الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
فأما من قرأ: {السحر} بغير ألف استفهام قبله ف: {ما} في موضع رفع على الابتداء وهي بمعنى الذي وصلتها قوله: {جئتم به} والعائد الضمير في: {به} وخبرها: {السحر}، ويؤيد هذه القراءة والتأويل أن في مصحف ابن مسعود {ما جئتم به سحر}، وكذلك قرأها الأعمش وهي قراءة أبي بن كعب، {ما أتيتم به سحر}، والتعريف هنا في السحر أرتب لأنه قد تقدم منكرًا في قولهم: {إن هذا لسحر} [يونس: 76] فجاء هنا بلام العهد كما يقال في أول الرسالة، سلام عليك وفي آخرها والسلام عليك، ويجوز أن تكون: {ما} استفهامًا في موضع رفع بالابتداء و: {جئتم به} الخبر و: {السحر} خبر ابتداء تقديره هو السحر إن الله سيبطله، ووجه استفهامه هذا هو التقرير والتوبيخ، ويجوز أن تكون: {ما} في موضع نصب على معنى أي شيء جئتم و: {السحر} مرفوع على خبر الابتداء تقدير الكلام أي شيء جئتم به هو السحر،: {إن الله سيبطله}، وأما من قرأ الاستفهام والمد قبل: {السحر} ف: {ما} استفهام رفع بالابتداء و: {جئتم به} الخبر، وهذا على جهة التقدير، وقوله: {السحر} استفهام أيضًا كذلك، وهو بدل من الاستفهام الأول، ويجوز أن تكون: {ما} في موضع نصب بمضمر تفسيره: {جئتم به} تقديره أي شيء جئتم به السحر، وقوله: {إن الله سيبطله} إيجاب عن عدة من الله تعالى، وقوله: {إن الله لا يصلح عمل المفسدين}، يصح أن يكون من كلام موسى عليه السلام، ويصح أن يكون ابتداء خبر من الله تعالى، وقوله: {ويحق الله الحق} الآية، يحتمل أن يكون من كلام موسى عليه السلام، ويحتمل أن يكون من إخبار الله عز وجل، وكون ذلك كله من كلام موسى أقرب وهو الذي ذكر الطبري، وأما قوله: {بكلماته} فمعناه بكلماته السابقة الأزلية في الوعد بذلك، قال ابن سلام: {بكلماته} بقوله: لا تخف ومعنى: {ولو كره المجرمون} وإن كره المجرمون والمجرم: المجترم الراكب للخطر. اهـ.
بل ربما قال بعضهم: إنه لا يجوز ألبتة.وسمعت علي بن سليمان يقول: حدثني محمد بن يزيد قال حدثني المازنِيّ قال سمعت الأصمعيّ يقول: غيّر النحويون هذا البيت، وإنما الرواية: وسمعت عليّ بن سليمان يقول: حذف الفاء في المجازاة جائز.قال: والدليل على ذلك: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30].{وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم} قراءتان مشهورتان معروفتان.{إِنَّ الله لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المفسدين} يعني السحر.قال ابن عباس: من أخذ مضجعه من الليل ثم تلا هذه الآية.{مَا جِئْتُمْ بِهِ السحر إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ إِنَّ الله لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المفسدين} لم يضره كيد ساحر.ولا تكتب على مسحور إلا دفع الله عنه السحر.قوله تعالى: {وَيُحِقُّ الله الحق} أي يبيّنه ويوضحه.{بِكَلِمَاتِهِ} أي بكلامه وحججه وبراهينه.وقيل: بعداته بالنصر.{وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} من آل فرعون. اهـ.
