الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ويقال: إلا جوارًا قليلًا.ويقال: إلا قليلًا منهم.وقال قتادة: إن أناسًا من المنافقين أرادوا أن يُظْهِرُوا نفاقهم فنزلت هذه الآية.ثم قال عز وجل: {مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ} يعني: يجعلهم ملعونين أينما وجدوا.فأوجب الله تعالى لهم اللعنة على كل حال أينما وجدوا وأدركوا {أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلًا} فلما سمعوا بالقتل، انتهوا عن ذلك.قوله عز وجل: {سُنَّةَ الله في الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} يعني: سنة الله في الزناة القتل.ويقال: هذا سنة الله في الذين مضوا من قبل.يعني: الذين أضمروا النفاق بأن يسلط الله عليهم الأنبياء بالقتل {سُنَّةَ الله} {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا} يعني: مبدلًا ومغيرًا.قوله عز وجل: {يَسْئَلُكَ الناس عَنِ الساعة} يعني: عن قيام الساعة وذلك أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله: متى الساعة؟ فقال عليه السلام: «مَا المَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ».فنزل {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله} يعني: علم قيام الساعة عند الله {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيبًا} يعني: سريعًا.وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: من أشراط الساعة أن يفتح القول، ويحزن الفعل، وأن ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار.ومعنى يفتح الأقوال: أن يقول أفعل غدًا فإذا جاء غدًا، خالف قوله وقت الفعل.وأصل الفتح الابتداء، وهو أن يعد لأخيه عدة حسنة ثم يخالفه.وقال عطاء بن أبي رباح: من اقتراب الساعة مطر ولا نبات، وعلو أصوات الفساق في المساجد، وظهور أولاد الزِّنى، وموت الفجأة، وانبعاث الرويبضة يعني: السفلة من الناس.وقوله: {لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيبًا} ولم يقل قريبة، لأنها جعلت ظرفًا وبدلًا ولم تجعل نعتًا وصفة.ثم قال عز وجل: {إِنَّ الله لَعَنَ الكافرين} يعني: خذلهم وطردهم من رحمته {وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا} يعني: جهنم.ويقال: لعن الكافرين في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة أعد لهم سعيرًا {خالدين فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا} يعني: قريبًا ينفعهم {وَلاَ نَصِيرًا} أي: مانعًا يمنعهم من العذاب، والسعير في اللغة هو النار الموقدة.ثم قال عز وجل: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ في النار} يعني: تحول.يقول: هذا العذاب في {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ في النار} يعني: تحول عن الحسن إلى القبح من حال البياض إلى حال السواد وزرقة الأعين.ويقال: {تَقَلُّبُ} يعني: تجدد كقوله: {وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ والذين ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون} [النساء: 56] فيندمون على فعلهم ويوبخون أنفسهم {يَقُولُونَ ياليتنا ياليتنا أَطَعْنَا الله} فيما أمرنا ونهانا في دار الدنيا {وَأَطَعْنَا الرسولا} فيما دعانا إلى الحق {وَقَالُواْ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا} يعني: قادتنا وأشرافنا وعظماءنا {فَأَضَلُّونَا السبيلا} يعني: صرفونا عن طريق الإسلام.ويقال: أضللت الطريق وأضللته عن الطريق بمعنى واحد.قرأ ابن عامر: ساداتنا.وقرأ الباقون: سادتنا جمع سيد وساداتنا جمع الجمع.ثم قال عز وجل: {رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} يعني: زدهم واحمل عليهم.يعني: عذبهم وارفع عنا بعض العذاب، واحمل عليهم فإنهم هم الذين أضلونا {والعنهم لَعْنًا كَبِيرًا} قرأ عاصم وابن عامر في إحدى الروايتين {كَبِيرًا} بالباء من الكبر والعظم يعني: عذبهم عذابًا عظيمًا.وقرأ الباقون: {كَثِيرًا} من الكثرة، يعني: عذبهم عذابًا كثيرًا دائمًا.قوله عز وجل: {يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين ءاذَوْاْ موسى} عليه السلام يعني: لا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما آذى بنو إسرائيل موسى عليه السلام قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: أخبرني الثقة، بإسناده عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى سَوْأَةِ بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: والله مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إلاّ أنَّهُ آدَرُ فَذَهَبَ مُوسَى مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الحَجَرُ بِثَوْبِهِ فَخَرَجَ مُوسَى بِأَثَرِهِ يَقُولُ: حَجَرْ ثَوْبِي، حَجَرْ ثَوْبِي حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى سَوْأَةِ مُوسَى فَقَالُوا: وَالله ما بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ فَقَامَ الحَجَرُ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ، فَطَفِقَ بِالحَجَرِ ضَرْبًا» فقال أبو هريرة: ستة أو سبعًا.