَّ السَّابِقَ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلَّاحِقِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الثَّانِيَةِ تَبَعًا؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى فَوَجَبَ اعْتِبَارُ كُلِّ وَاحِدٍ سَبَبًا فَالصَّلَاتِيَّةُ تُؤَدَّى فِيهَا وَالْأُولَى تُؤَدَّى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْمَتْلُوَّ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَكَانُ وَاحِدٌ وَالثَّانِيَةُ أَكْمَلُ؛ لِأَنَّ لَهَا حُرْمَتَيْنِ حُرْمَةَ التِّلَاوَةِ وَحُرْمَةَ الصَّلَاةِ ثُمَّ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ أَجْزَأَتْهُ السَّجْدَةُ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ فَلَوْ لَمْ يَسْجُدْهَا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا سَقَطَتْ عَنْهُ السَّجْدَتَانِ جَمِيعًا وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ مَا وَجَبَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يَسْقُطُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَلَاهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا سَجَدَ لَهَا وَلَمْ تُجْزِئُهُ السَّجْدَةُ الْأُولَى) لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَقْوَى فَلَا تَنُوبُ الْأُولَى عَنْهَا وَلَوْ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَهَا ثُمَّ سَلَّمَ وَأَعَادَ تِلْكَ الْآيَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ أُخْرَى. وَفِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى وَوَفَّقَ أَبُو اللَّيْثِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ إذَا تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَأَعَادَهَا فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ ثَانِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَعَادَهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَلْزَمُهُ أُخْرَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَكْفِيهِ الْأُولَى وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ تَجْمَعُ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ فَيَصِيرُ كُلُّهَا كَالْمَحَلِّ الْوَاحِدِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ السُّجُودَ مِنْ مُوجَبِ التِّلَاوَةِ وَكُلُّ رَكْعَةٍ تَتَعَلَّقُ بِهَا تِلَاوَةٌ وَلَا تَنُوبُ عَنْهَا تِلَاوَةٌ فِي غَيْرِهَا فَكَذَا يَتَعَلَّقُ بِهَا سُجُودٌ وَلَا يَنُوبُ عَنْهُ سُجُودٌ فِي غَيْرِهَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى هَذَا الِاخْتِلَافُ إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَمَّا إذَا صَلَّى بِالْإِيمَاءِ لَا يَجِبُ أُخْرَى وَكَذَا لَوْ أَعَادَهَا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ كَرَّرَ تِلَاوَةَ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَبْنَى السَّجْدَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَإِذَا تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ فَسَجَدَ ثُمَّ قَرَأَ تِلْكَ الْآيَةَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مِرَارًا يَكْفِيهِ تِلْكَ السَّجْدَةُ عَنْ التِّلَاوَاتِ الْمَوْجُودَةِ بَعْدَ السَّجْدَةِ وَقَوْلُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ وَالتَّبْدِيلُ يَكُونُ حَقِيقَةً وَيَكُونُ حُكْمًا فَالْحَقِيقَةُ ظَاهِرٌ وَالْحُكْمُ كَمَا إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ بَيْعٍ فَانْتَقَلَ إلَى مَجْلِسِ نِكَاحٍ أَوْ أَكَلَ كَثِيرًا أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا أَوْ هُوَ فِي مَكَانِهِ أَوْ أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اشْتَغَلَ بِالْحَدِيثِ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَاطِعٌ لِمَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَجْلِسِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَمَلُ قَلِيلًا كَمَا إذَا أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ شَرِبَ جُرْعَةً أَوْ جُرْعَتَيْنِ أَوْ تَكَلَّمَ كَلِمَةً أَوْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ خَطَا خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْمَجْلِسَ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ الْمَجْلِسُ بِالْأَكْلِ حَتَّى يَشْبَعَ أَوْ بِالشُّرْبِ حَتَّى يُرْوَى أَوْ بِالْعَمَلِ وَالْكَلَامِ حَتَّى يَكْثُرَ كَذَا قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِالتَّسْبِيحِ أَوْ التَّهْلِيلِ أَوْ الْقِرَاءَةِ لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ قَرَأَهَا وَهُوَ قَاعِدٌ فَقَامَ أَوْ قَائِمٌ فَقَعَدَ أَوْ نَامَ قَاعِدًا لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَجْلِسِ. وَلَوْ قَرَأَهَا ثُمَّ رَكِبَ عَلَى الدَّابَّةِ ثُمَّ نَزَلَ قَبْلَ السَّيْرِ لَمْ يَنْقَطِعْ أَيْضًا، وَلَوْ قَرَأَهَا فَسَجَدَ ثُمَّ قَرَأَ الْقُرْآنَ بَعْدَ ذَلِكَ طَوِيلًا ثُمَّ أَعَادَ تِلْكَ السَّجْدَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى، وَلَوْ قَرَأَهَا مِرَارًا فِي الدَّوْسِ أَوْ تَسْدِيَةِ الثَّوْبِ أَوْ دَوَرَانِ الرَّحَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِلِاحْتِيَاطِ وَكَذَا الْمُنْتَقِلُ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ يَتَكَرَّرُ بِهِ الْوُجُوبُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَرَأَهَا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فِي زَاوِيَةٍ ثُمَّ تَلَاهَا فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى مِنْهُ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَعَ تَبَاعُدِ أَطْرَافِهِ يُجْعَلُ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ السَّجْدَةِ؛ لِأَنَّهَا دُونَهَا وَلَوْ تَلَاهَا فِي السِّبَاحَةِ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي حَوْضٍ صَغِيرٍ لَا يَتَكَرَّرُ وَإِنْ قَرَأَهَا وَهُوَ مَاشٍ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ سَجْدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ قَدْ اخْتَلَفَ وَإِنْ قَرَأَهَا فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي السَّفِينَةِ سَائِرَةً كَانَتْ أَوْ وَاقِفَةً كَفَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ إذَا كَرَّرَهَا عَلَيْهَا وَهِيَ تَسِيرُ إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ تَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ. وَلَوْ قَرَأَهَا فِي مَكَان ثُمَّ قَامَ فَرَكِبَ الدَّابَّةَ ثُمَّ قَرَأَهَا مَرَّةً أُخْرَى قَبْلَ أَنْ يَسِير فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ يَسْجُدُهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَلَوْ سَارَتْ ثُمَّ تَلَاهَا يَلْزَمُهُ سَجْدَتَانِ وَكَذَا إذَا قَرَأَهَا رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يَسِير فَقَرَأَهَا فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ يَسْجُدُهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ السَّجْدَةِ، وَالْمَرْأَةُ إذَا قَرَأَتْ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي صَلَاتِهَا فَلَمْ تَسْجُدْ لَهَا حَتَّى حَاضَتْ سَقَطَتْ عَنْهَا، وَلَوْ سَمِعَ سَجْدَةً مِنْ رَجُلٍ وَسَمِعَهَا مِنْ آخَرَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ قَرَأَهَا هُوَ أَجْزَأَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ الْآيَةِ وَالْمَكَانِ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ وَمَعَهُ رَجُلٌ يَسْمَعُهَا ثُمَّ قَامَ التَّالِي وَذَهَبَ ثُمَّ عَادَ فَقَرَأَ تِلْكَ الْآيَةَ ثَانِيًا ثُمَّ قَامَ فَذَهَبَ هَكَذَا مِرَارًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى التَّالِي بِكُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةٌ عَلَى حِدَةٍ، وَأَمَّا السَّامِعُ فَتَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ مَجْلِسُ التَّالِي وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَجْلِسُ السَّامِعِ، وَكَذَا الْجَوَابُ إذَا كَانَ التَّالِي مَكَانَهُ وَالسَّامِعُ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَيَسْمَعُ يَجِبُ عَلَى التَّالِي سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَى السَّامِعِ لِكُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةٌ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ نَامَ مُضْطَجِعًا انْقَطَعَ حُكْمُ الْمَجْلِسِ وَإِنْ نَامَ قَاعِدًا لَمْ يَنْقَطِعْ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ عَلَى الدَّابَّةِ فَسَجَدَهَا عَلَيْهَا جَازَ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا فِي رَاكِبٍ خَارِجَ الْمِصْرِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ لَا يُجْزِئُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ رَاكِبًا فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى نَزَلَ ثُمَّ رَكِبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَجَدَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَجْزَأهُ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إيمَاءٍ فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى رَكِبَ لَا يُجْزِئُهُ إنْ سَجَدَهَا عَلَى الدَّابَّةِ كَذَا فِي هَذَا وَلَنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالْإِيمَاءِ فَإِذَا أَدَّاهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَتْ أَجْزَأَهُ وَكَذَا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَرَأَهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى أَدَّاهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَزِمَهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً لِاخْتِلَافِ الْآيَاتِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ وَسَجَدَ) اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّكْبِيرُ فِيهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا هُوَ الْمُخْتَارُ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتَحْسَنُوا أَنْ يَقُولَ فِيهَا {سُبْحَانَ رَبِّنَا إنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} أَيْ قَدْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا كَائِنًا لَا مَحَالَةَ وَذَلِكَ أَنَّ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا يَسْمَعُونَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ نَبِيًّا مِنْ الْعَرَبِ وَيُنْزِلُ عَلَيْهِ - قُرْآنًا فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ سَجَدُوا لِلَّهِ وَحَمِدُوهُ عَلَى