الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وفيه مما يحتاج إلى تفسير: الجربي، وهو نسبة إلى الجربياء- بكسر الجيم والموحدة، بينهما مهملة ساكنة ثم تحتانية ممدودة، وهي جهة الشمال، والتيمنُ- بفتح الفوقانية وإسكان التحتانية وضم الميم، وهو أفق اليمن الذي يقابل الشمال فالمراد الجنوب، وفيه قاصمة لهم من إنكار النسخ في أمرهم بنص التوراة بالدخول إلى يبت المقدس ثم نهيهم عن ذلك لما عصوا، فإنه قال: اصعدوا ورثوا الأرض كما قال لكم الله رب آبائكم، لا تخافوا ولا تفزغوا، ولما عصوا هذا الأمر وأعلمهم موسى عليه السلام عليه السلام بغضب الله عليهم وعقوبته بالتيه أرادوا امتثال الأمر في الصعود توبة، فقال لهم موسى عليه السلام: وقال لي الرب: أنذرهم وقل لهم: لا تصعدوا ولا تجاهدوا لأني لست بينكم، لئلا يهزمكم أعداؤكم- هذا نصه فراجعه.وأما دخول أبنائهم إلى بلاد القدس وغلبتهم على أهلها وتبسطهم في أرضها تصديقًا لمواعد الله على يد يشوع بن نون عليه السلام فسيذكر إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى في سورة يونس عليه السلام: {ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق} [يونس: 93]، ولكن أقدم هنا من أمر يوشع بعد موسى عليهما السلام- والمعونة بالله- ما يبنى عليه بعض مناسبات الآية التي بعدها، قال البغوي: فتوجه- يعني يوشع- ببني إسرائيل إلى إريحا ومعه تابوت الميثاق، فأحاط بها ستة أشهر، ثم نفخوا في القرون وضج الشعب ضجة واحدة، فسقط سور المدينة ودخلوا، فقاتلوا الجبارين فقتلوهم، وكان القتال في يوم الجمعة، فبقيت منهم بقية وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت فقال: اللهم أردد الشمس عليّ! فردت عليه وزيد في النهار ساعة، ثم قتلهم أجمعين، وتبع ملوك الشام واستباح منهم واحدًا وثلاثين ملكًا حتى غلب على جميع أرض الشام وفرق عماله في نواحيها، وجمع الغنائم فلم تنزل النار، فأوحى الله إلى يوشع أن فيها غلولًا فمرهم فليبايعوك، فبايعوه فالتصقت يد رجل منهم بيده، فقال: هلمّ ما عندك! فأتاه برأس ثور من ذهب مكلل باليواقيت والجواهر، فجعله في القربان وجعل الرجل معه، فجاءت النار فأكلت الرجل والقربان- انتهى.ورأيت أنا في تاريخ نبوة يوشع بعد موت موسى عليهما السلام ما ربما يخالف هذا في الأشهر والبلد، أما الأشهر فجعلها سبعة أيام، وأما البلدة التي وقفت عندها الشمس فجبعون لا إريحا، فإنه قال ما نصه: قال الرب ليشوع: انظر، إني قد دفعت في يدك إريحا وملكها وكل أجنادها، فليُحِطْ بالمدينة جميع الرجال المقاتلة، ودوروا حول المدينة في اليوم مرة، وافعلوا ذلك في ستة أيام، ويحمل سبعة من الكهنة سبعة أبواق ويهتفون أمام التابوت، حتى إذا كان اليوم السابع دوروا حول المدينة سبع مرات، ويهتف الكهنة بالقرون، وإذا هتفت الأبواق وسمعتم أصواتها يهتف جميع الشعب بأعلى أصواتهم صوتًا شديدًا، فيقع سور المدينة مكانه، ويصعد الشعب كل إنسان حياله- انتهى.ثم ذكر امتثالهم لأمر الله وفتحهم لإريحا على ما قال الله، وأما البلدة التي ردَّت فيها الشمس فهي جبعون، وذلك أنه ذكر بعد فتح إريحا هذه أن سكون جعبون وهم الحاوانيون صالحوا يوشع بحيلة فعلوها، ثم قال: وهذه أسماء قراهم: جبعون والكفيرة وبيروت ويعاريم، فلما سمع بذلك أدونصداق ملك أورشليم فرق فرقًا شديدًا، لأن جبعون كانت مدينة عظيمة كمثل مدن الملك، وكان أهلها رجالًا جبابرة، فأرسل إلى هوهم ملك حبران- وفي موضع آخر: حبرون- وإلى فرآم ملك يرموث، وإلى يافع ملك لخيس، وإلى دابير ملك عقلون- وقال لي بعض اليهود: إن المراد بهذه عجلون- وقال لهم: اصعدوا لتعينوني على محاربة أهل جبعون، لأنهم قد صالحوا يشوع، فاجتمع الخمسة من ملوك الأمورانيين وجميع عساكرهم فنزلوا على جبعون، فأرسل أهل جبعون إلى يشوع فصعد يشوع من الجلجال هو وجميع أبطال الشعب، فأوحى الرب إلى يشوع: لا تخف ولا تفزع منهم، لأني قد أسلمتهم في يدك، فأتاهم بغتة، لأنه صعد من الجلجال الليل أجمع، فهزمهم الرب بين يدي آل إسرائيل وجرحوا منهم جرحى كثيرة في جبعون التي بحوران، وهربوا في طريق عقبة حوران ولم يزالوا يقتلون منهم إلى عزيقة ومقيدة، فلما هرب الذين بقوا منهم ونزلوا عقبة حوران أمطر الرب عليهم حجارة برد كبار من السماء إلى عزيقة وماتوا كلهم، فكان الذين ماتوا بحجارة البرد أكثر من الذين قتلوا، ثم قام يشوع أمام الرب مصليًا في اليوم الذي دفع الرب الأمورانيين في يدي بني إسرائيل وقال: أيتها الشمس! امكثي في جبعون ولا تسيري، وأنت أيها القمر! لا تبرح قاعَ أيلون، فثبتت الشمس وقام القمر حتى انتقم الشعب من أعدائهم؛ فكتبت هذه الأعجوبة في سفر التسابيح، لأن الشمس وقفت في وسط السماء ولم تزل إلى الغروب، وصار النهار يومًا تامًا، ولم يكن مثل ذلك اليوم قبله ولا بعده- انتهى.وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة، روى الشيخان: البخاري في الخمس والنكاح، ومسلم في المغازي عن أبي هريرة رضي الله عنه قالك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولمّا يبن بها، ولا أحد بنى بيوتًا ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنمًا أو خلفات وهو ينتظر ولادها، فغزا فدنا من القرية صلاةَ العصر أو قريبًا من ذلك فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا! فحبست حتى فتح الله عليه فجمع الغنائم، فجاءت- يعني النار- لتأكلها فلم تطعمها، فقال: إن فيكم غلولًا، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول فلتبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها، فجاءت النار فأكلتها ثم أحل الله لنا الغنائم، رأى بعض ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا».وفي رواية المسند للحافظ نور الدين الهيثمي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس لم يحبس على بشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس»، قال: وهو في الصحيح ولم أر فيه حصرًا كما هنا؛ وفي سيرة ابن إسحاق ما ينقضه، قال: حدثنا يونس عن الأسباط بن نصر الهمداني عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر قومه بالرفعة والعلامة عما في العير قالوا: فمتى تجيء؟ قال: يوم الأربعاء، فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينتظرون وقد ولى النهار ولم تجىء، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس، ولم ترد الشمس على أحد إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى يوشع بن نون حين قاتل الجبارين يوم الجمعة. اهـ.
|