الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا كَمَاء} [الكهف: 45] والكاف في قوله: {كَمَثَلِ غَيْثٍ} موضعة رفع من وجهين أحدهما: أن يكون صفة لقوله: {لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ}، والآخر: أن يكون خبرًا بعد خبر قاله الزجاج، وقوله: {أَعْجَبَ الكفار نَبَاتُهُ} فيه قولان: الأول: قال ابن مسعود: المراد من الكفار الزراع قال الأزهري: والعرب تقول للزارع: كافر، لأنه يكفر البذر الذي يبذره بتراب الأرض، وإذا أعجب الزراع نباته مع علمهم به فهو في غاية الحسن الثاني: أن المراد بالكفار في هذه الآية الكفار بالله وهم أشد إعجابًا بزينة الدنيا وحرثها من المؤمنين، لأنهم لا يرون سعادة سوى سعادة الدنيا، وقوله: {نَبَاتُهُ} أي ما نبت من ذلك الغيث، وباقي الآية مفسر في سورة الزمر.ثم إنه تعالى ذكر بعده حال الآخرة فقال: {وَفِي الآخرة عَذَابٌ شَدِيدٌ} أي لمن كانت حياته بهذه الصفة، ومغفرة من الله ورضوان لأوليائه وأهل طاعته، وذلك لأنه لما وصف الدنيا بالحقارة وسرعة الانقضاء، بين أن الآخرة إما عذاب شديد دائم، وإما رضوان، وهو أعظم درجات الثواب، ثم قال: {وَما الحياة الدنيا إِلاَّ متاع الغرور} يعني لمن أقبل عليها، وأعرض بها عن طلب الآخرة، قال سعيد بن جبير: الدنيا متاع الغرور إذا ألهتك عن طلب الآخرة، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله وطلب الآخرة فنعم الوسيلة. اهـ.
وقد مضى هذا كله في (آل عِمران).وقال طارق بن شهاب: قال قوم من أهل الحيرة لعمر رضي الله عنه: أرأيت قول الله عز وجل: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السماء والأرض} فأين النار؟ فقال لهم عمر: أرأيتم الليل إذا وَلَّى وجاء النهار أين يكون الليل؟ فقالوا: لقد نزعت بما في التوراة مثله.{أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ} شرط الإيمان لا غير، وفيه تقوية الرجاء.وقد قيل: شرط الإيمان هنا وزاد عليه في (آل عمران) فقال: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الذين يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عَنِ الناس} [آل عمران: 133-134]. {ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ} أي إن الجنة لا تُنال ولا تُدخل إلا برحمة الله تعالى وفضله. وقد مضى هذا في (الأعراف) وغيرها.{والله ذُو الفضل العظيم}. اهـ.
والكافر لا يتخطى فكره عما أحس به فيستغرق إعجابًا {أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ} يتحرك إلى أقصى ما يتأتى له، وقيل: أي يجف بعد خضرته ونضارته {فترياه} يا من تصح منه الرؤية {فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} بعد ما رأيته ناضرًا مونقًا، وقرئ {مصفارًا} وإنما لم يقل فيصفر قيل: إيذانًا بأن اصفراره غير مقارن لهيجانه وإنما المترتب عليه رؤيته كذلك، وقيل: للإشارة إلى ظهور ذلك لكل أحد {ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} هشيمًا متكسرًا من اليبس، ومحل الكاف قيل: النصب على الحالية من الضمير في {لَعِبٌ} لأنه في معنى الوصف، وقيل: الرفع على أنه خبر بعد خبر للحياة الدنيا بتقدير المضاف إليه أي مثل الحياة كمثل الخ، ولتضمن ذلك تشبيه جميع ما فيها من السنين الكثيرة بمدة نبات غيث واحد يفنى ويضمحل في أقل من سنة جاءت الإشارة إلى سرعة زوالها وقرب اضمحلالها، وبعد ما بين حقارة أمر الدنيا تزهيدًا فيها وتنفيرًا عن العكوف عليها أشير إلى فخامة شأن الآخرة وعظم ما فيها من اللذات والآلام ترغيبًا في تحصيل نعيمها المقيم وتحذيرًا من عذابها الأليم، وقدم سبحانه ذكر العذاب فقال جل وعلا:{وَفِى الآخرة عَذَابٌ شَدِيدٌ} لأنه من نتائج الانهماك فيما فصل من أحوال الحياة الدنيا {وَمَغْفِرَةٌ} عظيمة {مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ} عظيم لا يقادر قدره، وفي مقابلة العذاب الشديد بشيئين إشارة إلى غلبة الرحمة وأنه من باب «لن يغلب عسر يسرين».وفي ترك وصف العذاب بكونه من الله تعالى مع وصف ما بعده بذلك إشارة إلى غلبتها أيضًا ورمز إلى أن الخير هو المقصود بالقصد الأولى {وَما الحياة الدنيا إِلاَّ متاع الغرور} لمن اطمأن بها ولم يجعلها ذريعة للآخرة ومطية لنعيمها، روي عن سعيد بن جبير الدنيا متاع الغرور إن ألهتك عن طلب الآخرة، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله تعالى وطلب الآخرة فنعم المتاع ونعم الوسيلة. اهـ.
وقال النابغة يذكر حجه: ويغلب اللهو على أحوال الشباب فطور الشباب طوره، ويكثر اللهو في أحوال الدنيا من تطلب اللذات والطرب.
|