إنْجَازِ الْوَعْدِ وَقَالُوا قَدْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا كَائِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا شَيْئًا أَجْزَأَهُ، وَلَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي يَحْرُمُ بِهَا أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلَا تَجُوزُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إلَّا بِمَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنْ الشَّرَائِطِ مِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إذَا تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَتَيَمَّمُ لَهَا إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ الْمَاءَ أَوْ يَكُونُ مَرِيضًا فَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهَا أَوْ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا، وَإِنْ سَجَدَتْ امْرَأَةٌ إلَى جَنْبِ رَجُلٍ مُقْتَدِيَةً بِهِ لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِ وَإِنْ نَوَى إمَامَتَهَا (قَوْلُهُ: وَلَا تَشَهُّدَ عَلَيْهِ وَلَا سَلَامَ) لِأَنَّ ذَلِكَ بِالتَّحْلِيلِ وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا إحْرَامَ لَهَا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ تَكُونُ التَّحْرِيمَةُ مُنْعَدِمَةً وَقَدْ قَالَ وَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ كَبَّرَ، وَالتَّكْبِيرُ لِلتَّحْرِيمَةِ قُلْتُ لَيْسَ هُوَ لِلتَّحْرِيمَةِ بَلْ لِمُشَابَهَتِهَا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّكْبِيرُ فِي سَجْدَةِ الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ لِلِانْتِقَالِ فَكَذَا هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ التِّلَاوَةِ إلَى السُّجُودِ، مَسْأَلَةٌ: سَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا عِبْرَةَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَتَرْكُهَا أَوْلَى وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَعِنْدَهُمَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَصُورَتُهَا عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ تَجَدَّدَتْ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا أَوْ وَلَدًا أَوْ وَجَدَ ضَالَّةً أَوْ انْدَفَعَتْ عَنْهُ نِقْمَةٌ أَوْ شُفِيَ لَهُ مَرِيضٌ أَوْ قَدِمَ لَهُ غَائِبٌ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلَّهِ شُكْرًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ فِيهَا وَيَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ أُخْرَى فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ إذَا نَامَ فِيهَا وَفِيمَا إذَا تَيَمَّمَ لَهَا هَلْ يَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِهِ لَهَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ فِيهَا وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ لَهَا كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا. هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْء إلَى شَرْطِهِ أَوْ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ أَنَّ التِّلَاوَةَ سَبَبٌ لِلسُّجُودِ وَالسَّفَرَ سَبَبٌ لِقَصْرِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ السُّجُودِ التِّلَاوَةُ وَهِيَ عِبَادَةٌ وَسَبَبَ قَصْرِ الصَّلَاةِ السَّفَرُ وَلَيْسَ هُوَ بِعِبَادَةٍ، بَلْ هُوَ مُبَاحٌ وَالْعِبَادَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُبَاحَاتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (السَّفَرُ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ) أَيْ الْأَحْكَامُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ وَتَغَيُّرُهَا قَصْرُ الصَّلَاةِ وَإِبَاحَةُ الْفِطْرِ وَامْتِدَادُ مُدَّةِ الْمَسْحِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسُقُوطُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَحُرْمَةُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ (قَوْلُهُ: أَنْ يَقْصِدَ الْإِنْسَانُ مَوْضِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِصْرِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا) الْقَصْدُ هُوَ الْإِرَادَةُ لِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا شَرَطَ الْقَصْدَ فَقَالَ أَنْ يَقْصِدَ وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يَسِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ جَمِيعَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَقْصِدْ مَكَانًا بِعَيْنِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا وَكَذَا الْقَصْدُ نَفْسُهُ مِنْ غَيْرِ سَيْرٍ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِاجْتِمَاعِهِمَا فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ عَنْ السَّيْرِ وَلَا بِالسَّيْرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْقَصْدِ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ اجْتِمَاعُهُمَا وَقَوْلُهُ: (مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) يَعْنِي بِهَا رَادُّونَ لَيَالِيَهَا؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَيَعْنِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَقْصَرَ أَيَّامِ السَّنَةِ وَذَلِكَ إذَا حَلَّتْ الشَّمْسُ الْبَلْدَةَ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ سَفَرُ كُلِّ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ؟ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى الزَّوَالِ وَبَلَغَ الْمَرْحَلَةَ وَنَزَلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ فِيهَا ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَذَلِكَ إلَى الزَّوَالِ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا، كَذَا فِي الْفَتَاوَى؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النُّزُولِ لِاسْتِرَاحَةِ نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطِيقُ السَّفَرَ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْفَجْرِ، وَكَذَا الدَّابَّةُ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَأُلْحِقَتْ مُدَّةُ الِاسْتِرَاحَةِ بِمُدَّةِ السَّفَرِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْفِقْهُ فِي تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّ الرُّخْصَةَ شُرِعَتْ لِإِزَالَةِ مَشَقَّةِ الْوَحْدَةِ وَكَمَالُ الْمَشَقَّةِ الِارْتِحَالُ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ وَالنُّزُولُ فِي غَيْرِهِمْ وَذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الِارْتِحَالَ مِنْ الْأَهْلِ وَالنُّزُولَ فِي غَيْرِهِمْ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ الِارْتِحَالُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَالنُّزُولُ فِيهِمْ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا كَانَ لَهُ أَهْلٌ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قَصَدَهُ. (قَوْلُهُ: بِسَيْرِ الْإِبِلِ) يَعْنِي الْقَافِلَةَ دُونَ الْبَرِيدِ. (قَوْلُهُ: وَلَا مُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ بِالسَّيْرِ فِي الْمَاءِ) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ السَّيْرُ فِي الْبَرِّ بِالسَّيْرِ فِي الْبَحْرِ وَلَا السَّيْرُ فِي الْبَحْرِ بِالسَّيْرِ فِي الْبَرِّ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُمَا مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَوْضِعٌ لَهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا فِي الْمَاءِ وَهِيَ تُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ مُسْتَوِيَةً وَالثَّانِي فِي الْبَرِّ وَهِيَ تُقْطَعُ فِي يَوْمَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا ذَهَبَ فِي طَرِيقِ الْمَاءِ يَقْصُرُ، وَفِي الْبَرِّ لَا يَقْصُرُ وَلَوْ كَانَ إذَا سَارَ فِي الْبَرِّ وَصَلَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِذَا سَارَ فِي الْبَحْرِ وَصَلَ فِي يَوْمَيْنِ قَصَرَ فِي الْبَرِّ وَلَا يَقْصُرُ فِي الْبَحْرِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْبَحْرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي رِيحٍ مُسْتَوِيَةٍ أَيْ غَيْرِ عَالِيَةٍ وَلَا سَاكِنَةٍ كَمَا فِي الْجَبَلِ يُعْتَبَرُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَ فِي السَّهْلِ يُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ ثَلَاثًا بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ فَسَارَ إلَيْهَا عَلَى الْفَرَسِ أَوْ الْبَرِيدِ جَرْيًا حَثِيثًا فَوَصَلَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ قَصَرَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مِصْرَ لَهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأُخْرَى فِي يَوْمَيْنِ إنْ اخْتَارَ الْأَبْعَدَ قَصَرَ وَإِنْ اخْتَارَ الْأَقْرَبَ لَا يَقْصُرُ. (قَوْلُهُ: وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ عِنْدَنَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ رَكْعَتَانِ) قَيَّدَ بِالرُّبَاعِيَّةِ احْتِرَازًا عَنْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ لَا قَصْرَ فِيهِمَا وَقَيَّدَ بِالْفَرْضِ احْتِرَازًا عَنْ السُّنَنِ فَإِنَّهَا لَا تُقْصَرُ. (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا) إنَّمَا قَالَ هَكَذَا وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ صَارَ عَاصِيًا عِنْدَنَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ أَجْزَأَتْهُ رَكْعَتَانِ عَنْ فَرْضِهِ وَكَانَتْ الْأُخْرَيَانِ لَهُ نَافِلَةٌ) وَيَصِيرُ مُسِيئًا بِتَأْخِيرِ السَّلَامِ، وَهَذَا إذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ أَمَّا إذَا نَوَى أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ سِتَّ رَكَعَاتٍ يَنْوِي الظُّهْرَ وَرَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ عَنْ الْفَرْضِ خَاصَّةً وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ وَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيهَا لَا فَرْضًا وَلَا تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ افْتِتَاحَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ يُوجِبُ الْخُرُوجَ مِنْ الْأُخْرَى فَهَكَذَا هُنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ وَلَا تَكُونُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْقَلِبُ كُلُّهَا نَفْلًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِاخْتِلَاطِ النَّافِلَةِ بِهَا قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِهَا كَمَا فِي