والله إن بالحجر لندبًا سبعة بضرب موسى، وذلك قوله: {فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ} ويقال: إن موسى وهارون وابني هارون خرجوا فتوفي هارون في تلك الخرجة، فلما رجع موسى إلى قومه قالت السفهاء من بني إسرائيل لموسى: أنت قتلت هارون.فخرج موسى مع جماعة من بني إسرائيل.فأحيا الله تعالى هارون عليه السلام فأخبر أنه لم يقتله أحد، وأنه مات بأجله فذلك قوله تعالى: {فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ} {وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهًا} يعني: مكينًا وكان له جاه عنده منزلة وكرامة.ثم قال عز وجل: {مّسْتَقِيمٍ يا أيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله} يعني: أطيعوا الله واخشوا الله {وَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا} يعني: عدلًا صوابًا فيما بينكم وهو قولهم ابن فلان فأمرهم أن ينسبوهم إلى آبائهم.ويقال: {قُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} يعني: لا إله إلا الله.ويقال: قولًا مخلصًا {يُصْلِحْ لَكُمْ أعمالكم} يعني: يقبل أعمالكم {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} في السر والعلانية {فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} يعني: نجى بالخير وأصاب نصيبًا وافرًا.قوله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الامانة عَلَى السموات والأرض والجبال} قال مجاهد: لما خلق الله عز وجل آدم عليه السلام عرض عليه الأمانة فحملها، فما كان بين أن حملها، وبين أن أخرج من الجنة، إلا كما بين الظهر والعصر.وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: {إِنَّا عَرَضْنَا الامانة} يعني: الفرائض على السموات والأرض والجبال.فقال لهن: يأخذن بما فيها.فقلنا: وما فيه يا رب؟ قال: إن أحسنتن جوزيتن.وإن أسأتن عوقبتن.فقلن: يا رب إن تعرضها علينا فلا نريد، وإن أمرتنا بها فنحن نجتهد.وعرضت على الإنسان يعني: آدم عليه السلام فقبلها وحملها.وقال بعضهم: هذا على وجه المثل إن لم تظهر الخيانة في الأمانة إلا من الإنسان.فلم تظهر من السموات والأرض والجبال كما قال: {لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خاشعا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الامثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21] فكأنه يقول: لو عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال لأبين حملها {وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان} يعني: آدم وذريته {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} بالقبول.وروي عن الحسن أنه قال: عرض على السموات عرض تخيير لا عرض إيجاب.فلذلك لم تعصِ بترك قبولها ويقال: {عَرَضْنَا الامانة عَلَى السموات} يعني: على ملائكة السموات والأرض والجبال.كما قال: {واسئل القرية التي كُنَّا فِيهَا والعير التي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لصادقون} [يوسف: 82] يعني: أهل القرية.وقال السدي: لما أراد أن يحج، عرض الأمانة يعني: أمر ولده شِيث وقابيل وهابيل فعرض على قابيل الكخداذبية والائتمار، والقيام في شغل الدنيا، والعيش حتى يرجع هو من الحج إلى وطنه.فقبله ثم خانه، فقتل أخاه.وإنما كان عرض آدم بأمر الله تعالى فلذلك قال: {عَرَضْنَا}.وقال بعضهم: إن الله عز وجل لما استخلف آدم على ذريته، وسلّطه على جميع ما في الأرض من الأنعام والوحوش والطير، عهد إليه عهدًا أمره فيه، ونهاه فقبله.ولم يزل عاملًا به إلى أن حضرته الوفاة.فسأل ربه أن يعلمه من يستخلف بعده، ويقلده الأمانة.أن يعرض على السموات والأرض بالشرط الذي أخذ عليه من الثواب إن أطاع، ومن العقاب إن عصى {فَأبَيْنَ} أن يقبلنها شفقًا من عذاب الله.فأمره أن يعرض على الأرض والجبال فكلاهما أبيا، ثم أمره أن يعرض على ولده فقبل بالشرط إنه كان ظلومًا جهولًا لعاقبة ما تقلده يعني: المتقبل الذي تقبله منه.وروى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم قال: {الامانة} ثلاث في الصلاة والصيام والجنابة.ثم قال عز وجل: {لّيُعَذّبَ الله المنافقين والمنافقات} يعني: عرضنا الأمانة على الإنسان لكي يعذب الله المنافقين والمنافقات {والمشركين والمشركات} بما خانوا الأمانة {وَيَتُوبَ الله عَلَى المؤمنين والمؤمنات} بما أوفوا الأمانة {وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} وكان صلة في الكلام يعني والله غفور لذنوب المؤمنين، رحيم بهم.وروى سفيان عن عاصم، عن زر بن حبيش قال: قال أبي بن كعب: كانت سورة الأحزاب لتقارب سورة البقرة أو أطول منها، وكان فيها آية الرجم.قلت: يا أبا المنذر وما آية الرجم؟ فقال: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالًا من الله العزيز الحكيم، والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وآله وسلم. اهـ.
|