الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{أن لا تعبدوا}: يصح أن تكون أن تفسيرية، لأن مجيء الرسل إليهم يتضمن معنى القول، أي جاءتهم مخاطبة؛ وأن تكون مخففة من الثقيلة، أي بأنه لا تعبدوا، والناصبة للمضارع، ووصلت بالنهي كما توصل بإلا، وفي نحو: {أن طهر} وكتبت إليه بأن قم، ولا في هذه إلا وجه للنهي.ويجوز على بعد أن تكون لا نافية، وأن ناصبة للفعل، وقاله الحوفي ولم يذكر غيره.ومفعول شاء محذوف، وقدره الزمخشري: لو شاء ربنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة. انتهى.وتتبعت ما جاء في القرآن وكلام العرب من هذا التركيب فوجدته لا يكون محذوفًا إلا من جنس الجواب، نحو قوله تعالى: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} أي لو شاء جمعهم على الهدى لجمعهم عليه، وكذلك: {لو نشاء لجعناه حطامًا} {لو نشاء جعلناه أجاجًا} {ولو شاء ربك لآمن} {ولو شاء ربك ما فعلوه} {لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء} قال الشاعر: وقال الراجز: فعلى هذا الذي تقرر، لا يكون تقدير المحذوف ما قاله الزمخشري، وإنما التقدير: لو شاء ربنا إنزال ملائكة بالرسالة منه إلى الإنس لأنزلهم بها إليهم، وهذا أبلغ في الامتناع من إرسال البشر، إذ علقوا ذلك بأقوال الملائكة، وهو لم يشأ ذلك، فكيف يشاء ذلك في البشر؟ {فإنا بما أرسلتم به كافرون}: خطاب لهود وصالح ومن دعا من الأنبياء إلى الإيمان، وغلب الخطاب على الغيبة، نحو قولك: أنت وزيد تقومان.وما مصدرية، أي بإرسالكم، وبه توكيد لذلك.ويجوز أن يكون ما بمعنى الذي، والضمير في به عائد عليه، وإذا كفروا بما تضمنه الإرسال، كان كفرًا بالإرسال.وليس قوله: {بما أرسلتم} إقرارًا بالإرسال، بل هو على سبيل التهكم، أي بما أرسلتم على زعمكم، كما قال فرعون: {إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} ولما بين تعالى كفر عاد وثمود على الإجمال، فصل بعد ذلك، فذكر خاصية كل واحدة من الطائفتين.فقال: {فأما عاد فاستكبروا}: أي تعاظموا عن امتثال أمر الله وعن ما جاءتهم به الرسل، {بغير الحق}: أي بغير ما يستحقون.ولما ذكر لهم هذا الذنب العظيم، وهو الاستكبار، وكان فعلًا قلبيًا، ذكر ما ظهر عليهم من الفعل اللساني المعبر عن ما في القلب، {وقالوا من أشد منا قوة}: أي لا أحد أشد منا، وذلك لما أعطاهم الله من عظم الخلق وشدة البطش.فرد الله تعالى عليهم بأن الذي أعطاهم ذلك هو أشد منهم قوة، ومع علمهم بآيات الله، كانوا يجحدونها ولا يعترفون بها، كما يجحد المودع الوديعة من طالبها مع معرفته بها.ولفظه كان في كثير من الاستعمال تشعر بالمداومة، وعبر بالقوة عن القدرة، فكما يقال: الله أقدر منهم، يقال: الله أقوى منهم.فالقدرتان بينهما قدر مشترك، وإن تباينت القدرتان بما لكل منهما من الخاصة.كما يوصف الله تعالى بالعلم، ويوصف الإنسان بالعلم.ثم ذكر تعالى ما أصاب به عادًا فقال: {فأرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا} في الحديث: «أنه تعالى أمر خزنة الريح ففتحوا عليهم قدر حلقة الخاتم، ولو فتحوا قدر منخر الثور لهلكت الدنيا» وروي أنها كانت تحمل العير بأوقادها، فترميهم في البحر.والصرصر، قال مجاهد: شديدة السموم.وقال ابن عباس، والضحاك، وقتادة، والسدي: من الصر، أي باردة.وقال السدي أيضًا، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، والطبري، وجماعة: من صرصر إذا صوت.وقال ابن الكسيت: صرصر، يجوز أن يكون من الصرة، وهي الصيحة، ومنه: {فأقبلت امرأته في صرة} وصرصر: نهر بالعراق.