الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
زَادَ غَيْرُهُ: منْ فَوْق سَبْعَة أَرْقعَةٍ.فَأَتَى ثَابتُ بْنُ قَيْس بْن شَمَّاسٍ إلَى ابْن بَاطَا وَكَانَتْ لَهُ عنْدَهُ يَدٌ وَقَالَ: قَدْ اسْتَوْهَبْتُك منْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ ليَدك الَّتي لَك عنْدي.قَالَ: كَذَلكَ يَفْعَلُ الْكَريمُ بالْكَريم.ثُمَّ قَالَ: وَكَيْفَ يَعيشُ رَجُلٌ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا أَهْلَ؟ قَالَ: فَأَتَى ثَابتٌ إلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلكَ لَهُ فَأَعْطَاهُ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ.فَأَتَاهُ فَأَعْلَمَهُ ذَلكَ فَقَالَ: وَكَيْفَ يَعيشُ رَجُلٌ لَا مَالَ لَهُ فَأَتَى ثَابتٌ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فَطَلَبَهُ فَأَعْطَاهُ مَالَهُ.فَرَجَعَ إلَيْه فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: مَا فَعَلَ ابْنُ أَبي الْحُقَيْق الَّذي كَأَنَّ وَجْهَهُ مرْآةٌ صينيَّةٌ؟ قَالَ: قُتلَ.فَمَا فَعَلَ الْمَجْلسَان يَعْني بَني كَعْب بْن قُرَيْظَةَ وَبَني عَمْرو بْن قُرَيْظَةَ؟ قَالَ: قُتلُوا.قَالَ: فَمَا فَعَلَتْ الْقَيْنَتَان؟ قَالَ: قُتلَتَا.قَالَ: بَرئَتْ ذمَّتُك وَلَنْ أَصُبَّ فيهَا دَلْوًا أَبَدًا يَعْني النَّخْلَ فَأَلْحقْني بهمْ فَأَبَى أَنْ يَقْتُلَهُ وَقَتَلَهُ غَيْرُهُ.وَالْيَدُ الَّتي كَانَتْ لابْن بَاطَا عنْدَ ثَابتٍ أَنَّهُ أَسَرَهُ يَوْمَ بُعَاثٍ فَجَزَّ نَاصيَتَهُ وَأَطْلَقَهُ.وَكَذَلكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسم عَنْهُ.وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ حينَ تُوُفّيَ سَعْدٌ: نَخْشَى أَنْ نُغْلَبَ عَلَيْك كَمَا غُلبْنَا عَلَى حَنْظَلَةَ، قَالَ: وَكَانَ قَدْ أُصيبَ في أَكْحَله فَانْتَقَلَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ إلَيْه.وَكَانَتْ عَائشَةُ مَعَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَق وَذَكَرَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَاهَدُ ثَغْرَةً منْ الْجَبَل يُحَافظُ عَلَيْهَا ثُمَّ يُزْلفُهُ الْبَرْدُ ذَلكَ الْيَوْمَ فَيَأْتي فَيَضْطَجعُ في حجْري ثُمَّ يَقُومُ فَسَمعْت حسَّ رَجُلٍ عَلَيْه حَديدٌ وَقَدْ أَسْنَدَ في الْجَبَل فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبي وَقَّاصٍ جئْتُك لتَأْمُرَني بأَمْرك، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ يَبيتُ في تلْكَ الثَّغْرَة قَالَتْ عَائشَةُ: وَنَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ في حجْري حَتَّى سَمعْت غَطيطَهُ وَكَانَتْ عَائشَةُ لَا تَنْسَاهَا لسَعْدٍ قَالَ مَالكٌ: وَانْصَرَفَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ منْ آخر النَّهَار فَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جبْريلُ عَلَيْه السَّلَامُ قَالَ: أَوَضَعْت اللَّأْمَةَ أَوْ لَمْ تَضَعْهَا؟ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُك أَنْ تَخْرُجَ إلَى بَني قُرَيْظَةَ قَالَ ابْنُ الْقَاسم عَنْهُ: وَقَسَمَ قُرَيْظَةَ سُهْمَانًا فَأَمَّا النَّضيرُ فَقَسَمَهَا للْمُهَاجرينَ الْأَوَّلينَ وَلثَلَاثَة نَفَرٍ منْ الْأَنْصَار؛ وَهُمْ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَبُو دُجَانَةَ وَالْحَارثُ بْنُ الصّمَّة قَالَ مَالكٌ: وَكَانَتْ النَّضيرُ خَالصَةً لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ لَمْ يُوجفْ عَلَيْهَا بخَيْلٍ وَلَا ركَابٍ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالكٌ: وَسَمعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ الْمُسْلمينَ يَوْمَ الْخَنْدَق وَهُمْ يَرْتَجزُونَ: اللَّهُمَّ إلَّا خَيْرُ الْآخرَة فَاغْفرْ للْأَنْصَار وَالْمُهَاجرَة فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: لَا خَيْرَ إلَّا خَيْرُ الْآخرَة فَاغْفرْ للْمُهَاجرَة وَالْأَنْصَار. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّه.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشّعْرَ وَمَا يَنْبَغي لَهُ}.وَعَنْ ابْن الْقَاسم مثْلُهُ.وَقَالَ مَالكٌ: لَمْ يُسْتَشْهَدْ يَوْمَ الْخَنْدَق منْ الْمُسْلمينَ إلَّا أَرْبَعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ.قَالَ الْقَاضي: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: اسْتَشْهَدَ يَوْمَ الْخَنْدَق منْ الْمُسْلمينَ ستَّةُ نَفَرٍ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأَنَسُ بْنُ أَوْس بْن عَتيك بْن عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ سَهْلٍ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.وَمنْ بَني جُشَمَ بْن الْخَزْرَج ثُمَّ منْ بَني سَلَمَةَ: الطُّفَيْلُ بْنُ النُّعْمَان، وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنْمَةَ رَجُلَان منْ بَني سَلمَةَ، وَكَعْبُ بْنُ زَيْدٍ منْ بَني النَّجَّار.وَقُتلَ منْ الْكُفَّار ثَلَاثَةٌ: مُنَبّهَ بْنَ عُثْمَانَ بْن عُبَيْد بْن السَّبَّاق بْن عَبْد الدَّار، وَنَوْفَلَ بْنَ عَبْد اللَّه بْن الْمُغيرَة الْمَخْزُوميَّ وَكَانَ اقْتَحَمَ الْخَنْدَقَ فَتَوَرَّطَ فيه، فَقُتلَ.فَغَلَبَ الْمُسْلمُونَ عَلَى جَسَده، فَرُويَ عَنْ الزُّهْريّ أَنَّهُمْ أَعْطَوْا لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ في جَسَده عَشْرَةَ آلَاف درْهَمٍ، فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا بجَسَده وَلَا بثَمَنه، فَخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ.وَعَمْرُو بْنُ عَبْد وُدٍّ قَتَلَهُ عَليٌّ في الْمُبَارَزَة، اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسه فَعَقَرَهُ، وَضَرَبَ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَليٍّ فَتَنَازَلَا، فَغَلَبَهُ عَليُّ بْنُ أَبي طَالبٍ، وَقَالَ عَليُّ بْنُ أَبي طَالبٍ في ذَلكَ: نَصَرَ الْحجَارَةَ منْ سَفَاهَة رَأْيه وَنَصَرْت رَبَّ مُحَمَّدٍ بصَوَاب فَصَدَدْت حينَ تَرَكْته مُتَجَدّلًا كَالْجذْع بَيْنَ دَكَادكَ وَرَوَابي وَعَفَفْت عَنْ أَثْوَابه وَلَوْ أَنَّني كُنْت الْمُقَطّرَ بَزَّني أَثْوَابي لَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ خَاذلَ دينه وَنَبيَّهُ يَا مَعْشَرَ الْأَحْزَاب قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَسَمعْت مَالكًا يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَاريَّ وَعَبَّادَ بْنَ بَشيرٍ وَأَبَا عَبَّاسٍ الْحَارثيَّ وَرَجُلَيْن آخَرَيْن إلَى كَعْب بْن الْأَشْرَف الْيَهُوديّ ليَقْتُلُوهُ فَبَلَغَني أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه؛ أَتَأْذَنُ لَنَا أَنْ نَنَالَ منْك إذَا جئْنَاه، فَأَذنَ لَهُمْ فَخَرَجُوا نَحْوَهُ لَيْلًا فَلَمَّا جَاءُوا وَنَادَوْهُ ليَطْلُعَ إلَيْهمْ وَكَانَ بَيْنَ عَبَّاد بْن بَشيرٍ وَبَيْنَ ابْن الْأَشْرَف رَضَاعٌ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: لَا تَخْرُجْ إلَيْهمْ فَإنّي أَخَافُ عَلَيْك.فَقَالَ: وَاَللَّه لَوْ كُنْت نَائمًا مَا أَيْقَظُوني فَخَرَجَ إلَيْهمْ فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: جئْنَا لتُسْلفَنَا شَطْرَ وَسْقٍ منْ تَمْرٍ وَوَقَعُوا في النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَمَا وَاَللَّه لَقَدْ كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّا لَنَجدُ منْك ريحَ عَبيرٍ قَالَ: فَأَدْنَى إلَيْهمْ رَأْسَهُ وَقَالَ: شُمُّوا فَذَلكَ حينَ ابْتَدَرُوهُ فَقَتَلُوهُ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ تلْكَ اللَّيْلَةَ: إنّي لَأَجدُ ريحَ دَم كَافرٍ.الْمَسْأَلَةُ الثَّانيَةُ: رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالكٍ قَالَ: قَالَ عَمّي أَنَسُ بْنُ النَّضْر: سَمَّيْت به، لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ عَلَيْه، فَقَالَ: أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهدَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ غبْت عَنْهُ، أَمَا وَاَللَّه لَئنْ أَرَاني اللَّهُ مَشْهَدًا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فيمَا بَعْدَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ. قَالَ وَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا، فَشَهدَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ منْ الْعَام الْقَابل، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، أَيْنَ؟ قَالَ: وَاهَا لريح الْجَنَّة، إنّي أَجدُهَا منْ دُون أُحُدٍ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتلَ، فَوُجدَ في جَسَده بضْعٌ وَثَمَانُونَ جرَاحَةً بَيْنَ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ. قَالَتْ عَمَّتي الرُّبَيّعُ بنْتُ النَّضْر: فَمَا عَرَفْت أَخي إلَّا ببَنَانه، وَنَزَلَتْ هَذه الْآيَةُ: {رجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه فَمنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمنْهُمْ مَنْ يَنْتَظرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْديلًا}.وَكَذَلكَ رَوَى طَلْحَةُ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالُوا لأَعْرَابيٍّ جَاهلٍ: سَلْهُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ منْهُمْ وَكَانُوا لَا يَجْتَرئُونَ عَلَى مَسْأَلَته؛ يُوَقّرُونَهُ وَيَهَابُونَهُ فَسَأَلَهُ الْأَعْرَابيُّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ إنّي اطَّلَعْت منْ بَاب الْمَسْجد وَعَلَيَّ ثيَابٌ خُضْرٌ فَلَمَّا رَآني النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ: أَيْنَ السَّائلُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ؟ قَالَ الْأَعْرَابيُّ: هَا أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّه قَالَ: هَذَا ممَّنْ قَضَى نَحْبَهُ النَّحْبُ: النَّذْرُ.الْمَسْأَلَةُ الثَّالثَةُ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالكٌ: سَمعْت أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ كَانَ انْتَقَلَ إلَيْه سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الْخَنْدَق حينَ أَصَابَتْهُ الْجرَاحُ في خُصٍّ عنْدَهُ في الْمَسْجد، فَكَانَ فيه، وَكَانَ جُرْحُهُ يَنْفَجرُ، ثُمَّ يُفيقُ منْهُ، فَخَرَجَ منْهُ دَمٌ كَثيرٌ حَتَّى سَالَ في الْمَسْجد، فَمَاتَ منْهُ.وَبَلَغَني أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مَرَّ بعَائشَةَ رَضيَ اللَّهُ عَنْهَا وَنسَاءٌ مَعَهَا في الْأُطُم الَّذي يُقَالُ لَهُ فَارعٌ، وَعَلَيْه درْعٌ مُقَلَّصَةٌ، مُشَمّرَ الْكُمَّيْن، وَبه أَثَرُ صُفْرَةٍ وَهُوَ يَرْتَجزُ:
فَقَالَتْ عَائشَةُ: إنّي لَسْت أَخَافُ أَنْ يُصَابَ سَعْدٌ الْيَوْمَ إلَّا منْ أَطْرَافه، فَأُصيبَ في أَكْحَله.قَالَ الْقَاضي: فَرُويَ أَنَّ الَّذي أَصَابَهُ عَاصمُ بْنُ قَيْس بْن الْعَرْقَة، فَلَمَّا أَصَابَهُ قَالَ: خُذْهَا منّي وَأَنَا ابْنُ الْعَرْقَة.فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَك في النَّار، اللَّهُمَّ إنْ كُنْت أَبْقَيْت منْ حَرْب قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقني لَهَا، فَإنَّهُ لَا قَوْمَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ أُجَاهدَ منْ قَوْمٍ آذَوْا رَسُولَك وَكَذَّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْت وَضَعْت الْحَرْبَ بَيْني وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهُ شَهَادَةً لي، وَلَا تُميتني حَتَّى تُقرَّ عَيْني منْ بَني قُرَيْظَةَ.وَقَدْ رُويَ أَنَّ الَّذي أَصَابَهُ أَبُو أُسَامَةَ يَعْني الْجُشَميَّ؛ قَالَ في ذَلكَ شعْرًا لعكْرمَةَ بْن أَبي جَهْلٍ: أَعَكْرمُ هَلَّا لُمْتني إذْ تَقُولُ لي فدَاك بآطَام الْمَدينَة خَالدُ أَلَسْت الَّذي أَلْزَمْت سَعْدًا مَنيَّةً لَهَا بَيْنَ أَثْنَاء الْمَرَافق عَاقدُ قَضَى نَحْبَهُ منْهَا سَعيدٌ فَأَعْوَلَتْ عَلَيْه مَعَ الشَّمَط الْعَذَارَى النَّوَاهدُ وَأَنْتَ الَّذي دَافَعْت عَنْهُ وَقَدْ دَعَا عُبَيْدَةَ جَمْعًا منْهُمْ إذْ يُكَايدُ عَلَى حين مَا هُوَ جَائرٌ عَنْ طَريقه وَآخَرُ مَدْعُوٌّ عَلَى الْقَصْد قَاصدُ وَقَدْ رُويَ غَيْرُ ذَلكَ.وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسم عَنْ مَالكٍ، قَالَتْ عَائشَةُ: مَا رَأَيْت رَجُلًا أَجْمَلَ منْ سَعْد بْن مُعَاذٍ، حَاشَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فَأُصيبَ في أَكْحَله، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ حَرْبُ قُرَيْظَةَ لَمْ يَبْقَ منْهَا شَيْءٌ فَاقْبضْني إلَيْك، وَإنْ كَانَ قَدْ بَقيَتْ منْهَا بَقيَّةٌ فَأَبْقني حَتَّى أُجَاهدَ مَعَ رَسُولك أَعْدَاءَهُ.فَلَمَّا حَكَمَ في بَني قُرَيْظَةَ تُوُفّيَ، فَفَرحَ النَّاسُ بذَلكَ، وَقَالُوا: نَرْجُو أَنْ تَكُونَ قَدْ اُسْتُجيبَتْ دَعْوَتُهُ.قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَقَالَ مَالكٌ: وَقَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنّي كُنْت أُحبُّ أَنْ يَقْتُلَني قَوْمٌ بَعَثْت فيهمْ نَبيَّك فَكَذَّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ، فَإنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ الْحَرْبَ قَدْ بَقيَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَأَبْقني، وَإنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ منْهَا شَيْءٌ فَاقْبضْني إلَيْك.فَلَمَّا تُوُفّيَ سَعْدٌ تَبَاشَرَ أَصْحَابُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ بذَلكَ.وَقَالَ ابْنُ الْقَاسم: حَدَّثَني يَحْيَى بْنُ سَعيدٍ: لَقَدْ نَزَلَ بمَوْت سَعْد بْن مُعَاذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مَا نَزَلُوا الْأَرْضَ قَبْلَهَا.وَقَالَ مَالكٌ: قَوْلُهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} يَعْني في رُجُوعه منْ الْخَنْدَق.وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ: كَانَتْ وَقْعَةُ الْخَنْدَق في بَرْدٍ شَديدٍ وَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ الْخَنْدَق إلَى حين غَابَتْ الشَّمْسُ.وَقَالَ ابْنُ الْقَاسم عَنْهُ: لَمَّا انْصَرَفَ عَنْ الْخَنْدَق وَضَعَ السّلَاحَ وَلَا أَدْري اغْتَسَلَ أَمْ لَا، فَأَتَاهُ جبْريلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ؛ أَتَضَعُونَ اللَّأْمَةَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجُوا إلَى قُرَيْظَةَ؛ لَا تَضَعُوا السّلَاحَ حَتَّى تَخْرُجُوا إلَى بَني قُرَيْظَةَ.فَصَاحَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «أَلَّا يُصَلّيَ أَحَدٌ صَلَاةَ الْعَصْر إلَّا في بَني قُرَيْظَةَ».فَصَلَّى بَعْضُ النَّاس لفَوَات الْوَقْت، وَلَمْ يُصَلّ بَعْضٌ، حَتَّى لَحقُوا بَني قُرَيْظَةَ؛ اتّبَاعًا لقَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.فَهَذه الْآيَاتُ التّسْعَ عَشْرَةَ نَزَلْنَ في شَأْن الْأَحْزَاب بمَا انْدَرَجَ فيهَا منْ الْأَحْكَام ممَّا قَدْ بَيَّنَّاهُ في مَوْضعه، وَشَرَحْنَاهُ عنْدَ وُرُوده، فَلَمْ يَكُنْ لتَكْرَاره مَعْنًى، وَمَا خَرَجَ عَنْ ظَاهر الْقُرْآن فَهُوَ منْ الْحَديث يُشْرَحُ في مَوْضعه.وَقَدْ بَقيَتْ آيَةٌ وَاحدَةٌ، وَهيَ تَتمَّةُ عشْرينَ آيَةٍ نَزَلَتْ في الْأَحْزَاب وَهيَ قَوْلُهُ: {وَإذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذنُوهُ}. وَقَدْ بَيَّنَّاهَا هُنَالكَ.وَاَلَّذي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ بالاسْتئْذَان وَقَوْلُهُ: {إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} أَوْسُ بْنُ قَيْظيٍّ.وَاَلَّذينَ {عَاهَدُوا اللَّهَ منْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ} هُمْ بَنُو حَارثَةَ، وَبَنُو سَلَمَةَ، عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهمْ في أُحُدٍ، وَنَدمُوا، ثُمَّ عَادُوا في الْخَنْدَق.وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهمْ في غَزْوَة أُحُدٍ بقَوْله: {إذْ هَمَّتْ طَائفَتَان منْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاَللَّهُ وَليُّهُمَا}.قَالَ جَابرٌ: وَمَا وَددْت أَنَّهَا لَمْ تَنْزلْ لقَوْله: {وَاَللَّهُ وَليُّهُمَا}. اهـ.
|