الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وعن سعيد بن المسيب هي ندى الطهور وتراب الأرض. ويجوز أن يكون أمرًا معنويًا من البهاء والنور. وعن عطاء: استنارت وجوههم من التهجد كما قيل «من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» وإن الذي يبيت شاربًا يتميز عند أراب البصيرة من الذي يبيت مصليًا وفيه قال بعضهم:
قال المحققون: إن من توجه إلى شمس الدنيا لا بد من أن يقع شعاعها على وجهه، فالذي أقبل على شمس عالم الوجود وهو الله سبحانه كيف لا يستنير ظاهره وباطنه ولا سيما يوم تبلى السرائر ويكشف الغطاء {ذلك مثلهم} أي ذلك الوصف وصفهم العجيب الشأن في الكتابين: ويجوز أن يكون ذلك إشارة مبهمة أوضحت بقوله: {كزرع} إلى آخره. كقوله: {وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع} [الحجر: 66] وقد يقال: تم الكلام عند قوله: {ذلك مثلهم في التوراة} ثم ابتدأ {مثلهم في الإنجيل كزرع} لما روى أنه مكتوب في الإنجيل: سيرخج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر عرفوا إلى بني إسرائيل بهذا الوصف ليعرفوهم إذا أبصروهم. والشطء بالتسكين والتحريك فراخ الزرع التي تنبت إلى جانب الأصل، ومنه شاطىء النهر.{فآزره} من المؤازره المعاونة. ويجوز أن يكون أفعل من الأزر القوة أي أعان الزرع الشطء أو بالعكس.{فاستغلظ} الزرع أو الشطء أي صار من الرقة إلى الغلظ {فاستوى على سوقه} فاستقام على قصبته أي تناهى وصار كالأصل بحيث يعجب الزارعين. والسوق جمع ساق وقد يخص الساق بالشجر فيكون ساق الزرع مجازًا مستعارًا. ووجه التشبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وحده ثم أتبعه من هاهنا قليل ومن هاهنا حتى كثروا وقوي أمرهم. وقوله: {ليغيظ بهم الكفار} تعليل لوجه التشبيه أو للتشبيه أي ضرب الله ذلك المثل وقضى وحكم بذلك ليغيظ بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه كفار مكة والعجم. وقيل: هذا الزرع بغيظ بكثرته الكفار أي سائر الزرّاع الذين ليس لهم مثل زرعهم وفيه بعد، ولكن الكلام لا يخلو عن فصاحة لفيظة من قبل المناسبة بين الزراع والكفار لاشتراكهما بالجملة في معنى من المعاني وإن لم يكن مقصودًا ههنا. وذهب بعض المفسرين إلأى أن قوله: {والذين معه} أبو بكر {أشداء على الكفار} عمر {رحماء بينهم} عثمان {نراهم ركعًا سجدًا} علي عليه السلام {يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا} طلحة والزبير {سيماهم في وجوههم} سعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة ابن الجراح. وعن عكرمة: أخرج شطأة بأبي بكر فآزره بعمر فاستغلظ بعثمان فاستوى على سوقه بعليّ. وقوله: {منهم} لبيان الجنس. ويجوز أن يكون قوله: {ليغيظ} تعليلًا للوعد لان الكفار إذا سمعوا بما أعدّ لهم في الآخرة مع ما حصل لهم في الدنيا من الغلبة والاستعلاء غاظهم ذلك والله أعلم. اهـ.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من هذا»، قال: أنا عامر فقال: «غفر لك ربك» وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد إلا استشهد قال: فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له يا نبيّ الله لولا متعتنا بعامر قال فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول: قال: فبرز له عامر بن عثمان فقال: فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فرجع سيف عامر على نفسه فقطع أكحله فكانت فيها نفسه قال: فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلت: يا رسول الله بطل عمل عامر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قال ذلك» قلت ناس من أصحابك قال: «من قال ذلك بل له أجره مرتين» ثم أرسلني إلى عليّ وهو أرمد فقال: لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فأتيت عليًا فجئت به أقوده وهو أرمد حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في عينيه فبرئ وأعطاه الراية وخرج مرحب وقال: فقال علي كرّم الله تعالى وجهه: قال: فضرب رأس مرحب فقتله. ثم كان الفتح على يديه ومعنى أكيلكم بالسيف كيل السندره أي: أقتلكم قتلًا واسعًا ذريعًا. والسندرة مكيال واسع. قيل: يحتمل أن يكون اتخذ من السندرة وهي شجرة يعمل منها النبل والقسي. والسندرة أيضًا العجلة والنون زائدة قال ابن الأثير وذكرها الجوهري في هذا الباب ولم ينبه على زيادتها. وروي فتح خيبر من طرق أخر في بعضها زيادات وفي بعضها نقصان عن بعض. وقوله تعالى: {وأخرى} صفة مغانم مقدّرًا مبتدأ وقيل: هي مبتدأ والخبر {لم تقدروا عليها} وهي كما قال ابن عباس: فارس والروم وما كانت العرب تقدر تقاتل فارس والروم بل كانوا خولًا لهم حتى قدروا عليهما بالإسلام. وقال الضحاك: هي خيبر وعدها الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم قبل أن يصيبها ولم يكونوا يرجونها. وقال قتادة: هي مكة. وقال عكرمة: حنين. وقال البقاعي: هي والله أعلم غنائم هوازن التي لم يحصل قبلها ما يقاربها.