الْفَجْرِ، وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا تَرَكَ الْقَعْدَةَ هُنَا وَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَنَوَى الْإِقَامَةَ وَأَتَمَّهَا أَرْبَعًا فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَيَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ) يَعْنِي مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ لَا جَوَانِبِ كُلِّ الْبَلَدِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَدْ خَلَفَ الْأَبْنِيَةَ الَّتِي فِي الطَّرِيقِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ بِحِذَائِهِ أَبْنِيَةٌ أُخْرَى مِنْ جَانِبٍ آخَرَ مِنْ الْمِصْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُتِمَّ) لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ كَالطُّهْرِ وَالسَّفَرُ عَارِضٌ كَالْحَيْضِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَا الْإِقَامَةِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَاهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ أَيْ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ تُوجِبُ الْإِتْمَامَ وَمُدَّةُ الطُّهْرِ تُوجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَقَوْلُهُ: (حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ) اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ أَمَّا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ تَبَعٌ لِغَيْرِهِ كَالْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْمَوْلَى، وَالْمَرْأَةِ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ إذَا كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ وَكَذَا الْجُنْدِيُّ مَعَ السُّلْطَانِ وَهَذَا إذَا عَلِمَ التَّبَعُ نِيَّةَ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا كَذَا فِي الْوَجِيزِ، وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا سَوَاءٌ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا مَسْبُوقًا كَانَ أَوْ مُدْرِكًا وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي بَلَدٍ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الْمَفَازَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّعَاةَ إذَا نَزَلُوا مَوْضِعًا كَثِيرَ الْكَلَأِ وَالْمَاءِ وَنَوَوْا إقَامَةً خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ يَكْفِيهِمْ تِلْكَ الْمُدَّةَ صَارُوا مُقِيمِينَ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْعُمْرَانِ وَالْبُيُوتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَالْخَشَبِ لَا الْخِيَامِ وَالْأَخْبِيَةِ وَالْوَبَرِ، وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَمَّا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ صَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ السَّفَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا، وَكَذَا لَوْ صَلَّاهُمَا وَهُوَ مُقِيمٌ وَسَافَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَتَبَيَّنَ لَهُ فَسَادٌ فِيهِمَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ، وَلَوْ سَافَرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ يَقْصُرُ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا مِقْدَارُ التَّحْرِيمَةِ. وَقَالَ زُفَرُ إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَقَامَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي حَالِ السَّفَرِ جَازَ وَإِلَّا صَلَّى أَرْبَعًا بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ قَلَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ أَوْ كَثُرَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ دَخَلَ بَلَدًا وَلَمْ يَنْوِ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِنَّمَا يَقُولُ غَدًا أَخْرُجُ أَوْ بَعْدَ غَدٍ أَخْرُجُ حَتَّى بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَان سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَقْصُرُ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ أَقَامَ بِنَيْسَابُورَ سَنَةً يَقْصُرُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْعَسْكَرُ أَرْضَ الْحَرْبِ فَنَوَوْا إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُتِمُّوا) ظَاهِرُ هَذَا وَلَوْ كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبُوا فَيَقِرُّوا وَبَيْنَ أَنْ يُغْلَبُوا فَيَفِرُّوا فَلَمْ يَكُنْ دَارُ إقَامَةٍ كَالْمَفَازَةِ، وَالْعَبْدُ إذَا كَانَ مَعَ مَوْلَاهُ أَوْ الْمَرْأَةِ مَعَ زَوْجِهَا فَالْعَبْدُ مُقِيمٌ بِإِقَامَةِ مَوْلَاهُ وَالْمَرْأَةُ مُقِيمَةٌ بِإِقَامَةِ زَوْجِهَا وَمُسَافِرَيْنِ بِسَفَرِهِمَا؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُمَا لَا تَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِمَا وَالْعَبْدَيْنِ الْمَوْلَيَيْنِ فِي السَّفَرِ إذَا نَوَى أَحَدُهُمَا الْإِقَامَةَ دُونَ الْآخَرِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى لَا يَصِيرُ الْعَبْدُ مُقِيمًا؛ لِأَنَّ إقَامَةَ أَحَدِهِمَا إنْ أَوْجَبَتْ إقَامَتَهُ فَمُسَافَرَةُ الْآخَرِ تَمْنَعُهُ فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِيرُ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ فَتَرَجَّحَ الْإِقَامَةُ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ وَإِذَا نَوَى الْمَوْلَى الْإِقَامَةَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ حَتَّى صَلَّى أَيَّامًا صَلَاةَ مُسَافِرٍ ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا أَخْبَرَهَا زَوْجُهَا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ يَلْزَمُهَا الْإِعَادَةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا أَمَّ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ فِي السَّفَرِ وَنَوَى الْمَوْلَى الْإِقَامَةَ صَحَّتْ بِنِيَّتِهِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ الْعَبْدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ كَانَ عَلَيْهِمَا إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَعَ مَوْلَاهُ فِي السَّفَرِ فَبَاعَهُ مِنْ مُقِيمٍ وَالْعَبْدُ فِي الصَّلَاةِ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ) سَوَاءٌ أَدْرَكَ أَوَّلَهَا أَوْ آخِرَهَا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ ثُمَّ إنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ تَعُودُ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ أَرْبَعًا فِي ضِمْنِ الِاقْتِدَاءِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَعُودُ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ بَقَاؤُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ، وَكَذَا إذَا اقْتَدَى مُسَافِرُونَ بِمُسَافِرٍ فَنَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ لَزِمَهُ وَإِيَّاهُمْ جَمِيعًا الْإِتْمَامُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي فَائِتَةٍ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ) يَعْنِي فَائِتَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ، أَمَّا إذَا كَانَتْ ثُلَاثِيَّةً أَوْ كَانَتْ فَائِتَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ مُؤَدَّاهُ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ يَرَى قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْإِمَامُ يَرَى قَوْلَهُمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهُ مَعَهُ فِي الظُّهْرِ بَعْدَ الْمِثْلِ قَبْلَ الْمِثْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ هَذَا إذَا دَخَلَ مَعَهُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَمَّا إذَا دَخَلَ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَفْسُدْ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ بِالشُّرُوعِ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ فَأُلْحِقَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمُقِيمِينَ كَمَا إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الْعَصْرِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ التَّحْرِيمَةِ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَإِنَّهُ يُتِمُّ أَرْبَعًا، وَلَوْ صَلَّى مُقِيمٌ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَ مُسَافِرٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الْعَصْرِ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي صَلَاتِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِينَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَمَّ الْمُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ) يَعْنِي وُحْدَانًا وَلَا يَقْرَءُونَ فِيمَا يَقْضُونَ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ، وَالْأَصْلُ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ يَصِحُّ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَقُولَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) أَيْ مُسَافِرُونَ وَسَفْرٌ جَمْعُ مُسَافِرٍ كَرَكْبٍ جَمْعُ رَاكِبٍ وَصَحْبٌ جَمْعُ صَاحِبٍ، وَقَوْلُهُ إذَا سَلَّمَ يَعْنِي التَّسْلِيمَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ مِصْرَهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمُقَامَ فِيهِ) سَوَاءٌ دَخَلَهُ بِنِيَّةِ الِاجْتِيَازِ أَوْ دَخَلَهُ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّ مِصْرَهُ مُتَعَيِّنٌ لِلْإِقَامَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ فَانْتَقَلَ عَنْهُ وَاسْتَوْطَنَ غَيْرَهُ ثُمَّ سَافَرَ فَدَخَلَ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ) وَإِنْ اسْتَحْدَثَ وَطَنًا أَهْلِيًّا وَأَهْلُهُ الْأَوَّلُونَ بَاقُونَ فِي الْوَطَنِ الْأَوَّلِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطَنٌ أَهْلِيٌّ لَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَوْطَانَ ثَلَاثَةٌ وَطَنٌ أَهْلِيٌّ وَوَطَنُ إقَامَةٍ وَوَطَنٌ سَكَنِيٌّ فَالْأَهْلِيُّ مَا كَانَ مُتَأَهِّلُهُ فِيهِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ مَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا يَبْطُلُ بِالْأَهْلِيِّ وَبِمِثْلِهِ بِإِنْشَاءِ سَفَرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَوَطَنُ السُّكْنَى مَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ أَضْعَفُ الْأَوْطَانِ يَبْطُلُ بِالْكُلِّ، وَهَلْ مِنْ شَرْطِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ تَقَدُّمُ سَفَرٍ عَلَيْهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَكُونُ بَعْدَ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالثَّانِي يَكُونُ وَطَنًا وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ سَفَرٌ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمِنْ حُكْمِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْأَهْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ وَبِوَطَنِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَبِإِنْشَاءِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَلَا يُنْتَقَضُ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ بَيَانُ هَذَا زُبَيْدِيٌّ خَرَجَ إلَى الْمَهْجَمِ فَاسْتَوْطَنَهَا، وَنَقَلَ أَهْلَهُ إلَيْهَا ثُمَّ سَافَرَ مِنْهَا إلَى عَدَنَ فَمَرَّ بِزُبَيْدٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِيهَا رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ قَدْ بَطَلَ بِاسْتِحْدَاثِ هَذَا الثَّانِي فَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَحْدَثَ بِالْمَهْجَمِ أَهْلًا وَأَهْلُهُ الْأَوَّلُونَ بَاقُونَ بِزُبَيْدٍ فَسَافَرَ مِنْ الْمَهْجَمِ إلَى عَدَنَ فَمَرَّ بِزُبَيْدٍ صَلَّى بِهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا وَطَنٌ لَهُ فَإِنْ كَانَ وَطَنُهُ ابْتِدَاءً بِزُبَيْدٍ فَخَرَجَ إلَى مَكَّةَ فَنَوَى الْمُقَامَ بِالْمَهْجَمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَا دَامَ بِهَا فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمَهْجَمِ صَلَّى بِهَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ إلَى زُبَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ إلَى مَكَّةَ فَسَقَطَ حُكْمُهُ وَكَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَهْجَمِ إلَى حُرُضَ فَنَوَى الْمُقَامَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى زُبَيْدٍ صَلَّى بِالْمَهْجَمِ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِوَطَنٍ إقَامَةُ مِثْلِهِ فَإِنْ كَانَ خَرَجَ مِنْ الْمَهْجَمِ بَعْدَ إقَامَتِهِ بِهَا إلَى مَوْرٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَهْجَمِ صَلَّى بِهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِهَا لَمْ يَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إنْشَاءُ سَفَرٍ صَحِيحٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى. (قَوْلُهُ: وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّيَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهَا فِي مَوَاضِعَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِاللَّيْلِ فِي أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْإِنْسَانِ تُضَافُ إلَى مَوْضِعِ مَبِيتِهِ؛ وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ مَا كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهَا ضِدُّ السَّفَرِ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ وَلَا يَكُونُ إقَامَةً. (قَوْلُهُ: وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ قَضَاهَا فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ وَمَنْ فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ فِي حَالِ الْإِقَامَةِ قَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا) لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي حَالَةِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْحَضَرِ وَهُوَ مُسَافِرٌ كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ سَافَرَ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا. (قَوْلُهُ: وَالْعَاصِي وَالْمُطِيعُ فِي سَفَرِهِمَا فِي الرُّخْصَةِ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفِيدُ الرُّخْصَةَ كَمَنْ سَافَرَ بِنِيَّةِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ حَجَّتْ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ وَعِنْدَنَا يَتَرَخَّصُ هَؤُلَاءِ بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِ مِنْ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إذَا خَافُوا وَاسْتِكْمَالِ مُدَّةِ الْمَسْحِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} عَلَّقَ رُخْصَةَ الْإِفْطَارِ بِنَفْسِ السَّفَرِ وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ {فَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ}، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ {يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا} كُلُّ هَذَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، وَكَذَا مَنْ غَصَبَ خُفًّا وَلَبِسَهُ تَرَخَّصَ بِالْمَسْحِ، وَكَذَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ حُكْمَ السُّنَنِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى لَا قَصْرَ فِيهَا وَهَلْ الْأَفْضَلُ فِعْلُهَا أَوْ تَرْكُهَا، فَالْجَوَابُ إنْ كَانَتْ الْقَافِلَةُ نَازِلَةً فَالْفِعْلُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ لِئَلَّا يَضُرَّ بِنَفْسِهِ وَبِرُفْقَتِهِ. مُنَاسَبَتُهَا لِلسَّفَرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنَصِّفٌ لِلصَّلَاةِ بِوَاسِطَةٍ فَالسَّفَرُ بِوَاسِطَةِ السَّفَرِ وَهَذَا بِوَاسِطَةِ الْخُطْبَةِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ شَامِلٌ فِي كُلِّ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَهَذَا فِي الظُّهْرِ خَاصَّةً وَالْخَاصُّ بَعْدَ الْعَامِّ وَالْجُمُعَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَهِيَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا وَيَكْفُرُ جَاحِدُهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ}. (قَوْلُهُ: أَوْ فِي مُصَلَّى الْمِصْرِ) لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمِصْرِ وَلَيْسَ الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى الْمُصَلَّى بَلْ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ وَقَدَّرُوهُ بِمُنْتَهَى حَدِّ الصَّوْتِ وَالْآذَانِ ثُمَّ شَرَائِطُ لُزُومِ الْجُمُعَةِ اثْنَا عَشَرَ سَبْعَةٌ فِي نَفْسِ الْمُصَلِّي وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِقَامَةُ وَالصِّحَّةُ وَسَلَامَةُ الرِّجْلَيْنِ وَسَلَامَةُ الْعَيْنَيْنِ وَخَمْسَةٌ فِي غَيْرِ الْمُصَلِّي الْمِصْرُ وَالسُّلْطَانُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْخُطْبَةُ وَالْوَقْتُ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْمِصْرِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ كُلُّ بَلَدٍ فِيهَا أَسْوَاقٌ وَوَالٍ يُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ الظَّالِمِ وَعَالِمٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ حَوَائِجُ الدِّينِ وَعَامَّةُ حَوَائِجِ الدُّنْيَا فَحَوَائِجُ الدِّينِ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي وَحَوَائِجُ الدُّنْيَا أَنْ يَعِيشَ فِيهَا كُلُّ صَانِعٍ بِصِنَاعَتِهِ مِنْ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ. وَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لَمْ يَسَعْهُمْ وَمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دُخُولُ الْمِصْرِ لِلْجُمُعَةِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْمِصْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا وَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَصَرَ لِانْقِطَاعِ حُكْمِ الْمِصْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ، وَالْقَرَوِيُّ إذَا دَخَلَ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إنْ نَوَى أَنْ يَمْكُثَ يَوْمَهُ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ وَإِنْ نَوَى أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَا يَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْجَامِعَيْنِ نَهْرٌ عَظِيمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْجُمُعَةُ لِمَنْ سَبَقَ وَعَلَى الْآخَرِينَ إعَادَةُ الظُّهْرِ وَإِنْ صَلَّوْا مَعًا وَلَا يُدْرَى مَنْ سَبَقَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ فِي الْقُرَى) فَإِنْ قُلْت قَدْ عُرِفَ هَذَا بِقَوْلِهِ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ فَمَا الْحَاجَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ قِيلَ هَذَا تَأْكِيدٌ وَقَدْ جَاءَ التَّأْكِيدُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} ثُمَّ قَالَ {وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} وَقَدْ عُلِمَ هَذَا بِقَوْلِهِ {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ}. (قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ إقَامَتُهَا إلَّا بِالسُّلْطَانٍ) لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَقَدْ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّقْدِيمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ فِي التَّقَدُّمِ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ وَالتَّقْدِيمِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ وَالْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ وَفِي نَصْبِ الْخَطِيبِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقُ بَعْضُ النَّاسِ إلَى الْجَامِعِ فَيُقِيمُونَهَا لِغَرَضٍ لَهُمْ وَتَفُوتُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَجُعِلَ أَمْرُهَا إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى تَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ) يَعْنِي الْأَمِيرِ أَوْ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْوَقْتُ وَتَصِحُّ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَا تَصِحُّ بَعْدَهُ) حَتَّى لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا اسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ وَلَا يَبْنِي الظُّهْرَ عَلَى الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَبْنِي لَنَا أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ يَجْهَرُ فِي إحْدَاهُمَا بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يَجْهَرُ فِي الْأُخْرَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَالْفَجْرِ وَالظُّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْخُطْبَةُ قَبْلَ الصَّلَاةِ) ثُمَّ لِلْخُطْبَةِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالثَّانِي بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ، وَلَوْ خَطَبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ. (قَوْلُهُ: يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِقَعْدَةٍ) وَمِقْدَارُهُمَا مِقْدَارُ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَمِقْدَارُ مَا يَقْرَأُ فِيهَا مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثٌ قِصَارٌ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْخُطْبَةِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَاجِبَةٌ وَمِقْدَارُ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِقْدَارُ مَا يَجْلِسُ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ عِنْدَنَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ حَتَّى لَا يُكْتَفَى عِنْدَهُ بِالْخُطْبَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ طَالَتْ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ السُّنَّةُ فِي الْخُطْبَةِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعِظَ النَّاسَ وَيَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَيَكُونَ الْجَهْرُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى. (قَوْلُهُ: وَيَخْطُبُ قَائِمًا عَلَى طَهَارَةٍ) لِأَنَّ الْقِيَامَ فِيهَا مُتَوَارَثٌ، وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلسَّائِلِ أَلَسْت تَتْلُو قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوك قَائِمًا} (قَوْلُهُ: فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وَلَمْ يُفَصِّلْ وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ أَمَّا إذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ مُتَعَجِّبًا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْخُطْبَةِ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً) وَأَدْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ وَالتَّسْبِيحُ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً. (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا أَوْ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَازَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الذِّكْرُ وَالْوَعْظُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْخُطْبَةُ بِدُونِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا تَجُوزَ قَبْلَ الْوَقْتِ قُلْنَا لَيْسَتْ كَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ وَلَا يُفْسِدُهَا الْكَلَامُ وَكَذَا لَوْ خَطَبَ مُضْطَجِعًا أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ يَعْقِلُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالصَّلَاةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ وَلَوْ أَنَّ الْخَطِيبَ لَوْ فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ وَتَوَضَّأَ وَجَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ جَازَ، وَلَوْ تَغَدَّى فِي بَيْتِهِ وَجَاءَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ مَا لَمْ يُعِدْ الْخُطْبَةَ وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَقَدَّمَ رَجُلًا مِمَّنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ، وَلَوْ أَنَّ الْخَطِيبَ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَأَمَرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِهِمْ إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ شَهِدَ الْخُطْبَةَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ قَدْ انْعَقَدَتْ الصَّلَاةُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْخُطْبَةِ فِي حَالِ بَقَائِهَا وَهُنَا لَمْ تَنْعَقِدْ فَصَارَ كَالْإِمَامِ نَفْسِهِ يُصَلِّي بِغَيْرِ خُطْبَةٍ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْجَمَاعَةُ) وَهِيَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ الْمُبْتَدَأِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ الْمُؤَكَّدِ وَذَلِكَ بِالرَّكْعَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ شَرْطُ الدَّوَامِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ قَبْلَ التَّقْيِيدِ بِالسَّجْدَةِ فَعِنْدَهُمَا يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ، وَلَوْ نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَ السُّجُودِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ وَتَغَافَلَ الْقَوْمُ وَلَمْ يُكَبِّرُوا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الثَّنَاءِ وَأَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ مِقْدَارَ آيَةٍ قَصِيرَةٍ ثُمَّ كَبَّرُوا فَسَدَتْ الْجُمُعَةُ لِلْإِمَامِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا، أَمَّا لَوْ كَبَّرُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْقِرَاءَةِ تَجُوزُ الْجُمُعَةُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَبَّرُوا قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةً طَوِيلَةً صَحَّتْ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ شَرَعُوا قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ خَطَبَ وَنَفَرَ عَنْهُ النَّاسُ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا النِّسَاءُ أَوْ الصِّبْيَانُ لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَئِمَّةً فِيهَا بِحَالٍ وَإِنْ بَقِيَ مَعَهُ عَبِيدٌ أَوْ مُسَافِرُونَ أَوْ مَرْضَى صَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ، وَلَوْ فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ فَذَهَبُوا كُلُّهُمْ وَجَاءَ آخَرُونَ لَمْ يَشْهَدُوا الْخُطْبَةَ فَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَجْزَأَهُ. (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ) وَالشَّرْطُ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا صَالِحِينَ لِلْإِمَامَةِ أَمَّا إذَا كَانُوا لَا يَصْلُحُونَ لَهَا كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ) لِأَنَّ لِلْمُثَنَّى حُكْمَ الْجَمَاعَةِ حَتَّى إنَّ الْإِمَامَ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فَهَذَا يَقْتَضِي مُنَادِيًا وَهُوَ الْمُؤَذِّنُ وَذَاكِرًا وَهُوَ الْإِمَامُ، وَقَوْلُهُ فَاسْعَوْا خِطَابُ جَمْعٍ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَهَرَ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِيهِمَا قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مُسَافِرٍ) لِأَنَّهُ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِأَدَائِهَا؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِانْتِظَارِ الْإِمَامِ عَنْ سَفَرِهِ فَسَقَطَتْ عَنْهُ كَالصَّوْمِ. (قَوْلُهُ: وَلَا امْرَأَةٍ) لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْخُرُوجِ وَمَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَرِيضٍ) لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُمَرِّضُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ الْمَرِيضُ ضَائِعًا بِخُرُوجِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا عَبْدٍ) لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ مَوْلَاهُ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُخَيَّرُ وَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ فِي حَالِ سِعَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ، وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى أَعْمَى) وَلَوْ وَجَدَ قَائِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا وَجَدَ قَائِدًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ وَإِنَّمَا لَا يَهْتَدِي وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ السَّعْيُ فَأَشْبَهَ الزَّمِنَ، وَكَذَا الْأَجِيرُ لَا يَذْهَبُ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ إلَّا بِإِذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ لَكِنْ يَسْقُطُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ، وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُخْتَفِي مِنْ الْأَمِيرِ الظَّالِمِ وَتَسْقُطُ أَيْضًا بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَالْوَحْلِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَضَرُوا وَصَلَّوْا مَعَ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ) لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوهُ فَصَارُوا كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ أَنْ يَؤُمُّوا فِي الْجُمُعَةِ). وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِمْ فَأَشْبَهُوا الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ وَلَنَا أَنَّ الْخِطَابَ يَتَنَاوَلُهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ عُذِرُوا دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ فَرْضُ الْوَقْتِ بِأَدَائِهِمْ الْجُمُعَةَ كَانَ فِيهِ فَسَادُ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ عَنْهُمْ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يَقَعُ فِعْلُهُ فَيَكُونُ فِيهِ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَصْلُحُ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ وَإِذَا ثَبَتَ انْعِقَادُ الْجُمُعَةِ بِائْتِمَامِهِمْ اُعْتُدَّ بِهِمْ فِي عَدَدِ الْمُؤْتَمِّينَ كَالْحُرِّ الْمُقِيمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَئِمَّةً وَلَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْعَدَدِ. (قَوْلُهُ: مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا عُذْرَ بِهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ). وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ الظُّهْرُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ الْفَرِيضَةُ أَصْلًا وَالظُّهْرُ كَالْبَدَلِ وَلَا يُصَارُ إلَى الْبَدَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَلَنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ هُوَ الظُّهْرُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الدَّلِيلِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ} وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ هَذَا الْيَوْمِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِهِ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى التَّكْلِيفِ عَلَى التَّمَكُّنِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْجُمُعَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى شَرَائِطَ لَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ وَعَلَى التَّمَكُّنِ بِدُونِ التَّكْلِيفِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا فَاتَ الْوَقْتُ قَضَى الظُّهْرَ دُونَ الْجُمُعَةِ فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ هُوَ الظُّهْرُ وَقَدْ أَدَّاهُ فِي وَقْتِهِ أَجْزَأَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الظُّهْرُ وَقَدْ أُمِرَ بِإِسْقَاطِهِ بِالْجُمُعَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أَدْرِي مَا أَصْلُ فَرْضِ الْوَقْتِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ بِأَدَاءِ الظُّهْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ يَعْنِي أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِفِعْلِهِ وَفَائِدَتِهِ إذَا أَحْرَمَ لِلْجُمُعَةِ بِنِيَّةِ فَرْضِ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ هُوَ الظُّهْرُ وَلَا تَتَأَدَّى الْجُمُعَةُ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الْجُمُعَةُ عِنْدَهُ وَقَدْ نَوَاهَا. وَقَوْلُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ قُيِّدَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يُجْزِئُهُ الظُّهْرُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَوْلُهُ وَلَا عُذْرَ بِهِ فَلَوْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ شَهِدَ الْجُمُعَةَ كَانَتْ الْجُمُعَةُ فَرْضَهُ عِنْدَنَا وَانْقَلَبَ ظُهْرُهُ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا شَهِدَهَا فَهُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ. وَقَالَ زُفَرُ فَرْضُهُ الظُّهْرُ وَلَمْ يَنْفَسِخْ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ الظُّهْرُ مَوْقِعَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ وَفَائِدَتُهُ إذَا صَلَّى الْمَعْذُورُ أَوْ الْعَبْدُ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ دَخَلَ فِي الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ فَعِنْدَنَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ ظُهْرَهُ الْأَوَّلَ انْقَلَبَتْ نَفْلًا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْيَوْمَ فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ وَفِي سَائِرِهَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ صَلَّاهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ كَانَ فَرْضُهُ مَا أَدَّاهُ فِي بَيْتِهِ كَذَا هَذَا لَكِنَّا نَقُولُ الْجُمُعَةُ أَقْوَى مِنْ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا لَا يُشْتَرَطُ لِلظُّهْرِ وَلَا يَظْهَرُ الضَّعِيفُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ فَتَوَجَّهَ إلَيْهَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالسَّعْيِ) فَإِنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا أَعَادَ الظُّهْرَ، وَالْعَبْدُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ فِي الِانْتِقَاضِ بِالسَّعْيِ كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَهَذَا إذَا سَعَى إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَمَّا إذَا سَعَى إلَيْهَا وَقَدْ صَلَّاهَا الْإِمَامُ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ. وَفِي النِّهَايَةِ إذَا سَعَى قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجُو إدْرَاكَهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ لَمْ يَبْطُلْ ظُهْرُهُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَبْطُلْ عِنْدَ الْبَلْخِيِّينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُصَلِّهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ اخْتَلَفُوا فِي بُطْلَانِ ظُهْرِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ وَفَرَاغُ الْإِمَامِ مَعًا لَمْ يَبْطُلْ ظُهْرُهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ صَلَّى بِجَمَاعَةٍ وَتَوَجَّهَ إلَيْهَا بَطَلَتْ الظُّهْرُ فِي حَقِّهِ وَلَمْ تَبْطُلْ فِي حَقِّهِمْ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِتْمَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِارْتِفَاضِ الظُّهْرِ عِنْدَهُمَا وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُرْتَفَضُ ظُهْرُهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْجُمُعَةَ كُلَّهَا وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَا: لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقُولَا حَتَّى يُكْمِلَهَا مَعَ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الرُّسْتَاقِيِّ إذَا سَعَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى الْمِصْرِ يُرِيدُ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ وَإِقَامَةَ حَوَائِجِهِ وَمُعْظَمُ مَقْصُودِهِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ يَنَالُ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ مُعْظَمُ قَصْدِهِ إقَامَةَ حَوَائِجِهِ لَا يَنَالُ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَعْذُورُونَ الظُّهْرَ فِي جَمَاعَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتَدِي بِهِمْ غَيْرُهُمْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا أَهْلُ السِّجْنِ) قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ مَرِيضٌ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِآذَانٍ وَإِقَامَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ حَسَنٌ وَكَذَا جَمَاعَةُ الْمَرْضَى بِخِلَافِ أَهْلِ السِّجْنِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَرْضَى عَاجِزُونَ بِخِلَافِ الْمَسْجُونِينَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا ظَلَمَةً قَدَرُوا عَلَى إرْضَاءِ الْخُصُومِ وَإِنْ كَانُوا مَظْلُومِينَ أَمْكَنَهُمْ الِاسْتِغَاثَةُ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حُضُورُ الْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى مَعَهُ مَا أَدْرَكَ وَبَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ) فَإِذَا قَامَ هَذَا الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَائِهِ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَإِنْ شَاءَ خَافَتْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِتَوَهُّمِ الزِّيَادَةِ مِنْ الْجُهَّالِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ) يَعْنِي إذَا أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ أَوْ فِي الرُّكُوعِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا) بِأَنْ أَدْرَكَهُ وَقَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ بَنَى عَلَيْهَا الظُّهْرَ إلَّا أَنَّهُ يَنْوِي الْجُمُعَةَ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) يَعْنِي مِنْ الْمَقْصُورَةِ يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَقْصُورَةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا لَمْ يَتْرُكْ الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ إلَّا إذَا قَامَ إلَى الْخُطْبَةِ. (قَوْلُهُ: تَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ) وَكَذَا الْقِرَاءَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلْإِخْلَالِ بِفَرْضِ الِاسْتِمَاعِ وَلَا اسْتِمَاعَ فِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَمْتَدُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَلَامَ أَيْضًا قَدْ يَمْتَدُّ طَبْعًا فَأَشْبَهَ الصَّلَاةَ وَالْمُرَادُ مُطْلَقُ الْكَلَامِ سَوَاءٌ كَانَ كَلَامَ النَّاسِ أَوْ التَّسْبِيحَ أَوْ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ أَوْ رَدَّ السَّلَامِ. وَفِي الْعُيُونِ الْمُرَادُ بِهِ إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ أَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْكَلَامِ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {إذَا قُلْت لِصَاحِبِك وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْت} وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ مَتَى تَخْرُجُ الْقَافِلَةُ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ أَنْصِتْ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لِلَّذِي قَالَ أَنْصِتْ أَمَّا أَنْتَ فَلَا صَلَاةَ لَك وَأَمَّا صَاحِبُك فَحِمَارٌ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ أَمَّا الْمُتَعَلِّقُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا فَمَكْرُوهٌ إجْمَاعًا وَهَذَا كُلُّهُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا أَمَّا فِيهَا فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الْكَلَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمَاعَ وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّلَاةِ التَّطَوُّعُ أَمَّا قَضَاءُ الْفَائِتَةِ فَيَجُوزُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اسْتَمَعُوا وَصَلَّوْا عَلَيْهِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَنْطِقُوا بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُدْرَكُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَالِ، وَالسَّمَاعُ يَفُوتُ فَإِنْ رَأَى رَجُلًا عِنْدَ بِئْرٍ فَخَافَ وُقُوعَهُ فِيهَا أَوْ رَأَى عَقْرَبًا تَدِبُّ عَلَى إنْسَانٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُحَذِّرَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ لِحَقٍّ آدَمِيٍّ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَالْإِنْصَاتُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي بَعِيدًا لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَقَدْ قِيلَ الْأَفْضَلُ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ سِرًّا، وَقِيلَ يَنْظُرُ فِي الْفِقْهِ وَقِيلَ الْأَفْضَلُ الْإِنْصَاتُ وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ وَعِنْدَهُمَا خُرُوجُهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا نَزَلَ عَنْ الْخُطْبَةِ يَجُوزُ الْكَلَامُ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْكَلَامِ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ وَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ هَلْ يُسَلِّمُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ خُرُوجُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ وَيُرْوَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي صُعُودِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْآذَانَ الْأَوَّلَ تَرَكَ النَّاسُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَتَوَجَّهُوا إلَى الْجُمُعَةِ) قُدِّمَ ذِكْرُ الْبَيْعِ عَلَى ذِكْرِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَبُولِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَا يَشْغَلُهُمْ عَنْ السَّعْيِ حَتَّى إنَّهُ إذَا اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ سِوَاهُ يُكْرَهُ أَيْضًا وَلَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي حَالَةِ السَّعْيِ إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ، وَقَوْلُهُ وَتَوَجَّهُوا إلَى الْجُمُعَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ التَّوَجُّهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْك وَأَقْرَبَ مَنْ تَقَرَّبَ إلَيْك وَأَنْجَحَ مَنْ دَعَاك وَطَلَبَ مِنْك إلَيْك وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْجُمُعَةِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ فَرُبَّمَا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِرَوَائِحِ بَعْضٍ فَيُسْتَحَبُّ التَّنْظِيفُ وَالتَّطَيُّبُ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ أَقَامُوا) أَيْ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ فِعْلُ الصَّلَاةِ وَيَتَطَوَّعُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَهَا بِسِتٍّ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَقِيلَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا وَيَقُولُ فِي الْأَرْبَعِ الَّتِي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أُصَلِّي سُنَّةَ الْجُمُعَةِ وَلَا يَقُولُ أُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ، وَكَذَا الْأَرْبَعُ الَّتِي بَعْدَهَا أَيْضًا كَمَا يَقُولُ فِي الْفَرْضِ أُصَلِّي فَرْضَ الْجُمُعَةِ وَلَا يَقُولُ فَرْضَ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ السُّنَنَ تَابِعَةٌ لِلْفَرَائِضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مُنَاسَبَتُهُ لِلْجُمُعَةِ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ أَنَّهُمَا يُؤَدَّيَانِ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَيُجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ وَيُشْتَرَطُ لِإِحْدَاهُمَا مَا يُشْتَرَطُ لِلْأُخْرَى سِوَى الْخُطْبَةِ وَتَجِبُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَقُدِّمَتْ الْجُمُعَةُ لِلْفَرْضِيَّةِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدِ إلَّا الْمَمْلُوكَ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَهَا بَدَلٌ وَهُوَ الظُّهْرُ وَالظُّهْرُ يَقُومُ مَقَامَهَا فِي حَقِّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِيدُ فَإِنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْعِيدُ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْإِذْنِ فَحَالُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ كَحَالِهِ قَبْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَجَّ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَا تَسْقُطُ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَسُمِّيَ الْعِيدُ عِيدًا؛ لِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَوَائِدَ الْإِحْسَانِ إلَى الْعِبَادِ وَقِيلَ؛ لِأَنَّ السُّرُورَ يَعُودُ بِعَوْدِهِ وَقِيلَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُودُونَ فِيهِ إلَى الْأَكْلِ مِرَارًا وَتَرْكُ صَلَاةِ الْعِيدِ ضَلَالَةٌ وَبِدْعَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا فَقِيلَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَقِيلَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ فَقَدْ أُمِرُوا، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وقَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ} قِيلَ يَعْنِي صَلَاةَ عِيدِ الْأَضْحَى كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (وَيُسْتَحَبُّ يَوْمَ الْفِطْرِ أَنْ يَطْعَمَ الْإِنْسَانُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى وَيَغْتَسِلَ وَيَتَطَيَّبَ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْمُسْتَحَبَّاتُ اثْنَا عَشَرَ ثَلَاثٌ مِنْهَا فِي الْمَتْنِ وَتِسْعٌ أُخْرَى وَهِيَ السِّوَاكُ وَإِخْرَاجُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ الْمُبَاحَةِ وَيَتَخَتَّمُ وَالتَّبْكِيرُ وَهُوَ سُرْعَةُ الِانْتِبَاهِ وَالْإِبْكَارُ وَهُوَ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْمُصَلَّى وَصَلَاةُ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ وَالْخُرُوجُ إلَى الْمُصَلَّى مَاشِيًا وَالرُّجُوعُ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ مَكَانَ الْقُرْبَةِ يَشْهَدُ لِصَاحِبِهَا وَفِي هَذَا تَكْثِيرُ الشُّهُودِ وَتَكْثِيرُ الثَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَيَتَوَجَّهَ إلَى الْمُصَلَّى) الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ مَاشِيًا؛ لِأَنَّ {النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا رَكِبَ فِي عِيدٍ وَلَا جِنَازَةٍ} وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى قُرْبَةٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُكَبِّرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي جَهْرًا أَمَّا سِرًّا فَمُسْتَحَبٌّ وَهَذَا فِي عِيدِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّنَاءِ الْإِخْفَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّك فِي نَفْسِك تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ} وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ}. (قَوْلُهُ: وَيُكَبِّرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّيْ عِنْدَهُمَا) يَعْنِي جَهْرًا وَيَقْطَعُ التَّكْبِيرَ إذَا انْتَهَى إلَى الْمُصَلَّى فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُنْتَفَلُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ لَا أَنَّهُ يُكْرَهُ وَأَشَارَ الشَّيْخُ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ قُيِّدَ بِالْمُصَلَّى وَيُرْوَى أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ قَبْلَهَا فِي الْجَبَّانَةِ فَقَالَ إنَّا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ فَلَمْ يَتَنَفَّلْ قَبْلَهَا فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُنِي عَلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُثِيبُك عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْكَرْخِيِّ رُوِيَ أَنَّ {عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَرَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ فَقَالَ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ أَفَلَا تَنْهَاهُمْ فَقَالَ إنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إذَا صَلَّى وَلَكِنَّا نُخْبِرُهُمْ بِمَا رَأَيْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا}؛ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَمْ يُجْعَلْ لَهَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ فَإِنْ بَدَأَ بِالنَّافِلَةِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْعِيدِ فَإِمَّا أَنْ يَقْطَعَ النَّافِلَةَ أَوْ يَتْرُكَ بَعْضَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا حَلَّتْ الصَّلَاةُ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ دَخَلَ وَقْتُهَا إلَى الزَّوَالِ) أَيْ حَلَّ وَقْتُهَا مِنْ الْحُلُولِ. وَفِي النِّهَايَةِ مِنْ الْحَلِّ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ كَانَتْ حَرَامًا وَقَوْلُهُ إلَى الزَّوَالِ أَيْ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ {وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالشَّمْسَ عَلَى قَيْدِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ} وَخُرُوجُ الْوَقْتِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يُفْسِدُهَا كَالْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ) إنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدِ وَاجِبٌ حَتَّى لَوْ قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ. (قَوْلُهُ: وَثَلَاثًا بَعْدَهَا) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ الزَّوَائِدِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ وَيَأْتِي بِالِاسْتِفْتَاحِ عَقِيبَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ وَكَذَا الْقُعُودُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا يَعْنِي سَبْعًا مَا خَلَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا مَا خَلَا تَكْبِيرَةَ الْقِيَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُنَا مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً مَعَهَا) يَعْنِي أَيَّ سُورَةٍ شَاءَ وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَرَأَ فِيهِمَا سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةَ وَرُوِيَ ق وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ. (قَوْلُهُ: وَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَرْكَعُ بِهَا) اعْلَمْ أَنَّ تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ حَتَّى يَجِبَ السَّهْوُ بِتَرْكِهِمَا سَاهِيًا وَلَوْ انْتَهَى رَجُلٌ إلَى الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ فِي الْعِيدِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ قَائِمًا فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّكْبِيرَاتِ وَيُدْرِكَ الرُّكُوعَ فَعَلَ وَيُكَبِّرُ عَلَى رَأْيِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَكَعَ وَاشْتَغَلَ بِتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا يَشْتَغِلُ بِالتَّكْبِيرَاتِ فَإِذَا قُلْنَا يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ هَلْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ لَا يَرْفَعُ وَقِيلَ يَرْفَعُ وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ بَعْدَمَا أَدَّى بَعْضَ التَّكْبِيرَاتِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُتَابِعُ الْإِمَامَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ؛ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) يُرِيدُ مَا سِوَى تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرْفَعُ. (قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَهَرَ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ) بِذَلِكَ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ وَالْخُطْبَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَتَقَدَّمَتْ عَلَى الصَّلَاةِ كَالْجُمُعَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهَا كَانَ مُسِيئًا وَإِنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْإِسَاءَةِ وَلَا تُعَادُ بَعْدَ الصَّلَاةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَأَحْكَامَهَا) وَهِيَ خَمْسَةٌ عَلَى مَنْ تَجِبُ وَلِمَنْ تَجِبُ وَمَتَى تَجِبُ وَكَمْ تَجِبُ وَمِمَّ تَجِبُ أَمَّا عَلَى مَنْ تَجِبُ فَعَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْمَالِكِ لِلنِّصَابِ، وَأَمَّا لِمَنْ تَجِبُ فَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَمَّا مَتَى تَجِبُ فَبِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَأَمَّا كَمْ تَجِبُ فَنِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَأَمَّا مِمَّ تَجِبُ فَمِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَمَا سِوَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يَقْضِهَا) كَلِمَةُ مَعَ مُتَعَلِّقَةٌ بِصَلَاةٍ لَا بِفَاتَتْهُ أَيْ فَاتَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ فَاتَتْ عَنْهُ وَعَنْ الْإِمَامِ، بَلْ الْمَعْنَى صَلَّى الْإِمَامُ الْعِيدَ وَفَاتَتْ هِيَ عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي. (قَوْلُهُ: فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ عَلَى النَّاسِ إلَى آخِرِهِ) التَّقْيِيدُ بِالْهِلَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ لَوْ حَصَلَ عُذْرٌ مَانِعٌ كَالْمَطَرِ وَشَبَهِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا مِنْ الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ لِلْعُذْرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَدَثَ عُذْرٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يُصَلِّهَا بَعْدَهُ) وَإِنْ تَرَكَهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ لَمْ يُصَلِّهَا فِي الْغَدِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَتَطَيَّبَ وَيُؤَخِّرَ الْأَكْلَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ) لِيُخَالِفَ الْأَيَّامَ الَّتِي قَبْلَهُ فَإِنْ أَكَلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ هَلْ يُكْرَهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْكُلَ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ حَتَّى يَرْجِعَ. (قَوْلُهُ: وَيَتَوَجَّهَ إلَى الْمُصَلَّى وَهُوَ يُكَبِّرُ) يَعْنِي جَهْرًا وَيَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْمُصَلَّى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ بَعْدَمَا صَلَّى فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. (قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي الْأَضْحَى رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْفِطْرِ) لِأَنَّهَا مِثْلُهَا. (قَوْلُهُ: وَيَخْطُبَ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهِمَا الْأُضْحِيَّةَ وَتَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ) لِأَنَّ الْخُطْبَةَ مَا شُرِعَتْ إلَّا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذِهِ الْإِضَافَةُ فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ لَا تَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ التَّكْبِيرِ يَقَعُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْهُ فِيهَا فَلَا تَسْتَقِيمُ الْإِضَافَةُ وَكَيْفَ يَنْفَعُ التَّعْلِيمُ فِي شَيْءٍ قَدْ فَرَغَ لَكِنْ قَدْ قِيلَ التَّشْرِيقُ اسْمٌ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَفَجْرُ عَرَفَةَ قَرِيبٌ مِنْهُ وَمَا قَارَبَ الشَّيْءَ سُمِّيَ بِاسْمِهِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ تَشْرِيقًا؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى بَعْدَ تَشْرِيقِ الشَّمْسِ وَارْتِفَاعِهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ {لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ} وَإِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بَعْدَمَا تَشَهَّدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَوْ بَعْدَمَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيَقْضِي صَلَاةَ الْعِيدِ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا كَالْجُمُعَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا بِلَا خِلَافٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُدْرِكًا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا بَدَلَ لَهَا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالسَّهْوُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْمَكْتُوبَةِ وَاحِدٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ فِيهَا لِلسَّهْوِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا يَسْجُدُ الْإِمَامُ لِلسَّهْوِ وَفِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ كَيْ لَا يَقَعَ الِاشْتِبَاهُ عَلَى مَنْ بَعُدَ مِنْ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَدَثَ عُذْرٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى صَلَّاهَا مِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَ ذَلِكَ) لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهَا لَكِنَّهُ يُسِيءُ فِي التَّأْخِيرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْقُولَ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا تَرَكُوهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ صَلَّوْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَأَسَاءُوا فَإِنْ لَمْ يُصَلُّوهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي صَلَّوْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَإِنْ لَمْ يُصَلُّوهَا فِيهِ سَقَطَتْ سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ فِي التَّأْخِيرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ. (قَوْلُهُ: وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ أَوَّلُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ) لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي الْبِدَايَةِ أَنَّهَا عَقِيبَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي النِّهَايَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَعِنْدَهُمَا عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعِنْدَهُ يُكَبِّرُ عَقِيبَ ثَمَانِي صَلَوَاتٍ وَعِنْدَهُمَا عَقِيبَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ سُنَّةٌ. وَفِي الْإِيضَاحِ وَاجِبٌ وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} قِيلَ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَأَمَّا الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ فَهِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ. (قَوْلُهُ: وَآخِرُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْمُصَفَّى فَإِنْ قِيلَ التَّكْبِيرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَتِمُّ قَبْلَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ عِنْدَهُ قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُرْبِهِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالشَّيْءُ إذَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ سُمِّيَ بِاسْمِهِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ وَيَمْضِي الْكُلُّ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَالْعَاشِرُ نَحْرٌ لَا غَيْرُ وَالثَّالِثَ عَشَرَ تَشْرِيقٌ لَا غَيْرُ وَالْيَوْمَانِ بَيْنَهُمَا نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ (قَوْلُهُ: وَالتَّكْبِيرُ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ) هَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا التَّكْبِيرَ تَبَعٌ لِلْمَكْتُوبَةِ فَيَأْتِي بِهِ كُلُّ مَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَكْبِيرَ إلَّا عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْمُكَلَّفِينَ الْمُقِيمِينَ فِي الْأَمْصَارِ إذَا صَلَّوْا مَكْتُوبَةً بِجَمَاعَةٍ مِنْ صَلَاةِ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَعَلَى مَنْ يُصَلِّي مَعَهُمْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَقَوْلُهُ الْمَفْرُوضَاتِ يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ الْوِتْرِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَيُكَبِّرُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ التَّكْبِيرُ إنَّمَا يُؤَدَّى بِشَرَائِطَ خَمْسَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ دُونَ الرَّسَاتِيقِ وَعَلَى الْمُقِيمِينَ دُونَ الْمُسَافِرِينَ إلَّا إذَا اقْتَدَوْا بِالْمُقِيمِ فِي الْمِصْرِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْمُتَابَعَةِ وَعَلَى مَنْ صَلَّى بِجَمَاعَةٍ لَا مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ وَعَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَإِنْ صَلَّيْنَ بِجَمَاعَةٍ إلَّا إذَا اقْتَدَيْنَ بِرَجُلٍ وَنَوَى إمَامَتَهُنَّ وَفِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ دُونَ النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ وَالْوِتْرِ وَالْعِيدِ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعِيدِ إذَا صَلَّوْا خَلْفَ عَبْدٍ، وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَإِذَا أَمَّ الْعَبْدُ قَوْمًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لَا تَكْبِيرَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَشْرِطْهَا يُكَبِّرُونَ وَالْمُسَافِرُونَ إذَا صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ فِي مِصْرٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ لَا تَكْبِيرَ عَلَيْهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ يُكَبِّرُونَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ التَّكْبِيرُ يَتْبَعُ الْفَرِيضَةَ فَكُلُّ مَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فَعَلَيْهِ التَّكْبِيرُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا حَتَّى يُكَبِّرَ الْمُسَافِرُ وَأَهْلُ الْقُرَى وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ، وَلَوْ تَرَكَ صَلَاةً قَبْلَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَتَذَكَّرَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ تَرَكَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَتَذَكَّرَهَا بَعْدَهَا أَوْ تَرَكَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي الْعَامِ الْمَاضِي وَتَذَكَّرَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي هَذَا الْعَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ وَلَوْ تَرَكَهَا فِي أَوَّلِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَتَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي سَنَتِهِ تِلْكَ فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا مَعَ التَّكْبِيرِ. (قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يَقُولُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً.
|