فصل: (سورة الممتحنة: الآيات 1- 3)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

-{حدود اللَّه}:
اشتملت هذه الآية على عدد من المحرمات التي حرمها اللَّه عز وجل، وقد أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم البيعة من النساء، على ألّا يقربن شيئا منها. وهذه المحرمات هي: الشرك باللَّه، والزنا، وقتل الأولاد (الوأد). حيث كانت المرأة في الجاهلية إذا جاءها المخاض انطرحت على شفير حفرة، فإن كان المولود صبيا أخذوه، وإن كان بنتا تركوه في الحفرة وردموه، والبهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن يعني ذلك أن تلحق المرأة بزوجها غير ولده، وذلك أن المرأة كانت تلتقط المولود، فتقول لزوجها: هذا ولدي منك، فهذا هو البهتان المفترى، وليس المراد به الزنا، لأن النهي عنه قد تقدم، ومعنى بين أيديهن وأرجلهن، أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها. وكذلك حرم عليهن العصيان في المعروف، وهو كل أمر فيه طاعة اللَّه، وقيل: هو النهي عن النوح والدعاء بالويل وتمزيق الثياب وحلق الشعر ونتفه وخمش الوجه. وأن لا تحدّث المرأة الرجال الأجانب، ولا تخلوا برجل غير ذي محرم. عن أم عطية قالت: بايعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا {أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} ونهانا عن النياحة.

.[سورة الممتحنة: آية 13]

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13)}

.الإعراب:

{يأيّها الذين آمنوا} مرّ إعرابها، {لا} ناهية جازمة {عليهم} متعلّق بـ {غضب}، والضمير المجرور يعود على اليهود {من الآخرة} متعلّق بـ {يئسوا} بحذف مضاف أي من ثواب الآخرة {ما} حرف مصدريّ {من أصحاب} متعلّق بـ {يئس}. والمصدر المؤوّل {ما يئس..} في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله يئسوا أي: يئسوا من الآخرة يأسا كيأس الكفّار...
جملة: {النداء...} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {آمنوا...} لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة: {لا تتولّوا...} لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: {غضب اللَّه...} في محلّ نصب نعت لـ {قوما}.
وجملة: {يئسوا...} في محلّ نصب نعت ثان لـ {قوما}.
وجملة: {يئس الكفّار...} لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (ما).

.البلاغة:

فن الاستطراد: في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}.
فهذه الآية متصلة بخاتمة قصة المشركين، الذين نهي المؤمنون عن اتخاذهم أولياء بقوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ}،وقوله سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ} إلخ مستطرد، فإنه لما جرى حديث المعاملة مع الذين لا يقاتلون المسلمين، والذين يقاتلونهم وقد أخرجوهم من ديارهم، أتى بحديث المعاملة مع نسائهم، ولما فرغ من ذلك أوصل الخاتمة بالفاتحة، على منوال رد العجز على الصدر، من حيث المعنى. اهـ.

.قال محيي الدين الدرويش:

(60) سورة الممتحنة مدنيّة.
وآياتها ثلاث عشرة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة الممتحنة: الآيات 1- 3]

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)}

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}
{يا} حرف نداء و{أيّها} منادى نكرة مقصودة مبني على الضم والهاء للتنبيه و{الذين} بدل من أيدي وجملة {آمنوا} صلة و{لا} ناهية و{تتخذوا} فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل و{عدوي} مفعول به، وهو يقع على الواحد فما فوقه لأنه بزنة المصدر، {وعدوكم} عطف على {عدوي} و{أولياء} مفعول به ثان وجملة {تلقون} حال من فاعل {تتخذوا} ويجوز أن تكون في موضع نصب صفة لأولياء ويجوز أن تكون تفسيرية لا محل لها لموالاتهم إياهم وقيل هي استئناف مسوق للإخبار بذلك و{تلقون} فعل وفاعل والمفعول به محذوف تقديره إخبار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقيل الباء زائدة والمودّة هي المفعول به ولا حذف و{إليهم} متعلق بتلقون.
{وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} الواو حالية و{قد} حرف تحقيق و{كفروا} فعل وفاعل والجملة حال من {لا تتخذوا} أو من {تلقون} والمعنى لا توادوهم وهذه حالهم و{بما} متعلقان بكفروا وجملة {جاءكم} صلة و{من الحق} حال.
{يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} جملة {يخرجون} مستأنفة أو مفسّرة لكفرهم فلا محل لها على الحالين ويجوز أن تكون حالا من فاعل {كفروا} و{الرسول} مفعول و{إياكم} عطف على {الرسول} و{أن تؤمنوا} مصدر مؤول في محل نصب مفعول لأجله أي لإيمانكم باللّه و{باللّه} متعلق بتؤمنوا و{ربكم} بدل.
{إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي} {إن} شرطية و{كنتم} فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط والتاء اسمها وجملة {خرجتم} خبر كنتم و{جهادا} مفعول لأجله أي لأجل الجهاد ويجوز أن يكون النصب على الحال أي حال كونكم مجاهدين وجواب الشرط محذوف دلّ عليه قوله: {لا تتخذوا}.
{تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ} جملة {تسرون} إما مستأنفة وإما تابعة لتلقون إليهم على أنها بدل بعض من كل لأن إلقاء المودّة أعمّ من السرّ والجهر، و{تسرون} فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والمفعول به محذوف و{بالمودّة} متعلقان بتسرون أو الباء زائدة في المفعول على غرار ما تقدم في {تلقون إليهم بالمودّة} والواو حالية {وأنا} مبتدأ و{أعلم} خبر على أنه اسم تفضيل و{بما} متعلقان بأعلم وجملة {أخفيتم} صلة {ما} ويجوز أن تكون {أعلم} فعلا مضارعا {وما أعلنتم} عطف على {بما أخفيتم}.
{وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ} الواو عاطفة أو مستأنفة و{من} اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ و{يفعله} فعل الشرط والفاعل مستتر تقديره هو والهاء مفعول به والفاء رابطة لجواب الشرط لاقترانه بقد و{ضلّ} فعل وفاعله هو و{سواء السبيل} مفعوله وقيل {ضلّ} لازم فينصب {سواء السبيل} على الظرفية المكانية.
{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً} {إن} شرطية و{يثقفوكم} فعل الشرط وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل والكاف مفعول به و{يكونوا} جواب الشرط وعلامة جزمه حذف النون أيضا والواو اسمها و{أعداء} خبرها و{لكم} حال وفي المصباح:
ثقفت الشيء ثقفا من باب تعب أخذته وثقفت الرجل في الحرب أدركته وثقفته ظفرت به وثقفت الحديث فهمته بسرعة والفاعل ثقيف.
{وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ} عطف على {يكونوا} و{إليكم} متعلقان بيبسطوا و{أيديهم} مفعول به {وألسنتهم} عطف على {أيديهم} و{بالسوء} حال.
{وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} عطف أيضا على جملة الشرط والجزاء فيكون تعالى قد أخبر بخبرين: بما تضمنته الجملة الشرطية وبودادتهم كفر المؤمنين وسيأتي سر العدول عن المضارع إلى الماضي، و{لو} مصدرية و{تكفرون} فعل مضارع مرفوع و{لو} وما في حيّزها مصدر في محل نصب مفعول {ودّوا}.
{لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} كلام مستأنف مسوق للإعلام بأن أرحامهم وأولادهم لن ينفعوهم، و{لن} حرف نفي ونصب واستقبال و{تنفعكم} فعل مضارع منصوب بلن والكاف مفعول به مقدم و{أرحامكم} فاعل مؤخر {ولا أولادكم} عطف على {أرحامكم} و{يوم القيامة} ظرف متعلق بما قبله أي لن ينفعكم يوم القيامة فيوقف عليه أو متعلق بما بعده أي يفصل بينكم يوم القيامة، و{يفصل} فعل مضارع وفاعله هو أي اللّه تعالى وقرئ {يفصل} بالبناء للمجهول و{بينكم} ظرف متعلق بيفصل على كل حال.
{وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} {اللّه} مبتدأ و{بما} متعلقان ببصير وجملة {تعملون} صلة و{بصير} خبر {اللّه}.