{قد أحاط الله} أي: المحيط بكل شيء قدرةً وعلمًا {بها} أي: علم أنها ستكون لكم {وكان الله} أي: المحيط بجميع صفات الكمال أزلًا وأبدًا {على كل شيء} منها ومن غيرها {قديرًا} أي: بالغ القدرة لأنه بكل شيء عليم.{ولو قاتلكم الذين كفروا} وهم أهل مكة ومن وافقهم وكانوا قد اجتمعوا وجمعوا الأحابيش ومن أطاعهم وقدّموا خالد بن الوليد طليعة لهم إلى كراع الغميم ولم يكن أسلم بعد {لولوا} أي: بغاية جهدهم {الأدبار} منهزمين {ثم} أي: بعد طول الزمان وكثرة الأعوان {لا يجدون} أي: في وقت من الأوقات {وليًا} أي: من يفعل معهم فعل القريب من الشفقة {ولا نصيرًا} ينصرهم ولما كانت هذه عادة جارية قديمة مع أولياء الله تعالى حيثما كانوا من الرسل وأتباعهم {وإنّ جندنا لهم الغالبون}.قال تعالى: {سنة الله} أي: سنّ المحيط بكل شيء علمًا غلبة أنبيائه وأتباعهم {التي قد خلت من قبل} أي: فيمن مضى من الأمم. كما قال تعالى: {لأغلبنّ أنا ورسلي}.{ولن تجد} أيها السامع {لسنة الله} أي: الذي لا يخلف قوله، لأنه محيط بجميع صفات الكمال {تبديلًا} أي: تغييرًا من مغيّر ما يغيرها بما يكون بدلها ثم عطف على ما تقديره هو الذي سنّ هذه السنة العامة.قوله تعالى: {وهو الذي كف} أي: وحده {أيديهم} أي: الذين كفروا من أهل مكة وغيرهم. فإنّ الكف مشروع لكل أحد {عنكم وأيديكم} أيها المؤمنون {عنهم ببطن مكة} أي: بالحديبية وقيل التنعيم. وقيل وادي مكة. وقيل: داخل مكة {من بعد أن أظفركم} أي: أظهركم {عليهم} وهذا تبيين لما تقدّم من قوله تعالى: {ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار}.بتقدير أنه كما كف أيديهم عنكم بالفرار وأيديكم عنهم بالرجوع عنهم وتركهم روى ثابت عن أنس بن مالك أن ثمانين رجلًا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرّة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأخذهم سلمًا فاستحياهم فنزلت هذه الآية.وقال عبد الله بن مغفل المزني: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن وعلى ظهره غصن من أغصان تلك الشجرة فرفعته عن ظهره وعلي بن أبي طالب بين يديه يكتب كتاب الصلح فخرج علينا ثلاثون شابًا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله أبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جئتم في عهد أو هل جعل لكم أحد أمانًا قالوا: اللهم لا فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى هذه الآية» وعن ابن عباس أظهر الله المسلمين عليهم بالحجارة حتى أدخلوهم البيوت وقيل: إن ذلك كان يوم فتح مكة وبه استشهد أبو حنيفة على أنّ مكة فتحت عنوة لا صلحًا {وكان الله} أي: المحيط بالجلال والإكرام أزلًا وأبدًا وقرأ {بما يعملون} أبو عمرو: بالياء التحتية أي الكفار.والباقون بالتاء الفوقية، أي: أنتم {بصيرا} أي: محيط العلم ببواطن ذلك كما هو محيط بظواهره ولما كان ما مضى من وصف الكفار يشمل كفار مكة وغيرهم عينهم بسبب كفهم النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن البيت الحرام.بقوله تعالى: {هم} أي: أهل مكة ومن لاقهم {الذين كفروا} أي: أوغلوا في هذا الوصف ببواطنهم وظواهرهم {وصدّوكم} زيادة على كفرهم في عمرة الحديبية {عن المسجد الحرام} أي: منعوكم الوصول إلى مكة ونفس المسجد والكعبة للإحلال مما أنتم فيه من شعائر الإحرام بالعمرة.روى الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم كل منهما يصدق حديث صاحبه قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه يريد زيارة البيت لا يريد قتالًا وساق معه سبعين بدنة والناس سبعمائة رجل وكانت كل بدنة عن عشرة نفر فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة وبعث عينًا له من خزاعة يخبره عن قريش فسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بغدير الإشطاط قريبًا من عسفان أتاه عتبة الخزاعي.
|