وقرأ الحرميان، وأبو عمرو، والنخعي، وعيسى، والأعرج {نحسات} بسكون الحاء، فاحتمل أن يكون مصدرًا وصف به وتارة يضاف إليه، واحتمل أن يكون مخففًا من فعل.وقال الطبري: نحس ونحس: مقت.وقال الزمخشري: مخفف نحس، أو صفة على فعل، أو وصف بمصدر. انتهى.وتتبعت ما ذكره التصريفيون مما جاء صفة من فعل اللازم فلم يذكروا فيه فعلًا بسكون العين، قالوا: يأتي على فعل كفرح وهو فرح، وعلى أفعل حور فهو أحور، وعلى فعلان شبع فهو شبعان، وقد يجيء على فاعل سلم فهو سالم، وبلى فهو بال.وقرأ قتادة، وأبو رجاء، والجحدري، وشيبة، وأبو جعفر، والأعمش، وباقي السبعة: بكسر الحاء وهو القياس، وفعله نحس على فعل بكسر العين، و{نحسات} صفة لـ: {أيام} جمع بألف وتاء، لأنه جمع صفة لما لا يعقل.قال مجاهد، وقتادة، والسدّي: مشائيم من النحس المعروف.وقال الضحاك: شديدة البرد، وحتى كان البرد عذابًا لهم.وأنشد الأصمعي في النحس بمعنى البرد: وقيل: سميت بذلك لأنها ذات غبار، ومنه قول الراجز: يريد: قليل الغبار.وقال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: متتابعات كانت آخر شوال من أربعاء إلى أربعاء.وقال السدّي: أولها غداة يوم الأحد.وقال الربيع بن أنس: يوم الجمعة.وقال يحيى بن سلام: يوم الأحد.{لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا}: وهو الهلاك.وقرئ: {لتذيقهم} بالتاء.وقال الزمخشري: على الإذاقة للريح، أو للأيام النحسات.وأضاف العذاب إلى الخزي إضافة الموصوف إلى صفته لم يأت بلفظة أخرى التي تقتضي المشاركة والتفصيل خبرًا عن قوله: {ولعذاب الآخرة}، وهو إسناد مجازي، أو وصف العذاب بالخزي أبلغ من وصفهم به.ألا ترى تفاوت ما بين قولك: هو شاعر، وقوله: له شعر شاعر؟ وقابل استكبارهم بعذاب الخزي، وهو الذل والهوان.وبدأ بقصة عاد، لأنها أقدم زمانًا، ثم ذكر ثمود فقال: {وأما ثمود}.وقرأ الجمهور: بالرفع ممنوع من الصرف؛ وابن وثاب، والأعمش، وبكر بن حبيب: مصروفًا، وهي قراءة ابن وثاب، والأعمش في ثمود بالتنوين في جميع القرآن إلا قوله: {وآتينا ثمود الناقة} لأنه في المصحف بغير ألف.وقرئ: {ثمود} بالنصب ممنوعًا من الصرف، والحسن، وابن أبي إسحاق، والأعمش: {ثمودًا} منونة منصوبة.وروى المفضل عن عاصم الوجهين. انتهى.{فهديناهم}، قال ابن عباس، وقتادة، والسدي، وابن زيد: بينا لهم.قال ابن عطية: وليس الهدى هنا بمعنى الإرشاد.وقال الفراء، وتبعه الزمخشري: فهديناهم: فذللناهم على طريق الضلالة والرشد، كقوله تعالى: {وهديناه النجدين} {فاستحبوا العمى على الهدى}: فاختاروا الدخول في الضلالة على الدخول في الرشد.فإن قلت: أليس معنى هديته: حصلت فيه الهدى، الدليل عليه قولك: هديته فاهتدى بمعنى تحصيل البغية وحصولها؟ كما تقول: ردعته فارتدع، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجردة؟ قلت: للدلالة على أنه مكنهم وأزاح عللهم ولم يبق لهم عذر ولا علة، فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها.انتهى، وهو على طريقة الاعتزال.وقال سفيان: دعوناهم.وقال ابن زيد: أعلمناهم الهدى من الضلال.وقال ابن عطية: فاستحبوا عبارة عن تكسبهم في العمى، وإلا فهو بالاختراع الله، ويدلك على أنها إشارة إلى تكسبهم قوله: {بما كانوا يكسبون}. انتهى.والهون: الهوان، وصف العذاب بالمصدر أو أبدل منه.وقرأ ابن مقسم: {عذاب الهوان} بفتح الهاء وألف بعد الواو.وقال الزمخشري: ولو لم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة بشهادة نبيها صلى الله عليه وسلم وكفى به شاهدًا إلا هذه، لكفى بها حجة.انتهى، على عادته في سب أهل السنة.ثم ذكر قريشًا بنجاة من آمن واتقى.قيل: وكان من نجا من المؤمنين ممن استجاب هود وصالح مائة وعشرة أنفس. اهـ.
|