.البلاغة:

عدل عن المضارع المناسب لما قبله في قوله: {وودّوا لو تكفرون} إلى الماضي مع أن السياق يتطلب أن يكون مضارعا مستقبلا لاعتباره قد كان أي أن ودادتهم كفركم هو المهم لديهم ولا شيء يعدله في الرجحان، يعني أنهم يريدون أن يلحقوا بكم جميع مضار الدنيا والدين وارتدادكم كفّارا أسبق المضار لكم لأنهم يعلمون أن الدين أعزّ عليكم من أرواحكم وهذا من بديع التعبير.

.الفوائد:

وقد آن أن ننقل إليك خلاصة وافية للقصة التي نزلت السورة بسببها لما فيها من متعة وفائدة فقد روى الأئمة واللفظ لمسلم عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: بعثنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال: «ائتوا روضة خاخ- بالصرف وعدمه- موضع بينه وبين المدينة اثنا عشر ميلا- فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها» فانطلقنا نهادي خيلنا أي نسرعها فإذا نحن بامرأة فقلنا اخرجي الكتاب فقالت: ما معي كتاب فقلنا لتخرجنّ الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «يا حاطب ما هذا»؟ فقال: لا تعجل عليّ يا رسول اللّه إنّي كنت امرأ ملصقا في قريش- قال سفيان: كان حليفا لهم ولم يكن من أنفسها- وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام وقد علمت أن اللّه ينزل بهم بأسه وإن كتابي لا يغني عنهم شيئا وأنّ اللّه ناصرك عليهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق» فقال عمر: دعني يا رسول اللّه أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «إنه شهد بدرا وما يدريك لعلّ اللّه اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} الآية. قيل اسم المرأة سارة وهي مولاة لأبي عمرو بن صيفي بن هاشم.
نص الكتاب:
أما نص كتاب حاطب فهو (أما بعد فإن رسول اللّه قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل وأقسم باللّه لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره اللّه بكم ولأنجز له موعده فيكم فإن اللّه وليّه وناصره).
وذكر القشيري والثعلبي أن حاطب بن أبي بلتعة كان رجلا من أهل اليمن وكان في مكة حليف بني أسد بن عبد العزّى رهط الزبير بن العوّام وقيل كان حليفا للزبير بن العوّام فقدمت من مكة سارة إلى المدينة ورسول اللّه يتجهز لفتح مكة فقال لها رسول اللّه: «أمهاجرة جئت يا سارة»؟ فقالت: لا فقال: «أمسلمة جئت»؟ قالت: لا قال: «فما جاء بك»؟
قالت: كنتم الأهل والموالي والأصل والعشير وقد ذهب بعض الموالي يعني قتلوا يوم بدر وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني فقال عليه الصلاة والسلام: «فأين أنت من شباب مكة» وكانت مغنية قالت ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر، فحث رسول اللّه بني عبد المطلب على إعطائها فكسوها وحملوها وأعطوها فخرجت إلى مكة وأتاها حاطب فقال أعطيك عشرة دنانير وبردا على أن تبلغي هذا الكتاب إلى أهل مكة وكتب في الكتاب أن رسول اللّه يريدكم فخذوا حذركم إلى آخر القصة.