الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وذكر أن بعضهم قال: أننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب؟ لئن مات محمد لأتزوجن فلانة.وقال ابن عباس وبعض الصحابة: وفلانة عائشة.وحكى مكي عن معمر أنه قال: هو طلحة بن عبيد الله.قال ابن عطية: وهذا عندى لا يصح على طلحة فإن الله عصمه منه.وفي التحرير أنه طلحة، فنزلت: {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا} فتاب وأعتق رقبة، وحمل على عشرة أبعرة في سبيل الله، وحج ماشيًا.وروي أن بعض المنافقين قال: حين تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم سلمة بعده، أي بعد سلمة، وحفصة بعد خنيس بن حذافة: ما بال محمد يتزوج نساءنا؟ والله لو قد مات لأجلنا السهام على نسائه.ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتدت العرب ثم رجعت، تزوج عكرمة ابن أبي جهل قتيلة بنت الأشعث بن قيس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد تزوجها ولم يبن بها.فصعب ذلك على أبي بكر وقلق، فقال له عمر: مهلًا يا خليفة رسول الله، إنها ليست من نسائه، إنه لم يبن بها، ولا أرخى عليها حجابًا، وقد أبانتها منه ردتها مع قومها.فسكن أبو بكر، وذهب عمر إلى أن لا يشهد جنازة زينب إلا ذو محرم عنها، مراعاة للحجاب، فدلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش في القبة، وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة، ومنعه عمر.وروي أنه صنع ذلك في جنازة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.{وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} عام في كل ما يتأذى به، {ولا أن تنكحوا} خاص بعد عام، لأن ذلك يكون أعظم الأذى، فحرم الله نكاح أزواجه بعد وفاته.{إن ذلكم} أي إذايته ونكاح أزواجه، {كان عند الله عظيمًا} وهذا من أعلام تعظيم الله لرسوله، وإيجابه حرمته حيًا وميتًا، وإعلامه بذلك مما طيب به نفسه، فإن نحو هذا مما يحدث به المرء نفسه.ومن الناس من تفرط غيرته على حرمته حتى يتمنى لها الموت، لئلا تنكح من بعده، وخصوصًا العرب، فإنهم أشد الناس غيرة.وحكى الزمخشري أن بعض الفتيان قبَّل جارية كان يحبها في حكاية قال: تصورًا لما عسى أن يتفق من بقائها بعده، وحصولها تحت يد غيره. انتهى.فقال لما عسى، فجعل عسى صلة للموصول، وقد كثر منه هذا وهو لا يجوز.وعن بعض الفقهاء، أن الزوج الثاني في هدير الثلث يجري مجرى العقوبة، فعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عملًا يلاحظ ذلك.{إن تبدوا شيئًا أو تخفوه} وعيد لما تقدم التعرض به في الآية ممن أشير إليه بقوله: {ذلكم أطهر} ومن أشير إليه: {وما كان لكم أن تؤذوا} فقيل: {إن تبدوا شيئًا} على ألسنتكم، {أو تخفوه} في صدوركم، مما يقع عليه العقاب، فالله يعلمه، فيجازي عليه.وقال: {شيئًا} ليدخل فيه ما يؤذيه، عليه السلام، من نكاحهن وغيره، وهو صالح لكل باد وخاف.وروي أنه لما نزلت آية الحجاب قال: الآباء والأبناء والأقارب، أو نحن يا رسول الله أيضًا، نكلمهن من وراء حجاب، فنزلت: {لا جناح عليهن} أي لا إثم عليهن.قال قتادة: في ترك الحجاب.وقال مجاهد: في وضع الجلباب وإبداء الزينة.وقال الشعبي: لم يذكر العم والخال، وإن كانا من المحارم، لئلا يصفا للأبناء، وليسوا من المحارم.وقد كره الشعبي وعكرمة أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها، وقيل: لأنهما يجريان مجرى الوالدين، وقد جاءت تسمية العم أبًا.وذكر هنا بعض المحارم، والجميع في سورة النور.ودخل في: {ولا نسائهن} الأمهات والأخوات وسائر القربات، ومن يتصل بهن من المتطرفات لهن.