"القدر"
من صفات الله تعالى أنه الفعال لما يريد كما قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[ سورة هود، الآية: 107.]. فلا يخرج شيء عن إرادته وسلطانه، ولا يصدر شيء إلا بتقديره وتدبيره، بيده ملكوت السماوات والأرض، يهدي من يشاء برحمته ويضل من يشاء بحكمته، لا يسال عما يفعل لكمال حكمته، وسلطانه، وهم يسألون، لأنهم مربوبون محكومون.
والإيمان بالقدر واجب، وهو أحد أركان الإيمان الستة؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خير وشره) رواه مسلم وغيره [صحيح مسلم، كتاب الإيمان (8).]، وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه، ومره) [رواه الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (31، 32).]. فالخير والشر باعتبار العاقبة والحلاوة والمرارة باعتبار وقت إصابته. وخير القدر ما كان نافعًا وشره ما كان ضارًا أو مؤذيًا.
والخير والشر هو بالنسبة للمقدور وعاقبته، فإن منه ما يكون خيرًا كالطاعات، والصحة، والغنى، ومنه ما يكون شرًا كالمعاصي، والمرض، والفقر، أما بالنسبة لفعل الله فلا يقال: إنه شر لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دعاء القنوت الذي علمه الحسن بن علي (وقني شر ما قضيت) [رواه أبو داود، كتاب الوتر (1425)، والترمذي، كتاب الصلاة (464)، والنسائي، كتاب قيام الليل (1745).] ، فأضاف الشر إلى ما قضاه لا إلى قضائه.
والإيمان بالقدر لا يتم إلا بأربعة أمور [جمع بعضهم هذه الأربعة في بيت فقال:
علم كتابه مولانا مشيئته ** كذلك خلق وإيجاد تكوين]:
الأول: الإيمان بأن الله عالم كل ما يكون جملة وتفصيلًا بعلم سابق؛ لقوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[ سورة الحج، الآية: 70.].
الثاني: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}[ سورة الحديد، الآية: 22.]. أي تخلق الخليقة، ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إنه الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) رواه مسلم [صحيح مسلم، كتاب القدر (2653).].
الثالث: أنه لا يكون شيء في السماوات والأرض إلا بإرادة الله ومشيئته الدائرة بين الرحمة والحكمة، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وسلطانه، وهم يسألون، وما وقع من ذلك فإنه مطابق لعلمه السابق ولما كتبه في اللوح المحفوظ؛ لقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [ سورة القمر، الآية: 49.]. (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}[ سورة الأنعام، الآية: 125.]. فأثبت وقوع الهداية والضلال بإرادته.
الرابع: أن كل شيء في السماوات والأرض مخلوق لله تعالى، لا خالق غيره ولا رب سواه؛ لقوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[ سورة الفرقان، الآية: 2.]. وقال على لسان إبراهيم: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [ سورة الصافات، الآية: 96.].