يعني ما عليه الملوك من ذلك.وقال ابن الرقاع: وقال الأعمش: الكبرياء العظمة.وقال ابن زيد: العلو.وقال الضحاك أيضًا: الطاعة، والأرض هنا أرض مصر.وقرأ ابن مسعود، وإسماعيل، والحسن فيما زعم خارجة، وأبو عمرو، وعاصم: بخلاف عنهما، وتكون بالتاء لمجاز تأنيث الكبرياء، والجمهور بالياء لمراعاة اللفظ، والمعنى: أنهم قالوا مقصودك في ذكره إلينا بما جئت، هو أنْ ننتقل من دين آبائنا إلى ما تأمر به ونطيعك، ويكون لكما العلو والملك علينا بطاعتنا لك، فنصير أتباعًا لك تاركين دين آبائنا، وهذا مقصود لا نراه، فلا نصدقك فيما جئت به إذ غرضك إنما هو موافقتك على ما أنت عليه، واستعلاؤك علينا.فالسبب الأول هو التقليد، والثاني الجد في الرئاسة حتى لا تكونوا تبعًا.واقتضى هذان السببان اللذان توهموهما مقصودًا التصريح بانتفاء الإيمان الذي هو سبب لحصول السببين.ويجوز أن يقصدوا الذم بأنهما إنْ ملكا أرض مصر تكبرا وتجبرا كما قال القبطي: إن تريد إلا أن تكون جبارًا في الأرض.ولما ادعوا أنّ ما جاء به موسى هو سحر، أخذوا في معارضته بأنواع من السحر، ليظهر لسائر الناس أنّ ما أتى به موسى من باب السحر.والمخاطب بقوله: ائتوني، خدمة فرعون والمتصرفون بين يديه.وقرأ ابن مصرف، وابن وثاب، وعيسى، وحمزة، والكسائي: بكل سحار على المبالغة.وفي قوله: {ألقوا ما أنتم ملقون}، استطالة عليهم وعدم مبالاة بهم.وفي إيهام ما أنتم ملقون، تخسيس له وتقليل، وإعلام أنه لا شيء يلتفت إليه.قال أبو عبد الله الرازي: كيف أمرهم، فالكفر والسحر والأمر بالكفر كفر؟ قلنا: إنه عليه الصلاة والسلام أمرهم بإلقاء الحبال والعصى ليظهر للخلق أن ما ألقوا عمل فاسد وسعى باطل، لا على طريق أنه عليه السلام أمرهم بالسحر انتهى.وقرأ أبو عمرو، ومجاهد وأصحابه، وابن القعقاع: بهمزة الاستفهام في قوله: آلسحر ممدودة، وباقي السبعة والجمهور بهمزة الوصل، فعلى الاستفهام قالوا: يجوز أن تكون ما استفهامية مبتدأ، والسحر بدل منها.وأن تكون منصوبة بمضمر تفسيره جئتم به، والسحر خبر مبتدأ محذوف.ويجوز عندي في هذا الوجه أن تكون ما موصولة مبتدأة، وجملة الاستفهام خبر، إذ التقدير: أهو السحر، أو آلسحر هو، فهو الرباط كما تقول: الذي جاءك أزيد هو؟ وعلى همزة الوصل جاز أن نكون ما موصولة مبتدأة، والخبر السحر، ويدل عليه قراءة عبد الله والأعمش: سحر.وقراءة أبيّ ما أتيتم به سحر.ويجوز عندي أن تكون في هذا الوجه استفهامية في موضع رفع بالابتداء، أو في موضع نصب على الاشتغال، وهو استفهام على سبيل التحقير والتعليل لما جاءوا به، والسحر خير مبتدأ محذوف أي: هو السحر.قال ابن عطية: والتعريف هنا في السحر ارتب، لأنه قد تقدم منكرًا في قولهم: إن هذا لسحر، فجاء هنا بلام العهد كما يقال: أول الرسالة سلام عليك، وفي آخرها والسلام عليك انتهى.وهذا أخذه من الفراء.قال الفراء: وإنما قال السحر بالألف واللام، لأن النكرة إذا أعيدت أعيدت بالألف واللام، ولو قال له من رجل لم يقع في وهمه أنه يسأله عن الرجل الذي ذكر له انتهى.وما ذكره هنا في السحر ليس هو من باب تقدم النكرة، ثم أخبر عنها بعد ذلك، لأن شرط هذا أن يكون المعرّف بالألف واللام هو النكرة المتقدم، ولا يكون غيره كما قال تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولًا فعصى فرعون الرسول} وتقول: زارني رجل فأكرمت الرجل، ولما كان إياه جاز أن يأتي بالضمير بدله فتقول: فأكرمته.والسحر هنا ليس هو السحر الذي هو في قولهم: إن هذا لسحر، لأن الذي أخبروا عنه بأنه سحر هو ما ظهر على يدي موسى عليه السلام من معجزة العصا، والسحر الذي في قول موسى إنما هو سحرهم الذي جاؤوا به، فقد اختلف المدلولان وقالوا هم عن معجزة موسى وقال موسى عما جاؤوا به، ولذلك لا يجوز أن يأتي هنا بالضمير بدل السحر، فيكون عائدًا على قولهم السحر.والظاهر أنّ الجمل بعده من كلام موسى عليه السلام.وسيبطله يمحقه، بحيث يذهب أو يظهر بطلانه بإظهار المعجزة على الشعوذة.وقيل: هذه الجمل من كلام الله تعالى.ومعنى بكلماته، بقضاياه السابقة في وعده.وقال ابن سلام: بكلماته بقوله: {لا تخف إنك انت الأعلى} وقيل بكلماته بحججه وبراهينه وقرئ بكلمته على التوحيد أي بأمره ومشيئته. اهـ.
|