وقال ابن زيد وغيره: أراد جميع النساء المؤمنات، وتخصيص الإضافة إنما هي في الإيمان.وقال مجاهد: من أهل دينهن، وهو كقول ابن زيد.والظاهر من قوله: {أو ما ملكت أيمانهن} دخول العبيد والإماء دون ما ملك غيرهن.وقيل: مخصوص بالإماء، وقيل: جميع العبيد ممن في ملكهن أو ملك غيرهن.وقال النخعي: يباح لعبدها النظر إلى ما يواريه الدرع من ظاهر بدنها، وإذا كان للعبد المكاتب ما يؤدي، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب الحجاب دونه، وفعلته أم سلمة مع مكاتبها نبهان.{واتقين الله} أمر بالتقوى وخروج من الغيبة إلى الخطاب، أي واتقين الله فيما أمرتن به من الاحتجاب، وأنزل الله فيه الوحي من الاستتار، وكأن في الكلام جملة حذفت تقديره: اقتصرن على هذا، واتقين الله فيه أن تتعدينه إلى غيره.ثم توعد بقوله: {إن الله كان على كل شيء شهيدًا} من السر والعلن، وظاهر الحجاب وباطنه، وغير ذلك.{شهيدًا} لا تتفاوت الأحوال في علمه.وقرأ الجمهور: {وملائكته} نصبًا؛ وابن عباس، وعبد الوارث عن أبي عمرو: رفعًا.فعند الكوفيين غير الفراء هو عطف على موضع اسم إن، والفراء يشترط خفاء إعراب اسم إن.وعند البصريين هو على حذف الخبر، أي يصلي على النبي، وملائكته يصلون، وتقدم الكلام على كيفية اجتماع الصلاتين في قوله: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته}.فالضمير في {يصلون} عائد على {الله وملائكته} وقيل: في الكلام حذف، أي يصلي وملائكته يصلون، فرارًا من اشتراك الضمير، والظاهر وجوب الصلاة والسلام عليه، وقيل: سنة.إذا كانت الصلاة واجبة فقيل: كلما جرى ذكره قيل في كل مجلس مرة.وقد ورد في الحديث في الصلاة عليه، فضائل كثيرة.وروي أنه لما نزلت هذه الآية قال قوم من الصحابة: السلام عليك يا رسول الله عرفناه، فكيف نصلي عليك قال: «قولوا اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وارحم محمدًا وآل محمد، كما رحمت وباركت على إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد» وفي بعض الروايات زيادة ونقص.{إن الذين يؤذون الله ورسوله} قال ابن عباس: نزلت في الذين طعنوا عليه حين اتخذ صفية بنت حيي زوجًا. انتهى.والطعن في تأمير أسامة بن زيد: أن إيذاءه عليه السلام، وإيذاء الله والرسول فعل ما نهى الله ورسوله عنه من الكفر والمعاصي، وإنكار النبوة ومخالفة الشرع، وما يصيبون به الرسول من أنواع الأذى.ولا يتصور الأذى حقيقة في حق الله، فقيل: هو على حذف مضاف، أي يؤذون أولياء الله، وقيل: المراد يؤذون رسول الله، وقيل: في أذى الله، هو قول اليهود والنصارى والمشركين: {يد الله مغلولة} و{ثالث ثلاثة} و{المسيح ابن الله} و{الملائكة بنات الله} و{الأصنام شركاؤه}.وعن عكرمة: فعل أصحاب التصاوير الذين يزورون خلقًا مثل خلق الله، وقيل: في أذى رسول الله قولهم: ساحر شاعر كاهن مجنون، وقيل: كسر رباعيته وشج وجهه يوم أُحد.وأطلق إيذاء الله ورسوله على إيذاء المؤمنين بقوله: {بغير ما اكتسبوا} لأن إيذاءهما لا يكون إلا بغير حق، بخلاف إيذاء المؤمن، فقد يكون بحق.ومعنى {بغير ما اكتسبوا} بغير جناية واستحقاق أذى.وقال مقاتل: نزلت في ناس من المنافقين يؤذون عليًا، كرم الله وجهه، ويسمعونه؛ وقيل: في الذين أفكوا على عائشة.وقال الضحاك، والسدي، والكلبي: في زناة كانوا يتبعون النساء وهن كارهات؛ وقيل: في عمر، رأى من الريبة على جارية من جواري الأنصار ما كره، فضربها، فأذوي أهل عمر باللسان، فنزلت.قال ابن عباس: وروي أن عمر قال يومًا لأبيّ: قرأت البارحة {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات} ففزعت منها، وإني لأضربهم وأنهرهم، فقال له: لست منهم، إنما أنت معلم ومقوم. اهـ.
|