الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ وَتَرْتِيبَهَا وَأَمَرَ بِغَسْلِهَا مُعَقَّبَةً، فَهَلْ يَلْزَمُ كُلَّ مُكَلَّفٍ أَنْ تَكُونَ مَفْعُولَةً مَجْمُوعَةً فِي الْفِعْلِ كَجَمْعِهَا فِي الذِّكْرِ، أَوْ يُجْزِئُ التَّفْرِيقُ فِيهَا؟ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنَّ التَّوَالِيَ سَاقِطٌ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ فَرَّقَهُ مُتَعَمِّدًا لَمْ يُجْزِهِ، وَيُجْزِيهِ نَاسِيًا.وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَا يُجْزِيهِ نَاسِيًا وَلَا مُتَعَمِّدًا.وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ: يُجْزِيهِ فِي الْمَغْسُولِ وَلَا يُجْزِيهِ فِي الْمَمْسُوحِ.وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُجْزِيهِ نَاسِيًا وَمُتَعَمِّدًا.فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ الْأَصْلُ فِيهَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ أَمْرًا مُطْلَقًا فَوَالِ أَوْ فَرِّقْ، وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْفَوْرِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَوْرِ الْأَمْرُ بِأَصْلِ الْوُضُوءِ خَاصَّةً.وَالْأَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا عِبَادَةٌ ذَاتُ أَرْكَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَوَجَبَ فِيهَا التَّوَالِي كَالصَّلَاةِ، وَبِهَذَا نَقُولُ: إنَّهُ يَلْزَمُ الْمُوَالَاةُ مَعَ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ كَالصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ.وَأَمَّا مُتَعَلِّقُ الْفَرْقِ بَيْنَ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ فَإِنَّ التَّوَالِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الطَّهَارَةِ، فَافْتَرَقَ فِيهَا الذِّكْرُ وَالنِّسْيَانُ، كَالتَّرْتِيبِ.وَاعْتِبَارُ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْعِبَادَةِ بِصِفَةٍ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ عِبَادَةٍ بِعِبَادَةٍ.الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي تَحْقِيقِ مَعْنًى لَمْ يَتَفَطَّنْ لَهُ أَحَدٌ حَاشَا مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، لِعَظِيمِ إمَامَتِهِ، وَسَعَةِ دِرَايَتِهِ، وَثَاقِبِ فِطْنَتِهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ} الْآيَةَ.«وَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَرَّتَيْنِ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ وَثَلَاثًا فِي بَعْضِهَا فِي وُضُوءٍ وَاحِدٍ»، فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ بَلْ كُلُّهُمْ أَنَّ الْوَاحِدَةَ فَرْضٌ، وَالثَّانِيَةَ فَضْلٌ، وَالثَّالِثَةَ مِثْلُهَا، وَالرَّابِعَةَ تَعَدٍّ، وَأَعْلَنُوا بِذَلِكَ فِي الْمَجَالِسِ، وَدَوَّنُوهُ فِي الْقَرَاطِيسِ؛ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا وَإِنْ كَثُرُوا، فَالْحَقُّ لَا يُكَالُ بِالْقُفْزَانِ، وَلَيْسَ سَوَاءً فِي دَرْكِهِ الرِّجَالُ وَالْوِلْدَانِ.اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ أَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا أَنَّهُ أَوْعَبَ بِوَاحِدَةٍ، وَجَاءَ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةُ زَائِدَةً فَإِنَّ هَذَا غَيْبٌ لَا يُدْرِكُهُ بَشَرٌ؛ وَإِنَّمَا رَأَى الرَّاوِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَرَفَ لِكُلِّ عُضْوٍ مَرَّةً، فَقَالَ: تَوَضَّأَ مَرَّةً، وَهَذَا صَحِيحٌ صُورَةً وَمَعْنًى؛ ضَرُورَةً أَنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوعِبْ الْعُضْوَ بِمَرَّةٍ لَأَعَادَ؛ وَأَمَّا إذَا زَادَ عَلَى غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْعُضْوِ أَوْ غَرْفَتَيْنِ فَإِنَّنَا لَا نَتَحَقَّقُ أَنَّهُ أَوْعَبَ الْفَرْضَ فِي الْغَرْفَةِ الْوَاحِدَةِ وَجَاءَ مَا بَعْدَهَا فَضْلًا، أَوْ لَمْ يُوعِبْ فِي الْوَاحِدَةِ وَلَا فِي الِاثْنَتَيْنِ حَتَّى زَادَ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الْمَاءِ وَحَالِ الْأَعْضَاءِ فِي النَّظَافَةِ وَتَأْتِي حُصُولُ التَّلَطُّفِ فِي إدَارَةِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَلَيْهَا، فَيُشْبِهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِهِ بِأَنْ يُكَرِّرَ لَهُمْ الْفِعْلَ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُوعِبَ بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ، فَجَرَى مَعَ اللُّطْفِ بِهِمْ وَالْأَخْذِ لَهُمْ بِأَدْنَى أَحْوَالِهِمْ إلَى التَّخَلُّصِ؛ وَلِأَجْلِ هَذَا لَمْ يُوَقِّتْ مَالِكٌ فِي الْوُضُوءِ مَرَّةً وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثًا إلَّا مَا أَسْبَغَ.قَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ فِي التَّوْقِيتِ، يُرِيدُ اخْتِلَافًا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ مَعْنَى الْإِسْبَاغِ لَا صُورَةُ الْأَعْدَادِ، وَقَدْ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ، وَيَدَهُ بِغَرْفَتَيْنِ، لِأَنَّ الْوَجْهَ ذُو غُضُونٍ وَدَحْرَجَةٍ وَاحْدِيدَابٍ، فَلَا يَسْتَرْسِلُ الْمَاءُ عَلَيْهِ فِي الْأَغْلَبِ مِنْ مَرَّةٍ بِخِلَافِ الذِّرَاعِ فَإِنَّهُ مُسَطَّحٌ فَيَسْهُلُ تَعْمِيمُهُ بِالْمَاءِ وَإِسَالَتُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهِ.فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ «تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ».«وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ آتَاهُ اللَّهُ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ».«ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، وَوُضُوءُ أَبِي إبْرَاهِيمَ».وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أَعْدَادٌ مُتَفَاوِتَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْإِسْبَاغِ، يَتَعَلَّقُ الْأَجْرُ بِهَا مُضَاعَفًا عَلَى حَسَبِ مَرَاتِبِهَا.قُلْنَا: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَمْ تَصِحَّ، وَقَدْ أَلْقَيْت إلَيْكُمْ وَصِيَّتِي فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَجْلِسٍ أَلَّا تَشْتَغِلُوا مِنْ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَا يَصِحُّ سَنَدُهُ، فَكَيْفَ يَنْبَنِي مِثْلُ هَذَا الْأَصْلِ عَلَى أَخْبَارٍ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ؛ عَلَى أَنَّ لَهُ تَأْوِيلًا صَحِيحًا، وَهُوَ أَنَّهُ «تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» فَإِنَّهُ أَقَلُّ مَا يَلْزَمُ، وَهُوَ الْإِيعَابُ عَلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِحَالِهَا.ثُمَّ تَوَضَّأَ بِغَرْفَتَيْنِ وَقَالَ: لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ تَكَلُّفِ غَرْفَةٍ ثَوَابٌ.وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا وَقَالَ: هَذَا وُضُوئِي؛ مَعْنَاهُ الَّذِي فَعَلْته رِفْقًا بِأُمَّتِي وَسُنَّةً لَهُمْ؛ وَلِذَلِكَ يُكْرَهُ أَنْ يُزَادَ عَلَى ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ الْغَرْفَةَ الْأُولَى تَسُنُّ الْعُضْوَ لِلْمَاءِ وَتُذْهِبُ عَنْهُ شُعْثَ التَّصَرُّفِ.وَالثَّانِيَةُ تَرْحَضُ وَضَرَ الْعُضْوِ، وَتُدْحِضُ وَهَجَهُ.وَالثَّالِثَةُ تُنَظِّفُهُ، فَإِنْ قَصَّرْت دُرْبَةُ أَحَدٍ عَنْ هَذَا كَانَ بَدَوِيًّا جَافِيًا فَيُعَلَّمُ الرِّفْقَ حَتَّى يَتَعَلَّمَ، وَيُشْرَعُ لَهُ سَبِيلُ الطَّهَارَةِ حَتَّى يَنْهَضَ إلَيْهَا، وَيَتَقَدَّمَ؛ وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ: «فَمَنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ».الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ غَسْلَ الْوَجْهِ مُطْلَقًا، وَتَمَضْمَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيَّنَ وَجْهَ النَّظَافَةِ فَتَعَيَّنَ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ، ثُمَّ لَازَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّوَاكَ فِعْلًا، وَنَدَبَ إلَيْهِ أَمْرًا، حَتَّى قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ».وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ»، وَمَا غَفَلَ عَنْهُ قَطُّ؛ بَلْ كَانَ يَتَعَاهَدُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَمِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ، لَا مِنْ فَضَائِلِهِ؛ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.الْمَسْأَلَةُ الْمُوفِيَةُ خَمْسِينَ: قَوْله تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}: فِي التَّيَمُّمِ، فَأَدْخَلَ الْبَاءَ فِيهِ، كَمَا أَدْخَلَهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {بِرُءُوسِكُمْ}؛ وَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، لِيُبَيِّنَ وُجُوبَ الْمَمْسُوحِ بِهِ؛ وَأَكَّدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {مِنْهُ} وَقَدْ كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ تَأْكِيدٌ لِلْبَيَانِ.وَزَعَمَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ قوله: {مِنْهُ} إنَّمَا جَاءَ لِيُبَيِّنَ وُجُوبَ نَقْلِ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ؛ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ عَلَى التُّرَابِ لَا عَلَى الْحِجَارَةِ.وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّمَا أَفَادَتْ {مِنْهُ} وُجُوبَ ضَرْبِ الْأَرْضِ بِالْيَدَيْنِ، فَلَوْلَا ذَلِكَ وَتَرَكْنَا ظَاهِرَ الْقُرْآنِ لَجَازَتْ الْإِشَارَةُ إلَى الصَّعِيدِ وَضَرْبِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بَعْدَ الْإِشَارَةِ بِالْيَدَيْنِ إلَى الْأَرْضِ، وَلَكِنَّهُ أَكَّدَ بِقوله: {مِنْهُ} لِيَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ تَعَبُّدًا، ثُمَّ ضَرَبَ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ بِهِمَا، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَقَرَّرْنَا أَنَّ الصَّعِيدَ وَجْهُ الْأَرْضِ كَيْفَمَا كَانَ.الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ: فَإِنْ قِيلَ: فَبَيِّنُوا لَنَا بَقِيَّةَ الْآيَةِ.قُلْنَا: أَمَّا قَوْلُهُ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} وَحُكْمُ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَالْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ وَلَمْسِ النِّسَاءِ وَعَدَمِ الْمَاءِ وَالتَّيَمُّمِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهِ، وَالْقَوْلُ فِيهَا وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ فَلْيَنْظُرْ فِيهِمَا فَيَنْتَظِمُ الْمَعْنَى بِهِمَا.الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْخَمْسُونَ: فِي تَقْدِيرِ الْآيَةِ وَنِظَامِهَا: التَّقْدِيرُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ نَوْمٍ، أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ، أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ، فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ، وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا، وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا.الثَّانِي: تَقْدِيرُهَا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ، وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهَا تِلَاوَةً وَتَقْدِيرًا إلَى آخِرِهَا.الثَّالِثُ: تَقْدِيرُهَا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا، وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ.وَتَكُونُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ. اهـ.
|